الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نماذج قصصية هدى توفيق

هدى توفيق

2022 / 6 / 26
الادب والفن


نخب الدائرة المستديرة
كم هو قاس عشقنا لمن نحبهم ويدعوا حبنا ، ونحن نجلس حول المائدة نفس الجلسة نعاقر ترياق الجنون ، والخبل ، والهبل . نقسم الأدوار بالتساوي كأنها أرغفة خبز ملحمة الجوعى، نستنشق مشاعر الشفقة ، أحاسيس الجراح الآثمة ، نتجاذب أطراف الحديث شاحبين ، مبهوتين ، عنيدين ، متلصصين بمآقي صقرية وتزدحم أنفسنا بحسابات دنيئة. مصرين على الإفصاح البشع ، معبئين كبراميل القطران ، والزفت مرصوفة بحالات عالية من الكراهية ، وجراح العشق ، ورغبة الإنتقام .
أهمس فى أذنك المتآكلة :
_ في زمن مضى ياحبيبي مارست روح الإله أحببت كل المخاطر ، راهنت بحياة بشر آخرين معاقين من وجهة نظرك، لهوت بمشاعر من أحببنك. تآمرت على هذه ، و تلك ، اقتسمت اللذة مع أصدقائك ، صاحبت وحوش الدخان الأسود ، كان يطلق عليك الرجل الذى لا يتألم . ثم فى نهاية الأكلشيه المزيف : " عاشقة واحدة في حياتي ، رغم كل ممن حولي من جميلات ". وتستطرد في زهو : " أنا أسطورة السوبر مان . أنا دون جوان عصري . أنا.. أنا .. أنا. من لا يعلم من أنا ؟! " ، ومع كل هذا لا تدرى تماماً أن هناك أيضا العيون التي تبغضك.
نرصد صاحب الدور التالي سريعاً إلى جوفنا المتحمس ، على مضض نمرره كدواء مر لابد منه ، نرتب الأحكام ، ننمق الكلام بإستعارات ، وكتابات تشاركها حركات أيادينا العاجزة ، ملامح وجوهنا المثخنة بنتوءات الهلاك تسعى إلى الاعتراف ؛ الذي يلتف حول أعناقنا مثل أوراق سلوفان ذي ألوان براقة زائفة ؛ تبرق كلمعان عيون قطة أفزعتك ظهورها في عتمة الليل. لكنك تظل تنجذب بإنبهار مأخوذ إليها ، ولا تدرك أنك على شفا الهاوية ، وصمود أجسادنا وعقولنا الخبيثة يطرح فقط من يخرج بأقل خسارة .
كفاك زهواً ، كفاك تباهياً ، لا تنكر فسقك . لا تكررعلينا أقوال مثاليتك الكاذبة . ليست كائنات الحياة الجميلات مجرد مفردات ، لعادات تمارسها وتحطمها كما تشاء . ليست ألعاباً سحرية، لست حاوياً يتعفف كما يشاء.
أنظر إلى المرآة وقل : " أنا لست المثالي الكامل " وتنحى عن مقولة : أنا برئ إذا الكل مدان . من الأفضل ياحبيبي أن تلوذ بصمت حقيقي دون زيف ، دون البحث عن أن تحظى بشفقة أحد .
مقلتي عيناك المتقاعسة تهذي :
- أنا اليأس ، وأنتِ كمن تنادين فى الجبال على العدم .
أنظر إليك بحب دفين وأقول :
- عليك أن تعيش هذه الهوة بعمق .
تقول:
- لم يبق الكثير من دمي بدون أن يصله سم زعاف.
- حبيبي نحن لانرى ، لا نسمع ، لا نلمس ، لا نشم ، لانفكر ، لا نحب ، ولا نكره كما كنا . هكذا تتعدد لغة الرحمة ، فكرة التسامح ، نحوعبث عالمنا ، كي نحصد مذاقاً جديداً عن مغامرات أخرى عذراء .
لكن التفاصيل عسكرت عند تلافيف عقلك حتى امتزجت ، وتحولت لنسيج هلامي متفرع بأياد ، وأرجل كالأخطبوط تريد أن تنتقم من الجميع .
- أنت محتاج لقارب نجاة فضائي ، تتلآلآ فيه عينيك المنطفئة بوهج البرق . ربما ترقص طارداً دوامة عشق وصلك الباخوسي ، حينئذ يغدو تعبيرك المآسوي أكثر سكوناً .
.......... أنت عابر ... عابر ...عابر .
انتظر ......... هل فاتتك رؤية المسيح بالأمس ، وهو معلق كجثة واهنة مساقة للصلب ، ومن جواره اللصان الشهيران !!!
كان المشهد غريباً ، ولإن شئت صاعقاً ، لكنه ما عاد يدهشنا أكثر من لحظات ، وبعدها يمضي ، ويعبر ... يعبر... يعبر.














