الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عقدة الانتماء للبرجوازية الصغرى

وديع السرغيني

2022 / 6 / 28
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


والمحاولة ليست سوى تعقيب، ونقاش رفاقي وديمقراطي مع الرفيق "الحبيب التيتي"، الذي نادى من خلال عموده الأسبوعي بجريدة "النهج الديمقراطي" العدد 456، بتصحيح الأساليب النضالية المعتمدة خلال الاحتجاجات الشعبية والجماهيرية.. وهي إلتفاتة صائبة إن كانت فعلا صادقة، لأن تصحيح ممارستنا النضالية لم يكن أبدا مزايدة وبوليميك.. بل هو واجب نضالي يستدعي المبدئية والصدق، ولا يحتاج للقنابل المسيلة للدموع ونظريات ".. سقطت الطائرة"، فلكل مقام مقال يتناسب مع سياقه. والمقال الذي نحن بصدد نقاشه ومعالجته، يرتبط بالنضال الشعبي الاحتجاجي، الذي يسعى دائما لانخراط أغلبية المواطنين في صفوفه.. وهو على عكس ما ذهب له الرفيق "التيتي" الذي عوّدنا على مثل هذه الخرجات التي تبدو أنها "حمراء" في البداية، لتفاجئك على التوّ من فحصها بأنها مائلة كثيرا للبياض من داخلها، بعيدة عن الموضوع، ولا تفي بغرضها المزعوم، ولا تساهم في تصحيح أي من الممارسات الخاطئة للرفاق، سواء الحزبيين الأقربين أو المخالفين من عموم الرفاق التقدميين.

إذ بالرغم من اتفاقنا مع جوهر النقد الذي أشار عليه الرفيق، والذي يخص بعض الاحتجاجات التي تبدو وكأنها استعراضية، تقدم عليها كمشة من المناضلين المعدودين، أمام بناية البرلمان أو بمدن أخرى كالبيضاء وخنيفرة.. احتجاجات تبدو وكأن الغرض منها هو تسجيل "البطولة" والموقف، بغض النظر عن الحضور الجماهيري المعني بهذا الاحتجاج أو ذاك.! لذا وجب تسليط الضوء على هذا العطب، وربط المسؤولية بالمحاسبة وبالنقد والنقد الذاتي المسؤول، لمثل هذه الانزلاقات.. إذ لا يكفي أن نذكّر العدو بحضورنا و وجودنا كقوى سياسية معارضة.. والحال أن هذه المعارضة نفسها مجهولة، ومعزولة كليا عن الجماهير، التي من المفترض أنها تدعمها، وتناضل من أجل قضاياها ومطالبها وحقوقها.

