الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مراجعات لمقال الدكتور لبيب سلطان : - معاداة الغرب منهج للرجعية والظلامية في العالم العربي - في الحوار المتمدن 3-5

حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)

2022 / 6 / 24
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


مراجعة ثانية للفقرة الثانية من مقال الدكتور لبيب سلطان المحترم و نصها :
"بدء الغرب بتطوره من خوض معركة العلمانية أي فصل الدين عن الدولة والمجتمع وكسبت المجتمعات الغربية هذه المعركة بنضالات شاقة وتضحيات كثيرة ارجعت من خلالها الدين الى المعبد مع ضمان ممارسة الطقوس والشعائر واصبح العلم هو البديل للدين لتطوير المجتمع ومؤسسلته بما فيها التعليم والقضاء وطريقة حكم المجتمع بعيدا عن تدخل الدين في السياسة . ان عالمنا العربي مازال يخوض هذه المعركة الأساسية وليس لنا غير تجارب الغرب في اقامة النظم العلمانية وبدون كسب هذه المعركة تبقى قوى الظلام والرجعية الدينية تحجب مجتمعاتنا العربية عن التقدم ومنها نستنتج انها المعركة الأولى والأهم في العالم العربي. "
انتهى المقتبس .
طيب . إذاً ، فقد كسبت أوربا أخيراً معركتها وفصلت الدين عن الدولة (و ليس عن المجتمع البتة ، مثلما يزعم الكاتب) . السؤال هو : لماذا احتاجت أوربا لخوض معركة العلمانية المهلكة هذه أصلاً ؟ الجواب الذي يحدِّثنا به التاريخ هو: بسبب امتياز الجمع بين السلطة الدينية و الدنيوية التي منحته لنفسها المؤسسة البابوية حصراً و فعلاً و قطعاً باعتبارها للبابا "الخليفة الكنسي للقديس بطرس أمير الرسل". و هذه هي مؤسسة خاصة بالمسيحية و لا علاقة لها بالإسلام الذي يرفض جوهرياً فكرة البابوية و يعطي للإنسان الحرية في الاتصال المباشر بربه مباشرة من دون أي وساطة كهنوتية . و لهذا ، لا يصرح لنا الكاتب ماهي الخلفيات التاريخية للحركة العلمانية الأوربية التي تمخض عنها الفصل الاسمي للدين عن الدولة في أوربا (وهو تقليد اسلامي ساد منذ خلافة عثمان بن عفان و حتى سقوط الدولة العثمانية) . و لا يفصح عن علاقتها الوشيجة بالمفهوم البابوي المسيحي لـ "الحرب الدينية المقدسة " . إنه لا يقول لنا أن نظام الحكم السياديني الذي يكون فيه البابا الكاثوليكي هو الرئيس للسلطتين الدينية و الدنيوية على كل الكنائس المسيحية في آن واحد هو ظاهرة مرتبطة الى حد بعيد بصراعات الشد و الجذب التي ميزت شكل العلاقة القائمة داخل الممالك المسيحية في أوربا بين مؤسسة السلطة البابوية الكهنوتية (بدءاً من أول بابا في روما ، ليو الأول (440-461 م) و بين الملوك المحليين في أوربا ، و التي تطورت من اضطلاع الملك الروماني المقدس بمهمة تعيين البابوات و القساوسة المحليين وتغييرهم بنفسه زمن الامبراطور كونستانتين (306-337م) الى شارلمان الكبير(800-818م) (مثلما فعل "الحاج" نابليون بعدئذِ بتعيينه رئيساً للأزهر للتصفيق بحمده عند احتلاله لمصر ليؤسس للبابوية الاسلامية) ، لتتخذ في النهاية (منذ عهد البابا نيقلاوس الثاني (990-1061م) شكل هيمنة البابا في روما على السلطة الدينية بالتحالف الوثيق مع ملوك الممالك الحاكمة في كل أرجاء أوربا – علاوة على ملكيته و الدنيوية الحصرية الدينية على الولايات البابوية في ايطاليا - بحيث أصبحت الممالك الاوربية كلها بحاجة متواصلة لمباركة البابا و لتأييده و دعمه المادي و المعنوي في كل صراعاتها الداخلية و الخارجية المستمرة . و شيئاً فشيئاً ، اصطنع بابوات روما للمسيحيين مفهوم "الحرب الدينية المقدسة" الذي تطور في القرن الحادي عشر الميلادي من خلال الحملات التي خاضها البابا أو حرّض عليها أو باركها ، بما في ذلك الفتح النورمندي لصقلية ، واستعادة جزيرة إيبيريا من العرب ، وحملة المهدية البيزانية وجنوة عام (1087م) على شمال إفريقيا. و لقد اتبعت الحملات الصليبية (1096-1492) بعدها نفس هذا التقليد المهلك للحرب الدينية المقدسة التي هي اختراع مسيحي غربي غاية في "التحضر والتقدم و الرقي و التطور و الديمقراطية و الانسانية ".
و لإدامة هذه الحروب ، فقد حرصت الكنيسة على جعل ايديولوجيا الحرب الصليبية تتغلغل عميقاً في كل مناحي الحياة على طول و عرض كل دولة أوروبية لتصبح جزءاً لا يتجزأ من الذاكرة الجماعية و الوجدان المسيحي . وحددت البابوية هذه الايديولوجيا بالاستناد على نظرية الحرب المقدسة ومفهوم الحج عبر دمجهما مع ما يتساوق معهما من أساطير العهد القديم عن الحروب اليهودية الملفقة التي حرض عليها الله وساعدها ، و مع طروحات العهد الجديد المتمحورة حول بناء العلاقات الشخصية مع المسيح عبر غزوة جسدية وروحية تحت سلطة وحماية الكنيسة . كما كانت الحملات الصليبية أفعال توبة و تطهّر ، حيث اعتبر البابا المشاركين فيها جنوداً للمسيح يمنحون صكوك الغفران لجميع العقوبات الدنيوية التي فرضها الله . و في دعوة البابا أوربان الثاني (1035 – 1099م) للحملة الصليبية الأولى ، تم الحكم على المسلمين بكونهم وثنيين ، وهذا ما يجعل من يُقتل من المسيحيين في الحرب ضدهم شهداءً أبراراً .
و لكن ، على الباغي تدور الدوائر .
ما أن انتهت الحروب الصليبية ضد المسلمين بهزائم منكرة ، حتى انتقل صليل سيوف الحروب البابوية المقدسة الى داخل أوربا المسيحية نفسها بحجة التطهير الديني ضد المرتدين عن المسيحية ، لتحصد أرواح الملايين من المسيحيين ، فيما سمي بالحروب الدينية الأوروبية التي عمّت كافة أرجاء أوروبا طوال القرنين السادس عشر والسابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر بعد انطلاق حركة الإصلاح البروتستانتي في ألمانيا عام 1517 . بدأت هذه الحروب مع ثورة الفرسان الصغيرة (1522) ، تلتها حرب الفلاحين الألمان الكبرى (1524-1525) في الإمبراطورية الرومانية المقدسة ، لتبلغ ذروتها في حرب الثلاثين عامًا ، التي دمرت ألمانيا وقتلت ثلث سكانها - وهو معدل وفيات يبلغ ضعف معدل الوفيات في الحرب العالمية الأولى . و انتهت هذه الحروب إلى حد كبير بسلام ويستفاليا (1648) - الذي أسس نظامًا سياسيًا جديدًا يُعرف الآن باسم "مبدأ السيادة الويستفالي" – لتنتقل الحرب الصليبية المقدسة للغرب المتحضر بعدها مباشرة إلى حروب الإبادات الجماعية ضد الشعوب و الحضارات الأصيلة في قارات أمريكا الشمالية و الجنوبية و استراليا و جزر البولينيزيا و غيرها من شعوب جزر المحيطين الأطلسي و الهادي ، و تقترف جرائم أكبر الإبادات الجماعية في تاريخ البشرية بفضل نعماء "الحضارة الغربية" البربرية التي يمجِّد بها الكاتب ..
