الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البطاقة الخضراء (غرين كارد) هي الوسيلة القادرة على انهاء معاناة العمال الفلسطينيين جراء السمسرة بالتصاريح والتنكيل في المعابر

اساف اديب

2022 / 6 / 27
الحركة العمالية والنقابية


البطاقة الخضراء (غرين كارد) هي الوسيلة القادرة على انهاء معاناة العمال الفلسطينيين جراء السمسرة بالتصاريح والتنكيل في المعابر
ورقة عمل مشتركة تختصر موقف معًا – نقابة عمالية و LEAP المساعدة القانونية للفلسطينيين
كانون الثاني (يناير) 2022
تدعو هذه الورقة إلى تبني تغييرا جذريا في نظام التصاريح المعمول به مع العمال الفلسطينيين الذين يعملون في إسرائيل وذلك من خلال إصدار بطاقة خضراء (غرين كارد) للعمال وبالتالي السماح لهم بالدخول الى اسرائيل دون الحاجة لقرار من المشغل كما هو الامر اليوم. فبدل تحكم اصحاب العمل بالتصاريح واستصدارها على اسمهم من قسم خدمات المشغلين في سلطة السكان والهجرة، يتم بموجب الترتيب الجديد اصدار بطاقة خضراء ثابتة لكل عامل ما يعني بان العامل يصبح صاحب القرار على نفسه، مكان عمله ودخوله وخروجه من والى اسرائيل. اعتماد الاسلوب المقترح هذا سيضع حدًا نهائيًا لظاهرة بيع التصاريح ويوقف عمل سماسرة التصاريح الذين يجنون مئات الملايين من الشواقل سنويا على حساب العمال. انه تغيير جذري يؤدي فعلا الى تخليص العمال من وضعهم المأساوي ويحسن مكانتهم في سوق العمل.
+++
الفساد والجشع يغلفان "امبراطورية" نظام التصاريح الذي يتحكم بعملية دخول العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل. فعلى ظهر هؤلاء العمال يدير الالاف من السماسرة الإسرائيليين والفلسطينيين تجارة إجرامية في تصاريح العمل، اذ يُجبر هؤلاء السماسرة العمال بدفع مبالغ شهرية تصل لحوالي 2500 شيكل شهريا مقابل التصريح دون ان يتعهد صاحب العمل بتوظيفهم.
وقد أصبح وضع العمال الفلسطينيين العاملين في إسرائيل موضع نقاش على مستويات مختلفة فيها خلال العام الماضي، ويرجع ذلك جزئيًا إلى بدء تنفيذ الإصلاح في نظام التصاريح في كانون الأول (ديسمبر) 2020 [i]. وكان الإعلان عن الإصلاح بحد ذاته بمثابة اعتراف غير مباشر من قبل السلطات، بأن النظام القائم كان مشوهًا وشكل أرضًا خصبة لازدهار سوق الأتجار بالتصاريح الذي يشارك به مقاولي البناء الإسرائيليين الذين يخالفون القانون بالتعاون مع شركائهم سماسرة التصاريح من المقاولين الفرعيين الفلسطينيين.
يوجد اجماع اليوم بين كل من له صلة ومعرفة في الموضوع بان محور المشكلة في نظام التصاريح يعود الى سيطرة المقاولين الإسرائيليين على استصدار تصاريح العمل، ما يعني ان العمال يعيشون في حالة من الخوف من فقدان التصريح ويصبحون بالتالي رهائن بيد المقاولين. فلكي يحصل المقاولون على موافقة مديرية السكان والهجرة لتوظيف العمال، يجب أن يكونوا مقاولين مسجلين في فرع البناء والذين يتعهدون بالفعل بتوظيف هؤلاء العمال في الورشات التي يديرونها. ويحظر القانون نقل أو بيع التصاريح بما يعني ان المقاول الذي يطالب بعدد اكبر من حاجته لتصاريح العمل ويقوم ببيعها يخالف القانون بشكل لا يدع مجالا للشك.