وقد يحتاج هذا السلوك "النضالي" لنقاش عميق، ولتقييم شامل لممارستنا النضالية في الساحة، ارتباطا بمهامنا في التعبئة، والرفع من مستوى الوعي وسط الجماهير الشعبية.. وهي مهام مرتبطة بوعي "اليسار" لنفسه ولمهامه، وغير مرتبطة بتاتا بردود الأفعال، وبفشل وقفة أو مجموعة من الوقفات المبرمجة.. فالمشكلة لا علاقة لها بنداء 23 أبريل، بل بجميع الوقفات والاحتجاجات والمسيرات التي بدأت تعرف تخلفا مهولا عن المشاركة فيها.. وحين نقول التخلف، فنعني به الغياب التام للجماهير الشعبية عن هذه الأشكال النضالية.! إنها فعلا وقفات نخبوية، ومسيرات نخبوية تستحق التقييم والتقويم والحضور النضالي اللازم، عوض الفرجة وتبادل التحايا والتقاط الصور.. وكفى المؤمنين شر القتال!
فالنصيحة النضالية التي يجب تقديمها في هذا المجال تصحيحا لممارستنا الميدانية، لا تقبل الغموض أو التبرير أو مطاردة الأشباح.. بل تستوجب التدقيق والوضوح التام، حتى يستفيد الرفاق وعموم المناضلين الميدانيين من أخطاءهم ويطورون أدائهم النضالي للأحسن.. فلابأس إذن من تقديم بعض النماذج من هذه الوقفات المعنية بالنقد و"النصيحة" حتى نستخلص المقاييس من "الخبير" لوقفة ناجحة بكل ما في الكلمة من معنى.! إذ يؤسفنا وبصدق، أي من الناحية النضالية والعاطفية والإنسانية حتى.. حين نطّلع على بعض الصور والفيديوهات المغطّية لبعض الوقفات الاحتجاجية ببعض المدن، لا يتعدى الحضور بها عشر مناضلين، أو أقل بكثير كما هو الحال بمدينة خنيفرة مثلا.! وهي وقفات تطوّق وتحاصر جلها، بل وتمنع في الغالب من الأحيان من طرف السلطة وأجهزة الداخلية، ويعرّض منظموها للدفع والركل والتنكيل والاعتقال في غالب الأحيان.. الشيء الذي يتطلب منا كحركة ديمقراطية ألاّ نكتفي بنبذ هذه الأساليب القمعية وإدانتها وشجبها.. بل النضال من أجل استئصالها والقضاء عليها نهائيا كممارسة مناقضة للحرية والديمقراطية، بحيث يستلزم الأمر منا البحث عن الطرق والأشكال القمينة لخوض التعبئة، ورفع الوعي الجماهيري، والتحريض على الاحتجاج، حتى لا تبقى أشكالنا الاحتجاجية نخبوية ومعزولة. فإذا كان من الصحيح بل واليقين، أن هذه الأشكال نخبوية، فلأنها وقفات مناضلين وفقط، أي لا حضور للجماهير الشعبية بها، والحال أن هذه الجماهير الغائبة هي المعنية حقيقة ومباشرة، بالمطالب والملفات التي من أجلها تنظم هذه الاحتجاجات.!
فمن المسؤول إذن عن هذا التردي؟ ألا يصبح من واجبنا انتقاد الجهات الداعية لهذه الأشكال، وتحميلها مسؤولية هذا القصور وتداعياته؟ إذ لا يعقل ألاّ تتوفر الأحزاب اليسارية الأربعة، إضافة لمختلف المجموعات الراديكالية المستقلة.. على قاعدة كافية من المنخرطين والمتعاطفين، الذين من واجبهم المشاركة بقوة في جميع الأشكال الاحتجاجية، وبدرجة أولى تلك التي تنظمها وتدعو لها قيادتهم التنظيمية والسياسية.. عوض فتح الحرب على الأشباح ومطاردة الساحرات.! لأن جميع أحزاب اليسار وقوى اليسار، التي من المفروض أنها قوى سياسية مناضلة لا يقبل منها التخلف عن مثل هذه المحطات بحيث من المفروض أن هذه القوى نفسها تتوفر على قاعدة من المنخرطين في جميع المدن أو أغلبها، وجب التزامهم وانضباطهم التنظيمي لهذا القرار "الجبهوي"، وإلاّ سيكون هذا اليسار بدون معنى، وغير مسؤول، يرمي بهكذا قرارات في الهواء، دون أن تكون له القدرة أو الرغبة في تفعيلها، والالتزام بها، والتعبئة لأجلها..

إذن وقبل الخوض في البحث عن البديل النضالي، أو بالأحرى تطعيمه بغرض في نفس "التيتي" ومن معه.. لا بد من تقييم موضوعي لأداء هذه "الجبهة" على الساحة مع طرح السؤال المهم عن الجدوى من وجودها كرقم إضافي مكرور تجتمع مكوناته السياسية دوريا لتناقش وتقرر في أمور مصيرية مرتبطة بحياة، وعيش المواطنين، وقدراتهم الشرائية..
فالمحاسبة إن كان لا بد منها، فتنطلق من الاطلاع الدقيق عن الحالة التنظيمية لمكونات اليسار باعتباره المكون والمشكـّل "للجبهة".. بمعنى أن هذا اليسار يعيش وضعا مهلهلا ومهترئا من هذه الناحية، فهو لا يمتلك فروعا مهيكلة ولا مقرات، ولا تتوفر أحزابه على علاقات مع القطاعات العمالية والشعبية وسط الأحياء.. يسار ضعيف وعديم الفعالية ولا يتجرء أي من مكوناته على اتخاذ أية مبادرة جماهيرية في المستوى المطلوب.. فلا غرابة إذن من الاعتراف بنخبوية العمل السياسي اليساري بالمغرب.