و بموازاة جرائم حروب الابادة هذه في العالم الجديد ، و مع قيام الرأسمالية في أوربا و تأسيسها لآلة الحرب المتطورة المهلكة و للأساطيل البحرية الجرارة ، فقد دشن الغرب جرائم حروبه للنهب الاستعماري الصليبي الثاني ضد المسلمين في المغرب العربي و ليبيا و مصر و السودان و فلسطين و العراق (تذكروا توصيف الزعطوط الخبل بوش لنفسه بكونه محارباً صليبياً قبيل غزوه للعراق عام 2003 = علمانية غربية متحضرة ومتطورة للنخاع بكل حق و حقيق !) والصومال و اليمن وسوريا و أفغانستان والهند ، و الحبل على الجرار .. و ذلك طوال القرن التاسع عشر و العشرين و الواحد و العشرين .
و ليس هذا و حسب ، بل و لقد حرص الغرب البربري الظلامي المبيد للحضارات المجيدة و للبشر كل الحرص على تشجيع كلاب حراسة مستعمراته من الملوك المحليين المنصَّبين من طرفه في الشرق – من الهند إلى جزيرة العرب – لاستنساخ وتأسيس ورعاية الكهنوت البابوي المسيحي في بلاطاتهم ومجتمعاتهم نفسها عبر تلفيق صبغة اسلامية عليه في زواج المصالح بين هذا الملك الالعوبة للغرب وهذا أو ذاك من رجال الدين الموتورين بتشجيع بريطاني أولاً ثم امريكي لاحقاً ، لتفرّخ لنا هذه السياسة الغربية القذرة دولة أل سعود الوهابية و دول ولاية الفقيه و طالبان و دولة الترابي (التي أسسها الامريكان خصيصاً لترتيب فصل السودان الجنوبي المسيحي عن شماله المسلم) و داعش .. و نعم : دولة الكيان الصهيوني النازي العنصرية ، و البقية آتية لا محالة . كل هذه هي صناعات غربية ظلامية مبيدة للبشر و للحضارات الانسانية ، و لا علاقة لها بالإسلام الذي تطور علمانياً برفضه للبابوية و لطبقة الكهنوت ، حيث لم يكن الخليفة الراشد الثالث و لا الرابع (الذي كان القاضي شريح يفصل حتى في منازعاته الشخصية توكيداً لمبدأ فصل الدين عن الدولة و القضاء) و لا الخلفاء الامويين و لا العباسيين و لا السلاطين الأتراك يجمعون بين السلطتين الدينية و السياسية في دولهم مثلما كانت تفعل البابوية المسيحية الرجعية و المتخلفة و المبيدة للبشر ، حتى المسيحيين منهم .
المصادر :
https://en.wikipedia.org/wiki/Pope_Nicholas_II
https://en.wikipedia.org/wiki/Pope_Urban_II
https://en.wikipedia.org/wiki/European_wars_of_religion
https://iep.utm.edu/rel-poli/
https://en.wikipedia.org/wiki/Crusades
https://en.wikipedia.org/wiki/History_of_the_papacy
https://www.theatlantic.com/magazine/archive/2021/04/america-politics-religion/618072/

يتبع ، لطفا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القاهرة تتجاوز 30 درجة.. الا?رصاد الجوية تكشف حالة الطقس الي


.. صباح العربية | الثلاثاء 16 أبريل 2024




.. الشرطة الأميركية توقف متظاهرين بعدما أغلقوا الطريق المؤدي لم


.. اعتقال متظاهرين أغلقوا جسر البوابة الذهبية في كاليفورنيا بعد




.. عبد السلام العسال: حول طوفان الأقصى في تخليد ذكرى يوم الأرض