الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءاة نقدية لدراسة عن تحولات بناء السلطة التقليدية في المجتمع العُماني - ولاية الدقم نموذجا-

حسين سالم مرجين
(Hussein Salem Mrgin)

2022 / 6 / 24
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


صدر عن حوليات الآداب والعلوم الاجتماعية التي تصدر عن مجلس النشر العلمي بدولة الكويت دراسة بعنوان " تحولات بناء السلطة التقليدية في المجتمع العماني " ولاية الدفم نموذجا"، سنة (2021)، والدراسة للأستاذ الدكتور منير كرادشة – والأستاذة شيخة المديلوية. حيث تقع في حوالي (150) صفحة، كما قسمت الدراسة إلى خمسة فصول رئيسة . والهدف من هذه القراءة التعريف ومناقشة نتائج الدراسة المذكورة، كون موضوعها في غاية الأهمية، وهو السعي لدراسة والكشف عن تحولات بناء السلطة التقليدية في البناء الاجتماعي في المجتمعات العربية، حيث كان المجتمع العُماني بولاية الدقم نموذجًا لهذه الدراسة، فموضوع الدراسة يتحدث عن سلطة ( الأب – وشيخ القبيلة ) اللتان لا تزالان لهما مكانة بارزة ومهمة في بعض المجتمعات العربية، حيث لا يزال لهما مسؤوليات ووظائف وممارسات محددة، كما أن القبيلة أوالفكر القبلي لا يزالان يُشكلان بنية العقل في تلك المجتمعات بالرغم من التحولات والتغييرات الكبيرة الحاصلة في تلك المجتمعات.
وتمت عملية قراءة هذه الدراسة من خلال تدوين بعض الملاحظات والاستنتاجات، والتي لا تقلل من أهمية وقيمة الدراسة، إنما بذلك نؤكد مقولة بأنه لا توجد قراءات حاسمة ونهائية في العلوم الاجتماعية والإنسانية، فهي خاضعة دائما للمراجعة والتطوير.
 قبل الولوج إلى رصد أهم الملاحظات والاستنتاجات أود توضيح للقارئ بأن الخطوات المتبعة في هذه القراءة التقييمية، هي:
1. قراءة تقييمية للمنهجية المتبعة ورصد أهم نتائج وتوصيات الدراسة ،
2. تدوين أهم الملاحظات والاستنتاجات حول موضوع الدراسة .
أولا : توضيح أهم نتائج وتوصيات الدراسة
قامت الدراسة على المسح الشامل لجميع الأسر القاطنة في ولاية الدقم والبالغ عددها (737) أسرة، والتي توزعت على (23) قرية، وذلك باستخدام أداة الأستبانة، في حين كانت الحدود الزمانية للدراسة خلال الفترة من سبتمبر 2016م إلى مايو 2018م، وعمدت الدراسة إلى الاستعانة بمجموعة من الأساليب الإحصائية بالاستناد إلى برنامج الحزم الإحصائية المتعارف عليه في العلوم الاجتماعية (spss) وذلك بغية معالجة بيانات الدراسة وتحليلها، ومن أهم تلك الأساليب، هي :
• أساليب التحليل الوصفي البسيطة والمتمثلة في التوزيعات النسبية والتكراراية والمتوسطات،
• أساليب التحليل الإحصائي الثنائي والتي تمثلت في نموذج تحليل الجداول المتقاطعة،
• نموذج التحليل متعدد المتغيرات الذي يركز على كشف وتبيان أثر العاومل الاجتنماعية والاقتصادية والديمغرافية مجتمعة في ملامح التغير في نمط السلطة التقليدية.
كما حددت الدراسة المذكورة الهدف الرئيس منها في التعرف على طبيعة التحولات التي طرات على واقع بنيوية السطلة التقليدية بولاية الدقم بسلطة عُمان في ظل التغييرات التنموية الكبيرة التي شهدتها الولاية، بالتالي تسعى الدراسة إلى الكشف عن تأثير تلك التحولات على واقع السلطة التقليدية سواء السلطة الأبوية أو سلطة شيخ القبيلة، فضلا عن التعرف على أثر المتغيرات الديمغرافية والاجتماعية والاقتصادية في تحديد ملامح السلطة التقليدية ( سلطة الأب – وشيخ القبيلة)، وأخيرأ الكشف عن المتغيرات المؤثرة في تحديد ملامح السلطة التقليدية.
وجاء الإطار النظري للدراسة يتضمن عدد كبير من الدراسات السابقة ذات العلاقة بالموضوع، حيث تم تقسيم تلك الدراسات إلى قسمين هما :
• دراسات ذات علاقة بالسلطة الأبوية
• دراسات ذات علاقة بسلطة الشيخ