فالنقد الذي تقدم به الرفيق "الحبيب" مجانب للصواب، نقد يستهدف بالأساس توسيع "الجبهة" وإنقاذها من النخبوية والشلل، اعتمادا على طرق ملتوية لن يفهمها القارئ إلا بتتبع المقالات والمبادرات والندوات.. التي ينظمها ويشرف عليها حزب "النهج الديمقراطي". فالنقد يبدو في ظاهره وكأنه نقدا ذاتيا لأفكار وممارسات حزبية تهم مجمل مكونات اليسار، المنظم وغير المنظم، الثوري والإصلاحي، علاقة بمجال النضال الاجتماعي.. وداخل هذا المجال بالذات لا يمكن لمناضل ديمقراطي بهذا البلد وفي أي منطقة من هذا العالم، أن يرضى بموجة الغلاء والارتفاع الصاروخي لأسعار المواد الغذائية والخدمات..الخ ولا ينخرط في صدّه ومجابهته.. إذ لا معنى ليسار لا يساند المواطنين في محنتهم، ولا يحمي قدراتهم الشرائية، ولا يصون مؤسساتهم التعليمية ومستشفياتهم العمومية..الخ ولا معنى ليسار لا يساند المعطلين في معركتهم ضد البطالة.. ولا معنى ليسار لا يتضامن مع العمال الزراعيين فيما يتعرضون له من قمع وتنكيل وهزالة في الأجور، وسط ضيعات الفلاحين الكبار.. ولا معنى ليسار لا يساند جميع الكادحين والمحرومين وذوي الدخل المحدود، من الموظفين والحرفيين والتجار والمياومين.. قصد تحسين أوضاعهم المعيشية وإنقاذهم من الفقر والحرمان..الخ فعوض هذا التحديد وهذا الالتزام، يتهرب الرفيق ويقحمنا في نقاش نظري غير ذي موضوع، محوّلا إيّاه لاتجاه آخر، الهدف منه إبراز العضلات الفكرية والنظرية ليس وإلاّ.!
لقد استنجد الرفيق بالتاريخ وبالصراع الذي خاضته الماركسية ضد أفكار ثورية أخرى تتغيّى التغيير والثورة الاشتراكية.. فاتحا ناره على أحد عظماء الثوار التاريخيين "لويس بلانكي". لقد اكتشف الرفيق فجأة أن أفكار هذا الثوري العظيم مجرد أفكار برجوازية صغيرة، وهي حقيقة لا يتنازع حولها عنزان.. لا يتبنّاها ولا يعتنقها أي من مكونات اليسار الثوري المغربي في هذه اللحظة، بالرغم من ثوريتها وجذريتها.. أفكار لا تجيز، على الأقل، التحالف والتنسيق والاحتضان المتبادل.. لقوى رجعية وظلامية مناهضة للديمقراطية ومعادية للتحرر الاشتراكي بوضوح.!

