الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سالم خلة: قائد في العشرين وطفل في السبعين

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2022 / 6 / 22
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


نهاد أبو غوش
خلال عقود صراعِنا ومسيرة نضالنا الطويلة ضد الاحتلال والاستيطان، نمر بحالات من المدّ والجزر، والصعود والهبوط، والتقدم والتراجع. فمع أن شعبنا يجترح في كل مرحلة معجزات كفاحية مبهرة، ويقدم تضحيات هائلة، ويظهر استعدادات لا نظير لها للبذل والفداء، فترتفع معنوياتنا جميعا إلى عنان السماء كما جرى في عديد المحطات. لكن أوضاعنا تعود فجأة بعد ذلك للانتكاس، ليس بسبب شدة الهجوم الاستعماري ووحشية الاحتلال، فذلك ما تعوّدنا عليه وألِفناه واستطعنا التصدي له، ولكن الانتكاسَ يعود في الغالب إلى الانقسام وسوء الأداء القيادي وغلبة الحسابات الفئوية والذاتية على المصلحة العامة، في هذه الأوقات العصيبة، وحين تضطرب الأمور، وتتشوّش البوصلة، نستذكر نمطا من القادة والمناضلين الذين نحتاج لهم ونحتاج إلى رأيِهم وحكمتِهم ونَفَسهِم، فنَفَسُ الرجال يحيي الرجال كما يقول مثلنا الشعبي، من هؤلاء الذين نفتقدهم في المَلمّات واللحظات الصعبة الرفيق المناضل، والقائد الإنسان سالم خلة ( أبو زياد).
ما هو سرّ هؤلاء الأشخاص الذين نفتقدهم في ليالينا الظلماء إذا ما جَدَّ جَدُّنا؟ لا شك أن لدى كل منهم ما يضيفه من مهارات قيادية وفكرية وتنظيمية فيصنع فارقا في بيئتِه ومحيطِه، لكن العامل الأهمَّ في رأيي يكمن في سجاياهم الأخلاقية، وتحديدا في النزاهة والاستقامة والتجرُّد، هذه الصفات التي تجعل رأيَهم مُنزّها عن الأغراض الذاتية والفئوية، مشدودا للمصلحة الوطنية العليا، ولذك مَثَّل أبو زياد بالنسبة لكثيرين، وأنا منهم، مسطرة أخلاقية في تغليب العام على الخاص والوطني على الفئوي.
كانت لي صلة شخصية وتنظيمية بالرفيق أبو زياد، حين كان في أمانة سر اللجنة المركزية متابعا للأرض المحتلة، وكنت أمينا لإقليم غزة بين العامين 1994 و1996، وكانت لنا اتصالات يومية مشفّرة، وحين أذهب إلى دمشق كان يصر على استقبالي واستضافتي في منزله، فيضفي لمسة إنسانية ملؤها المودّة والحرص على العلاقات التنظيمية التي تكون جافة ورسمية مع آخرين، واستمرت علاقاتنا الشخصية بعد عودته إلى الوطن، ظل الود والاحترام قائمين على الرغم من افتراق خطواتنا أحيانا، والتقائنا في أحيان أخرى كما في تجربة حراك "وطنيون لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة"، فنعجب كل العجب:ر لماذا تفترق خطواتنا نحن ومن كان مثلنا على الرغم من اتفاقنا على أشياء كثيرة جدا؟.
لم تكن تعوزه المعرفة النظرية والتكوين الأيديولوجي لكي يفلسف الأمور وينظّر لها، فهو من جيل تشكل وعيُه في معمعان السجال والجدل والمعارك الفكرية، وأتيحت له عضوية أعلى الهيئات فضلا عن الدورات والمواقع ما ساهم في صقل وعيه والارتقاء بمداركه، لكنه كان يرى أبعد من ذلك وأعمق، وكان قادرا على أن ينفذ إلى جوهر الأشياء فيلخّص الحقائق في معادلات واضحة وبسيطة اقرب إلى السهل الممتنع من قبيل: الانقسام جريمة، الاحتلال زائل لا محالة، الشهداء سيعودون إلى حضن الأرض.
ينتمي ابو زياد إلى جيل المناضلين الذين أسسوا الثورة الفلسطينية ومؤسساتها، وانتزعوا اعتراف شعبهم والعالم أجمع بها، وابو زياد هو من طراز المناضلين اليساريين الثوريين الذين كانوا يتقنون مجموعة من المهارات في الوقت نفسه: العمل التنظيمي والإداري، والعمل الجماهيري والنقابي، والتثقيف والإعلام، العمل العسكري، التمثيل السياسي والدبلوماسي، والعمل المؤسسي، وكنت أعجب من هذه الخاصية التي تذكرنا بالثوار البلاشفة وأتساءل: هل كانت الأطر التنظيمية والتجربة النضالية تربي المناضلين وتدربهم على هذه المهارات؟ ربما كان ذلك صحيحا لكن اكتسابها وإتقانها يبقى أمرا فرديا، ولكن تجدر الإشارة هنا إلى أن الثورة وفصائل اليسار بشكل خاص كانت تستقطب الحالات الريادية والطليعية والمتميزة في المجتمع، وهؤلاء لو كانت حياة مجتمعنا طبيعية، فعلى الأرجح أنهم كانوا سيبدعون في حقول أخرى مثل العلوم والآداب ومجال الأعمال ومختلف مجالات الإبداع الإنساني.
إلى كل ما سبق، ثمة ميزة استثنائية للرفيق سالم خلة (أبو زياد) هي حرارته ومشاعره المتدفقة في كل ما يعمل. لم يكن "ماكينة للعمل" أو "رجلا آليا" يفعل ما يطلب منه أو ما هو متوقع منه بحكم الوظيفة، بل كان يسكب عواطفه وذَوْبَ قَلبِه في كل ما يفعل، شهما غيورا حسّاسا ومرهفا، ينفعل ويغضَبُ لما يُغْضِبُ، ويَفرحُ لما يُفرح، ويَحزَن لما يُحزِن، ويضحك حتى القهقهة لما يُضْحِك، محبّا للحياة وغير هيّاب ولا وَجِلٍ من الموت، صحيح أن ( أبو زياد) كان قائدا شجاعا قبل ان يصل العشرين من عمره لكن قلبه ظل طافحا بالحب كطفل في السبعين من عمره.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس


.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم




.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟


.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة




.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا