الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسرحية من فصل واحد البروفة

طلال حسن عبد الرحمن

2022 / 6 / 22
الادب والفن


مسرحية من فصل واحد








البروفة








طلال حسن



على خشبة المسرح ، يقف
المخرج والناقد والممثل ومدير
المسرح ، وبعض الممثلين

المخرج : " للناقد " دعنا من هذا الآن " لمدير
المسرح " هل الجميع هنا ؟ لم يبقَ
للعرض سوى ثلاثة أسابيع ، ونحن
مازلنا نراوح في مكاننا " يصيح
بانفعال " تكلم ..
المدير : أعتقد ..
المخرج : تعتقد ! أنت تعمل في المسرح ، منذ ربع
قرن ، ومع هذا لم تتعلم سوى هذه الكلمة
" يصيح " هل حضر الجميع ؟ أخبرني
، ولكن لا تقل لي ، أعتقد .
المدير : اعتق .. أعني ، نعم .
المخرج : " للممثلين " هيا ، تهيئوا ، يجب أن
نبدأ.
المدير : أستاذ ..
المخرج : نعم ، ماذا تعتقد هذه المرة ؟
المدير : اوفيليا .
المخرج : " يمثل " أيتها الآلهة ، يا آلهة الجحيم
والنقمة ، أليس في السماء حجارة ؟
الناقد : " باشمئزاز " شكسبير .
المدير : ماذا نفعل ؟
المخرج : أخبرني أنت ، ماذا أفعل ؟ هل أدعو
أمي لتؤدي هذا الدور ؟
المدير : وتلك الفتاة الجامعية .. ؟
المخرج : إنني أفضل أمي .
الناقد : لا أدري لماذا تصرّ على إخراج هذه
المسرحية ـ الرواية .
المخرج : لأنها في رأيي مسرحية .
الناقد : إنها ليست مسرحية ، فهي تتنافى مع
أبسط مبادىء الدراما .
المخرج : الأرسطية .
الناقد : نعم ، الأرسطية .
المخرج : أوه .
الناقد : المسرحية بكلمة .. محاكاة .
المخرج : قل هذا لببغاواتك في المعهد .
الناقد : أخبرني ، ماذا تحاكي مسرحيتك ـ
الرواية هذه ؟
المخرج : إنها تحاكي الإنسان ، تحاكيه بكل
معاناته وشكوكه وعذاباته .
الناقد : ضلال ،المحاكاة تعني محاكاة الواقع ،
إنّ الدراما صورة من الواقع .
المخرج : لكن هذا قتل للإبداع والخلق ، الدراما
الحية تنبع من أعماق الإنسان ، إنّ أبسط
الفنانين الفطريين يعرف هذه الحقيقة .
الناقد : لا أرسطية ، مروق ..
المخرج : هذا رأيي .
الناقد : بلا شك ، فأنت مجرد مخرج .
الممثل : أرجوكم ، أرجئوا النقاش الآن ، إنّ
الوقت يمضي ، ومن الأفضل أن نبدأ
البروفة .
المخرج : " للناقد " للمرة الأخيرة ، أرجوك ، لا
تلهني عن عملي " للممثلين " هيا ،
لنبدأ ، أين هوراشيو ؟
المدير : " يتلفت حوله " أعتقد ..
المخرج : تعتقد .. ؟
المدير : يبدو أنه لم يأتِ بعد .
المخرج : وربما لن يأتي .
المدير : لم أكن البارحة معه .
المخرج : لقد فاتك إذن ، أن تصغي إلى أمجاده
الماضية ، التي يغرقها الخمر .

ضجة ، يدخل المراسل والفراش ،
معهما شاب نحيل ، له لحية
لا تناسب وجهه

الفراش : ممنوع يا أستاذ ، ممنوع .
المراسل : دعني .
الفراش : ممنوع الدخول أثناء البروفة .
المراسل : نعم ، لو كنت شخصاً عادياً .
المخرج : هذا الشخص غير العادي ، من يكون ؟
المدير : إنه مراسل مجلة الفن .
المخرج : سأقتله إذا سألني عن معوقات الحركة
المسرحية .
الفراش : يا أستاذ ، أرجوك ، ممنوع .
المدير : دعه .
المراسل : جاهل أمي " للجميع " عمتم مساء
لا أحد يرد ، للمخرج " عمت مساء " لا
يرد " أستاذي ، نحن نتابع باهتمام
نجاحاتكم العظيمة في ميدان المسرح ،
إنني أقول دائماً إنّ وراء كل عمل ناجح
، نص ناجح ، ومخرج ناجح ، وممثل
جديد .. ناجح .
الممثل : " بسخرية " اكتشاف عظيم .
الناقد : باعتبارك مراسل مجلة فنية ، هل تعتبر
هملت نصاً ناجحاً ؟
المراسل : هملت ، إنه نص عملاق .
الناقد : واضح ، إنّ جميع الأقزام يرون الذين
يطاولونهم عمالقة .
المراسل : أما العميان ، فلا يرون حتى الجبال .
الناقد : هل أنا أعمى ؟
المراسل : وهل أنا قزم ؟
المخرج : " للناقد " دعنا نعمل ، أرجوك ،
تفضل بالجلوس " للمراسل " وأنت
تفضل هنا.
المراسل : أستاذي ، أرجو أن تتحدث إلى قرائنا
عن..
المخرج : ليس الآن .
المراسل : لن أثقل عليك ، ما هو رأيك في .. ؟
المخرج : اجلس ، دعنا ننتهي من البروفة أولاً .
المراسل : ولكن لا أكثر من ..
المخرج : قلتُ لك أجلس .
المراسل : حاضر .