الرفيق يعتبر جازما، أن سبب نخبوية هذه الأشكال مرتبط بسيادة التصور البرجوازي الصغير، مؤكدا على ضرورة الابتعاد عنه حتى لا يعيق سير هذه الأشكال.. في تناقض تام مع المنظور الديمقراطي والواسع للجبهة. فهل في نظر الرفيق يجب استثناء الطبقة البرجوازية الصغيرة من حركة مناهضة الغلاء والجبهة الاجتماعية، مثلا؟ وهل يجبرنا النضال الاجتماعي على تحويل الأحزاب البرجوازية الصغيرة المشكلة للجبهة الاجتماعية إلى أحزاب بروليتارية حتى يستقيم النضال، وينال الكادحون والمحرومون بالتالي مطالبهم أيها الرفيق؟ إذ لا مجال أيها الرفيق للمزايدة والأستاذية المفرطة، التي تجهد النفس لإبرازها في أية لحظة وفي كل المناسبات.. ولا داعي للافتخار بكونك ماركسيا ضليعا لا يشق له غبار في الأداء النضالي وسط حركات وجبهات اجتماعية ترتكز على قاعدة واسعة ومتنوعة مفترضة.. لابد من التواضع، ولا بد من الإنصات لمجموع وجهات النظر ولا بد من البحث عن الحد الأدنى المشترك وعن الشعارات والبرامج المقبولة والمعقولة التي يمكنها أن تجد الصدى وسط الجماهير والمواطنين المعنيين بهذه الملفات نفسها.. لأن المقال هذا، وهو المعني بالنقد، وعنوانه "النضال ضد الغلاء شأن شعبي وليس نخبوي" تمت صياغته بطريقة أخطأت العنوان.. وكأن الرفيق يخاطب ممثلي الحركة العمالية البروليتارية وسط حركة الاحتجاج الشعبي الواسع، والحال أننا لا نحتاج في هذه الحركة سوى لمناضلين ديمقراطيين وتقدميين، حازمين ومبدئيين، قرروا الانتظام داخل إطار يوحد عملهم في هذا المجال الذي يرفض الغلاء والزيادات الصاروخية في الأسعار ويدافع عن كافة الملفات الاجتماعية الأخرى، التي تهم السواد الأعظم من المواطنين، من عمال وموظفين ومستخدمين وحرفيين وفلاحين صغار..الخ يعني جميع الطبقات والفئات الشعبية والفقيرة، معنية بالانخراط في هذه الجبهة، من مسؤوليتنا كيسار تقدمي وديمقراطي توسيع قاعدة هذه الجبهة وتطوير أداءها النضالي حتى لا يبقى فوقيا نخبويا ومعزولا..الخ عوض الهروب إلى الأمام وكأن جميع هذه التيارات اليسارية تخطط للثورة الاجتماعية الجذرية.. فالجبهة، وكما فهمها أغلب الفاعلون الاجتماعيون إطار يسعى لتطوير النضال الاجتماعي على كذا ملفات، وأهمها الحد من الغلاء ومن البطالة والفقر والحاجة ومن تدهور الخدمات..الخ فلسنا أمام نضال طبقي صرف يهم طبقة اجتماعية محددة، مثل الطبقة العاملة مثلا وكيفية بناء حزبها المستقل، وما هو برنامجها وخططها وسط منظماتها الاقتصادية، وداخل الاتحادات الجماهيرية وشبه الجماهيرية..الخ وغايتها القضاء على الرأسمالية والشروع في بناء المجتمع الاشتراكي.!
فدون هذا التوضيح لن ننجح في وضع الأصبع على مكمن الخلل في عملنا النضالي، وهو المرتبط بطبيعة قوى اليسار في المغرب حاليا، والمتصف بالتيه والتردد والضعف والهامشية.. يسار تجده غائبا عن مظاهرات الفاتح من ماي، وعن الوقفات المناهضة للتطبيع..الخ يسار غير قادر على تحمل مسؤوليته الكفاحية والميدانية، يسار متخلّف وبعيد كل البعد عن الإنجازات الثورية التي راكمها هذا التيار الثوري البرجوازي الصغير خلال ملحمات شعبية عظيمة أهمها على الإطلاق، إشرافه وقيادته لكمونة باريس التاريخية التي دشنت بإنجازها هذا، أول حكومة عمالية على الأرض.
فمثل هذا النقد لا يمكن أن يصنف سوى بالبرجوازي الصغير التافه الذي ظل الطريق، على اعتبار أن كل تفكيره وسياسته لا تخرج عن تطلعات البرجوازية الصغيرة.. فالرفيق ينتمي بوضوح لفئة اجتماعية برجوازية صغيرة، ولحزب برجوازي صغير مازال يتردد في إعلان انتمائه لصف الثورة الاشتراكية.. ساهم بكل قوته وثقله في تأسيس هذه الجبهة الاجتماعية البرجوازية الصغيرة في مجملها.. ليعلن فجأة ودون سابق إنذار عن ملاحظاته النقدية لأساليب الجبهة في النضال واعتبارها نخبوية ومنعزلة عن الجماهير المعنية حقيقة بالاحتجاج.!