وفي الواقع يستغل العديد من المقاولين، الصلاحية التي حصلوا عليها ويقومون باستصدار عدد اكبر من التصاريح الذين من الممكن ان تستوعبهم ورشات العمل التابعة لهم. وبذلك تجد اعداد كبيرة من التصاريح غير المستغلة طريقها للبيع في السوق السوداء مقابل دفعات شهرية تصل حتى 2500 شيكل. ويعتمد المقاولون الذين يبيعون فائض التصاريح، على وسيطين على الأقل في الجانب الفلسطيني: سمسار التصاريح الذي يبيعها للعمال بشكل مباشر ومقاول فرعي يقوم بتنظيم المجموعة العمالية ويضمن نجاح العملية كلها التي تتطلب ان يكون العامل قد دخل الى سوق العمل الاسرائيلية وبالتالي من الممكن ابلاغ السلطات بان العامل الذي حصل على تصريح يعمل فعلا وتدفع عنه الضريبة وصندوق التقاعد وغيرها من المدفوعات.
الاتجار بالتصاريح يشكل مخالفة مزدوجة للقانون: اولا مجرد نقل العمال إلى صاحب عمل آخر هو بحد ذاته مخالفا للقانون [2]. اضافة الى ذلك هناك الاف الشواقل التي يتم تداولها بين عدة اطراف شهريا ومن "تحت الطاولة"، مما يعني بانه هناك مخالفة ثانية لقوانين ضريبة الدخل.
في اعلانها عن إصلاح السياسة التي يتم حسبها ادارة التصاريح وتوزيعها من شهر كانون اول 2020 أعلنت السلطات المختصة بانها بطريقة مباشرة او غير مباشرة على دراية بالظاهرة المخالفة للقانون. الا انه وبدل اتخاذ إجراءات صارمة لوضع حدًا للمجرمين، وسحب تراخيصهم والتحقيق معهم ومحاكمتهم ومعاقبتهم بكل جدية، لم تقم السلطات باية خطوة في هذا الباب. لم يتم تقديم اي مقاول للمحكمة بسبب الإتجار في التصاريح ولم تفتح مصلحة الضرائب تحقيقا بسبب التهرب من دفع الضرائب جراء المداولات المالية الخاصة بالاتجار في التصاريح في السوق السوداء.
الوعد بإصلاح الخلل لم ينفذ
كما جاء أعلاه فقد تم إطلاق خطة الإصلاح في شهر كانون اول (ديسمبر) 2020، في بيان مشترك لسلطة الهجرة والسكان التي لها الصلاحية بمنح التصاريح للمقاولين والادارة المدنية المسؤولة عن العمال. كانت الأهداف التي حددها الإصلاح جديرة بالاهتمام. ومن بينها جملة بنود نصت على أنه ينبغي نقل ملكية التصريح من أصحاب العمل إلى العمال، وضرورة وجود صلة مباشرة بين أصحاب العمل والعمال، والقضاء على ظاهرة الاتجار في التصاريح.
من بين التغييرات البارزة التي شملها الإصلاح:
أ. إلغاء الترتيب المعمول به حول الحصة التي تمنح المشغل عدد محدود من التصاريح للعاملين الذين يكون بمقدوره توظيفهم. مجموعة الحصص لصناعة البناء بأكملها بقيت السقف للموضوع ووفقًا للإجراء الجديد اصبح من الممكن لأي مقاول بناء أن يطلب عدد غير محدد من العاملين دون قيود (المادة B.9 من الإصلاح).
ب. ينص الإجراء الجديد على أنه بعد إنهاء العلاقة بين العامل وصاحب العمل (في حالة الفصل او الاستقالة)، سيبقى اسم العامل ضمن الحصة العامة لفرع البناء لمدة 60 يومًا. خلال هذه الفترة سيكون قادرًا على بدء العمل لدى صاحب عمل آخر. العامل الذي لا يجد صاحب عمل جديد خلال 60 يومًا سيشطب اسمه في الحصة العامة للعاملين الذين يمكنهم دخول العمل في إسرائيل (المادة B.11).
لم يحدد الاصلاح الخطوات الواجب اتخاذها ضد تجار التصاريح. وعلى الرغم من أن هذه الظاهرة وصفت بأنها المشكلة الرئيسية، إلا أنه لم يتم تحديد من سيكون المسؤول عن محاربتها، ولم يتم تقديم توصيات لاتخاذ إجراءات أو استثمار الموارد أو تخصيص ميزانيات لمكافحة هذه الآفة الإجرامية. اتضح لاحقًا أنه حتى أثناء تنفيذ الإصلاح، امتنعت السلطات عن اتخاذ أي خطوة للحد من نشاط السماسرة والمقاولين المخالفين.