يجلس المراس بجانب الناقد ،
الشاب يجلس بجانب المراسل

المخرج : " للممثلين " هيا ، دعونا نبدأ البروفة.
الممثل : بأي مشهد نبدأ ؟
المخرج : مشهد الشبح .
الممثل : لكن هوراشيو لم يأتِ بعد .
المخرج : لعنة الله على هوراشيو " للممثلين " من
منكم يحفظ هذا الدور ؟ " لا أحد يجيب
" أليس بينكم من يحفظ هذا الدول ؟
الشاب : " ينهض بتردد " أنا .
المخرج : من ؟
الشاب : " بصوت أعلى " أنا .. أنا .
المخرج : " يحدق فيه " من أنت ؟
المراسل : " يهب من مكانه " عفواً ، لقد فاتني ،
للأسف ، أن أقدمه لكم ، إنه فنان مبدع
، لقد شاهدته في اوبريت القروش
العشرة ، عفواً .. الثلاثة ، وقد أذهلني
أداؤه ، وأنا أعد عنه الآن بحثاً مطولاً
من ..
المخرج : يخيل إليّ أني رأيتك من قبل .
الشاب : لا أعتقد ، يا سيدي .
المخرج : أنت تذكرني بشاب دعي ، تقدم قبل أيام
ليمثل دور البديل لهوراشيو ، لكنه كان
عاطلاً من المواهب ، فطردته .
الشاب : لستُ هو بالتأكيد ، هل تود أن أمثل دور
هوراشيو أمامك الآن ؟
المخرج : هل تحفظ الدور ؟
الشاب : نعم ، إنني مغرم بشكسبير .
الناقد :يبدو أن جميع الحمقى مغرمون
بشكسبير هذه الأيام .
المخرج : من الأفضل أن تسكت " للممثلين "
هيا.
الممثل : هل نبدأ ؟
المخرج : نعم " للشاب " مثل معه .

الشاب يسرع ، لكنه يتعثر ،
ويكاد يسقط ، المخرج يرمقه بضيق

الشاب : " بارتباك " عفواً .
المخرج : " للممثلين " المشهد كما تعرفون ،
أفريز على سطح القلعة ، هملت
وهوراشيو ومارسيلاس ، تسللوا في
منتصف الليل إلى هذا المكان ،الجو
بارد ، والهواء قاطع نفاذ ، وهملت
يتطلع إلى لقاء طيف أبيه ، هل المشهد
واضح ؟
هملت : نعم .
مارسيلاس : واضح .
المخرج : هيا إذن .

هملت وهوراشيو ومارسيلاس ،
يتقدمون ، هملت يتلفت حوله

هملت : ما أشدّ لذع الهواء ، برد قارص .
هوراشيو : " بصوت مرتفع " إنّ الهواء قاطع نفاذ.
المخرج : لا ترفع صوتك هكذا ، يجب أن تدرك
أنّ مهمتك بالغة السرية " يحدق فيه "
لا أدري أين سمعتُ صوتك ؟
هوراشيو : هنا ، قبل قليل .
المخرج : ابدأوا المشهد ثانية " للشاب " تذكر ، لا
ترفع صوتك .
هوراشيو : حاضر .
المخرج : هيا .


هملت وهوراشيو ومارسيلاس ،
يتقدمون إلى وسط المسرح

هملت : ما أشدّ لذع الهواء ، برد قارص .
هوراشيو : " بصوت أنثوي " إنّ الهواء قاطع نافذ المخرج : " يدنو منه " ماذا تفعل بربك ؟ لقد
بدأت تخلط ، أهكذا يُجسد النصّ ؟ أنت
تقول ، إنّ الهواء قاطع نفاذ ، فأين
إحساسك بالجو ؟ أين تعبيرك عنه ؟ كيف
سيحس الجمهور بأنّ الهواء قاطع نفاذ ؟
كان عليك أن ترتعش ، لترتعش يداك ،
ليرتعش جسدك ، لترتعش لحيتك على
الأقل ..
هوراشيو : " بخوف " حاضر .
المخرج : الهواء قاطع ، نفاذ ، فدع لحيتك هذه
ترتعش كالراية ، هكذا ..