صحيح أن الحركة الاحتجاجية في المغرب ضعيفة، وستظل عاجزة عن الوصول لأهدافها ما دامت الطبقة العاملة غائبة عن حلبة الصراع بسبب من غياب حزبها المستقل.. فما دامت لم تتوفق في تشكيل منظمتها السياسية وفي بناء حزبها الثوري الاشتراكي المستقل، فلن تتقدم وتتطور مسيرتنا النضالية، وستظل عرجاء، لا محالة، بسبب هذا الغياب.. لأن حضور الطبقة العاملة على الساحة وفي ميدان النضال سيغير من طبيعة الاحتجاج ويقويه بشكل جذري، ويحقق بالتالي التراجعات، ويُكسب للجماهير الشعبية أمورا ملموسة كثيرة، وكفيلة بأن تضمن الحضور وتوسع من قاعدته الجماهيرية باضطراد.
فما القصد إذن من هذه المزايدات "النظرية" وهذه الاجتهادات الطائشة خلال هذه المرحلة العصيبة من نضالات شعبنا، والتي تتميز بالهجوم الكاسح على الحقوق والمكتسبات في جميع المجالات والميادين.. الشيء الذي يفرض علينا ويلزمنا كمناضلين تقدميين بالبحث الجدي عن الأسباب الكامنة خلف هذه النخبوية القاتلة التي غزت جسم الحركة الاحتجاجية المغربية. وأحد هذه الأسباب هو غياب، أو ضعف بالنسبة للبعض، المبدئية والتفاني في النضال إلى جانب الجماهير الشعبية ومن أجل مصالحها المادية والمعنوية.. ثم التهاون وعدم الانضباط لقرارات تنظيمية خاصة بإطار يدّعي المرء الانتماء لصفوفه أي "الجبهة الاجتماعية" موضوع النقاش.
فنحن، على ما نعتقد، مناضلون حازمون، ولسنا انتظاريين بأي شكل من الأشكال، ولا نسعى لتأجيل النضالات والمعارك من أجل معالجة جميع الملفات الاجتماعية مثل الغلاء والبطالة والتعليم والتطبيب..الخ ولا نختبئ وراء معطى غياب الطبقة العاملة على الميدان السياسي والنضالي، أو ننتظرها حتى تكتسب في يوم ما وعيها وتشمّر عن أكتافها لتبني حزبها المستقل.. يكفي أن نبقى مناضلين تقدميين مرتبطين أشد الارتباط بقضايا شعبنا ومخلصين لتضحياته.. جريئين لأقصى حد، من خلال التعبير عن محن هذا الشعب المظلوم، مبادرين دوما للاحتجاج وتكسير الصمت، تجسيدا لمبادئنا وقناعاتنا التقدمية، بدون أدنى تحفظ.
وفي سياق الملاحظات التي لا بد منها، فقد اعتدنا وتعودنا على بعض الفيديوهات وهي تتابع بعض الوقفات الاحتجاجية، المنددة والمستنكرة لسياسة الدولة في مجالات عدة، وقفات لا يتعدى الحضور بها كمشة من المناضلين والمناضلات.. دون أن نعتبر هذا الفعل الاحتجاجي نخبويا وما هو بالنخبوي قطعا.. لأن المشكل، وكما قلنا سابقا، مرتبط بالأحزاب والإطارات والجمعيات والتيارات والمجموعات السياسية الصغيرة.. أي مجموع الحركة التقدمية والديمقراطية، المقررة لهذا الشكل أو ذاك من الأشكال النضالية الاحتجاجية، في ظروف وشروط هي المسؤولة على تقديرها، وفي توقيت هي المسؤولة على ضبطه وملائمته.. ناهيك عن الإعداد والتعبئة اللازمة لحدث نضالي من هذا الحجم.. إذ لا يعقل أن يصدر القرار ولا نجد في الساحة من يلتزم به، ولا يعقل ألاّ تتوفر مجموع هذه الإطارات على من ينوب عنها في التنفيذ.. أين هي الشبيبات، أين هي الجمعيات المرتبطة بهذه الأحزاب، وأين هي النقابات، وأين هم نشطاء العمل "الحقوقي"، والعمل الطلابي، والنضال النسائي، والمثقفون والأساتذة الجامعيون والمعطلون..الخ فإما أن نكون أو لا نكون.!