عابر سبيل

مدينتي تسكن على حافة القلوب ، تزدحم بكل التعاسات ، والأفراح ، وحالات العشق ، والفتن ، والأفكار. بكل هذا الجحيم ، ولا ينبعث صوت البحر الهادئ الصافي ؛ إنه صافِ لأنه يحتضن كل الكوارث بأمواج متدفقة. تاركًا للشاطئ ذاكراته العطرة. أما الناس في بلدي ؛ فهم يعشقون حكاوي المصائب ، وGrass (المخدرات) ، والنساء. التي يتهامسون بها في الصباح ؛ حيث تنسكب ككوب الماء مع الإفطار ، ورشفات الشاي ، ودخان السجائر. أما في المساء يلوكون فراغهم واكتئابهم على القهاوي والنواصي . إنها تمارين للعيش من أجل التكيف مع الحياة بأية طريقة. حتى لو كان عمدًا مع سبق الإصرار، والترصد .
إذا ركبت طائرة ، ومر جناحها سهوًا على مدينتي ، ونظرت عن غير قصد . أول شئ سيجول بخاطرك أن تطلق عليها اسم " عابر سبيل " ، لقربها الشديد من القاهرة. تتركز حيويتها في شارعين : الرياضي ، والبحر ...
عند الساعات الأولى من النهار يتجمع الرجال على قهاوي : عمال مصر، والزجاج ، والعهد القديم. خاصة العمال الذين يعملون باليومية ، في انتظار عربة تنقلهم لمناطق العمل ، وتحتويني لغة التأمل عند محطة القطار. أروع ما أنتمي إليه بجسدي وروحي ، إنه المكان الوحيد في نظري ؛ الذي يمنحني بعض التعاطف لهذه البلدة المسكينة.
في فترة الصباح الممتدة إلى الرابعة عصرًا ، تعج المحطة بالطلبة الآتون من المراكز ، والقرى ، والنجوع. للذهاب إلى مختلف المدارس من : الثانوي العام ، والصناعية ، والتجارية ، والجامعة. أغلب قاطني بندر المحافظة يعملون في مهنة التدريس أو الوظائف الإدارية ، لانتشار المصالح الحكومية ، والمدارس ، ولا يوجد بها مصانع كثيرة ، ولا مسرح دائم ، ولا سينما ، غير سينما درجة ثالثة لأعمار الصغار ، أما التجار، وأصحاب الشركات أصولهم ليست من هذه المدينة ، إنما من الصعيد الجواني ، فالمدينة خليط من الصعايدة والفلاحين ، ويتفاخر الصعيدي منهم بهذا أثناء حواره محذرًا :
ـ خلي بالك أنا من قنا ...
ـ خلي بالك أنا من أسيوط ...
إذا أمعنت النظر لدقائق ، وأدرت رأسك يمينًا وشمالاً ستجد أن البلدة يغلقها ويفتحها خمس مداخل أساسية : الطريق السريع ، والصحرواي ، والزراعي، ويوجد آخرين يمر القطار من خلالهما على شريط السكة الحديد الممتد باتجاهين قبلي وبحري ، وإذا توقف فجأة ، وخاصة قطار البضائع ، يشل حركة المرور والناس تمامًا .. وأحيانا لا تقف فيها بعض القطارات بعينها ، ويبقى سؤال لراكب متطفل فضولي ألح على مخيلته .
ـ بلد إيه دي ؟!
أرد بروح ابنتها البريئة من ذنبها :
ـ مدينة بني سويف... التي هي كعابر سبيل .
تقول ساعة المحطة ، أن الساعة الحادية عشرة مساءً. متوسط كسر الانتعاش والضوضاء في ليالي الشتاء القاسية، ويسيطر صمت يُمزق القلوب . عندئذ ألجا للتمشية على الكوبري لأرى مجرى النيل _ أكبر اتساع له في تلك البلدة العابرة . المسمى مجازًا شارع البحر. أراه معتمًا ، حزينًا ، رافضًا ورد النيل ؛ الذي يعوق جريانه ، ويُعاديه بنباتات شيطانية . كنت أفعل هذا بشغف لكي استحم به من كل غباءات العالم حولي ؛ حتى يهدأ عقلي ، ويمنحني تلذذ خاص عندما أقوم بحك تفاريك تعاريج جسدي المشتاقة إلى مياء بحر حقيقي. وأشعر داخله أنني امرأة متوحشة قادرة على فعل كل شئ.
فجأة أنتعش في إحدى صباحاتي الباهتة. أضحك ، وأتحدث ، وأكل ببلاهة ، وتكون نيراني خامدة ، وتياراتي مكبوحة ، لذلك رأيت أن يجب أن أدرب نفسي على اكتساب ميزة الانفصال عن عالم الضجيج ، ويصبح هو طبيب نفسي المتعبة ، لأدرك به أن التعب مع الوقت سيصبح مجرد زيف ، وسراب ، وسيتبخر مع إجراءات تبديده بمدى صمتي وقوتي ، ويصبح بوسعه أن يتخذ الإجراءات اللازمة ليتلاشى هذا الحزن والألم .
وليكن ما سأفعله الآن ؛ أن أضغط على زر تشغيل الكاسيت ( الوكمان ). لأنصت لضجيجي الخاص.







