الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مراجعات لمقال الدكتور لبيب سلطان : - معاداة الغرب منهج للرجعية والظلامية في العالم العربي - في الحوار المتمدن 4-5

حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)

2022 / 6 / 26
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


نص الفقرة الثالثة لمقالة الدكتور لبيب سلطان المحترم :
"رافقت معركة العلمانية معركة الديمقراطية التي قامت على اساس تقييد سلطات الحاكم بالبرلمانات المنتخبة مباشرة من الشعب لتقوم هي بتشريع القوانين واختيار السلطة التتفيذية ومحاسبتها وبدأت في بريطانيا بالأصلاح البرلماني الأول لنقل بعض صلاحيات الملك الى البرلمان منذ منتصف القرن السابع عشر واستمرت هذه الأصلاحات لتنتقل للنظام الديمقراطي اللامركزي أقامة برلمانات للولايات وتعداها الى اتتخاب مجالس البلديات حتى في أصغر مدينة او قرية .. وبدأت الديمقراطية الحديثة تتشكل من هذا المفهوم منها للتداول السلمي للسلطة وفصل السلطات الثلاث وتحديد مسؤوليات الحاكم وسلطاته وسياساته وفق تصويت البرلمانات المنتخبة. والغرب هنا في فلسفته وتجاربه هو مصدر اساس في اقامة النظم الديمبراطية واصلاحها وهي المعركة الكبيرة الثانية التي تخوضها شعوبنا العربية."
انتهى الاقتباس .
لابد للمرء أن يحزن وهو يقرأ الكلام أعلاه الذي يعكس مدى عدم اطلاع الدكتور لبيب سلطان المحترم على الطبيعة الحقيقة للديمقراطية الغربية التمثيلية ، التي باتت تصنفها ابحاث علماء السياسة الغربيون المحايدون أنفسهم - من المتبحرين بأخص خصائصها - بأنها هي في واقع الحال ، و بالضبط ، " نظام ديمقراطية اللاديمقراطية" ، أي النظام النافي لإمكانية حكم الشعب لنفسه مثلما سأبين . كما أن الكلام المجاني عن "معركة الديمقراطية التي قامت على اساس تقييد سلطات الحاكم بالبرلمانات المنتخبة مباشرة من الشعب" يضرب عرض الحائط الحقيقة التي يعرفها كل دارس للديمقراطيات الغربية والمتمثلة بكونها ليست أبداً ديمقراطيات مباشرة (-dir-ect democracy) و انما هي ديمقراطيات تمثيلية (representative democracy) زائفة . لذا ، فإن الكلام عن "البرلمانات المنتخبة مباشرة من الشعب" هو تلفيق مؤسف ، لسبب واضح و بسيط وهو أن الممثلين المنتخبين لا يمثلون الشعب البتة ، بل يمثلون أنفسهم فقط كنخبة . الذي يمثل الشعب إنما هو الشعب نفسه و ليس من يتم انتخابه بهذه النسبة أو تلك من أصوات المقترعين . و لقد اكتشف ماركس قبل غيره من علماء السياسة في الغرب هذه الحقيقة منذ أكثر من قرن من الزمان عندما كان عمره خمساً و عشرين سنة في "نقد فلسفة الحق لهيجل" (1843) عندما ثبّت قانون كون النائب المنتخب لا يمكن أبداً أن يمثل منتخبيه ، بل إنه يمثل نفسه فقط . و لقد احتاج علم السياسة 108 سنوات اضافيه لإعادة اكتشاف هذا القانون الماركسي و صياغته رياضياً بما عرف بـ "نظرية استحالة آرو" (Arrow s impossibility theorem) التي سميت باسم الاقتصادي "كينيث أرو" (Kenneth Arrow) الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد ، والمنشورة في كتابه "الاختيار الاجتماعي والقيم الفردية" عام 1951 بصدد انتفاء التماسك المنطقي (logical coherence) الداخلي لنظرية الديمقراطية التمثيلية ، أي أن هذه النظرية تنفي نفسها بنفسها رياضياً . و تُثبت هذه النظرية (التي تسمى كذلك " نظرية الاحتمالية العامة" أو "مفارقة آرو") علمياً بأنه عندما يكون لدى الناخبين ثلاثة بدائل (خيارات) مميزة أو أكثر ، فلا يمكن لأي نظام انتخابي تصنيفي أن يحوِّل تلك التفضيلات المرتبة للأفراد إلى مجتمع- تصنيف واسع (كامل ومتعدد) مع تلبية مجموعة المعايير المطلوبة : المجال غير المقيد ، وعدم الدكتاتورية ، وكفاءة باريتو ، واستقلالية البدائل غير ذات الصلة . باختصار ، تنص النظرية على أنه لا يمكن أبداً تصميم نظام انتخابي مرتب يلبي دائمًا معايير "الإنصاف" الثلاثة هذه :
• إذا فضل كل ناخب البديل X على البديل Y ، فإن المجموعة تفضل X على Y.
• إذا ظل تفضيل كل ناخب بين X و Y دون تغيير ، فإن تفضيل المجموعة بين X و Y سيظل أيضًا دون تغيير (حتى إذا تغيرت تفضيلات الناخبين بين الأزواج الأخرى مثل X و Z أو Y و Z أو Z و W).
• لا يوجد ناخب واحد يمتلك القدرة على تحديد تفضيل المجموعة دائمًا.
المصدر:
https://web.archive.org/web/20110720090207/http://gatton.uky.edu/Faculty/hoytw/751/articles/arrow.pdf

ومنذ أكثر من قرن ، درس علماء الاجتماع و الاقتصاد و السياسة التناقضات الكامنة في أنظمة التصويت بالانتخابات ، والتي تسمى أيضًا مفارقات التصويت. و لقد بلغت هذه الدراسات ذروتها في "نظرية استحالة آرو" ، والتي تشير إلى أن الديمقراطية غير متماسكة منطقيًا لاعتمادها على مجموعة معينة من المعايير التي تجعل صنع القرار الديمقراطي متضاربًا بطبيعته. يصف "تشارلز بلوت" هذه الحقيقة بالقول:
" بدأ الموضوع بما بدا أنه مشكلة صغيرة في حكم الأغلبية. قال البعض: "إنه مجرد فضول رياضي" ... لكن الباحثين المفتونين والفضوليين بشأن هذه الحفرة الصغيرة بدأوا - دون أن يردعهم احتمال عدم الصلة - بالتنقيب في الأرض القريبة ... و ما يبدو أنهم اكتشفوه الآن هو كهف عملاق تقبع فيه كل أفكارنا تقريبًا حول الإجراءات الاجتماعية. تقريبًا أي شيء نقوله و / أو قاله أي شخص على الإطلاق حول ما يريده المجتمع أو ما يجب أن يحصل عليه مهدد بالتناقض الداخلي . يبدو الأمر كما لو أن الناس كانوا يتحدثون لسنوات عن شيء لا يمكن "من حيث المبدأ" أن يوجد ، وهناك حاجة الآن إلى جهد كبير لمعرفة ما تبقى من الأقوال بموضوعية. "
المصدر :
- تشارلز بلوت (1976) نظرية الاختيار الاجتماعي البديهية ، ص. 511 [59]
و كان العالم السياسي الألماني-الإيطالي روبرت ميشيلز (Michels) قد سبق له و أن شن هجوماً علمياً كاسحاً هدم فيه الأساس الذي تستند عليه نظرية الديمقراطية برمتها . فقد طور هذا العالم نظرية العلوم السياسية السائدة لـ "ألقانون الحديدي للأوليغارشية" في عام 1911. و بيَّن ميشيلز بأن حكم الأوليغارشية هو أمر حتمي باعتباره "قانونًا حديديًا" فاعل المفعول داخل كل نظام منتخب كجزء من "الضرورات التكتيكية والفنية" اللازمة لإدامة كل منظومة ديمقراطية قائمة . وبصدد حقيقة النظم الديمقراطية ، صرّح ميشيلز: "بأنها المنظومة التي تولد سيادة المنتخَبين على الناخبين ، والتكليفات على المندوبين ، والمندوبين على المنتدبين . إن من يقول المنظمة الديمقراطية فإنه يقول "المنظمة الأوليغارشية ". و يواصل القول : " إن التطور التاريخي يسخر من جميع التدابير الوقائية التي تم تبنيها لمنع حكم الأوليغارشية ". و يؤكد ميشيلز أن الهدف الرسمي للديمقراطية المتمثل في القضاء على حكم النخبة مستحيل التحقيق ، وأن الديمقراطية ما هي إلا مجرد واجهة تضفي الشرعية على حكم نخبة معينة ، وأن حكم هذه النخبة ، الذي يشير إليه باسم الأوليغارشية ، هو أمر لا مفر منه .
المصدر :
James L. Hyland. Democratic theory: the philosophical foundations. Manchester, England, UK New York, New York, USA: Manchester University Press ND, 1995. Pp. 247
هذه الحقيقة شخصها المفكرون في الغرب منذ زمن طويل ، وباتت من الحقائق المسلم بها . ففي كتابه : "مبادئ الحكومة التمثيلية" (The Principles of Representative Government) نجد أن المفكر برنارد مانين (Bernard Manin) يميز بين الجمهوريات التمثيلية الحديثة ، مثل النظام السياسي للولايات المتحدة الامريكية ، وبين الديمقراطيات المباشرة القديمة ، مثل تلك التي مورست في أثينا. و يعتقد مانين أن كلاهما يطمح إلى "حكم الشعب" ، لكن طبيعة الجمهوريات التمثيلية الحديثة تقود حتماً إلى "حكم الأرستقراطية". و يوضح مانين أنه في الديمقراطيات القديمة ، كان لدى كل مواطن أثيني تقريبًا الفرصة لتسنم منصب سياسي قيادي ؛ أما في الجمهوريات الغربية الحديثة ، فقط النخب هي التي تمتلك الفرصة للانتخاب . ويستمد مانين اقتباساته من مؤلفات جيمس هارينجتون ومونتسكيو وجان جاك روسو للإشارة إلى أن الشكل السائد للحكومات في الغرب، التمثيلية المعاكسة للمباشرة ، هي حكومات أرستقراطية فعليًا.
المصدر :
Manin, Bernard (1997). The Principles of Representative Government. Cambridge: Cambridge University Press. pp. 2, 67–93, 132–160.
و في كتاب : "الديمقراطية : الإله الذي فشل" (Democracy: The God That Failed) – و هو العنوان لكتاب ألفه هانز هيرمان هوبه (Hans-Hermann Hoppe) عام 2001 ، نجد سلسلة من ثلاثة عشر مقالاً حول موضوع الديمقراطية . الكتاب "يفحص الديمقراطيات الحديثة في ضوء اخفاقاتها الواضحة على مختلف الصعد " والتي تشتمل على ارتفاع معدلات البطالة ، وتفاقم الدين العام ، وإعسار أنظمة الضمان الاجتماعي . و هو يعزو إخفاقات الديمقراطية هذه إلى لوبيات الضغط التي تسعى إلى زيادة الإنفاق الحكومي وفرض المزيد من القيود والضرائب ، مع عدم وجود أي تدابير مضادة لها. وتشتمل الحلول المحتملة التي يناقشها : آلية الفصل التي يتم بموجبها "نقل السيطرة على الثروة المؤممة من حكومة مركزية أكبر إلى حكومة إقليمية أصغر" و "تقديم الحرية الكاملة للتعاقد والتوظيف والتجارة والهجرة". و يخلص هوبه إلى القول يأن الديمقراطية على النمط الغربي هي السبب الرئيسي لموجة اللاتحضر التي اجتاحت العالم منذ الحرب العالمية الأولى ، وعليه فإن من الواجب نزع الشرعية عن هذه الديمقراطية.
المصدر :
https://en.wikipedia.org/wiki/Democracy:_The_God_That_Failed
في كتابه المعنون "ضد الديمقراطية" (Against Democracy) الصادر عام 2016 ، يدحض الفيلسوف السياسي الأمريكي جيسون برينان (Jason Brennan) الاعتقاد بكون النسخة المبسطة للديمقراطية المطبقة في القرن الحادي والعشرين هي نسخة جيدة وأخلاقية للديمقراطية . و يشير برينان في المقام الأول إلى أن الناخبين يميلون إلى أن يكونوا غير عقلانيين وجاهلين بالسياسة. كما أن هناك حافزًا ضئيلًا للناخبين لإطلاع أنفسهم على السياسة ، لأنهم يعتقدون بشكل صحيح أن صوتًا واحدًا لن يحدث فرقًا كبيرًا في النتائج الإجمالية للانتخابات. علاوة على ذلك ، يذكر المؤلف أن الناخبين يميلون إلى اتخاذ قرارات منحازة أيديولوجيًا ويمكن التلاعب بها بسهولة عبر وسائل الاعلام التي تتحكم بها الاوليغارشية . و يقترح برينان عدة بدائل مختلفة لـصيغ من "حكم المطلعين" (الإبستقراطية) ، حيث لا يسمح إلا للناخبين الأكثر معرفة ببواطن الأمر السياسية الاقتصادية بانتخاب القادة السياسيين .
المصدر :
https://en.wikipedia.org/wiki/Against_Democracy