وبينت الدراسة بأن جل الدراسات السابقة تعرضت لموضوع السلطة التقليدية ( سلطة الأب – وشيخ القبيلة) ضمن معالجات عامة أو جزئية، لكن ما يميز هذه الدراسة هو تركيزها على معاينة جوانب محددة وذات علاقة دقيقة يتعلق بالتحولات على واقع السلطة التقليدية سواء السلطة الأبوية أو سلطة شيخ القبيلة.
وقد توصلت الدراسة إلى عدد من النتائج والتوصيات المهمة خاصة فيما يتعلق بالسلطة التقليدية ( سلطة الأب – وشيخ القبيلة)، حيث يمكن حصرها في عدد من النقاط ،وهي :
• إن أغلب أفراد مجتمع الدراسة هم من الذكور ونسبة 61.2% بالمقابل شكلت نسبة الإناث 38.7% من حجم مجتمع الدراسة، وهذا يعني بروز وجهات نظر وأفكار ممثلة لشريحة الذكور.
• بالنسبة إلى التراكيب العمرية لأفراد الدراسة بينت النتائج أن هناك تركزا على الفئة العمرية من (15- 64) ونسبة 91.7% وهي الفئة النشطة اقتصاديا في الأدبيات الاقتصادية.
• بخصوص المستويات التعليمية لأرباب الأسر من الذكور كشفت النتائج وجود انخفاض في مستوى التعليم؛ إذ تبين أن أغلبهم من الأميين ونسبة تصل إلى 39.1% .
• كما بينت نتائج الدراسة أن أغلبية العاملين من أرباب الأسر من الذكور يعملون في القطاع الحكومي ونسبة 26.6% .
• يلوح شبه اجماع من أفراد المجتمع نحو تراجع عام في سلطة شيخ القبيلة حيث كشفت النتائج بأن أكثر من نصف المبحوثين 65.0% أكدوا تراجع سلطة شيخ القبيلة، كما وضحت النتائج أيضا وفي السياق نفسه بأن 69.6% من المبحوثين يرون أن ولاءاتهم للقبيلة قد تراجعت، إلا أنه لا يزال يشكل ثقلا اجتماعيا لدي بعض الشرائح الاجتماعية، وتفسير هذا التراجع هو نتاج لعمليات التنمية والتحديث والدخول السريع والمكثف للتقنيات المتقدمة.
• أن من يحكم سلوك الأفراد هو الأعراف والعادات والتقاليد أكثر من القانون الرسمي، حيث جاءت نتائج الدراسة تبين بأن 67.2% من مجتمع الدراسة ما زالوا يحتكمون إلى الأعراف في تسيير شؤون حياتهم اليومية.
• أكدت الدراسة إن سلطة الآباء مازالت قوية حيث بلغت 73.5% ، إلا أن هناك نسبة 11.5% بينت وجود تغيرات اجتماعية مهمة في ملامح البناء الاجتماعي خاصة فيما يتعلق بسلطة الأب داخل نطاق أسرته، خاصة من قبل الأفراد الذين يتمتعون بمستويات دخل مرتفعة.
• بينت الدراسة وجود تغيرات اجتماعية وثقافية مهمة بدأت تأخذ مكانا لها بين سكان ولاية الدقم، نتيجة للتحولات والتغيرات الاقتصادية والثقافية والتكنولوجية منها وجود مكثف للشركات، فضلا عن وجود عدد كبير من العمالة الوافدة.
ثانيا : تدوين أهم الملاحظات والاستنتاجات.
أود التأكيد بأن الملاحظات والاستنتاجات لن تقلل من قيمة الدراسة، فالملاحظات المطروحة لا تعني ضرورة العمل بها أو الاقتناع التام به، وإنما يعني يمكن مراجعتها وتقييمها واختيار المناسب منها.
• تبرز الحاجة إلى الحديث عن المجتمع في ولاية الدقم تاريخيًا، والمراحل التحولات والتغيرات التي مر بها، بهدف توضيح التغييرات والتحولات الحاصلة في هذا المجتمع، وهنا يقول ابن خلدون إن : "فهم الحاضر لا يتم إلا في ضوء فهم الماضي"، فالمجتمعات ذات الطبيعة القبيلة تعد فيها القبيلة مؤسسة تمتلك القدرة على التنظيم والتوجيه، وكذلك تحريك الأحداث، بالتالي لا يمكن الإلمام بهذا المجتمع خارج دائرة العلاقات التاريخية.
• أعتقد بوجود عدد من الاستنتاجات كانت بحاجة إلى توضيح وتشخيص بشكل أوسع وأعمق خاصة فيما يتعلق باستنتاج " تراجع سلطة شيخ القبيلة وفي الوقت نفسه لا يزال يشكل ثقلا اجتماعيا"، فالأمر كان بحاجة إلى وجود أمثلة وشواهد من الواقع ذلك المجتمع وليس مجرد استنتاجات عامة.
• توسعت الدراسة وبشكل متميز في طرح عدد من التساؤلات المهمة عن أثر المتغيرات الديمغرافية والاجتماعية والاقتصادية في تحولات بناء السلطة التقليدية، والتي ربما تعطي الصورة الصحيحة لدور السلطة التقليدية في المجتمع . وهنا أتفق مع الدراسة حول هذه التساؤلات المهمة التي توضح تحولات السلطة التقليدية وتأثيرها على أفراد المجتمع.