المخرج يمد يده إلى لحية
الشاب ، فيسقط الشعر بين يديه

المخرج : ما هذا ؟
الشاب : " يتلجلج " أ .. أستاذ ..
المراسل : لقد ضاع كل شيء .
المخرج : " للمراسل " في أية مسرحية شاهدته ،
يا أستاذ ؟
المراسل : أبريت الدنانير .. عفواً ..
المخرج : لبرخت .
المراسل : لقد ضاعت .
الناقد : أدركتُ منذ البداية أنه مزيف كالآخرين.
المراسل : أعطه فرصة .
المخرج : أسكت أنت .
الشاب : فرصة أخرى .
المخرج : لقد أعطيتها لك مرة .
الشاب : مرة أخيرة .
المخرج : لا يمكن .
الشاب : أرجوك .
المخرج : مستحيل .
الشاب : إنني أحفظ شكسبير عن ظهر قلب .
المخرج : لقد رأيتُ ادعاءك .
الشاب : أصغ ِ إلى هذا المقطع من عطيل "
يحدج المخرج بغضب " ويحك أيها
الشقي المؤذي ، كيف وجد بيدك ذلك
المنديل ، الذي كان لامرأتي ، يا كاسيو.
المخرج : " يشيح عنه " دعي ، فاشل .
الشاب : أصغ ِ إلى هذا المقطع من روميو
وجوليت " ينظر إلى المخرج بحنان "
إنّ رغبتي في البقاء للأشدّ من حرصي
على الرحيل ، أقبل يا موت ، حبذا أنت
من مقبل ، فكذلك تريد جوليت ، ماذا
تقولين ، يا روحي ؟
المخرج : امض ِ من هنا .
الشاب : أهو صوت القبرة ، مؤذن الصباح ، أم
صوت البلبل ؟
المخرج : قلتُ لك ، امض ِ .
الناقد : إنه صوت الغراب ، يا صاحبي .
المخرج : " يحدج الناقد " ببغاء .
الشاب : أصغوا إلى هذا المقطع من هملت ، وإذا
لم يرق لكم فسوف أمضي ، لكنكم
ستكونون مسؤولين أمام التاريخ ،
والأجيال القادمة عن ضياع موهبتي .
الناقد : " مستنكراً " ماذا !
الشاب : قل لي ، يا مولاي .
الناقد : هل أنت مجنون ؟
الشاب : ساعدني على أداء الدور ، عندما أقول ،
أ أنت ِ عفيفة ؟ قل لي ، مولاي "يمثل"
آها آها ، أ أنت يدنو من الناقد " آها ..
آها ، اأنتِ عفيفة ؟ " الناقد لا يجيب "
أرجوك ، أ أنتِ عفيفة ؟
الناقد : " بصوت جاف " مولاي .
الشاب : كلا ، ليس هكذا ، اوفيليا فتاة رقيقة جداً
، فيجب أن تقول ، مولاي ، برقة وخفر ،
هكذا " يمثل " مولاي " المخرج
ينتبه" هيا نؤدي الدور ثانية " يمثل " آها
آها ، أ أنتِ عفيفة ؟
الناقد : " بجفاء " مولاي .
الشاب : كلا ، بأنوثة ، هكذا " يمثل " مولاي .
الناقد : " بأنوثة مفتعلة " مولاي .
الشاب : ليس هكذا .
المخرج : " يهمس للشاب " أ أنتِ عفيفة ؟
الشاب : " بعفوية وأسى " مولاي .
المخرج : " يصيح " وجدتها .

الجميع ينظرون إلى المخرج
الذي يمسك الشاب من كتفيه

المخرج : اوفيليا
الشاب : مولاي .
المخرج : " بفرح " اوفيليا .
الشاب : أنا !
المخرج : نعم .
الشاب : كلا .
المخرج : أنت أصلح إنسان للدور .
الشاب : لكني رجل .
المخرج : لقد لعب هذا الدور رجل ، في عهد
شكسبير نفسه .
الممثل : التاريخ يعيد نفسه .
المراسل : " للشاب " وافق ، يا عزيزي ، ودعني
أتمتع بأوبرا الدنانير العشرة .
المخرج : أرجوك .
الشاب : مستحيل .
المخرج : لا تخيب رجائي .
الشاب : أي دور عدا اوفيليا .
المخرج :لكنك تريد أن تبدأ .
الشاب : لن أضحي برجولتي كي أبدأ .
الناقد :هذه رواسب إقطاعية ، وخجل برجوازي
كاذب .
الشاب : إنّ أمي وخطيبتي وأصدقائي سيرون
المسرحية ، لقد قلتُ لامي بأني
سأضطلع بدور هملت ، أو عطيل ، أو
الملك لير ، أو بدور ياجو على الأقل ،
لكن ..
المخرج : " يبتسم مشجعاً " اوفيليا .
الشاب : " لا يجيب " ....
المخرج : أ أنتِ موافقه ؟
الشاب : " يمثل " مولاي .

الشاب يطرق في رضا ،
المخرج يشد على كتفيه فرحاً

ستار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر


.. فتاة السيرك تروى لحظات الرعـــب أثناء سقوطها و هى تؤدى فقرته




.. بشرى من مهرجان مالمو للسينما العربية بعد تكريم خيري بشارة: ع


.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 22 أبريل 202




.. عوام في بحر الكلام - لقاء مع ليالي ابنة الشاعر الغنائي محمد