الإصلاح ادى إلى تعقيد الوضع وزيادة حجم ظاهرة الاتجار في التصاريح
بعد سنة على بداية تنفيذ الإصلاح يمكننا الجزم بانه بدل القضاء على تجارة التصاريح ووقف هذه الظاهرة الخطيرة رأينا تعزيزا وتوطيدا لمكانة السماسرة وتوسيع نطاق عملهم. فلا يزال المقاولون يسيطرون على حق استصدار التصريح بينما العلاقة بين العمال والمقاولين والاتصال المباشر بينهم غير قائم.
النقطة الاساسية في فشل الإصلاح تكمن في إلغاء السقف لعدد العمال المسموح به لكل مقاول (الحصة). اذا اخذنا بعين الاعتبار قرار الحكومة من العام الماضي بزيادة حصة تصاريح العمال في فرع البناء[4] فيمكننا ان نفهم لماذا ادى الاصلاح الى زيادة نشاط السماسرة. المقاولون الإسرائيليون الذين اعتادوا على توظيف 5 أو 10 عمال، وعلى الرغم من عدم وجود مشاريع كبيرة لديهم، فقد قدموا طلبات وحصلوا على تصاريح لعدد أكبر بكثير مما كانوا قادرين على توظيفه. وبحسب أحد التقارير، تلقى صاحب عمل صغير من مديرية السكان والهجرة 100 تصريح عمل وخلال يومين تمكن من بيعها عبر السماسرة. وكالات بيع التصاريح في الضفة الغربية على اتصال بالعمال، وتسوق التصاريح المشتراة من هؤلاء المقاولين، وتقتطع الأرباح ايضا. مرة أخرى رأينا كيف استغل المقاولون والسماسرة الوضع الجديد والثغرات في النظام في حين بقي العمال في حالة بلبلة وعدم فهم القوانين الجديدة.
تشير التقارير التي تلقيناها من العاملين في منطقة نابلس ومنطقة الخليل إلى أن عدد مكاتب التصاريح في الضفة الغربية قد تضخم، ويبلغ الآن العشرات في كل منطقة. وتشير التقارير إلى وجود 40 مكتبا في نابلس وحدها. اما في منطقة الظاهرية يوجد حوالي 20 مكتبًا وتشير التقديرات إلى وجود مئات المكاتب لبيع التصاريح في منطقة الضفة.
على عكس ما كان متوقعا من الإصلاح، فلا يستطيع العامل ان يترك صاحب العمل متسلحا بالتصريح وعاقدا العزم على البحث عن مكان عمل اخر. اذ انه وعلى الرغم من أن التصريح يحمل اسم العامل ضمن الحصة العامة لعمال البناء لمدة 60 يومًا، إلا أنه من الناحية العملية، منذ اللحظة التي يعلن بانه ترك مكان العمل (او منذ اعلان المقاول عن فصله) يمنع دخوله الى داخل الخط الاخضر بشكل فوري. الطريقة الوحيدة المتاحة له هي محاولة الحصول على تصريح مؤقت للبحث عن وظيفة، وفي أفضل الأحوال سيحصل على مثل هذا التصريح لمدة أسبوع واحد في الشهر. فرصة العثور على صاحب عمل جديد في ظل هذه الظروف منخفضة للغاية، وقد تكون النتيجة النهائية هي نفسها – دفع العمال الى القبول في ظروف عمل غير عادلة خوفا من فقدان التصريح او الاسراع في التوجه الى سمسار التصاريح خوفا من فقدان الامكانية بالعمل.
وهكذا، أصبح التمديد لمدة 60 يومًا والذي كان من المفترض أن يحسّن القدرة التفاوضية للعمال الفلسطينيين أداة أخرى لتعزيز مكانة السماسرة. العامل الذي ترك صاحب العمل أو تم طرده وليس لديه ثقة في أنه سيحصل على وظيفة بديلة، يضطر الآن إلى التوجه بسرعة إلى السمسار ودفع رسوم السمسرة للعودة إلى العمل. الخوف الطبيعي هو أنه إذا لم يجد العامل صاحب عمل جديد، فسوف تمر فترة ال 60 يومًا، وسيفقد مكانه الذي يفترض أنه مضمون في قائمة العاملين المدرجين في الحصة. المقاولون يدركون هذا الامر جيدا ولذلك ينتظرون حتى يأتي العامل من خلال السماسرة.
في الواقع، أدى الإجراء الجديد إلى تفاقم الوضع المزري للعمال بسبب إزالة القيود المفروضة على عدد العمال الفلسطينيين الذين يمكن لأصحاب العمل التقدم للحصول على تصاريح دخول لهم، والنتيجة هي أن أصحاب العمل لهم الحرية في "بيع" عدد أكبر من العمال الفلسطينيين من خلال السماسرة.
سماسرة التصاريح الإسرائيليين هم المسؤولين الرئيسيين
من المهم التأكيد على أن المقاولين الإسرائيليين، الذين يبيعون التصاريح للعاملين، يرتكبون اكثر من مخالفة جنائية في نفس الوقت. الأولى في الاتجار في العمال والاخرى التهرب الضريبي وهي تتعلق في جني الربح دون الإبلاغ عنه لسلطات ضريبة الدخل. المقاول الذي يبيع التصريح عليه ان يقدم شهر بعد اخر تقارير عن عدد ايام العمل لهذا العامل وبالتالي فهناك عملية مستمرة من الغش والكذب. هذا المقاول يحصل على الاف الشواقل من الربح ومنها يدفع بعض المئات عن ضريبة الدخل والضمان الاجتماعي والمعاشات التقاعدية وختم الصحة وضريبة المقارنة. مقابل ذلك يحصل المقاول على قسيمة الاجر من قسم المدفوعات ومن المفترض أن يسلمها للعامل. لكن في الواقع لا يتم تسليم قسائم الاجر للعمال الذين يبقون دون علم ما تم تسجيله على اسمهم من ايام عمل وحقوق.
في المقابل يبقى المقاول الذي يشغل العمال في الورشات دون اية علاقة رسمية بهم. بالغالبية العظمى من الحالات يتفق العمال مع المقاول الفرعي الفلسطيني الذي له علاقة مباشرة مع السمسار ومع المقاول صاحب التصاريح. العمال الذين يعملون بموجب هذا الترتيب يحصلون على اجرهم من المقاول الفلسطيني الذي يدير عملهم لكنه بكل ما يتعلق في اصحاب العمل في الورشة التي يعملون بها يبقون هؤلاء العمال دون اسم وهوية ودون ان يتم الاعتراف بهم. المقاول الفلسطيني مهمته تنظيم مجموعة من العمال، والعثور على وظيفة، وترتيب النقل وإدارة العمل في الموقع ونقل الاموال لكل الاطراف.
هذا المقاول الفرعي الفلسطيني يصل عادة الى اتفاق شفهي مع كل عامل بخصوص الأجر اليومي الذي يجب دفعه له. يتم دفع هذا المبلغ فقط عن اليوم الذي يصل فيه العامل إلى الموقع. إذا ظل العامل في المنزل بسبب حالة الطقس أو عطلة العيد أو المرض، فلن يحصل على أجره أو أي تعويض آخر. لا يتعلق مبلغ الراتب بما تم تسجيله في القسيمة (والتي، كما هو مذكور لا تصل ليد العامل). خلاصة القول هي أن هؤلاء العاملين، بعد دفع رسوم سمسرة عالية كل شهر، يعملون تحت رقابة المقاول الفرعي الذي لا يضمن لهم الحقوق الاجتماعية.
يزداد الوضع سوءًا في حالة وقوع حادث عمل. فرغم عن ان اصابات العمل تعتبر أحدى الحقوق القليلة التي يتم فيها تأمين العامل الفلسطيني من قبل مؤسسة التأمين الوطني يبقى هنا العامل في حالة من عدم اليقين، نظرًا لأن صاحب العمل الرسمي ليس في الميدان وليس له اتصال به بينما اصحاب العمل في موقع الورشة التي يعمل فيها ليسوا مرتبطين به رسميًا، ويمكنهم دون صعوبة الادعاء بأن الإصابة حدثت في مكان آخر وليس على مسؤوليتهم الخاصة. في الواقع هناك حالة غير معقولة التي يبقى بها العامل المصاب في مكان عمله دون رعاية ودون اهتمام من احد.
صحيح أنه لولا السماسرة الذين يبيعون التصاريح بسعر باهظ، وبدون المقاولين الفرعيين الفلسطينيين الذين يديرون العملية ويجلبون مجموعات العمل إلى الميدان، لم يكن المقاول الإسرائيلي الذي حصل على التصاريح قادرًا على تحقيق الربح الباهظ. لكن ليس هناك شك في أن المسؤولية الرئيسية هنا تقع على راس المقاول الاساسي الاسرائيلي وهو الذي يجني الربح الاكبر بينما يبقى السماسرة / المقاولون الفلسطينيون مثابة المساعدين له.
السلطات تصر على استمرار الترتيبات القديمة التي لا تخدم أي غرض حقيقي
حوالي 150 الف من سكان السلطة الفلسطينية يعملون في مجالات البناء والصناعة والزراعة والفنادق والخدمات في إسرائيل وفي المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية. هذه ليست ظاهرة هامشية أو مؤقتة. تلعب هذه الشريحة من العمال دورًا هامًا في الاقتصاد الإسرائيلي، ويعتبر اجرهم مثابة الدفعة القوية للاقتصاد الفلسطيني المصاب بالشلل التام تقريبًا. يشير أي تقييم واقعي للوضع إلى أنه في المستقبل المنظور سيستمر هذا العدد الكبير من العمال في كسب لقمة العيش في إسرائيل وهناك احتمال بان عدد العمال سيزداد. من الواضح اذن بانه هناك حاجة إلى نظام فعال وناجع يضمن دخول العمال إلى إسرائيل والقضاء على العراقيل الخاصة بهذه العملية. إن الوضع الحالي ينتهك الحقوق الأساسية لهؤلاء العمال، ولا يخدم أي غرض سوى تكديس الأرباح السهلة للسماسرة والتي تقدر بالملايين والتي يتم تداولها بالسوق السوداء.
الأدعاء الاسرائيلي الرسمي الذي يبرر منح أصحاب العمل السيطرة والتحكم بالتصاريح هو الحاجة الأمنية لإنتاج آلية للإشراف على العمال ومراقبتهم. وفقًا للتصور السائد، فان العامل وفق هذا الترتيب يكون يوميًا تحت إشراف صاحب العمل الذي منحه تصريح الدخول. لكن ومن الناحية العملية، فإن الغالبية العظمى من العمال الذين يدخلون إسرائيل لا يعملون لدى صاحب العمل الذي استصدر لهم التصريح. وبالتالي فإن المنطق الأمني يفقد أي معنى.
يدخل حوالي 30.000 عامل فلسطيني الى إسرائيل من خلال تصاريح قاموا بشرائها من قبل السماسرة، مما يعني بانهم يعملون كما اسلفنا في مكان لا علاقة له بصاحب العمل المسجل اسمه على التصريح. بالاضافة لذلك يدخل نحو 40.000 عامل آخر الأراضي الإسرائيلية كل يوم دون تصريح على الإطلاق، مستغلين الثغرات الموجودة في الجدار الفاصل، مع العلم أن دخول هؤلاء العمال ليس سرًا. اذ تسمح السلطات بذلك وتغض الطرف عن الظاهرة متى ارادت تخفيف الضغط والتوتر الأمني في المناطق الفلسطينية. حسب المنطق الاسرائيلي من المفترض أن الأشخاص الذين لديهم دخل مالي ومستوى معيشي معقول سينشغلون في الحفاظ على الوضع القائم ولن ينجروا الى افعال عنيفة. اتضح اذن أن اغلبية العمال الذي يدخلون الى اسرائلي (حوالي 70 ألف شخص) يدخلون الى إسرائيل دون أن يكون للسلطات أي سيطرة على مكان عملهم وبالتالي يفقد المبرر الامني علاقته في الواقع.
نحن نرى ان المبرر الأمني غير قائم في الواقع وانه لا يوجد ان تبرير اخر في المجال الاقتصادي أو القانوني الذي يقتدي مواصلة العمل بنظام التصاريح القائم. ما بقي هنا هو مخلفات الماضي الذي لا يزال قائما، فيما ترفض السلطات الإسرائيلية مواجهة الجهات التي لها مصلحة في ادامة الوضع في الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.
انهاء الاعتماد على أصحاب العمل
لن تتوقف ظاهرة السماسرة والإتجار في التصاريح طالما أن الدخول إلى إسرائيل مشروط بتصاريح يتحكم بها أصحاب العمل. طالما أن صاحب العمل لديه خيار توظيف العمال لفترات قصيرة ودون التزام وجني الاف الشواقل في الشهر من خلال بيع التصاريح، فليس لديه أي دافع للانتقال الى التشغيل المباشر. كما أن الآلية المنصوص عليها في الإصلاح، والتي تسمح ظاهريًا للعمال بالانتقال من صاحب عمل إلى آخر لم تثبت فعاليتها.
