الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في رواية - نخلة وبيت -

هدى توفيق

2022 / 6 / 25
الادب والفن


ناصية القراءة
" نخلة وبيت "
صدرت رواية ( نخلة وبيت ) عن دار نشر عناوين ـ حضرموت ، اليمن ، الطبعة الأولى 2021م. للكاتب : عيدروس سالم الدياني.
يمثل التاريخ الشاهد الأكبر، والمعبرعن ثقافة الشعوب المختلفة بين الدلائل المعرفية ، والثقافية والاجتماعية الهامة ، كمدلول سميولوجي تواصلي ، ودلالي بارز من خلال أبطال روائية تحكي وتسرد بقدر عال من التخيل ، وفنيات السرد ، والصدق الفني ؛ تدور في دائرة سميولوجية بوجه عام. وقد تقنن مصطلح السميولوجيا بما يساوي علم العلامات بكل مقترحاتها النقدية على المنتج الأدبي ، ونخص بالذكرهنا رواية ( نخلة وبيت ) ؛ التي تقع تحت مظلة ( أبعاد السميولوجيا الثلاثة كالتالي :
1ـ التعبيرأوالجانب المادي من العلامة . 2ـ المحتوى أو ما يُعَبّر عنه ، وله شكل غير ملموس. 3ـ المرجع أو الشئ الذي تحيل إليه العلامة ، وله شكل ملموس (1) ).(1).( ولإدراك أوجه الاختلاف بين مصطلحي سميولوجيا التواصل ، وسميولوجيا الدلالة : سننطلق من مفهومي المؤشر ( indice). والإشارة (signal).(2)، كما تجلى من بداية السرد حيث كان عمرالبطل (عوض ). أنذاك في الثالثة عشرة . قائلا على لسان حاله : ( لما تداعت الصرخات من الجهة الغربية للقرية على سطح منزل مبني من الطين ، ذي الطابقين الذي تعتليه " نوب " مطلية بلون أبيض ناصع. أتفقد حمامي الذي يسكن أقفاص صغيرة مربوطة بحبال من الليف تنحدر تلك الحبال المثبتة بأوتاد صغيرة من أعلى سطح البيت ).(3) ، مستطردًا بشاعرية وسيميائية مترابطة بين الصرخات التي سمعها من إحدى بيوت القرية السبعة أثناء وجوده على سطح بيته يراعي الحمام قائلا بحزن : (إحدى الحمامات ، فقدت أبويها ، قبل أن ينبت ريش جناحيها ، أطعمتها كعادتي في كل ليلة قبل مغيب الشمس ، ثم أعدتها إلى قفصها ).(3). الإشارة إلى الحمام كمؤشرعلى السلام والحب والصفاء. يقابله صرخات موجعة أتية من إحدى بيوت القرية المجاورة له ، كمؤشرعلى الألم والفقد والحزن الكبير، وقد ماتت حُسن والدة سعدان صديقه الذي يحبه بإخلاص. وذاك اليوم بالذات أطلق عليه عوض " سعدان .. أخي " ، وهو يكن له حب شديد ويصفه كالتالي :( حب لأخ ببشرة سوداء ، وقلب جميل ، لن أقول قلبا أبيض ، فلا توجد قلوب بيضاء ، البياض خواء ، أما الجمال فليس له لون واحد بل تتدرج ألوانه وتسطع ، كقلب سعدان).(4)، وهو يحاول أن يشاركه آلام الفقد بعد أن أصبح يتيم بوفاة أمه ، وقبله والده ، وهو بعد طفل صغير، وبقي له خاله الذي يعمل ويعيش في السعودية منذ وقت طويل ، وعمته التي حضرت من إحدى قرى الصعيد مع زوجها وطفليها. إما ليأخذوه أو تبقى معه ، وقد قرر سعدان أن تبقى معه في بيت أخيها الوحيد " عبد إبليس " كما كان يطلق عليه سيده قبل أن يتحرر الجميع من العبودية ، ويولد سعدان حر، بموجب ثورة التحرير في الرابع عشر من اكتوبر. ضد الاستعمار البريطاني ، وسلاطين وأمراء اتحاد الجنوب ( عدن ). وأُطلق عليها ثورة الفلاحين والعمال ؛ التي لم تكن فقط ضد الاستعمار. بل أيضا ضد الفساد والرجعية والظلم ؛ الذي تسيد، وملأ الجميع لحد الثورة ؛ التي بها تم جلاء الاحتلال في 30 / 11/ 1967م .
ومن ثم نجد أن إشارة الحمام في مقابل تلك الصرخات ، التي أتت من الجهة الغربية للقرية ، وملأت أفاق القرية حتى أذن عوض في بدء المتن الروائي. كانت بمثابة إشارات ، وعلامات دالة على مؤشر سيميائي سيتوالى تكراره وحدوثه للبطلين : عوض سليل عائلة ( النوامي ). المعروفة بين القبائل. وسعددان سليل عائلة العبودية التي تتكون من : أمه حُسن ، وأخيها سعدان ، وأبيه سرور، وأخته الوحيدة. سرور كان عبدًا مملوكًا لدى جد عوض ، وأمه حُسن كانت عبدة لسيد آخر، والتقاها سرور، وأحبها واستطاع أن يقنع سيده أن يشتريها من التاجر؛ حتى يتزوجها وتحققت أمنيته. لكن أخيها بيع لسيد آخر، وتفرقا كل في ناحية ، وأنجبا سعدان الذي سمته على اسم أخيها الوحيد ، وحُسن كانت تحب عوض كثيرًا ، وأخبرته أنه يشبه جده للغاية ، وهي تأنس إليه ، وتسرد له الذكريات المؤلمة والموجعة من عمرها الماضي أثناء العبودية ؛
التي تنحدرمن سلالة العبودية المذلة قائلا عوض باستفهام : ( فقد قص علي والدي كثيرًا من قصص العبيد هنا ، وأن كل عائلة تملك عبدا على الأقل وربما أكثر ، وحين يحتاجون للمال يبيعونهم كأي متاع أو بهيمة يملكونها ).(5)، والدليل على ذلك بالرغم أن الجميع تحرر، ولم يعد هناك عبيد في الجيل الجديد نهائيًا الذي يمثله : عوض ، وسعدان ، ونصر، والأحول ، وسلمى ، ومحمد ، وفارس ، وطالب ، وغيرهم ، ولكن لا زال بعض الناس ينادونه " العبد سعدان " الذي تربى وتعلم وسابق واجتهد وكافح من أجل حياة جديدة ؛ بسيرة طيبة وذكاء وتفان واخلاص ؛ حتى وصل إلى الموحلة الثانوية ( البكالوريا ). أربع سنوات في المدرسة الوحيدة في مركز (نصاب). التي تتبعها القرية. مثل كل الباقين الأحرار من أبناء القبائل الأخرى : كالنوامي والجراهمة وغيرها ؛ التي كانت تتناحر وتتقاتل سواء في الجنوب أو الشمال. لكن واقع الحكي والسرد في رواية ( نخلة وبيت ). كان في الجنوب ، وبالتحديد في جنوب شرق اليمن . في قرية تتبع مركزمديرية ( نصاب ). وفيها مقر المدرسة الثانوي ؛ التي قضى فيها الطلاب الستة دراستهم : ( عوض ـ وسعدان ـ ونصرـ والأحول ـ ومحمد ـ وطالب الفتى ). ثم تفرقت بهم دروب الحياة بين لقاء وفراق. حتى يلتقي سعدان والأحول وعوض في الغربة ، في حي البطحاء في الرياض.
ورجوعًا للأم حُسن الصوت الرئيسي ، والأهم التي تحكي لنا عن تاريخ العبيد ، وتمثل العبودية من خلال الذكريات والميراث الذي عاشته. أثناء حديثها مع عوض سليل الأحرار، ويُشبه جده في الكرم والطيبة والمسالمة ، وهي تبتسم له بحنان وحب قائلة : ( أن أمها ماتت وعمرها ست سنوات ، أصابها مرض أقعدها لشهور، وسبقها أبوها بسنة واحدة ، وقد قتل بإحدى حروب القبائل وحين انطفات نار تلك الحرب ، وعمَ السلام ، قبض سيدنا دية أبي ، واشترى لنا ذلك اليوم لباسا جديداً ، كان ذلك كرم منه كثير.. قالتها وهي تبتسم بنصف ابتسامة ).(6) ، وفي هذا الصدد نجد الباحث السميولوجي (لوى بربيتو) تقسيمًا ثلاثيًا للمؤشرات.(#) :
ـ المؤشرات التلقائية : (هي الأحداث أو الوقائع أو الأشياء التي تمدنا بمعلومات دون أن تكون أُنتجت من أجل هذه الغاية ، فلون السماء يُعد مؤشرًا تلقائيًا لأنه ينبئ بالحالة التي سيكون عليها الجو. كما أن اللكنة الخاصة التي يتكلم بها شخص ما تعتبر مؤشرًا تلقائيًا يدل على أنه أجنبي . في كلتا الحالتين لا يتعلق الأمر بإرسالية معينة تتضمن الرغبة في إيصال مضمون محدد ). ـ المؤشرات التلقائية المفتعلة : (هي مؤشرات تظهرللمتلقي وكأنها تلقائية لكنها مفتعلة ، مثل من يحاكي لكنة أجنبية بغية الظهور بمظهر أجنبي ).(7) ـ المؤشرات القصدية : و تلك المؤشرات الثالثة. ما يخص مجال اهتمامنا تطبيقا على رواية ( نخلة وبيت ). (تتكون من الأحداث أو الوقائع التي تمدنا بمعلومات أُنتجت قصدًا ؛ لإيصال مضمون معين ، ولا يتحقق لها هذه الغاية إلا عندما يدرك المتلقي نية المرسل في أن يبلغه بشئ ما ).(8) ـ بمعنى أن ظهور الحمام في البدء ، ووصف القرية ذات السبعة بيوت ، ويخص الراوي بيت سعدان بالذات حين يروي : ( دخلت مطرحًا . يجمع سبعة بيوت متجاورة ، يملؤني الخوف ، وأتمنى لو تقفل أذني تماماً، فلا أسمع شيئا البتة ). (9) ، ويسترسل في نعومة سردية : ( البيوت متجاورة ، لا يفصلها عن بعضها سوى ممرات صغيرة ، دخلت من أضيقها، حيث كان جذع نخلة يقف حائلاً بجانب الممر ، ريحانة صغيرة تجاوره أوراقها ذابلة ، وزهورها باهتة ).(10) ، ويذكر الراوي بتلقائية مقصودة بيت صديقة الحميم الشاعر والراقص والمغني سعدان. متعدد المواهب والقدرات الفنية ، رغم الأقدار السيئة في حياته التي تدفعه دوما للإنحسار والهزيمة والإنكسار. بداية من فقده أبيه ثم أمه وسلمى وسعاد وماله وعقله في بعض الأحيان ، وقد قابل أبيه سرور من قبل العرافة في إحدى المرات التي جاوز فيها الحدود إلى الشمال في مدينة البيضاء ، وكانت مشهورة بقراءة الطالع ، وسألها عن مستقبل ابنه سعدان ، ونصيبه من الحياة القادمة فأخبرته : ( سيكون رئيسا للجمهورية ، أو سيصاب بالجنون ).(11). الذي تأكد ظهور بوادره ، وسعدان يحاول أن يقف على يديه ويمشي رويدًا ، رويدًا بثبات على راحتيه دون أن يتمايل أو يسقط . حين عاد من السعودية مطرودٍا أشر طردة مع صديقيه الأحول وعوض ، والعودة المهينة لبلدهم الأم داخل صندوق أسفل حوض شاحنة مغلق من الخارج ، إلا أن به فتحات من الداخل ، توضع فيه إطارات الشاحنة الاحتياطية، وكل ما يستطيععون رؤيته أثناء السير في طريق العودة.هو صندوق مظلم به فتحات من الخلف. بينما كان مصمتا من الأمام و من كلا جانبيه ، وحين أهانه خاله وزير القصر في مدينة (جده) ، ولطمه وبعثر بكرامته أمام الجميع. قبل أن يطرده ابن صاحب القصر بكل ضراوة وقسوة ، وأرغمه على دفع غرامة تصليح سيارته الرياضية الغالية الثمن بتكاليف كبيرة. أخذت منه شقاء أربع سنوات في الغربة بكل سفاهة واستغلال. قائلا بتوجع : ( حين ضربني بيده ولكمني ، كان يضرب نفسه أيضا ، ويجلد ظهره بسياط الرق، التي ظن أنه تحرر منها ، ضربني ليثبت دون أن يتعمد ، أن العبودية ما زالت ممسكة برقبته ، وأن عتقه منقوص، وحريته مقيدة بقيود لا يراها ).(12) وتصبح حياته ملحمة مأساوية من الحرمان من كل من أحبهم ، وحاول الاحتفاظ بهم في كل حياته. ليبقى في النهاية وحيدًا. يتعلم المشي بالمقلوب بأن يسير على يديه بدلا من قدميه ، وقد انتهجها من إحدى التشكيلات الرياضية ؛ التي شاهدها في المدرسه الفصل السابع الشعبة "أ"، وكانت من أصعب التمارين، ولا يتقنها إلا اثنان فقط يسيران ببراعة ، وسعدان يحاول تقليدهما. ولأن مؤشر البيت له دلالة معرفية بالغة الأهمية في العمق الروائي. كعنصر سيميائي يطرح وظيفة سميولوجية ، كفعل تواصلي في تتمة التخييل الروائي ، وتعميق الخطاب الإبداعي فيصفه عوض كالتالي : ( بيت صغير من الطين ، له سور من إحدى جهاته ، وبجانب السور مظلة صغيرة مصنوعة من سعف النخيل ، وتحت المظلة قربة ماء من جلد الماعز ، شربت منها مرات عديدة فهي على طريق عودتي من المدرسة ،).(13). ( على بعد خطوات من باب البيت تقف نخلة شامخة ، وحيدة مستقيمة لا انحناء فيها، ولا عوج ، مما يجعل تسلقها أمرًا فيه بعض الصعوبة ).(14) ، وتتوالى تلك المؤشرات القصدية داخل المتن الروائي من تصويرشكل البيوت في القرية الصغيرة ، والوادي ، والمدرسة الأولى. ثم في المدرسة الثانوية في المركز، والأسواق ، ورعي الإبل والأغنام ، والأرض ، والأحجار، والنقوش ، والخناجر الثمينة ، والمواويل والحكايات الشعبية ، والفن الشعبي . الذي يتقنه سعدان وهو يرقص ويغني أغنية حجية قديمة دون أن يخطئ لحنا، أو تنشز حركة من حركات رقصه ، وقبرأبيه ذات القبة الزرقاء ، . كل ذلك داخل الباحة التي تتوسط البيوت السبعة التي أسموها قديما جداً " حوط سبعة ". كل تلك الأشياء تشير إلى العلامات الدالة على مؤشرات فاعلة ، ومنطقية داخل المتن السردي . وتتوالى في رشاقة سردية ، وتتعدى حدود القرية ، واليمن كاملًا ؛ بظهورسردية متوازية ، ومكملة لتفعيل تلك العلامات المؤشرة لسميولوجيا التواصل. عندما اكتمل الحكي عن بلاد الغربة ، وتعميق التهميش والظلم والمعاناة وراء البحث عن المال والراحة، ليقابلنا مجتمع مغاير تمامًا ، وإن كان لا يختلف كثيرًا في نفس السوء والفاقة التي يعيشها هؤلاء البشر داخل أوطانهم الأم ؛ لأن الأفكار والتوجه الطبقي والنظرة واحدة نحو تلك الطبقات من البشر. فلا يوجد اختلاف رغم تغيرالمكان والثقافة المتنوعة.لأنها تنزح من بئر واحد من التخلف والتحزب والقبلبة والرعونة العشائرية والتعصب القبلي والعرقي. وقد تمددت الأمور من سئ لأسوأ بالنسبة لهؤلاء الآتين الجدد داخل مجتمع مترف. ولكن لا زال يحمل على عاتقه نفس الأفكار والمعتقدات نحو هؤلاء المغتربين الهاربين والمتسللين من أجل العمل ، وجني ما يسد رمق العيش والحياة. هروبا من الحروب والتنازع بين القبائل وبعضها ، وقلة الرزق والحيلة في مواجهة مصاعب الحياة. لا شك أن الرواية تزخر بعالم بكر وشيق. يبدأ برحلة سردية واقعية تاريخية للبطل عوض ، وأصدقائه حينذاك منذ كان عمرهم في الثالثة عشرة حتى ما يقارب نهاية التسعينيات ، وبداية الألفية بعد الحرب عام 1994م في اليمن ، وبداية ظهور الجوال المتنقل وانتشاره في السعودية ، وأول من اشتراه سعدان قبل عودته إلى موطنه الأصلي في قرية السبعة.
( هكذا تعتبر المؤشرات القصدية إشارات (signaux) يتحقق بواسطتها التواصل ، مما يعني أن استعمالها هو ما يميز التواصل الحقيقي عن غيره. وبالتالي ، فدراسة الإشارات بأنواعها تكون أساس وموضوع سميولوجيا التواصل التي أرسى مبادئها إيريك بويسنس (2) منذ سنة 1943م عندما نشر كتاب اللغات والخطاب ، وحاول فيه " تأسيس السميولوجيا " باعتبارها العلم الذي يدرس الإجراءات التي يستعملها بغرض إيصال حالات وعينا إلى الآخرين التي بواسطتها تؤوَّل الإرساليات الموجهة إلينا ).(ص5) ).(15)، وهذا ينطبق على نخلة وبيت. فقد جسدت النخلة والبيت التصورالأمثل باعتبارها مؤشرات قصدية ، تشير إلى فحوى التواصل الذي أُنتج داخله شخصية سعدان وحُسن وسرور وخاله وعمته ، وامتد البحث عن جذور العبيد التي كانت منتشرة قبل قيام ثورة التحرير في الرابع عشر من اكتوبر، وبها سميت المدرسة في القرية الصغيرة كناية عن اليوم المصيري للشعب اليمني : ( ولم يعد هناك أسياد وعبيد ، فالكل أحرار سواسية أمام الدولة ).(16) ، وهذا يعني أن استخدام نخلة وبيت كعلامات مميزة ، ودالة لخلق روح التواصل ، لأن كما أشار إيريك بويسنس : أن دراسة الإشارة بأنواعها تكون أساس وموضوع سميولوجيا التواصل التي أرسى مبادئها ، وتتعدد النماذج التي تعمق حالة التواصل الإبداعي بين الراوي والمتلقي. في انسجام بنيوي اتخذ الترتيب التقليدي للحكايات : من البداية والوسط والنهاية ، ولكن ليس من مشاكل لتحل ، أوعقدة تنفك مع مرور الزمن. بالعكس سواء البطلين سعدان وعوض أو حتى الشخصيات الثانوية يعانون من بداية الرواية ، وظلت المعاناة ممتدة إلى آخر السرد ، وهم يحاولون الهرب عبرالحدود قائلا أحدهم على لسان حاله : ( لم تنجح خطتنا في النفاذ لبلدنا بحافلة الترحيل ، وتم طردنا من نقطة التفتيش تلك ، ولم يبق من سبيل سوى التهريب ).(17) حتى الألوان التي تخص العلم في مدرسة الرابع عشر من اكتوبر في المرحلة الأولى من التعليم. من الصف الأول إلى الصف الثامن. ( في أعلى المدرسة تتقابل رايتان لعلم واحد مكون من ثلاثة ألوان.الأحمر ويرمز لدماء الشهداء التي سالت لتحريرالوطن ، ثم الأبيض ويرمز للسلام ، والأسود يرمز للفترة التي سبقت التحرير وساد فيها الجهل والاستبداد. يغطي الجانب الأيسر مثلث أزرق ونجمة حمراء.الموج الأزرق يعبرعن الشعب الذي يلتف حول الحزب الاشتراكي حاكم البلاد الأوحد ).(18) ، وعوض كان دوما يحاول الاختباء حتى لا يؤدي التحية ، لأنه يشعر بارتباك شديد. وهو يهتف بإحدى الجمل الثلاث كل واحدة تكرر ثلاث مرات ، الأول : ( للنناضل من أجل الدفاع عن الثورة ، الثاني : وتحقيق الوحدة اليمنية ، والثالث : وتنفيذ الخطة الخمسية ).التي لا يعرف معناها بالضبط ، وعدم الفهم يعني عدم الوعي بقيمة النصر الجديد بعد الثورة ؛ لأن الفساد والظلم والقهر لا زال مستمر بأشكال أخرى ، ومتنوع ، وزاد التناحر بين القبائل في الجنوب والشمال داخل الألوية ذات نفسها ، وبالتالي عن أي وحدة ، وعن أي خطة خمسية يتحدثون ، وتلك الشعارات ؛ التي نحيي بها العلم كل يوم ثلاث مرات دون أي حقيقة ، أو معنى يناسبها. إنها في النهاية مجرد أكلشيهات لا نرى أي تحقيق أو إنجازلهم على أرض الواقع ، وبالتالي عوض وغيره لا يفهم أو يقتنع بما يهتفون به كل يوم. من هذا الجيل الجديد ؛ الذي ورث كل مظاهر الظلم والفساد ، والمطالبين بتنفيذ الأوامرمثل بقية الشعب المطحون والمقهور. مثل قطيع الأغنام والإبل التي يقومون برعايتها . نلاحظ هنا أن القيمة الناتجة عن استخدام الملموس (نقوم بالشئ نفسه فيما يخص التأويل : ندرك الدلالة (التجريد). ونجسدها لنربطها بالشئ الملموس المعني بالأمر. أما هذا الشئ نفسه فهو ملموس بالطبع ، لكننا نلجأ هنا كذلك إلى التجريد : ندرك أن الشئ ينتمي إلى صنف معين : كتاب ، بضاعة ، زقاق ، إلخ ... ينتقل ذهننا إذًا من الملموس إلى المجرد ، ومن المجرد إلى الملموس . وهذا ما يسمح بوجود الإشارية ( deixis )). أوـ بعبارة أخرى. تعيين الأشياء الملموسة بواسطة عناصر سيميائية ، أي عناصر مجردة ).(19). بمعنى أن رايتان العلم هي ذات نفسها شئ ملموس أشارت إلى أشياء مجردة مرتبطة بالوطن ، والوطن هو البشر، والتاريخ ، والجغرافيا . لتظهر لنا الوعي بهذا الملموس ، وتحوله إلى أشياء مجردة لها مغزى سوسيولوجي وتاريخي وجغرافي كبير. بتفسير تلك الألوان وملامحها النفسية والمعنوية ؛ التي تحوي جل المعاني والرموز. وتقف وراءها الكثير من تفسير الحقائق . فتلك الألوان في حقيقتها تشير إلى معان جمة . كما أوضح الراوي عوض بين تفاوت تلك الألوان : فالأحمر يرمز إلى الشهداء ، والأبيض إلى السلام ، والأسود للفترة التي سبقت التحرير. دليل على تفشي الظلم والفساد والعبودية ؛ التي تجسدت في معاناة أسرة سعدان العبد ، وغيرهم من أبناء وطنه في اليمن ، والمثلث الأزرق تعبيرعن شعب يسير وراء حزبه الاشتراكي (النجمة الحمراء). كل تلك الإشارات الملموسة تتم بواسطة عناصر سيميائية ( مجردة ). لتعبر عن الفعل السيميائي المقصود الإشارة إليه. وهو الحكي عن تاريخ هذا الشعب وكفاحه من أجل التحرر، والعيش بعدالة وحرية وكرامة ، وهذا الفعل السيميائي يتكون من بدء السرد الروائي ، وعوض يهتم بتربية الحمام ، ويتمنى أن يربي كلب أيضا ، ويشبهه سعدان بأن شخصيته تشبه أكثر الحمام. حين أخبره عن رغبته في اقتناء كلب كبير. قائلا سعدان بقوة وحب : ( وإن فعلت فالحمام فقط هو ما يشبهك ، مسالم ، جميل ، يعانق السماء ).(20) ، ويستفهم عوض عن كيف يعانق السماء ، فيجيبه صديقه الوفي. رغم أنه لا يعانقها فعليا لكن معناها الحقيقي : ( أن الأرواح الطاهرة ، أجنحة تعانق السماء ).(21). هكذا نجد أن إشارة الحمام. حيث يجسد شئ ملموس ، يعبر عن شخصية عوض المسالم الجميل ، ونموذج آخر يتمثل في عنوان الرواية ( نخلة وبيت )؛ التي تشير إلى بيت سعدان من نوع تلك البيوت القديمة التي بنيت من الطين المختلط بالتبن ، وأمام البيت تقف نخلة شامخة وحيدة ، لكنها قوية لا يستطيع أحد أن يتسلقها بسهولة ، أو يزيلها ؛ لأن لها جذور وبقاء لا يستطيع أحد أن يمحيه ، بالإشارة إلى شخص سعدان القوي الذي ظل ، ولا زال يعافر حظه السئ ، والمجتمع يحاسبه على آثار وأحقاد الماضي لأن والديه من العبيد ، لكن قاوم ، واجتهد ، وذاكر، وتعلم ، وتفوق ، وسافر وعمل في إحدى القصور في جده ، وأهين على يد خاله ، وتحدى الجميع بكل قوة وعناء شديد ، من أجل الحفاظ على كرامته بعد أن تنازل عن كل ماله لابن صاحب القصر الطائش مقابل اصلاح سيارته الحمراء الرياضية الغالية الثمن ، وقد صدمها بغير قصد من الخلف ، وترك العمل ، ولم ينحني اطلاقًا رغم احتياجه الشديد للعمل والرزق ، لسبب معنوي أهم وأقوى. أنه لم يصبح عبد ، وتحرر الجميع ، ولا ذنب له في ميراث الماضي الأليم. الذي خلفه من سلالته في زمن العبودية. لكن الحظ السئ لا يتركه حتى في طموحه الطبيعي أن يتزوج من سلمى ، لأنها تناسب وضعه الاجتماعي والطبقي ، ومن شدة حبه لها ، أطلق عليها سماء إشارة إلى حلم جميل ، ولكنه بعيد مثل السماء ، ويتمنى الوصول إليه ، ولكن للأسف الشديد حتى سماء رفضته وقالت بكل وقاحة : ( لا أريد رجلا أسود ). وهكذا تتحقق الإشارية في الكثير من الأشياء الملموسة من خلال العديد من الإشارات ؛ التي تصور، وتحقق غاياتها التأويلية ( الدالة ). بواسطة (عناصر سيميائية أي عناصر مجردة ).(22) ( إذا الفعل السيميائي هو باختصار سلوك ملموس غايته التعريف بحالة وعي ملموسة ؛ لكن لا يوجد سلوكان متماهيان كما لا توجد حالتان متماهيتان من الوعي . داخل هذا التنوع اللامحدود لما هو ملموس ، يدرك المتكلمون السيمياء التي تتكون من العناصر الوظيفية للسلوك المحسوس ومن العناصر المشتركة لحالات الوعي ).(23) ، ولكن لا بد أن نذكر أيضا عما توضح من مبادئ إيريك بويسنس كما ذكرنا في سابق القول : ( خلافا لهذا التوجه الأول ، عمل رولان بارت على توسيع دائرة البحث السميولوجي ليشمل مواضيع لا تدخل بالضرورة في نطاق التواصل . وقد ظهر ذلك جليًا منذ صدور كتابه المسمى أساطير (1) حيث حلل بعض أساطير العالم البورجوازي مثل الأكل والشراب ورياضة المصارعة ... وانتهى إلى أنها إرساليات لا تخلو من دلالة بالنسبة للمجتمع الذي تُستعمل فيه. ولذلك سُمي الاتجاه الذي دشنه بارت بسميولوجيا الدلالة ).(24). لذلك ( لقد لخص بربيتو بذكاء الفرق بين الاتجاهين المشار إليهما أعلاه عندما اعتبر اللسانيات وسميولوجيا التواصل وسميولوجيا الدلالة ثلاثة علوم يتداخل موضوع كل واحد منها مع الآخر بصورة متتابعة ، تدرس سميولوجيا التواصل كل الظواهر التي تدرسها اللسانيات أي العلامات اللغوية مع إضافة العلامات غير اللغوية. وتدرس سميولوجيا الدلالة كل الظواهر التي تدرسها سميولوجيا التواصل أي الإشارات مع إضافة المؤشرات العرقية التي ليس لها صفة الإشارات ).(25) ، وقد أكد ( لوي بربيتو ) على أهمية ما أرساه ( بويسنس ) حين قال : ( ولن نجانب الصواب إذا قلنا بأن عمله الأول الصادر سنة 1943م شكل أول تطوير حقيقي للنظرية السميولوجية بعد سوسير ).(26) ، ونجد هذا الامتزاج بين سميولوجيا التواصل ، والدلالة ، واللسانيات لها إشارات قوية تتخلل السرد الروائي بشفافية الرؤية ، وتمتع الحضورالروائي ، لتبدع دلالات عن مظاهر سميولوجيا التواصل أي الإشارات مع إضافة أي مؤشرات أخرى. ذات علامات لغوية معرفية ثاقبة. تطرح سميولوجيا للتواصل ، ويتم ذلك الامتزاج بصور تخييلية متتابعة تخدم ضرورات الفن لاغير، بواسطة تعزيز جسر التواصل بين الراوي ، والمتلقي ببراعة الاتقان ، والتواصل بكل أشكاله الإبداعية . لأن كما أشار (بربيتو). أن ( اعتبر اللسانيات وسميولوجيا التواصل وسميولوجيا الدلالة ، ثلاثة علوم يتداخل كل واحد منها مع الآخر بصورة متتابعة ).(27).