ولتوضيح هذه النقطة بالذات، انتقادا لهذه الملاحظات المزعومة أو المنفلتة من سياقها على الأصح.. والتي نعتبرها بكل تأكيد، بغير الجدية وغير المبدئية.. فهي مجرد زعيق ومزايدة فارغة، الهدف منها اللمعان و"أنا وحدي نضوي البلاد" وفقط. فخلال 23 أبريل بالضبط، وهو اليوم الذي أقرّته "الجبهة الاجتماعية" للاحتجاج الشعبي ضد الغلاء وارتفاع الأسعار بالساحات العمومية في عموم المدن المغربية.. حدث أن تم اعتقال الرفيق عبد الله الحريف أحد زعماء الحزب القياديين من مرقده بأحد فنادق مدينة طنجة، على خلفية إصداره لشيك بدون رصيد، الشيء الذي دفع برفاقه في الحزب للاحتشاد أمام بوابة ولاية الأمن بطنجة، في إطار من "التضامن" والدعم.. وحدث كذلك أن تمت تسوية وضعيته، بعد الحصول على التنازل من صاحب الشكاية.. المهم في الأمر أنه بعد إطلاق سراح الرفيق الذي نحترمه ونقدّره، ولا نعير اعتبارا لمثل هذه الأخطاء الشخصية جدا، والتي يمكن أن تصادف المرء في حياته كيفما كان ثقله، ومهما بلغت تجربته وتضحياته في الميدان.. المشكل هو أن إطلاق سراح الرفيق تزامن مع توقيت الوقفة الاحتجاجية المقرر تنظيمها في الساحات العمومية لينطلق الاحتجاج، بدون الرفاق، وبدون الزعيم، وبدون الحزب، حزب "النهج الديمقراطي" الذي يشكل طرفا أساسيا وسط الإطار الجبهوي موضوع الكلام والنقاش.. صحيح أن الرفاق التقدميين بالمدينة استعصى عليهم تشكيل جبهة محلية للنضال الاجتماعي، لأسباب تافهة جدا ولا يليق ذكرها، باعتبارها غير ذات موضوع.. لكن وكيفما كانت الأحوال والظروف، فلا تتخلف المدينة وسكانها وشبابها، عن النضال وعن أية محطة للاحتجاج، بقرار أو بدون قرار.. الشيء الذي استغربنا له، والحال أن ولاية الأمن لا تبعد عن ساحة الاحتجاج سوى بأمتار قليلة عن المكان الذي احتضن الوقفة الاحتجاجية.. فكان الغياب بعد أن فضـّل الرفاق عدم الالتحاق بالتظاهرة للتنديد بالغلاء، ولإعلان الرفض القاطع للزيادات في الأسعار، وللتدهور المعيشي والاجتماعي لجماهير شعبنا.. بهذا نكون قدّمنا مثالا من بين أمثلة عديدة تعيق بشكل ملموس نجاح الاحتجاجات، وتحولها لوقفات نخبوية استعراضية، بعيدة عن الجماهير المتضررة من الغلاء والفقر والبطالة والتهميش، وبدون مشاركة الفصائل اليسارية المراهنة على استقطاب "عموم الكادحين" إلى صفـّها.. كأن يقرروا مثلا ويدعوا، ويغيبوا بدون أدنى تبرير أو اعتذار.!
فبماذا نسمي إذن مثل هذا السلوك؟ إنه سلوك غير نضالي بالمرة، بل هو استهتار، يشكك في الجدوى من هذه القرارات والإطارات المرتبطة بها.. فكفانا مزايدات ومشاحنات ومطاردة للساحرات.. فحاجتنا اللحظة لمناضلين مبدئيين، عازمين وحازمين في خوض النضال على جميع الجبهات الاجتماعية، وربط النظرية بالممارسة، وكفانا تبرما وتنطعا في الأقوال، وتوزيع الانتقادات المجانية شرقا وغربا، ومراقبة "الطائرات والحدائق" لتبرير الضعف والتخاذل.. فالوقت وقت عمل ونضال وكفاح بدون كلل أو هوادة، لتقوية الجهود ولتطوير مسارنا النضالي حتى الانتصار على أسباب بؤسنا وشقاءنا وفقرنا وحرماننا.. أي الانتصار على الرأسمالية والرجعية والصهيونية والإمبريالية ببلدنا، وبالبلدان الشقيقة، بل وبجميع البلدان المعمور. فأصل الشر وجميع الشرور هو الرأسمالية بكل تأكيد.
ماي 2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لبنان.. مزيد من التصعيد بين إسرائيل وحزب الله | #غرفة_الأخبا


.. ماذا حققت إسرائيل بعد 200 يوم من الحرب؟ | #غرفة_الأخبار




.. قضية -شراء الصمت-.. الادعاء يتهم ترامب بإفساد انتخابات 2016


.. طلاب الجامعة الأمريكية بالقاهرة يهتفون دعما لفلسطين




.. قفزة في الإنفاق العسكري العالمي.. تعرف على أكبر الدول المنفق