فقط العامل الذي يتمتع بحرية تامة في اختيار مكان العمل من الممكن له ان يطلب حقوقه ويشتكي من ظلم واستغلال وخطورة العمل وفي حالة رفض صاحب العمل لمطالبه يستطيع ان يترك العمل ويبحث عن مكان عمل افضل. بدلاً من المحاولات الفاشلة لايجاد حلول ضمن الوضع القائم وإدامة نظام التصاريح المجحف، نقترح تغييرًا جذريًا يلغي بشكل نهائي ربط العمال بصاحب عمل معين.
بموجب اقتراحنا، سيتم إصدار البطاقات الخضراء "غرين كارد " للعاملين والتي ستسمح لهم بالعمل في منطقة أو فرع معين، دون أي اعتماد على موافقة أو عدم موافقة صاحب العمل. من خلال "البطاقة الخضراء"، سيتمكن العمال من دخول إسرائيل والبحث عن عمل بحرية، تمامًا كما هو منصوص عليه بالنسبة للسكان الفلسطينيين الذين تبلغ أعمارهم 55 عامًا فأكثر (هؤلاء يدخلون في المعابر بشكل حر دون الحاجة لاستصدار اي تصريح). سيضع هذا حدًا لاستغلال العمال، ولتجارة التصاريح، وجشع السماسرة. بدلاً من التشبث بترتيبات قديمة لا تخدم أي غرض منطقي، حان الوقت لإنتاج آلية حديثة وفعالة تتوافق مع الواقع المتغير.

________________________________________
[1] تم نشر النسخة النهائية من إجراءات تنظيم تشغيل العمال الفلسطينيين في إسرائيل في فرع البناء من قبل سلطة السكان والهجرة في 6.1.2021 ، بينما بدأ تطبيقها قبل شهر في شهر كانون اول 2020 – القرار الحكومي الخاص بالاصلاح هنا . https://bit.ly/3pybe1V
[2] على مدار العقد الماضي، لم تتم ادانة سوى مقاول واحد بتهمة الاتجار غير المشروع في التصاريح وحُكم عليه بالسجن لمدة 3 سنوات - الحكم في مثل هذه القضة مهم على الرغم من أنه غير مألوف بسبب التقاعس الصارخ من جانب السلطات في هذا ا لمجال. https://portal.takdin.co.il/Article/Article/4369310
[3] تقرير من تشرين ثان (نوفمبر) 2021 بقلم حجاي إتكس ووفاك عدنان لمعهد دراسات الأمن القومي بعنوان "إصلاح نظام تصاريح العمال الفلسطينيين في إسرائيل: التقييم الأولي " يشير أن الإصلاح فشل في إحداث أي تغيير وأن تجارة التصاريح مستمرة. كما ورد في مقال بقلم نوريت يوحنان في كان - هيئة الإذاعة الإسرائيلية (قناة 11) أنه على الرغم من الإصلاح: لم تتوقف تجارة تصاريح العمال للفلسطينيين"(19/12/2021) او في مقال بقلم ميراف أرلوزوروف (The Marker 21.12.21) انتقاد فشل الإصلاح في إنهاء التجارة في التصاريح "غير منظم وليس صدفة: الإصلاح أيضًا لم يحل محنة العمال الفلسطينيين"
[4] في شهر اب 2021 قررت الحكومة بضرورة زيادة عدد العمال الفلسطينيين والاجانب المطلوبين لفرع البناء وذلك ضمن السعي لمساعدة المقاولين 15500 فلسطيني و 13.500 عامل من الخارج ، ويبلغ العدد الإجمالي الآن 110.000. https://www.ynet.co.il/economy/article/hyn74zejy








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإسرائيليون يتعاملون مع الشهيد -زاهدي- أنه أحد أركان غرفة ا


.. لماذا يلوّح اتحاد الشغل في تونس بالإضراب العام في جبنيانة وا




.. الشركات الأميركية العاملة في الصين تشكو عرقلة المنافسة


.. الشركات الأميركية العاملة في الصين تشكو عرقلة المنافسة




.. صباح العربية | أرقام ستصدمك عن استقالة الموظفين حول العالم