تحكي الرواية عن عوض سليل قبيلة ( النوامي ). عائلة معروفة تنتمي للقبيلة الكبيرة ، التي تتوزع على قرى هذا الوادي الذي يتبع مديرية ( نصاب ) لمحافظة شبوة في جنوب شرق اليمن ، وفي المديرية توجد المدرسة الثانوي الوحيدة ، ومن أبناء تلك القبيلة : نصر المؤذن ، وتعني كبير الأذنين ، والأحول ، ومحمد ، وعلي ،وعوض . والد عوض كان يخدم في الجيش ، وكان قائدهم موال للرئيس السابق سالمين ، وانقلب عليه رفاقه وقتلوه ، وهرب الجنود من بينهم والده إلى الشمال ، وقضى هناك عامين كامليين هارب ، ثم صدر عفو عام ، وعاد الجميع إلى موطنه الأصلي.
المركز ( نصاب ) يبعد عن القرية حوالي 40 كيلو متر ؛ التي يعيش فيها جميع أبطال الرواية وغيرهم من القرى المجاورة في الوادي مثل قبيلة الجراهمة ، وأيضا يوجد منصور نائب مأمور المديرية ، وقبلها كان ضابط يحرس الحدود ، وقد أعدم عدد من المتسللين سواء القادمين أو الذاهبين للشمال ، من بينهم سرور والد سعدان ، وقد كان حينذاك برفقة تاجر أثناء تهربيهم بضائع من الشمال من البسكويت وعصائر المانجو وغيرها من السلع . والد العبد سعدان الذي لا زال البعض ينادوه بذلك رغم تحرر الجميع بعد ثورة التحرير في الرابع عشر من اكتوبر نفس اسم المدرسة التي يتعلم فيها جميع أبناء القرية . مثلما كان جد عوض ينادي أبيه سرور ياعبد إبليس ؛ لأنه كان مملوكا لدى عائلة عوض ، وكان سروريضجر من هذه المناداه كثيرًا ، ولكن لا يسطيع التذمر. على الجانب الآخر في نفس القرية . يوجد سعدان الذي أباه وأمه من أصول العبيد تتجسد في الرواية من : سرور وحُسن وخاله الذي يقيم في السعودية ، وتزوج ولديه بنتان وولد من عمانية . وعمته التي تسكن في إحدى قرى الصعيد ، ولديها بنت وولد. وكان سرور يعشق حُسن ، واستمات من أجل أن يبقيها ، ولا تباع على يد سيدها لتاجرالعبيد حتى يتزوجها . وتعتبر حُسن الصوت الروائي الراحل في بدء الرواية من خلال ذكريات عوض معها. لأنها ماتت وتولى عوض الخوض والحكي عنها كصوت روائي حاضر، وباق إلى نهاية الرواية ، وكان ذلك وعمره في الثالثة عشرة. لأن عوض كان صديق سعدان الوفي والمخلص له دومًا . وأنها حين رأته شعرت أن وجه جده مرسوما بين أذنيه ، ويشبهه إلى حد كبير. فأحبته أكثر فهو الذي أنقذها من البيع لتاجر العبيد في السوق في الوادي الكبير ، واشتراها وزوجها لسرور حبها الكبير. وتسرد لعوض كل الحكايات المؤلمة والشديدة المرارة عن ماضيها قبل التحرر. قائلة بوجع ومرارة التذكر الموحش : (نزلنا من القرية إلى الوادي يهرول به حماره ونهرول نحن بعده ، وعلى الضفة المقابلة من الوادي ، رأيت سرور واقفا يرقبنا وعيناه تتبعنا ، ثم رأيته يجري نحو بيت جدك ، ) وقال جدك : ( الشفعة لي ، فخذ الثمن الذي بعتها به ).(28). وحكم بالشفعة لجدك في شرائي ، وتم بيع أخي سعدان للتاجر ، وكانت الفرحة منقوصة ، ومنغصة برحيل أخيها عنها إلى الأبد ، رغم فرحها بالتقاء سرور، والزواج والعيش معه ، وانجاب سعدان .
تتوالى أحداث الرواية ، ويستكمل الطلاب الستة دراستهم : ( عوض ، ونصر ، والأحول ، ومحمد، وطالب الفتى ، وسعدان ). في المدرسة الثانوية في مركز ( نصاب ) ثم يتفرقوا كل إلى مصيره ، ويتزوج عوض من هند التي يحبها ، وينجب ولد وبنت ، ويتوفى والد نصر، ويرتدي رداء الجد الأكبر " النوام" الوقور ، وتُسمى ( الشيخة ). وترفض سلمى الزواج من سعدان التي لشدة اعجابه بها أطلق عليها سماء في أشعاره وأغانيه ، رغم أنهما من نفس الطبقة الاجتماعية ، لأن جدها كان مملوكًا ، واعتقه سيده قبل وفاته . ويقرر سعدان السفر إلى خاله في السعودية بعد أن أرسل له تاشيرة ، وتتدهور الأحوال في القرية بعد أن شنت قبيلة الجراهمة الحرب على قبيلة النوامي التي منها منصور نائب مأمور المديرية الذي تورط بقتل صاحبهم ، وقد أحضروا للشيخ نصر كل مايثبت تورطه . بما في ذلك محاضر نبشوها من تراث الدولة الميتة ، بل ووجدوا مكافأته من الدولة بترقية ووسام شرف. ودارت حرب أنهت على الخير والبركة والسلام الذي كان يعم القرية من قبل . حتى توقفت الحرب بعد سنوات ، وكافأ منصور قبيلته على وقوفها معه . بتجنيد الكثير بأحد الألوية الجنوبية ، وكان عوض أحدهم . وبعد التدريب والكفاح سواء في حرب الجراهمة ، والألوية الجنوبية ، قاموا بتسريح الجميع ، وقد فتحوا بوابة المعسكر بقول رادع ومهين بكل برود : ( بوابة المعسكر مفتوحة ، اذهبوا لبيوتكم ) . فقد أعلنوا الحياد ، وكل قيادات الألوية تم حيادها. دون أن يقاتلوا أو يحاربوا أحد. ويقررعوض الهروب من هذه الهزيمة النكراء ، وقد شعر أنه بات ( رجل مهزوم ، وجيش مهزوم بل ووطن مهزوم ). ومشاعر الخذلان تقهره ، وتدفعه بالهروب بالسفر إلى السعودية عن طريق المهربين مثلما فعل الأحول قائلا بيأس قاتل : ( قفزت من خلف الحدود ، فلا قدرة لي على شراء التأشيرة ، ولم أستطع تحمل حالة الفقر التي نحن فيها هناك ).(29) ، ويشكو من تعامل الشيخ نصر، وجعله أيضا يترك البلد كلها. بينما عوض خاض تجربة قاسية عن طريق المهربين الذي وصفهم سعدان بصفة مشتركة وهي الكذب. مثل رؤساء البلاد كما يلي : ( إن المهربين من أكذب الناس ، بل إنهم في وعودهم الأكذب على الإطلاق ، وقد ينافسهم في ذلك مسؤلو بلادنا حين يقطعون الوعود الكاذبة تلو الأخرى دون أدنى حياء ). (30) ، وقد اهتدى عوض لباب العزبة بورقة كتب فيها العنوان مهاجر عاد للبلدة منذ شهور. وفي وصف بديع يحكي سعدان عن تلك العزبة التي سبق عوض في الذهاب إليها بعد أن طُرد من القصر. الذي كان يعمل فيه بسبب ابن صاحب القصر الطائش ؛ الذي نهره وألزمه بدفع ثمن تصليح السيارة الرياضية ، وقد صدمها سعدان دون قصد من الخلف بعد الطرد أيضا. قائلا على لسان حاله : ( قبيل الظهروقفت أمام باب بيت " العزبة " . المطلي بلون أخضر قديم ، تتجمع أوساخ سوداء في زواياه ، بينما يأكل الصدأ أطرافه السفلية ، عليه كتابات بلون أبيض باهت ، وأخرى خربشات بمسمار " باب العزبة " " بيت الندم " وعبارة في أعلاه " عش لوحدك " ). (31). داخل زقاق ، بالكاد تمر سيارة صغيرة من خلاله. وأثناء وجوده في القصر يتعرف على الخادمة الفلبينية مارلين ، وتعجب به وتحاول التقرب منه وتترك الخدمة ، وتعمل ممرضة بمجرد أن يترك سعدان القصر بتلك الطريقة المهينة ، وقد لطمه خاله وزير القصر، وأهانه أمام الجميع، ويحب سعدان مرة أخرى ابنة خاله سعاد ، ولكنها في النهاية تتخلى عنه بمجرد أن يرحل من السعودية ، وترسل له رسالة بعدم استعدادها الزواج منه ، وهو على الحدود يتسلق الأسوار للعودة إلى موطنه ، وبعد وصوله لبيته تفاجئه رسالة من الحبيبة الفلبينية مارلين ؛ التي كانت تحبه من البداية ، وتتمنى الزواج منه ، وقد قررت عمته وزوجها العودة إلى الصعيد بعد ترميم البيت ، ويعود عوض لأسرته ، والأحول لأبيه وإخواته الصغار، ويسعد أبيه رغم فراق أخيه. . حيث في السابق يتقابل الثلاثة في الغربة من سعدان والأحول وعوض ، ويعيشوا معا رحلة من الجوع والحرمان والشقاء في ليالي الغربة المميتة. ويقرورا الرحيل والعودة إلى قريتهم البسيطة بأي شكل ، وقد كان من خلال الاختباء داخل شاحنة كبيرة.
هذه الخلاصة الحكائية التي تشهد جزء تاريخي هام من اليمن بداية من ثورة التحرير في الرابع عشرمن شهر اكتوبر. حتى الاستقلال عن الاحتلال البريطاني في 30/11/ /1967م ، وما قبلها ، ثم في 13/ يناير 1986م. اقتتال في عدن . وحروب القبائل بين الجراهمة والنوامي ، وتوحد اليمنان ، ويستمر المشهد التاريخي في المتن الروائي تقريباً حتى 1994م ، وعوض يحكي عن تجربته في الحرب أثناء انضمامه في الجيش لأحد الألوية الجنوبية. وظهور الجولات. كنقلة جديدة في مظاهر الحياة ، وكعنصر جديد يدخل حياة الجميع.
هذا النسيج الروائي يدور في حلقة متكاملة بأفعال تواصلية سميولوجية بين الدال والمدلول من خلال المؤشرات القصدية أي إشارات (signaux).كما ذكرنا في بدء القول عن تقسيم الباحث السميولوجي ( لوي بربيتو) تقسيماً ثلاثيا للمؤشرات : ( ويُسَمّي المؤلف كل فعل تواصلي فعلاً سيميائياً، كما يوظف في الإطار نفسه مفهومين مركزيين آخرين هما : السيمياء ، والسيميائية. يُقصد بالسيمياء كل إجراء عرفي يمكن تحققه الملموس. ( المسمى بالفعل السيميائي ). بالتواصل. السيمياء إذا هي الجزء الوظيفي من الفعل السيميائي ، ويتكون من العناصر الوظيفية للسلوك المحسوس تبعًا لذلك ، فإن " موضوع السميولوجيا ليس هو بالضبط الفعل السيميائي في واقعه الملموس، بل فقط مجموع عناصره الوظيفية. وعندما يكون السميولوجي شاهدًا على فعل سيميائي ، يلزمه أن يستخرج منه السيمياء". ويمكن تشبيه الفعل السيميائي والسيمياء بثنائية الكلام والخطاب عند اللساني الذي يلزمه دراسة تجليات الكلام ليستخرج منها الجانب الوظيفي أي الخطاب ). ( ويتخلى بويسنس عن استعمال مصطلح لغة لتسمية أشكال التواصل اللغوية وغير اللغوية ، فيتبني لفظ سيميائية للإشارة إلى اللغات وعلامات المرور والعلامات الغرافية ( الخطية ) المستعملة في العلوم الدقيقة والمنطق ). ( ورغم أن الدلالة ذات طابع نفسي . فهي عرفية من حيث كونها " تتحقق باكتشاف ما هو مشترك بين حالات وعي الأفراد الذين يتواصلون " وتقضي إمكانية إيصال ما هو خاص بفرد ما " ).(32) ، وعناصر تلك الحالات المشتركة في وعي أفراد الرواية الذين يتواصلون ؛ من أجل إيصال عالمهم الثري والزاخر بالمعرفة ، والثقافة المختلفة ، والمرتبطة بتلك الجغرافيا. تؤسس على التالي : 1ـ البنية السردية المكانية والزمانية. 2ـ الشواهد التاريخية ، والثقافة المتجذرة بأساطيرالأولين ، والميراث القديم من علية القوم وأسفلهم ، حين حكى الأحول عن النظرة إلى البنغالي. أن النساء لا يغطين وجوههن عنه ، وحين آتي أنا معه يبادرن بالحجاب ، وقد ظن أن هذا أمر حسن وميزة جيدة قائلا : ( أن بعض المهن تعري المجتمع ، وتبين مساوئه ، ومع ذلك فقد كنت أوفر حظا من رفيقي لكونه عربيًا ، لكن لم تصل إلى مرتبة مُرضية ، بينما البنغالي كانت النظرة له اشد قسوة ، والمعاملة تفتقد للإحترام ).(33). 3ـ الأحلام الحقيقية ، وأحلام اليقظة لأبطال الرواية من الجيل الجديد ، الذين ولدوا أحرار ، لكن لا زالوا يعانون من التهميش والظلم والفقر. نموذج : سعدان ، وسلمى وغيرهم. أو حتى المنتمين لقبائل حرة معروفة ، وذات وجود، وأصول. نموذج : عوض ، ونصر ، والأحول ، ومحمد وغيرهم من قبيلة النوامي ، والجراهمة وغيرها. كحلم عوض في الغربة بعد أن نام في غرفة سعدان : ( حلمت أنني ما زلت عالقاً بين حدود البلدين ، يطاردني المجانين من الجنوب ، ومن الشمال يصوب الجنود بنادقهم نحوي ، بل ويطلقون رصاصاتهم ، فتمر بجانبي ، أسمع أزيزها ، فأقوم فزعاً ، ثم أستعيذ من الشيطان ، وأعود لأنام من جديد بعمق أكثر ، دون أن أحلم بشئ أبداً ).(34) ، ولا نغفل الحوار الذي يتجه في بعض الأحيان لوجهة فلسفية وتأملية ، ولو بعض الشئ. بين عوض وسعدان أو بمفردهما. التي تأخذ نبرة التعالي أحيانا ، وأراها ربما تتجاوز وعيهم الروائي إلى حد ما. كسؤال عوض عن قيمة السؤال عن الموت وفقد الحياة. وإنما السؤال الأجدى من وجهة نظره : (ربما هو كيف نبتت حياتنا ونمت ، لا كيف هرمت وماتت ). (35). عندما عاش موت حُسن ، ووالد نصر، والرصاصة التي أصابت صهره محمد أثناء حروب القبائل ، وخشى أن يموت في أحضانه ، وهم ينقلوه سريعا إلى المستشفى ، وقد اعترف له أنه هو من أوقع نصر في العراك أثناء اللعب في الساحة بالكرة في المدرسة الثانوية التي اتهم فيها. أيضا سؤال سعدان بممرارة عندما غير خاله اسمه إلى سعدا قائلا : ( لماذا نتنازل كثيراً في هذه الحياة .... حتى يصل الأمر لأن يتخلى أحدنا عن اسمه كما فعل خالي ).(36) ، ويفسر لعمته اسم سعدان الذي صارسعدا. تقول العمة أن سعدان هو مضاعفة للفظ سعد ، وأن هذا معناه. ( لكني جادلتها بأن لي وجهة نظر أخرى. قلت لها ، إنه سعد واحد ، ولكنه معرف ، إن سعدان معناه " السعد " بدت مستغربة ، فشرحت لها مرة أخرى : ( ياعمتي كما أننا لم ننبت من الأرض بل لنا أباء وأمهات ، فاللغة التي نتكلمها لم تولد هكذا مكتملة دون أن يكون لها أم تنهل من ثديها المفردات ، ثم تتطوربعد ذلك. نحن اليوم نعرف الأسماء بأل التعريف فنقول " السعد " أليس كذلك ). لأن : ( قديما كانت لغة تكتب سطورها بخط المسند ، ومن قواعدها أن التعريف يأتي بآخر الكلمة ، وتعرف الكلمات بألف ونون بعد الاسم المعرف ، بل ملتصقة به كذيل " السعد" ينطقونها " سعدان " ).(37). إنه في النهاية كما يقول سعدان : ( رابط المكان الذي نشأنا فيه ، واللهجة التي نتكلم بها ، والألقاب التي نحملها فتعيدنا لجذورنا البعيدة ). حيث تتم كل هذه الأحداث الروائية من خلال حقبة تاريخية محددة من تاريخ اليمن. في إحدى القرى التي بها حُسن ترعى أغنامها في الوادي ، ويسكن بها سعدان في مطرح به سبعة بيوت متجاورة أطلق عليها قرية السبعة ، تتبع مركز مديرية ( نصاب ) في جنوب شرق اليمن ، تحمل طابع سيكولوجي ، وسيوسولوجي به العديد من المؤشرات على الخلفية الاجتماعية ، والوضع الاقتصادي. من رعي الأغنام والإبل وزراعة الأرض .وذلك لأن ( من المفيد الإشارة إلى الطابع الاجتماعي للصيغة لأنها اعُتَبرت فعلاً سيكولوجيا ، هكذا كتب أنطون مايي متحدثًا عن ضروب الأفعال التي تساهم في التعبير عن الصيغة : " تُستعمل تسمية الصَيغ ويُقصد بها الأشكال التي بواسطتها يتحدد موقف الفرد المتكلم من الحدث الذي يشير إليه الفعل " ).(1). (38) ، وقد كان الأولين يُسمون كل شئ من الأماكن ، والآبار ، والحصون ، والسدود ، والدواب ، والأشجار حتى الصخور الكبيرة . مثلما أطلق سعدان على الناقة البيضاء شديدة البياض اسم ( سحاب) ، والأخرى تميل للحمرة اسم (ريمة) . حين أعطاهما له والد عوض ليرعاهما في مقابل أن يكون له النصف فيما يأتي منهما. وعندما ماتت سحاب أثناء ولادة ( الحوراء ) أتت باسمها كما أشار سعدان ، وكان اسمها سحاب أيضاً. ويعبر عن نفسه قائلاً : ( أرواح الإبل تألفني كثيراً ).(39) ، وأيضاً يجيد أغاني الرعاة وحداء الإبل ؛ التي تجعلها تحث السير مسرعة ويعرف لغتها ، والمواويل ، والحكايات الشعبية ، وهذه المواويل تطرب لها جماهير القرى والبدو. وينطق عوض بسكون الواو مثل لهجة بعض البدو من القبائل المجاورة ؛ الذين ينطقونها هكذا دون بقية الناس قيقولها " عوْض " . ومن ثم ( وينطلق لفظ السيمياء ( le seme ). على كل إجراء عُرفي يُمكن إنجازه الملموس والمسمى الفعل السيميائي actesenique ). من تحقيق التواصل ).(40) ، فتلك الأفعال السيميائية تُمكن من إنجاز زمن الأشياء ، والأعراف الاجتماعية داخل قرية السبعة ، واستطاعت أن تحقق التواصل مع تلك البيئة ، من خلال الإشارات المرتبطة بها من : رعي الأغنام والإبل ، وزراعة الأرض ، ومضغ القات الشهيرة به ، ونشوته ، والأغاني الشعبية ؛ التي منها تحث الأبل على السير كما ذكرنا في السابق. و( مواويل حراثة الأرض بالأبقار ، وحين الري ، وثالثة حين جني المحصول . تلك الأهازيج التي تعين المزارعين على مكابدة الأرض وفلاحتها ، وأغاني الرعاة تعجب سعدان ).(41) ، والراوي المتعدد الأصوات من عوض وسعدان ينقلنا من دفقة شعورية قوية من واحدة لأخرى ، وقد ( سقط قرص الشمس خلف جبل المروازة الكبير ، وما تزال أشعتها تلمع في السحاب المتفرق ، الذي يسبح في السماء بهدوء فتميل للاحمرار ).(42). قائلًا عوض بفتنة وجمال : ( يحفظ سعدان الكثير من الفن الشعبي ، يجملها بصوته العذب وإحساسه المتدفق ، الذي نراه بتعبيرات وجهه ويديه ، ونبرة صوته. بكل صوت يشدو به تظهر صوره بمخيلتي ، رجال ونساء يعملون بيوم حصاد كبير، رجل كهل يتبع " ضمد بقرة " بمحراث خشبي عتيق ، امرأتان يتقابلان وتديران بينهما رحى حجرية قديمة ، شباب يحملون رماح مربوطة بها أصابع من خشب يرفعونها عاليا ، فتُذهب الرياح القشور، والتراب ، وينزل الخشب إلى الأرض ، فتصعد أكوام من القمح الأسمر. رجل يبعد الحشائش من طريق الماء ، وآخر يصعد نخلة لينظفها من الأشواك ، قبل موسم التلقيح بأيام ، راع يسوق أغنامه ، وآخر يذود ابله ، حجّار يصارع الصخور ، فيحيلها أحجار صغيرة ). وعوض يحكي بكل ابتهاج وتدفق شعوري طاغ ، عن اعتزازه بتاريخه وقريته الصغيرة ، وهويختم حواره ( لكنني سعيد أنني أخلق من الخيال كل تلك الصور ).(43). إذا ما الفرق بين السيمياء والفعل السيميائي : ( يُسمى الفن عادة بأنه لغة. وهنا لابد من إجراء تمييز أساسي ).(لا يقوم الفنان بالاستنساخ ، بل يغير من مثاله ، وفي غالب الأحيان ، لا يفكر أبدًا في أي مثال إنه ينقلنا إلى عالمه الخاص به . يتجلى الفن في هذا الإنزياح بين الواقع والعمل الفني ).(44) بمعنى ( إن الطابع السيميائي لحدث أولشئ ما يتوقف على الوظيفة التي نُسندها له ).(45) ـ ( ببساطة ، يبدو الفعل السيميائي لأول وهلة على أنه ترابط فعل (acte ) محسوس . يتيح إقامة العلاقة الاجتماعية ـ بحالة وعي نريد إظهارها. لكن ينبغي أن لا ننسى الطابع العرفي لهذا الترابط : فالفعل المحسوس ، هو بالخصوص ، تكرار فعل سابق ، إلا في حالة ما إذا كان الفعل الأولي الذي سيتكرر لاحقًا شريطة أن تتكرر الظروف التي كانت السبب في استعماله لأول مرة ).(46). (لكن الكتابة كافية لتحقيق التواصل لأنها تسجيل العناصر الوظيفية ).(47) ، وبذلك ( تضطلع ملكة التجريد بدور أساسي في التواصل).(48). بداية من عتبة النص المعنون ( نخلة وبيت ). قد بات جزء أساسي له وظيفة سميولوجية تواصلية ؛ بإفراز عناصره الوظيفية داخل السرد الروائي. وأصبح جزء منطقي ، ويصنف كتجريد ، ويقوم بالتجريد بكيفية طبيعية لنا ، رغم أن النخلة والبيت أماكن صماء جماد لا يتحدثان أو يفكران أو يشعران مثل أي كائن حي . ولكن من خلال الفعل السيميائي وتوظيف عناصره ، بأن أصبحت تلك الأشياء المجردة تؤدي إلى المعنى المحسوس من خلال العلاقات الاجتماعية التي تخلق التواصل ، بل أصبحت جزء أساسي من هذه الإدراكات . تلك التي تكون مشتركة بين مختلف الأداءات ؛التي تُعمق طرق التواصل بين البشر داخل العنوان الأشمل (نخلة وبيت ) ، كمؤشرات قوية على لغة التواصل والتفاعل ، وتوافر دلالاته السيميائية في خلق فعل سيميائي موظف على طاولة الطرح الروائي ككل داخل النسيج الإبداعي . فيكفي أن ( يتكرر العنصر الوظيفي ). بالنسبة إلينا ليقوم بدوره كاملاً (نخلة وبيت ). كما أشار الباحث في بدء القول. وذلك لأن : (قلما نكون واعيين بالفرق بين الدلالة المجردة للسيمياء وحالة الوعي التي هي أساسها الملموس . لكن من السهل أن نجعل الفرق واضحًا بكيفية تجريبية ).(ويظهر هذا التعارض كذلك بين الدلالة المجردة وحالة الوعي الملموسة عندما يتم إشراك شئ ملموس في التواصل ).(49). نموذج ( نخلة وبيت ).التي تعبر عن الدلالة الواضحة الملموسة ، والفاعلة في تحقيق التواصل السميولوجي بشكل كبير. تحت عنوان لرمز هائل المكونات الوظيفية بعناصره المتعددة داخل التخييل الروائي ، والتفعيل الحركي لكل أحداث العمل الإبداعي الممتد في موازاة مع تاريخ اليمن. بل أصبح هو نفسه ( جزء من هذه الإدراكات : تلك التي تكون مشتركة بين مختلف الأداءات ).(50) ـ ( وينتج عن ذلك أن موضوع السميولوجيا ليس هو بالضبط الفعل السيميائي في واقعه الملموس ، بل هو فقط مجموع عناصره الوظيفية ، وعندما يكون السميولوجي شاهداً على فعل سيميائي ، يتحتم عليه أن نستخرج منه السمياء ).(51) كما أُشير من قبل ، ومن ثم ( نلمس هنا ما يمكن تسميته بالوظيفة الإشارية ( ((deictique.(52) نقول مثلا : هذا الاسم مرتبط بهذا الشخص أو الشئ الملموس.(فالسيمياء تتحقق بشكل ملموس ). (52). مثل نخلة وبيت تشير إلى بيت سعدان الذي ولد حرًا ، لكن للظلم والقهر والإرث المتخلف ، لا زال البعض يناديه العبد سعدان رغم تحرر الجميع ، وما يلي ذلك من كل الحدوتة الكبيرة التي عشناها معه على مدار الزمن الروائي منذ الطفولة حتى الشباب. وعاش ومارس حياته منذ ثورة التحرير، والاستقلال والاقتتال في عدن ، والحروب بين القبائل ، والسعي لتوحد اليمنان حتى رسالة عوض التي أتته منه أثناء وجوده في الغربة بتاريخ 2/ 11/ 1994م . وتحكي عن تجربته في الحرب التي شعر فيها بهزيمة شاملة وهو يئن ويتوجع بقوله : ( رجل مهزوم ، وجيش مهزوم ، بل ووطن مهزوم ).(53). مما اضطره أن يخوض تجربة قاسية للهروب إلى الرياض بحثا عن الرزق مثل سعدان ، والأحول داخل سيارة تحمل خمسة وعشرون شخصا حشرا وقهرا دون أوراق ثبوتية ، ولا تأشيرة دخول . محشورًا في السيارة على قمة أبها حتى وادي الحائرفي الرياض . وبجانبه يعيش معه في العزبة فارس العاطل منذ سنوات . يسهر ليله على التلفاز ونهاره نوم طويل ممتد حتى الغروب ، وأنه لولا أخوه ما وجد ثمن لقمته. بينما سعدان بعد طرده من عمله وانهياره وضياعه للبحث عن قوت يومه في حي البطحاء.( ذلك الحي الشعبي بوسط مدينة الرياض ، الذي يكتظ بالعمالة الأجنبية ، ويعد مكان تجمعهم الأول في الرياض ).(54). قائلا بكل أسى وتعجب : ( عشت لوحدي بعدها ، وأنا معدم وجائع في أوقات كثيرة ، في بلد متخم ، يرمي ثلث طعامه بمكب النفايات ).(55) ، ثم بعد ذلك الهروب من الكفالة ، وقد قطع صلته بكفيله ، ولم يعد يسلمه ريالًا واحدًا منذ شهور ، ولذلك انتهت إقامته، بعد أن أبلغ كفيله عن هروبه في مكتب الجوازات، ورمى الإقامة وانضم لعوض والأحول . وثلاثتهم بدون أي أوراق. وأطلق سعدان على نفسه مسعود ، وطلب من أصدقائه مناداته بذلك كي يتعودوا على الاسم الجديد. حتى إذا داهمتهم الشرطة أو الجوازات يكون اسمه مسعود لا سعدان ، لأن هذا الاسم لا يوجد في ملفات الحكومة. وحاولوا تنفيذ خطة النفاذ لبلدهم بحافلة الترحيل ، لكن تم طردهم من نقطة التفتيش بعد أن تنبه أحد الضباط لخطتهم ، وأخبرهم أن يعودوا لبلدهم كما أتوا إلى هنا بنفس الطريقة. ولذلك لم يبق من سبيل سوى التهريب. ( ينتج عن ذلك أن موضوع السميولوجيا ليس الفعل السيميائي في حقيقته المادية ، بل الجزء الوظيفي من هذا الفعل أي السيمياء ، وعندما يكون السميولوجي أمام فعل سيميائي،عليه أن يبدأ باستنباط سيميائه لنسجل أن سيرورة التجريد هاته تتعلق بالفعل المحسوس مثلما تتعلق بحالة الوعي ). بمعنى أن ( يختار الفرد إذا السيمياء المطابقة لحالة وعيه ، ويجسدها على شكل فعل سيميائي. بهذا السلوك المحسوس يدركه الفرد الذي يستهدف التواصل . فيستخرج منه العناصر الوظيفية ، ويتعرف على السيمياء . مما يعني أنه يتعرف على دلالاتها ).(56) ، ومن ثم ( قلنا أعلاه أن الفعل السيميائي يتمثل في كونه يربط فعلاً ملموساً بحالة وعي ملموسة ؛ وهنا لابد من إضافة توضيح مهم يخص حالة الوعي. ذلك أن التواصل لا يتعلق دائما بأحداث ملموسة ). ، أي ( كل مادة يرافقها صيغة ، وهذه الأخيرة ينبغي أن تكون مجسدة .سواء تعلق الأمر بإثبات أو أمر أو سؤال أو تمنّ فهو دائّما علاقة اجتماعية بين أفراد ملموسين ؛ فالصيغة ينبغي أن تتكون مجسدة ). ،وهذا يقودنا إلى خلاصة مفادها أن كل فعل سيميائي يقتضي دائما نوعاً من التجسيد ).(57). وتلك السيميائية بالتالي ستفرز لنا الدال والمدلول بوجهات نظردلالية متنوعة من خلال إرسالية المؤشر. وبالطبع ( الدلالة تختلف حسب الظروف التي استعملت فيها ).(58) ، ومدى الافادة في تحليل كيفية التأويل لها . أي مدى قدرة الدال والمدلول في تفعيل الفعل السيميائي ، وإبراز عناصره الوظيفية لتخدم المنتج الإبداعي في كل الاتجاهات والنواحي التي تناولها داخله. وتلك السيميائية بالطبع ستفرز لنا الدال والمدلول بتنوع دلالي. داخل تقسيم المؤشرات القصدية. كما أشار الباحث السميولوجي ( بربيتو) في بدء القول ،لأن : ( الدال الذي هو الكتابة له مدلول هو فونيمات الخطاب ، أي دوال سيميائية أخرى ؛ وهذه الدوال لوحدها لها كمدلول هذا الجزء من حالة الوعي التي هي موضوع الإرسالية. إذًا تتحدد سيمياء تعويضية ما بأنها سيمياء تتكون دلالتها من دوال سيميائية أخرى ؛ وتتحدد السيمياء المباشرة بأنها تلك التي تتكون دلالتها من محتوى الإرسالية .).(59). نموذج لذلك عندما تحدث سعدان عن قبرأبيه ذات القبة الزرقاء ، كدال عميق المغزى على مدى الظلم والافتراء الذي عاشه العبد سرور طوال حياته ، قائلا يصف قبره بحزن شديد على حرمانه منه ، وطريقة فقده المؤلم : ( قبر شُيدت عليه قبة صغيرة ، جميع قواطع البناء محكمة ومبنية من الحجارة إلا جهة واحدة كان بها فتحة مربعة ، تتدلى من تلك الفتحة طُرح سوداء وأخرى ملونة وخصلات شعر ،) ( لكن البناء بالقبة الزرقاء كان جميلاً جداً. ). ويفسر سبب بناء القبة لوالده ( هذه القبة بناها رجل من قرية مجاورة ، بعد أن رأى أبي في المنام يدله على تربة قبره ، وأنها مباركة أن فيها شفاء من الحساسية التي يعانيها فوضع ذلك التراب على جسده وشفي تماماً ، فبناها تكريما لأبي ). ( وأن هذه الكرامات اكتسبها بعد موته ، لأنه قُتل مظلوما بعد وفاته بسنين قليلة ).(60) ، لذلك ( عندما تحدث جيلب وغولد شتاين عن الوظيفة المقولية (categorielle)ـ أي مقدرة التجريد ـ لم يفكرا إلا في فعل نفسي وفردي . لكن التجريد الذي يهم السميولوجي ذو طابع اجتماعي : على السميولوجي أن يستخرج ما هو مشترك بين الأفراد الذين يتواصلون. وهذا هو ما يضع الحدود بين عالم النفس ، ومجال السميولوجي ، ومجال اللسانيات في النهاية ).(61) ، ومن ثم ( وجهة النظر السوسيولوجية تكون كل سيميائية خاصة بفئة اجتماعية ).(62). نماذج : عندما لمع نصل ( جنبية ) جد عوض القديمة الثمينة أثناء ارتداؤه لها في عرسه ، وقد اشتهرمنها نوعان : زراف وصيفان . وحكاية العم فريد المهاجر إلى الرياض : (العم فريد الذي كان يسكن في الغرفة الواسعة ، التي لها نافذة تطل على الصالة ، الذي أمضى هنا خمسة وأربعين عاما ، يحكي أنه أتى إلى ديار الغربة وما زالت كل المباني من الطين في عاصمة المملكة ، حين كان عمال بلدية الرياض يستخدمون الحمير لجمع القمامة من الشوارع ).(وحي البطحاء المزدحم الآن ، كان واد خال لا يسكنه أحد ). وأن هذه النهضة العمرانية كلها نمت أمام ناظريه ، ويتذكر كل أصدقائه الذين كانوا معه ذلك الوقت . وكل شئ وأعمالهم ... إلخ ).(63) ، ويتشابك التاريخ مع ارتباطه بهذه الفئات الاجتماعية في قرية السبعة ، ويتحدث عن نفسه وعمقه على لسان حال سعدان قائلا : ( أقود ناقتي ، فأبحث في مساكنن خربة ، ومقابر منذ عهد أوسان وقتبان ، أبحث حولها لأرى آثارهم ، وأتتبع نقوشهم ، وأجد في تلك الأماكن أوعيتهم الفخارية التي كانوا يدفنوها مع أصحابها حين وفاتهم ، ظنا منهم أن الموتى سيحتاجونها في حياتهم الآخرة ، لم أجد تماثيل ولا معادن ثمينة ، فالكثير منها قد تم نهبه ، وبيعه لأولئك الخواجات القادمين من الغرب ، بثياب سياح وهم في الحقيقة تجار ومهربوا آثار ). ويستطرد في دفقات شعورية سردية بديعة : ( وحدها نقوش الأجداد العظام لكتاباتهم المسندية على أحجار ضخمة ، في الجبال ، والمقابر ، وعلى السدود والحواجز هي الباقية أمامنا ).(64) ـ ( قبة أبي الولي الذي يعتقدون بشفائه للمرضى ، وعن مكان نسميه " الخلسة " نضع فيه الأطفال المرضى فنظنهم شفوا ، ونضع الأطفال القبيحي الوجوه ، فنأخذهم وهم الأجمل بعيون أمهاتهم . حديثه عن أكلنا الفطريات تنبت مع المطر ، كنا نظن البرق هو من يغرسها في باطن الأرض ). قلت له : ( أنهم ربطوا حرز حول خصري ، ليحميني ، ويحفظني من عيون الأشرار ، وغدر الفجار ، ومن الأمراض وهمزات الشياطين ، لكنه ضاع فبحثت عنه ولم أجده ).(65). ( وطبقا لتصنيف السيميائيات). ( رأينا أن الدلالة ليست أمراً معطى فلا يستطيع الوصول إليها إلا بواسطة افتراض ينطلق من شكل السيمياء. والشئ نفسه صحيح طبعًا بالنسبة إلى العلامة ، لا يمكن الوصول إلى المدلول إلا انطلاقا من الدال ). والسبب ( إن ما يحدد وحدة المدلول هو وحدة الدال. ينبغي إذاً النظر إلى العلامة بأنها ترابط ذواتجاه وحيد ، حيث إن الدال هو وسيلة الوصول إلى المدلول ).(66). كما اتضح من حديث سعدان عن تاريخ بلاده ، وحياته ، وأبيه ، وكل تلك الشواهد التي استوضحت سواء في المتوالية السردية بين عوض وسعدان ، أو بين الأخرين من ضحايا القهر والظلم ، وهذا يؤدي بنا إلى التمييز بين المعرفة والدلالة ذات الطابع السميولوجي ( لكي يستطيع الأفراد التواصل فيما بينهم يأية طريقة كانت ، من اللازم وجود نقط مشتركة بينهم . ثمة اتفاق طبيعي ناتج عن أن الأفراد تكونوا بالطريقة نفسها ؛ لكن ما يهم السميولوجي هو الاتفاق الذي يتحقق من أجل التواصل أو بواسطة : ينبغي توفر تجارب مشتركة تتعلق ، في آن واحد ، بالوسائل المستعملة ، وبالوضعية الاجتماعية التي تستعمل فيها هذه الوسائل. إن الدلالة ذات طابع نفسي ، لكنها عرفية : تتحقق باكتشاف ما هو مشترك بين حالات وعي الأفراد الذين يتواصلون ؛ إنها تقضي إمكانية إيصال ما هو خاص بفرد ما ، فالأنا لا يمكن التعبير عنه ولا أحد منهم الآخر بالضبط (1).إن من نتائج هذا الطابع المعرفي أن كل سيميائية غير كاملة ، بما في ذلك الخطاب الذي نكمله في كل لحظة باللجوء إلى سيميائيات أخرى ).(67) ( وسنستشهد بأحد المتأخرين هوفون وارتبورغ الذي يقول : " من الأرجح أن اللغة تهيمن على عقول الناشئة من خلال نوعية الفكر الذي تحتوي عليه مسبقاً. وفكر الإنسان مُنمذج بواسطة اللغة التي تكتسب سلطتها من خلال فكرة. من المألوف أن نتحدث عن امتلاك الفرد ناصية اللغة ، لكن اللغة هي التي تمتلك ناصيته في الحقيقة (1) ).(68). قائلا سعدان بعذوبة سردية ، ومرارة الفقد ، وهو يرحل إلى عالم الغربة الجديد عليه ، وقد هجر قرية السبعة ، وكل ماضيه وتاريخه. بعد أن فقد أبيه ، وأمه ، ومن تمنى أن يتزوجها سلمى التي أطلق عليها سماء في أشعاره وأغنياته. ( دونت في قرارة نفسي ، بداية رحلة حياة ، لم تبدأ منذ عشرين عاماً ، بل بدأت ذلك اليوم ، فتلك الحياة الأولى بناسها وقراها وأغنامها وإبلها ، وكل دوابها ، كل ذلك لن أجده في حياتي القادمة ، فأمامي مدينة تطل على البحر ، وتجاور بيت الله الحرام ، وهناك خالي الذي أسموني باسمه ، فتخلى عن اسمه ليتركني أنا الوحيد بهذا الاسم " سعدان " السعد القادم من بعيد ، من بلدة لم تُدون بالخريطة ، بلدة عاش فيها أبي وجدي ، هي موطني ، وليس لي منها سوى نخلة وبيت ).(69). بينما نهاية الرحلة بعد الهروب من الغربة ، ومحاولة العودة إلى الوطن بأي شكل قائلا : ( وصلنا لقرية صغيرة ، في أقصى جنوب جيزان ، لا جبل يطل عليها ، ولا واد يسقي أراضيها ، يحيطها فضاء واسع من كل جهاتها الأربع ، كانت آخر ما يفصلنا عن بلد القات والسلاح والقبائل المتنازعة ، بلاد الفساد والفقر الشديد ، والدولة الهشة ، وهي أيضاً بلد الحضارة والتاريخ ، ومهد العرب الأقحاح ).(70).


الهوامش :
1ـ انظرالمصدر: السميولوجيا والتواصل . إيريك بويسنس / ترجمة وتقديم : جواد بنيس ـ رؤية للنشر والتوزيع ـ الطبعة الثانية : 2017ـ ص : 8 ، 9 : هامش داخلي / (1) ـ انظر أمبرتوإيكو Lesigne bruxelles Labor 1988 p 36
2ـ المرجع السابق : ص : 11
3ـ نخلة وبيت : ص : 3
4ـ نخلة وبيت : ص : 17
5ـ نخلة وبيت : ص : 8
6ـ نخلة وبيت : ص : 9
7ـ المرجع السابق : ص : 12/ هامش داخلي (#) : من أجل فهم أفضل لمدلولات المصطلحات المستعملة . يستحسن الرجوع إلى ثبت المصطلحات الموجودة في نهاية هذا الكتاب.
8ـ المرجع السابق : ص : 12
9ـ نخلة وبيت : ص : 4
10ـ نخلة وبيت : ص : 4
11ـ نخلة وبيت : ص : 69
12ـ نخلة وبيت : ص : 146
13ـ نخلة وبيت : ص : 5
14ـ نخلة وبيت : ص : 5
15ـ المرجع السابق : ص : 12 / هامش داخلي : (2) : ولد بويسنس بمدينة غان ببلجيكا سنة 1900حصل على الدكتوراه في الأدب المقارن سنة 1923، وأصبح أستاذًا للتعليم العالي بالجامعة الحرة لبروكسيل ، حيث درَّس النحو المقارن للغات الهندوأوروبية ، وأنشأ درسَّا خاصا بسوسيولوجيا اللغة . وفي سنة 1970 أنُتخب عضوًا في الأكاديمية الملكية للعلوم والآداب والفنون الجميلة ببلجيكا. نشر دراسات عديدة في اللسانيات والسميولوجيا ، إضافة إلى مجموعة من الكتب. + ص : 13
16ـ نخلة وبيت : ص : 28
17ـ نخلة وبيت : ص : 200
18ـ نخلة وبيت : ص : 28ـ 29
19ـ المرجع السابق : ص : 63
20ـ نخلة وبيت : ص : 26
21ـ نخلة ووبيت : ص : 26
22ـ المرجع السابق : ص : 63
23ـ المرجع السابق : ص : 63
24ـ المرجع السابق : ص : 13. هامش داخلي : (1) : رولان بارت . 1957
25ـ المرجع السابق : ص : 14
26ـ المرجع السابق : ص : 14
27ـ المرجع السابق : ص : 14
28ـ نخلة وبيت : ص : 10
29ـ نخلة وبيت : ص : 156
30ـ نخلة وبيت : ص : 210
31ـ نخلة وبيت : ص : 150
32ـ المرجع السابق : ص : 16 ـ 19
33ـ نخلة وبيت : ص : 160
34ـ نخلة وبيت : ص : 165ـ 166
35ـ نخلة وبيت : ص : 16
36ـ نخلة وبيت : ص : 104
37ـ نخلة وبيت : ص : 102 ـ 103
38ـ المرجع السابق : ص : 34 / هامش داخلي : (1) : 1921. paris
39ـ نخلة وبيت : ص : 24
40ـ المرجع السابق : ص : 39
41ـ نخلة وبيت : ص : 74
42ـ نخلة وبيت : ص : 47
43ـ نخلة وبيت : ص : 75
44ـ المرجع السابق : ص 42
45ـ نفسه : ص : 45
46ـ نفسه : ص : 57
47ـ نفسه : ص : 59
48ـ نفسه : ص : 56
49ـ نفسه : ص : 61
50ـ نفسه : ص : 55
51ـ نفسه : ص : 59
52ـ نفسه : ص : 62
53ـ نخلة وبيت : ص : 139
54ـ نخلة وبيت : ص : 149
55ـ نخلة وبيت : ص : 152
56ـ المرجع السابق : ص : 63 ـ 64
57ـ المرجع السابق : ص : 66 ـ 67
58ـ نفسه : ص : 67
59ـ نفسه : ص : 80
60ـ نخلة وبيت : ص : 21 ـ 22
61ـ المرجع السابق : ص : 64
62ـ نفسه : ص : 95
63ـ نخلة وبيت : ص : 176
64ـ نخلة وبيت : ص : 104 ـ 105
65ـ نخلة وبيت : ص : 110 ـ 111
66ـ المرجع السابق : ص : 109 ـ 110
67ـ نفسه : ص : 120 / هامش داخلي : (1) : 1929/ p .11
68ـ نفسه : ص : 126 / هامش داخلي : (1) : 1943 / p.185
69ـ نخلة وبيت : ص : 114
70ـ نخلة وبيت : ص : 208
6/ 3/ 2022م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ذكرى رحيله الـ 20 ..الفنان محمود مرسي أحد العلامات البار


.. اعرف وصايا الفنانة بدرية طلبة لابنتها في ليلة زفافها




.. اجتماع «الصحافيين والتمثيليين» يوضح ضوابط تصوير الجنازات الع


.. الفيلم الوثائقي -طابا- - رحلة مصر لاستعادة الأرض




.. تعاون مثمر بين نقابة الصحفيين و الممثلين بشأن تنظيم العزاءا