و في "أسطورة الناخب العقلاني : لماذا تختار الديمقراطيات السياسات السيئة ؟" (The Myth of the Rational Voter: Why Democracies Choose Bad Policies) - وهو كتاب صدر عام 2007 للخبير الاقتصادي الأمريكي بريان كابلان (Bryan Caplan) – يفنّد المؤلف فكرة أن الناخبين هم أشخاص عقلانيون يمكن للمجتمع أن يثق بهم لسن القوانين له . بدلاً من ذلك ، يؤكد كابلان أن الناخبين غير عقلانيين في المجال السياسي ولديهم الأفكار المتحيزة بشكل منهجي فيما يتعلق بالاقتصاد. و في جميع فصول الكتاب ، يركز كابلان على رأي الناخبين في الاقتصاد لأن العديد من القرارات السياسية تدور حول القضايا الاقتصادية (الهجرة ، التجارة ، الرفاهية ، النمو الاقتصادي ، وما إلى ذلك) وذلك بتحليل قاعدة بيانات لـ "مسح للأمريكيين وللاقتصاديين حول الاقتصاد" (SAEE).
المصدر :
https://en.wikipedia.org/wiki/The_Myth_of_the_Rational_Voter
و من المعلوم أن أنظمة الديمقراطية التمثيلية في كل الغرب فاقدة لشرعية العدالة المتمثلة بضمان المساواة بين المواطنين لكونها تفاقم عدم العدالة في توزيع الثروة الوطنية بين أفراد المجتمع . ففي الولايات المتحدة الأمريكية ، نمت حصة الثروة الإجمالية التي يملكها أغنى (1٪) من السكان من (35٪) إلى (37٪) عقب الانكماش الاقتصادي الذي بدأ عام 2007 ، فيما نمت الثروة الاجتماعية التي يملكها أغنى (20٪) من الأمريكيين من(86٪) إلى (88٪) ؛ أي أن حصة الغالبية العظمى من الأمريكان (80%) تدنت الى فقط (12 %) من اجمالي الثروة الوطنية . أي أن حتى الأزمات الاقتصادية تزيد الاغنياء غنى ، و الفقراء فقراً . نفس هذه الظاهرة سادت أيضا بلدان أوربا ، و خصوصاً ألمانيا و فرنسا . و مثلما يقول نعوم تشومسكي : " نحن لا يمكن أن نحصل على ديمقراطية سياسية ذات معنى بدون وجود الديمقراطية الاقتصادية ". لذا ، فإن كل حديث عن الديمقراطية الحقيقية في النظم الرأسمالية هو محض هراء . كما يقول تشومسكي :
"الرأسمالية هي النظام الذي تخضع فيه المؤسسات الاجتماعية المركزية ، من حيث المبدأ ، للسيطرة الاستبدادية . وبالتالي ، فإن كل شركة أو صناعة ، إذا ما فكرنا في الأمر من منظور سياسي ، هي فاشية ، أي أنها تتمتع برقابة صارمة من القمة ويجب أن تسود الطاعة الصارمة على كل المستويات. [...] ومثلما أنا أعارض الفاشية السياسية تمامًا ، فأنا أعارض الفاشية الاقتصادية. أعتقد أنه مالم تصبح المؤسسات الرئيسية في المجتمع تحت السيطرة الشعبية للمشاركين والمجاميع السكانية ، فإنه من غير المجدي الحديث عن الديمقراطية ."
المصدر :
https://en.wikipedia.org/wiki/Wealth_inequality_in_the_United_States
https://www.azquotes.com/author/2834-Noam_Chomsky/tag/democracy
و بوسعي الاستشهاد بالأبحاث العلمية للآلاف من ألمع علماء السياسة و الاقتصاد الغربيين التي تثبت زيف الديمقراطية التمثيلية الغربية ، و لكنني سأكتفي هنا بهذا القدر لمحدودية المجال .
يتبع ، لطفاً .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا


.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا




.. تصريح عمر باعزيز و تقديم ربيعة مرباح عضوي المكتب السياسي لحز


.. طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز




.. يوم الأرض بين الاحتفال بالإنجازات ومخاوف تغير المناخ