• تميزت الدراسة بطرح أثر عدد من المتغيرات المهمة في تحولات السلطة التقليدية (سلطة الأب – الشيخ القبيلة ) مثل المتغيرات الديمغرافية، والمتغيرات الاجتماعية، والمتغيرات الاقتصادية، وذلك بغية تبيان ثأثيرها على تلك التحولات، وصولا إلى فهم أعمق وأشمل لعمليات التحولات في السلطة التقليدية.
• لم تحدد الدراسة المسائل والقضايا التي تشكل فيها السلطة التقليدية ( سلطة الأب – الشيخ القبيلة ) ثقلا اجتماعيا. وهذا يعني ببساطة الحاجة إلى البحث عن حدود السلطة التقليدية المسموح بها أو يتقبلها أفراد المجتمع.
• وهذا الأمر ربما يدفعنا إلى طرح سؤال أخر وهو : ما هي معايير تولى المشيخة، أو رئاسة القبيلة وهل المعايير قد تغيرت في في ظل التحولات والتغييرات الكبيرة الحاصلة في تلك المجتمعات القبلية؟
• وحسب اعتقادي فأن استنتاج " تراجع سلطة شيخ القبيلة وفي الوقت نفسه لا يزال يشكل ثقلا اجتماعيا"، من أهم ما سجلته هذه الدراسة في تشخيصها عن تحولات بناء السلطة التقليدية في المجتمع العُماني " ولاية الدقم نموذجا". لكن الأمر كان بحاجة حسب وجهة نظري إلى معرفة ما المناخ الذي تتحرك فيه هذه السلطة ؟ وكيف تستطيع التحرك وما تأثيرها ؟
• إن السؤال الذي يطفو على السطح هنا : هل "الهابيتوس" أي الاستعدادات والإداركات التي يكتسبها الأفراد في المجتمع عن السلطة التقليدية ( سلطة الأب – الشيخ القبيلة ) كيف يتم بناؤها أو اكتسابها، والتي تتحول بمرور الوقت إلى بنيات منظمة للسلوكيات والممارسات لمختلف أفراد المجتمع؟ وللمزيد من الإيضاح والتبسيط أعتقد بأن دراسة هذه الادراكات المتبادلة بين أفراد المجتمع والغوص فيها ربما يؤدي إلى فهم أعمق واوسع لتحولات السلطة التقليدية.
• أعتقد بأن الدراسة أغلفت المكون الديني كأحد الضوابط الاجتماعية التي تحكم سلوك الأفراد، حيث ركزت الدراسة على عاملين فقط هما : الأعراف والقوانين، وهنا يقول ماكس فيبر عن أثر الدين في السلوك الجمعي للأفراد: "إن الأديان تُشكِّل نمطاً في فهم ما يفعله الأفراد وفهم الطريقة التي يفعلونه بها، ويبدو الدين بمثابة الطريق الأسهل لفهم الحياة داخل المجتمع، بمقدار كونه يرسم نمط السلوك الحياتي ونمط التنظيم الاجتماعي والسياسي"
• أعتقد بأن الاستنتاج الذي يقول بأن "من يحكم سلوك الأفراد هو الأعراف والعادات والتقاليد أكثر من القانون الرسمي " كان بحاجة إلى التشخيص والتحليل والتفسير، وربما ربطه باستنتاجات الدراسة الأخرى أهمها الاستنتاج الذي يقول "لا يزال شيخ القبيلة يشكل ثقلا اجتماعيا لدي بعض الشرائح الاجتماعية" بحيث يأخذ حقه في البحث والكشف والتحليل والتفسير السوسيولوجي.
• وأخيرًا يمكن القول بأن الدراسة استطاعت إلى حد كبير الإجابة على سؤال الدراسة الرئيس وهو : ما طبيعة التغيرات التي طرأت على واقع السلطة التقليدية في ولاية الدقم ؟ .حيث أشارت الدراسة إلى وجود تحولات مهمة في بناء السلطة التقليدية، وفي الوقت نفسه أوضحت الدراسة بالحاجة لوجود جهود - ربما رغبة حثيثة من قبل المسؤولين - لدراسة تلك التحولات وأسبابها وأثارها في واقع حياة أفراد المجتمع بولاية الدقم.
• وختامًا أجزم بأن مهمة الباحثان لم تكن سهلة، فضلا عن كون التوسع في بحث بعض مسائلها ليس بالامر الهين، كما أنه قد يدفع بالدراسة إلى الخوض في جزئيات قد يُثْقِل كاهلها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هنية يزور تركيا لإجراء محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردو


.. توقعات بموجة جديدة من ارتفاع أسعار المنتجات الغدائية بروسيا




.. سكاي نيوز عربية تزور أحد مخيمات النزوح في رفح جنوبي قطاع غزة


.. حزب -تقدّم- مهدد بالتفكك بعد انسحاب مرشحه لمنصب رئاسة مجلس ا




.. آثار الدمار نتيجة قصف استهدف قاعدة كالسو شمالي بابل في العرا