الثلاثاء الحزين

في يوم عيد الأم الذي صادف حضوره يوم الثلاثاء، اليوم الوحيد الذي لا تستطيع فيه هي أو أخوها أن يحضرا إليها لرعايتها؛ بسبب كسر مضاعف أصاب وركيها، وتيبس العمود الفقري، ورغم إجراء عدة عمليات، وجلسات العلاج الطبيعي، لكن حالتها لم تتحسن، ورقدت على الفراش نهائيًا، حتى لا تستطيع الذهاب إلى تفريغ حاجتها، وقد زادتها السمنة علة، فزاد من سوء حالتها المزاجية، وتتعصب لأتفه الأسباب، حتى تنهار في نوبات هستيرية، وهي ترجو الموت، والراحة من العجز والكساح.
والبامبرز الذي يسلخ تجاويف أفخاذها في ليالي الصيف الحارة، وفي الشتاء يزيدها بالسقعة والبرودة في انتظار تبديله، ورائحة البول والبراز تزكم روحها بالاشمئزاز، وكره العالم أجمع، حتى تستسلم لهذا الوحل، بدموع صامتة مدرارة، وتسرع الابنة في طهارتها وتنظيفها، حتى تصلي وتقرأ في كتاب الله، وهي تستغفر الله، وتستعيذ من الشيطان الرجيم، ويأتي الثلاثاء، فتتنهد قائلة بزفرة امتعاض:
- بكرة الثلاثاء يا حبيبتي، لا إنتِ ولا فهمي هاتقدروا تباتوا معي.
فترد الابنة بحزن:
- نعم؟!
ثم تستطرد، وهي تفتعل ابتسامة لتقول:
- ما هو إنتِ السبب يا أمي، لو كنتِ خلفتِ ثلاثة أو أربعة كانوا أخذوا هذا اليوم يا أمي.
- لا، أبدًا يا بنتي، البركة والخير في القليل، ممكن كنت خلفت ثلاثة أو أربعة ووجعوا قلبي، وتخلوا عني.
فجأة تنتقل الأم للهزاروالتفكه، وتسألها بخبث :
- هل أحضرتِ لي علبة الحلاوة الطحينية بالمكسرات كما أمرتكِ.
فتتصعب الابنة، وتهز رأسها :
- ها... ها... أمي تمزحين، هي محظورة عليكِ يا أمي.
وتسترسل :
- ثم إني أكرهها، ألا تتذكرين، ياه.. يا أمي، بل أنا أكرهها جدًا؛ لأنكِ كنتِ تضعين لي الدواء في ساندوتش الحلاوة بعد تفتيته؛ حتى أبلع الدواء، وأسناني مخربة بها وبغيرها، وعملت عملية في الفك السفلي.
تتلهى الأم عن ذكريات ابنتها القاتمة السواد مع الحلاوة الطحينية، وتسترخي برأسها داخل الوسادة وتتحسر:
- إيه... إيه... يا بنتي، ألا زلت تتذكرين؟
ثم تملأ فراغات الاشتهاء، والرغبة الملحة لها في تلذذ الحلاوة، وتقص حكايتها المأثورة بالمثل الشعبي: (كلي يا عين، كل شيء تشتهيه، بكرة يجيلك يوم ؛ الشهد لن تذوقيه)، مثل لحماتي -الله يرحمها- كانت مغرمة بتناول ساندوتش الفينو بالحلاوة ، مع كوب الشاي باللبن الساخن، ها... ها... -الله يرحمها- ويرحمنا جميعًا.
بغتة بعد إنهاء الحديث، تزداد أخاديد وكرمشات وجهها مع ابتسامة واسعة، وقد أخرجت من درج الكمودينو خلسة علبة حلاوة صغيرة بمعلقة بلاستيكية، بينما ابنتها ذهبت إلى الجزء الآخر من الشقة؛ لعمل شيء ما، حتى تحضر، وتفاجئ بأمها قد وضعتها على حجرها فتصرخ :
- ماما، ماما، حلاوة يا ماما، كيف وصلت لكِ ؟!
فتعاجلها بنظرة استعطاف :
ـ وحياتي يا حبيبتي، بكرة الثلاثاء الحزين، ولن يبيت معي أحد منكما، اعملي لي كوب شاي باللبن، أرجوكِ يا حبيبة قلبي.

17/ 4/ 2022م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا