الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المشروع الحضاري المجتمعي العملي للدكتور محمد رؤوف حامد

مجدي عبد الحافظ صالح
كاتب وأكاديمي ومترجم

(Magdi Abdelhafez Saleh)

2022 / 6 / 29
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


تمهيد:
لا شك أن الدكتور محمد رؤوف حامد يحمل مشروعا حضاريا وطنيا ومجتمعيا، هو نموذج نادر من العلماء الذين يوظفون علمهم وخبرتهم العلمية والأكاديمية في خدمة اوطانهم. فلقد وضع نصب عينيه ومنذ البداية واقع مجتمعه المصري والعربي وواقع العالم الثالث، فشغل تفكيره واهتماماته وتجاربه دائما حل مشكلات هذا الواقع. وبطبيعة الحال مع التعامل مع مواده ومفرداته المحلية، الأمر الذي اوصله إلى فتوحات علمية كبرى.
والحق لن اشغل نفسي في هذا الحيز الضيق بالحديث عن فتوحاته العلمية في مجال الدواء (الفارماكولوجي)، رغم معرفتي بالبعض منها، وذلك لوجود كثير من المتخصصين بيننا ممن يستطيع الإفاضة في هذا المجال المتخصص أفضل من كاتب هذه السطور. من هنا سأقتصر في هذه الورقة على المشروع الحضاري المجتمعي العملي للأستاذ الدكتور محمد رؤوف حامد، الذي اعتبره وبحق مُنظِّرا وفيلسوفا، من خارج إطار التنظير التقليدي في العلوم الإنسانية، إذ يتسم إلى جانب العلمية، بعملية أفكاره ومرونتها، وبمدى حرصه على إمكانية الاستفادة منها وتطبيقها على ارض الواقع، وحصد النتائج الإيجابية المتوقعة بعلمية الاستشراف المستقبلي لهذا التطبيق.
سيمكننا القول إذن أن رؤى ونظريات الدكتور رؤوف حامد قد تميزت بأفق مستقبلي واضح، يستشرف من خلاله آفاق المستقبل القريب والبعيد، مستندا في ذلك إلى علم الإدارة والحوكمة المجتمعية المعتمدة على الشفافية والرقابة ومناهج العلم الحديث. من هنا سنجده قد ذهب بمؤلفاته وجهده العلمي، إلى اتجاهات ثلاث أرتأى إنها تُشكِّل بؤرة اهتمامه وهمه الوطني، وتقع في محور إمكاناته العلمية والبحثية والفكرية:
1- الدواء:
الدواء هو صميم تخصص الدكتور محمد رؤوف حامد العلمي وتكوينه الاكاديمي، لذا اتسم موقفه منذ البداية بالمسئولية الطبيعية حول ما يتعلق بأموره في كل المجالات وعلى شتى المستويات، إذ أدان غياب سياسة للدولة تجاه الدواء ودعا إلى الحاجة "لعقل جماعي وطني في مجال الدواء"، كما دعا إلى ضرورة "استقلال هيئة الرقابة والبحوث الدوائية عن الحكومة مثل الجهاز المركزي للمحاسبات". كما أنه من أوائل من نبهوا العالم إلى ما يمكن أن تجلبه اتفاقيات "الجات" من انعكاسات سلبية على الدواء، وبخاصة في بلدان العالم الثالث. وعندما سؤل عن عواقب إلغاء هيئة الرقابة الدوائية في مصر قال: "إنه يفتت الحاضر من كوادر ومعامل وإمكانات، وخبرات، ومصداقيات وطنية. ذلك يقلل من الشأن الدوائي المصري وبمستقبلياته، لأن الدواء بطبيعته سلعة تُبنى على العلم، وتتطور وتُراقب به، وكل يوم هي في جديد" ( ).
من هنا جاء اهتمامه بالكتابة التوعوية الثقافية حول الدواء، فكتب عن قصته في مؤلفه الذي صدر تحت عنوان: قصة الدواء علم وتحديات، كما كتب عن ثورته في ارتباطها بالتحديات المستقبلية، في مؤلف آخر نشره تحت عنوان: ثورة الدواء، المستقبل والتحديات، ولأن المستقبل مثَّل له بوصله لاهتماماته في كل معالجاته ومقارباته العلمية، نجده قد كرَّس مؤلفا آخر في هذا الاتجاه مركزا فيه على صناعة الدواء باعتبارها الركيزة في امتلاك بلاده لصناعة دوائية تضمن لمواطنيه توفر العلاج في الوقت المناسب وبأسعار في متناول الجميع، وهو المؤلَّف الذي حمل اسم: مستقبل صناعة الدواء في مصر.
2- حقوق الجنوب:
مثَّلت قضية حقوق دول العالم الثالث قضية مركزية لدى الدكتور محمد رؤوف حامد، ليس فحسب في بحثه للموضوع وتكريس مؤلفات حوله، بل كانت كل مقارباته ومعالجاته تكاد تدور حول تأكيد حقوق بلدان الجنوب، التي لطالما ظُلمت وانتُهكت حقوقها من قبل دول العالم، التي تُطلق على نفسها (العالم المتقدم)، من هنا تصدى للانعكاسات السلبية للعولمة على بلاد واهل الجنوب في مؤلفين متميزين، حمل الأول عنوان: القفز فوق العولمة، وحمل الثاني عنوانا يحمل البديل والمخرج من هذه العولمة المتوحشة: الوطننة في مواجهة العولمة. ومن نفس المنطلق الدفاعي أيضا عن حقوق الجنوب، تصدى -كما ذكرنا من قبل- لاتفاقيات الجات العولمية عندما أُريدَ تطبيقها على الدواء، في مؤلّفِه عن: حقوق الملكية الفكرية.
3- الدفع بالمجتمع المصري والعربي إلى التقدم والنهضة:
شغل هذا الاتجاه الجزء الأكبر من أنشطة ولقاءات وحوارات، وكذا من كتابات ومؤلفات عالِمنا الكبير، حيث ركّز فيها على ضرورة التغيير الإرادي المُفكّر فيه، والذي يتصل بكل القطاعات المجتمعية والإدارية والثقافية والعلمية .... الخ، ومن ثم كانت إدارة هذا التغيير علميا هو شغله الشاغل حتى يسير في الاتجاه الصحيح، متغلبا على العقبات والمشكلات التي يمكن أن تعترض طريقه، وراسما ومبرمجا لطريقة التعامل، بل والتفاعل مع جدليات وتحديات ورهانات هذا التغيير معرفيا وعلميا، ومن هنا جاءت هذه المؤلفات الغزيرة التي صبت في هذا الاتجاه:
أ‌- بدءا من كتابه: التقدم الأُسي، إدارة العبور من التخلف إلى التقدم.
ب‌- وكتابه الذي لخَّص هدفه من إدارة المعرفة، للوصول إلى إبداعية المجتمع باعتباره الطريق الأوحد، إلى التقدم المجتمعي في شتى مستويات ومجالات الإنجاز والموسوم: إدارة المعرفة والابداع المجتمعي.
ت‌- وفيما أتصل أيضا بالإدارة التي يعوِّل عليها كثيرا في الدفع بالمجتمع إلى الأمام، وبخاصة عندما تتجه نحو تأطير الابتكار الاستراتيجي، المتعلق بالتغيير الذي ينشده، سنجد مؤلفه الذي خرج على هيئة كراسة بعنوان: إدارة الابتكار الاستراتيجي والتغيير.
ث‌- ومؤلفه حول ما يمكن أن يبدعه التواصل وتبدعه التشاركية من أدوات وخطط، تساعد على الارتقاء بالمجتمع، وهو الذي خرج في شكل كراسة تحمل عنوان: التواصل الارتقائي، بما يتضمنه من تآزرية منظومية تقوم على التمكين والتشبيك.
ج‌- وفي إطار الدور التغييري والثوري الذي يمكن أن يلعبه المثقفون في مجتمعاتهم المحلية، مما من شأنه أن يغيِّر من مستقبل ثورات الشعوب في عالَمنا المعاصر، يُقدم عالِمنا في كراسة أخرى دراسته حول: مستقبل جديد للثورات: ثورة المفكرين.
ح‌- ولأهمية المستقبل في منظومته الفكرية والمعرفية، نجده يركِّز في أكثر من مؤلَّف على تقفي صور مجتمعه المستقبلية، وإمكانية تطورها أو تراجعها في ظل السياسات والتصورات والمفاهيم التي يمكن لها أن تُغلَّب أو تسود، لذا وجدناه ينشر في إحدى كراساته البحثية اطروحته حول: المستقبل بين فكر القوة وقوة الفكر.
خ‌- كما ينظر بنفس المنظور المستقبلي إلى إدارة المعرفة، باعتبارها فرعا أساسيا من فروع العلم الإداري المعاصر، وفي الوقت نفسه يراهن عليها من أجل تقدم مجتمعه في المستقبل، وهو ما وجدناه في كتابه المعنون: إدارة المعرفة، رؤية مستقبلية.
د‌- وفي مجال الحرص على بيان الطرق والمنهجيات، التي تدفع نحو الزج بالمجتمع في طريق التقدم والنهضة، سنجد كراسته التي حملت عنوان: التفكير بطريقة استراتيجية.
ذ‌- وسنجد أيضا كراسته التي قدم فيها للتوافقية باعتبارها أحد المناهج، التي يمكن الاستفادة منها في التعامل مع تكنولوجيا عالمنا المعاصر، وهي العمل الذي حمل عنوان: التوافقية منهج علمي تكنولوجي جديد.
ر‌- ولم يفته التأكيد على كل جديد في مجال العلوم الجديدة، وبخاصة تلك التي استفادت بكل ما حققته البشرية من طفرات غير مسبوقة، على مستوى تحسين حياة الناس في مجتمعاتهم المحلية مثل كتابه عن: الاقتصاد الرقمي.
ز‌- وفي مجال بحثه عن المعضلات التي تعرقل تقدم المجتمع، وضع يده على الفساد الذي يشكِّل عقبة كبيرة في وجه كل تطور، ويبتلع كل أمل في نمو المجتمع وتقدمه، بل ويدفع بعض المخلصين من أبناء الوطن إلى الإحباط والإحجام عن المشاركة. ومن هنا كانت حملته على الفساد والمفسدين، وهي حملة لم تكن فكرية نظرية فحسب، ولكنها كانت حملة فعلية واقعية خاض غمارها على الأرض، ودفع فاتورتها المكلِّفة عندما نجح المفسدون في إزاحته من منصبه بهيئة الرقابة الدوائية، وهو العمل الذي خرج تحت عنوان يسخر من المفسدين: الرقص مع الفساد.
س‌- وفي طريق العيش المشترك والسلام الاجتماعي، باعتباره طريقا أساسيا، بل وضروريا لأبناء الوطن الواحد، مهما اختلفت اعراق ومعتقدات وأديان مواطنيه، توقف هنا حول هذه النقطة المهمة والتي وعى أنه بدونها لن تتقدم الأمم ولن تحقق نهضتها على الاطلاق، وهو الاهتمام الذي نُشِر تحت عنوان: ثقافة التعايش المشترك.
وإذا اضفنا إلى القائمة السابقة مجموع الحوارات والندوات والمؤتمرات والنقاشات والمناظرات والأبحاث والكتابات والمقالات، التي انجزها بالمواقع الالكترونية والمجلات والصحف السيارة، سيمكننا التعرف على حجم هذا الإنتاج الضخم والمتميز، ليس كميا فحسب، ولكن كيفيا أيضا وبطبيعة الحال.
أطروحة التقدم الأُسي وثقافة التغيير:
1- التقدم الأُسي:
كانت أطروحة الدكتور محمد رؤوف حامد الشهيرة" التقدم الأُسي، هي بداية التعارف بيننا عندما شارك في المؤتمر الدولي الأول، الذي نظمناه في قسم الفلسفة بجامعة حلوان، حول "البيئة وثورة الاتصالات والهندسة الوراثية"، وذلك في نهاية تسعينيات القرن الماضي. والحق لقد أبهرتني اطروحته تلك وبخاصة، أنه اعتبرها وسيلة لعبور تخلف مجتمعاتنا والاندفاع نحو منافسة المتقدمين، إذ وجدتها رؤية جديدة تتجاوز الأفكار الاشتراكية التقليدية، وبخاصة نظرية حرق المراحل التاريخية الشهيرة، وهنا مع الدكتور رؤوف حامد تم التجاوز وبشكل علمي. فالتقدم الأُسي ظل -كما يرى- وسيلة مهمة تُمكِّن مجتمعاتنا، من كسر احتكار الغرب وهيمنته على التقدم في العالم، فتتمكن شعوبنا من اللحاق به، بل ومنافسته في مجالات تقدمه وهي نظرية تعني في رأيه "الاستخدام الأمثل للزمن والجهد في تركيب القدرات البشرية والمادية والمعلومات والمعارف والعلاقات المتاحة مع بعضها البعض بطريقة تحقق تقدم الإنجاز كميا وكيفيا بسرعة أُسية"
2- ثقافة التغيير:
ولعل التقدم الأُسي لديه يدفع إلى تسارع التغيير أُسِّيا، إضافة إلى هندسة هذا التغيير وإدارته، وهو في الوقت نفسه هدف جوهري ينشده، ولكي يتحقق هذا التغيير المنشود يرى حامد أنه لابد من أن تسود ثقافة تؤطِّر وتحتوي وتوجِّه هذا التغيير، باعتباره قد اضحى لديه حاجة ماسة للمجتمع ومن ثم هدفا، لابد وأن يعمل الجميع على تحقيقه وبخاصة العلماء والمفكرين، باعتبارهم هم من يقودون المجتمع نحو التقدم والرخاء، ولابد أيضا من ضرورة أن تصب مساهماتهم في الحضارة الإنسانية. من هنا كانت منهجية التناول لدى رؤوف حامد "تعتمد قدرات العلماء والمفكرين في إحداث التقدم على قدر اصالة فهمهم وممارستهم للتغيير كحاجة، وكهدف، وكعملية. ذلك يجعل لثقافة التغيير مكانة مركزية في صقل قدرات العلماء والمفكرين، وفي تمكينهم من المساهمة في إنجاز التقدم الإنساني" ( ).
وفيما يتعلق بالتغيير كجوهر اصيل للتكنولوجيا، نفاجأ برؤية رؤوف حامد العميقة والتي تعطينا فهما جديدا، على خلاف ما يمكن أن يفهمه الناس من العلاقة، التي يمكن أن يشوبها الاضطراب أو التناقض، عندما نضع الاستقرار نقيضا أو في مواجهة التغيير، ويخرج من هذا التناقض أو على الأقل ما يبدو تناقضا، بالتمييز بين استقرار حقيقي (التغيير) وآخر مزيف (الثبات أو الموت)، أو بين الاستقرار الذي هو قدرة متجددة على التغيير المستمر، أو بين الثبات الذي يماثل بينه وبين انقطاع الحياة فيرى: "إن التغيير يدفع إلى تغيير، وبالتالي يكون الاستقرار الحقيقي في امتلاك القدرة المستمرة على التغيير، بينما يكون الثبات هو الموت" ( ).
وفي حديثه هذا عن ثقافة التغيير سيمكن أن نرصد بوضوح، شمولية نظرته وكليتها وهو دأبه الذي لم يتغير في مقاربة موضوعاته البحثية، وذلك عندما يضع على طاولة البحث ما يجعل هذا التغيير ذي فاعلية، عندما يخوض في طبيعة هذا التغيير من حيث موضوعه ومادته، والآلية التي يسير بها ومقدار حركته، ومنظومية بنيته والعوائد المتوقعة من حدوثه، وذلك عندما يطرح أسئلة اعتبرها محورية من قبيل: "تغيير ماذا؟ وكيف يحدث التغيير؟ وماذا عن سرعته؟ وعائداته؟ وهل له منظوميته؟"
وفي القلب من ثقافة التغيير يتبنى عالِمنا طريق التفكير العلمي أو التفكير النقدي المنظم، باعتبارهما الشرط الشارط لكل من يمارس البحث، أو يمتهن المهن أو يتصدى لأي مهمة كانت وفي شتى المجالات، لأنه عن طريق هذا التفكير يعوِّل الدكتور رؤوف حامد على إمكانية تراكم الخبرات المعرفية والعملية، التي تُمكِّن من يمارسون هذا التفكير الذي يعتمد على العلم والنقد، من القدرة على تخطي الصعاب التي تعترضهم على طريق التغيير، وهو الأمر الذي يدفع إلى نجاح عملية التغيير، وذلك عندما يقول: "تتزايد كفاءة حل المشكلات، ومع تكرار تطبيقه تتحسَّن الخبرة في استخدامه، بحيث تتزايد القدرة على التطور والتغيير وحل المشكلات" ( ).
ويهتم الدكتور محمد رؤوف حامد بمستويات الإدارة العليا، باعتبارها هي المؤطِّرة لعملية التغيير التي تتم، ومن هنا جاءت مطالبته بأن تتسلح "المستويات القيادية للمنظومات بالفكر، بحيث يكون الفكر هاديا للمسارات والكيانات" وهنا لا يتورع عن تحديد ما يقصده بالفكر الذي يجده بأنه "الرؤى الناتجة عن إعمال الحس المعرفي" ( ). وهي رؤية كفيلة بأن تجنِّب هذا المستوى القيادي الانحراف عن الأهداف المتفق عليها في عملية التغيير، بل وستمنحهم المرونة في التقييم وإعادة التقييم، وفي النقد الذاتي والتقويم المستمر. ولا ينسى في هذا المجال عالِمنا من أن يحذرنا من الانعكاسات السلبية لليبرالية الجديدة، على مستويات الإدارة العليا عندما يتم احتكار صناعة القرار لأعلى السلم الإداري، وهنا -في رأيه- "يمتنع الحوار والتشارك لحساب اتباعية مرضية مفرطة، ما أدى إلى تنامي عدم الانتماء لمؤسسة، بل لشخص المسؤول. وبدلا من أن تعمل الإدارة إلى التمكين أدى هذا إلى إدارة تحجيمية".
ولا يمكن أن يُفهم من تركيز عالِمنا على دور الباحثين والمهنيين والمثقفين عموما، في عملية التغيير المجتمعي التي يدعو إليها على أنه اختار موقفا نخبويا صرفا، بل على العكس تماما فقد اهتم بشكل كبير بما أطلق عليه دائما "الانسان أو المواطن العادي" -وهو ما سنتوقف عنده لاحقا-، إذ اهتم بأن يحصل الانسان العادي على نصيبه من منسوب المعرفة، الذي يرتفع بمقدار ومدى درجة التغيير التي حدثت في المجتمع، الأمر الذي من شأنه أن يغير أيضا من حاله في طريقته في التفكير والتحليل والفهم، وهو ما يؤدي به بطبيعة الحال إلى عقلانية في الأداء والتصور والتقييم. من هنا يؤدي ارتفاع منسوب المعرفة بالمواطن "العادي إلى تخطي المواقف العفوية (أو الوجدانية الخام) تجاه الاحداث، والتفاعل مع مقاربات معرفية (بقدر الإمكان)، مثل استجلاب وتصنيف المعلومات والملاحظات، وممارسة التحليل بشأن عموم الاحداث ومجرياتها (من توجهات وقرارات وقضايا) ...الخ، الأمر الذي يقود بالضرورة إلى تصاعد القدرة على التقييم، والتقويم، وتصور البدائل" ( ).
وفي ظل هذه الأجواء التي تتسم بالتفكير العلمي والنقدي، وبتزايد منسوب المعرفة العلمية لدى الخاصة والعامة، يتزايد أيضا منسوب الثقافة العلمية في المجتمع، ويتحول إلى طاقة مؤثِّرة أو قوة محفِّزة أو ما أطلق عليه عالِمنا "عزم الثقافة العلمية"، ويرتبط هنا حجم الإنجاز بمدى ما يمكن أن يتوفر من تأثير لهذه القوة الفاعلة، إذ يؤكد الدكتور رؤوف حامد على أن "للمعرفة العلمية (قوة) تنعكس في تحسين وإنضاج واكتمال أية أعمال وأية مخرجات، وبقدر (وزن) أو (حجم) هذه القوة و (سرعة) تطبيقها يكون العزم المؤثر بالتحسين والإنضاج والاكتمال. إنه عزم الثقافة العلمية" ( ).
ويفهم الدكتور محمد رؤوف حامد عملية الانتقال التي تغلف ديناميات التغيير، بحيث تتحول المعرفة إلى إنجاز من خلال هذه القوة أو العزم التي يحظى بها الفرد الضالع بهذا التغيير نفسه، وهو انتقال يراه "من مجرد المعرفة بالشيء إلى تحقيق الإنجازات، يحدث من خلال ما تحمله (أو تنشئه) هذه المعرفة عند صاحبها من عزم" ( ). وهنا يخلع عالِمنا على المعرفة عزما يدفع إلى قوة الحركية، تنعكس بالإيجاب على عوائد ومخرجات هذا التغيير، إذ "ومن الطبيعي أن يكون العزم حركية، والتي تتجسَّد في مخرجات وعائدات" ( ).
وفي تفاصيل حديث دكتور رؤوف حامد عن جوهر الدعم التغييري، الذي يمكن أن يحصل عليه الفرد أو يمده به العلم والتكنولوجيا، وهو الأمر الذي من الممكن أن يُنشِّط المنظومة العقلية لدى الأفراد وقدراتهم، على القيام بطرح الأسئلة والدهشة وهي أصل الفلسفة، وكذلك على التأمل وهو الأمر الذي يؤكده عالِمنا عن ماهية الدعم التغييري، عندما يراه "يبدأ من تشكيل خلفية للتحديث والتطوير في قدراته (يقصد قدرات الفرد) على الاندهاش والتأمل والتساؤل" ( ).
نماذج بشرية حية جسَّدت ثقافة التغيير لدى دكتور رؤوف حامد:
وضع عالِمنا اليد على بعض النماذج العلمية والفكرية الملهمة، ممن آمنت بثقافة التغيير وشاركت في نقلات حقيقية في مجتمعاتها المحلية والإقليمية والعالمية. ولقد اختار في إحدى مقالاته خمس من الشخصيات الأجنبية، إضافة إلى أربع شخصيات مصرية، يجمع اغلبهم الاهتمام بالشأن العام إلى جانب تخصصاتهم العلمية، واطلق عليهم جميعا "شخصيات فذة في العلم والفكر. هذا وقد احتفى الدكتور محمد رؤوف حامد لدى كل منهم بخاصية ميزته سواء، كان في مجال تكوينه العلمي المتخصص أو في مجال اسهاماته الثقافية والفكرية المؤثرة، والتي دفعت بالتغيير المجتمعي والحضاري إلى آفاق أرحب، هذا وقد رتبهم على النحو التالي ( ):
1- اينشتين: وهو الذي احتفى لديه بالتخيل الإبداعي، وباهتمامه بالفكر السياسي، وبعقليته التغييرية التلقائية، المضادة للنظام التعليمي التقليدي.
2- رسل: واحتفى عند رسل بنضاله من أجل حرية الفكر، وبممارسته لثقافة التغيير والتفاعل الحر من أجل الإنسانية.
3- جوزيف شومبيتر: حيث احتفى لديه بالكيفية التي فكر بها للتغيير الاقتصادي، وبمساهماته الفكرية في ريادة الاعمال كوسيلة للابتكار والتغيير.
4- توماس كون: إذ احتفى لديه بمرونته في تغيير تخصصه، وبإبداعه في تخصصه الجديد (تاريخ العلوم)، الذي عمل فيه باستمتاع ومثابرة مستندا إلى منسوبه المعرفي السابق في تاريخ العلوم، كما احتفى هنا بما تولَّدَ لديه من حركية ذهنية نقدية تطويرية قادته إلى نظريته في بنية الثورات العلمية.
5- جيمس بلاك: الذي احتفى لديه بإنجازاته في مجال الدواء، وببدايته الاجتماعية المتواضعة التي لم تشكِّل عائقا لديه، وبملاحظاته الثاقبة أثناء دراسته، كما أشار إلى تأثير ظروف بيئته وحياته الاجتماعية، محتفيا بوعيه بضرورة تحول المعرفة إلى أداة للإنجاز.
6- أحمد ذكي عاكف: وقد احتفى لديه بأبعاد اهتماماته (كمعلم، وعالم، وأديب، وكاتب، ورجل دولة، ومؤسس للمركز القومي للبحوث، ولمجلة العربي الكويتية)، كما احتفى باندماج العلم والفكر في شخصيته.
7- أحمد مستجير: الذي احتفى لديه بنفس ابعاد الاهتمامات العلمية، والأدبية، والفكرية، والفنية، وبهمومه الإنسانية والعربية، كما احتفى بإبداعه لسد حاجات فقراء بلاده بتوليد سلالات جديدة من القمح والأرز.
8- عبد المنعم رياض: وقد احتفى لديه بعلمه العسكري وبتفكيره الاستراتيجي، فيما اتصل بالتعامل الفاعل في الزمان غير المحدود.
9- حسن فتحي: الذي احتفى لديه باهتمامه بعمارة الفقراء، وباستخدامه للمواد المحلية في البناء، الذي يقاوم قسوة بنية المكان.
ولا يمكن أن نغفل هنا عن الإشارة بأن الصفات، التي احتفى بها الأستاذ الدكتور محمد رؤوف حامد، لدى هذه الشخصيات التي اعتبرها فذة في العلم والفكر، هي نفس الصفات التي تمتع هو نفسه شخصيا بها. حيث اجتمع فيه العلم والفكر، الامر الذي انعكس إيجابا على مجمل انتاجه العلمي والثقافي، إذ حوَّل المعرفة إلى أداة ووسيلة للإنجاز. وينطبق عليه أيضا الاهتمام بالشأن العام وانفتاحه على الجديد والحديث، ووقوفه دائما بعقليته النقدية ضد التقليدية في شتى مناحي الحياة، كما اتسمت أفكاره وكتاباته بحركية ذهنية تدفعه دائما إلى التغيير المدروس بعناية، كما حملت أفكاره دوما زخما نضاليا يدفع لمناصرة حرية الرأي والتعبير، والدفع نحو خير الإنسانية جمعاء، ولعل أبرز ما تأثَّر به لديهم كان هذا الحس الإنساني العالي، والتحيز للضعفاء والفقراء وقليلي الحيلة، وما أكثرهم في بلادنا.
الانسان العادي: بوصلة التوجه والرؤية العامة عند الدكتور محمد رؤوف حامد:
مثَّل الانسان العادي للدكتور محمد رؤوف حامد محور ارتكاز، لكل مساهماته البحثية وكتاباته المختلفة ونقاشاته وحواراته، بحيث اصبح هذا الانسان هو البوصلة التي تستقطب كل عنايته واهتمامه. وكما اسلفنا من قبل عن رأيه في ضرورة مشاركة المواطن العادي في عملية التغيير، وانعكاسات ارتفاع منسوب المعرفة على أدائه المعرفي والسلوكي، وبالمجمل على طبيعة أدائه المجتمعي في هذا التغيير المنشود. إذا يعطي الدكتور رؤوف الانسان العادي دورا فاعلا في عملية التغيير، وذلك عندما يطالب ب "استخدام القدرات الذهنية للإنسان العادي كمصدر للإبداع" ( ).
ويُعرِّف عالِمنا الانسان العادي بأنه كل إنسان "وليس بالذات المشتغِل بالعلم أو بالفكر. إنه الانسان أينما يكون.." ( ). وتركيزه هنا على الارتقاء بالإنسان العادي في مجتمعات العالم الثالث، لكي تستطيع هذه المجتمعات مجابهة التحديات والصعوبات والمخاطر المحدقة بمستقبلها، ومن ثم بمستقبل الإنسانية على السواء. ومن أجل هذا الانسان العادي هاجم الليبرالية الجديدة "النيو ليبرالية"، التي استحوذت على الشركات وسرحت عمالها.
ومن أجل هذا الانسان العادي أيضا كان غضبه وهبته، في مواجهة المتلاعبين بالدواء في السوق المصرية، لأن من يدفع فاتورة ذلك التلاعب دائما كان المواطن المصري العادي. ومن هنا ندد بانعدام وجود سياسة وطنية لتوفير الدواء، بسعر يتناسب مع هؤلاء من محدودي الدخل، عندما أكد "إن مصر بلا سياسة وطنية للدواء، تهدف إلى توفير الدواء المناسب بالسعر المناسب لمن يحتاجه في الوقت المناسب" ( ).

المنهجية الفلسفية، والتنوير عند الدكتور محمد رؤوف حامد:
أولا المنهجية:
يتسم عالِمنا في كل معالجاته بالعناصر التي تؤكد عليها الفلسفة، سواء في رؤيته الكلية البانورامية، والتي لا تُغيِّب أي من عناصر الموضوع الذي يقوم بمقاربته، إذ يتسم بالشمول في معالجاته وبكلية الرؤية. ويتمسك إلى ابعد الحدود بالموضوعية العلمية، ورغم أن بعض الموضوعات ذات بُعد وطني وهم قومي ومُحرِقة، إلا أنه ينجح دائما في اصطناع المسافة الواجبة بين الباحث وموضوع بحثه، مهما كان الموضوع متعاطفا معه أو يمثل له قضية شخصية أو وجدانية، فنجده دائما يفصل ما بين الذاتي والموضوعي وما بين الشأن العام والشأن الخاص، مؤمنا على الدوام بمنهجية العلم الحديث، وبأنها وحدها هي القادرة على إنتاج المعرفة العلمية ذات القيمة والجدوى.
أكثر من ذلك تتسم معالجات د. رؤوف دائما بموسوعية، تضرب في مجالات متعددة من الفكر والثقافة والعلم والفن والأدب، ولا يتورع عن إعطاء الأمثلة من واقع الحياة المعيشة، من مجالات الطب والصيدلة، والعلوم البحتة، وفي الوقت نفسه يعطي أمثلة من الرياضة، والموسيقى، والفلسفة، والاجتماع، والتاريخ، والأنثروبولوجيا ...الخ، بحيث تختلف معالجاته عن أقرانه من الباحثين، الذين يقفون بموضوعاتهم النظرية على المعالجة المجردة، الخالية من أي تفاعل مع موضوعات أو مع مفردات الواقع المعيش، إذ يبدو ما يعرضونه من أفكار وكأنها معلقة في فراغ، أو خالية من المعنى، أو معدومة الشكل.
وغالبا ما يستخدم عالِمنا في مقارباته أيضا مناهج ما يسمى بالعلوم البينية Interdisciplinarity، لإيمانه بأن الظاهرة الاجتماعية والعلمية قد أصبحت في عالمنا اليوم شديدة التعقيد، ومن ثم لا يمكن لمنهجية العلم الواحد مهما كانت قيمتها، أن تقارب هذه الظاهرة المعقدة أو أن تصل لنتائج علمية حقيقية، ومن هنا جاء اهتمام الدكتور رؤوف حامد بهذه المنهجية، والتي كانت آنئذ جديدة على الباحثين المصريين والعرب، إلا أنه مارسها ونجح فيها أيما نجاح قبل غيره من الباحثين. ومع ذلك كانت منهجيته في كل كتاباته وابحاثه منهجية صارمة، فيما اتصل بمنهجيات البحث الاكاديمي.
ثانيا التنوير:
يعتبر التنوير من أهم ما ميز كتابات واعمال الدكتور محمد رؤوف حامد، فكل ما قدمه من إنتاج علمي ومعرفي اتسم بهذا الجانب التنويري المهم، إذ ظل رهانه دائما على هذا الانسان البسيط والعادي، الذي يعيش بتلقائيته وبساطته صابرا على معاناته، ومثابرا في عمله الذي لا يكاد يكفي حاجياته وحاجات اسرته. لقد آمن الدكتور رؤوف بعبقرية هذا الانسان، وظل يدافع عنه دائما في كل كتاباته وابحاثه وحواراته، وظل يعتقد على الدوام أن الوعي الذي يمكن أن يبثه في عقول هؤلاء، كفيل بتوسيع مداركهم ومواطن الفهم لديهم، ليدركوا حقوقهم المهدورة فيدافعون عنها، ويخططون لأنفسهم ولبلادهم طريقا جديدا نحو الرقي والتقدم.
هذا الايمان العميق بالإنسان دفع عالِمنا أن يسلك كل الطرق المتاحة للوصول إلى هذا الانسان العادي، بداية من تبسيط عباراته والبعد عن تعقيدات اللغة في شرح أعقد الموضوعات والمسائل، لكي تُفهم بسهولة ويتم استيعابها وتمثلها دون تعقيدات أو مشكلات. وهو الأمر الذي استطاع إنجازه عندما شرح أعقد المفاهيم، بلغة سلسلة وبسيطة ودون تقعر يذكر أو فذلكة لغوية يستخدمها البعض، هذا من جهة. ومن جهة أخرى عندما نشر اطروحاته وكتاباته في شكل كراسات أو في كتابات مختصرة، ربما تذكرنا بما فعله المنورون الاوربيون في القرن الثامن عشر، عندما تواصلوا مع جمهورهم من عامة الناس عن طريق مثل هذه الكتابات المختصرة، ولعل هذا كان دأب ديني ديدرو Denis Diderot (1713-1784)، وفيكتور هيجو Victor Hugo (1802-1885)، وغيرهم من كبار المنورين في الغرب.
محمد رؤوف حامد وإنتاج المفاهيم:
لعل أهم ما يمكن أن ينطبق على كتابات عالِمنا، والتي هي كتابات فلسفية بكل المعايير الصارمة، هو تعريف الفيلسوف الفرنسي المعاصر جيل ديلوز Gilles Deleuze (1925-1995)، الذي يُعرِف وظيفة الفيلسوف بقدرته على إنتاج المفاهيم، الأمر الذي برع فيه د. حامد وبامتياز، وعندما نتأمل قدرته على إنتاج مفاهيمه في مجمل كتاباته العلمية والفكرية والثقافية، سنندهش من حصافة وعمق هذه المفاهيم التي يأتي بها، فيقدمها للقارئ شارحا لها ومفسِّرا لتضاريسها ودلالاتها اللغوية والمعرفية، باعتبارها مفاهيما وليست مصطلحات منحوتة أو مترجمة، ولعل نظرة على مفاهيمه ستجعلنا نقدِّر حجم هذا الإنجاز الضخم:
1- عزم الثقافة العلمية.
2- ارتفاع منسوب المعرفة العامة.
3- حركية المعرفة.
4- تزييف التنافسية.
5- التعاونية التنافسية.
6- المنظومة الهرمية الجامدة.
7- العشوءة.
8- التقدم الأُسي.
9- توليد المستقبل/ توليد المعرفة الجديدة (ولعل مصطلح التوليد مصطلح سقراطي فلسفي).
10- الارتقاء الحلزوني لحركية المعرفة.
11- التفاعلية الصحية مع الآخر.
12- الوطننة.
13- إدارة الجدليات.
14- التشاركية/ التآذرية/ التضافرية.
15- فتح المستقبليات/ غلق المستقبليات.
16- الإدارة التحجيمية.
17- الإدارة التمكينية.
18- التقزيم وكتم الإمكانات.
19- نزع الحيوية الطبيعية من عموم المنظمات كيانات أو أفراد.
الحديث إذن عن إنتاج الدكتور محمد رؤوف حامد كمنظر وفيلسوف لا ينتهي، بل ويتطلب مساحة أكبر وجهد بحثي أوسع، إلا إني هنا سأتوقف فحسب على مجموعة بسيطة من الأسس الفلسفية المعتبرة، التي اجتمعت في كتاباته ومؤلفاته وميزت نتائجها مثل:
1- الجمع بين العلم والفكر، وبين الفكر والعلم: ولعلنا تعودنا على رؤية إما الجمع بين العلم والفكر فحسب، أو بين الفكر والعلم فحسب، إلا أن عالِمنا جمع بين الطرفين وعلى قدم المساواة، فبدت نقاشاته وكتاباته شديدة الثراء والإغناء لمحاوره أو لقارئه، لما حملته من معارف علمية توجهها رؤية فكرية ناصعة ومتميزة، وتحكمها بوصلة المصلحة العامة والمتجهة دائما نحو خير الانسان. وتمده قوة فكره بوضوح نظري معرفي ومنهجي، يستطيع من خلالها تأطير معارفه العلمية ويحتويها، موجِها إياها دائما نحو الاستخدام الأمثل للمعارف العلمية وتكنولوجياتها، فيصحح المسارات وينتقد التطبيقات السلبية ويُعظِّم من القيم الإيجابية، الأمر الذي حوَّل انتاجه ومعرفته إلى أداة للإنجاز الحقيقي والتغيير الإيجابي.
2- التفكير الجماعي: آمن عالِمنا في الوقت نفسه بأهمية جماعية التفكير، في التلاقح الفكري والعصف الذهني وتوليد المعرفة والأفكار الجديدة من خلال هذه العملية الحيوية. ولعل كتاباته وسلوكه العلمي والثقافي الذي عُرف به اتسم بهذه الخاصية المهمة، باعتبارها قد مثَّلت لديه المولِد الحقيقي لأعظم الأفكار وأرقاها. وأكثر من هذا اعتبر جماعية المفكرين لقاحا للإنسانية، تماما مثل اللقاحات التي نعطيها للأفراد لنقوي مناعتهم الصحية، إذ يصبح التفكير الجماعي هنا بنفس القوة والقدرة للمجتمعات الإنسانية، عندما يسلط الضوء على نقد الظواهر السلبية، ويركِز على تعظيم وتكريس ما هو إيجابي في حياة الناس.
3- ديمقراطية التعليم الجامعي: لفت انتباه دكتور محمد رؤوف حامد، ومنذ البداية، الممارسات التعليمية التقليدية في الجامعات المصرية والعربية، التي تُغلِّب الجانب التلقيني في العملية التعليمية، بحيث يتعوَّد الطالب في تعلمه على الحفظ واستعادة ما حفظه، وقياس قدرته في الاختبارات على كم ومقدار حافظته الاستيعابية. وهو الأمر الذي يجعل من الطالب عنصرا سلبيا ولا يحرص إلا على الشهادة التي يحصل عليها بموجب هذا الحفظ، دون مراعاة للقدرات أو الخبرات أو المكتسبات التعليمية التي حصَّلها أثناء دراسته، وذلك لغياب ما يؤطره لذلك، إذ تبتلعه ديكتاتورية التعليم الجامعي التي يمارسها الأستاذ على طلبته. من هنا مثَّلت ديمقراطية العملية التعليمية في الجامعة، هدفا أساسيا لدى عالِمنا للخروج من هذه الحلقة المفرغة، وقد طبَّق بنفسه في تدريسه لطلبته هذه الديمقراطية، وحصد وطلابه انفسهم نتائج هذه الممارسة الرائدة بجامعة الفاتح الليبية بطرابلس، عندما تحول الطلاب معه إلى مبدعين ومبتكرين، عندما عملوا معه كفريق بحث متكامل وانجزوا تحت إشرافه، بحثا عالميا سبق الدراسات الغربية بأكثر من عقدين من الزمان، حول تأثير مادة "الكابسيسين" على قرحة المعدة. من هنا آمن عالِمنا بأن ديمقراطية العملية التعليمية في الجامعة تستطيع إذن أن تقلب الأداء الجامعي رأسا على عقب، وتخلق من طلابنا مبدعين حقيقيين يفكرون بأنفسهم، وينتجون معرفة حقيقية، يساهمون بها في تراث الإنسانية العلمي والحضاري.
تحية حارة للأستاذ الدكتور محمد رؤوف حامد، واستعيض هنا بعبارة الدكتور يوسف إدريس بجريدة الاهرام، تحية لكل رؤوف حامد في بلدنا، وأُضيف: ولكل من يحمل عقل وقلب واحساس رؤوف حامد تجاه مصر، والعرب، والعالم الثالث، والإنسانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قميص -بركان- .. جدل بين المغاربة والجزائريين


.. مراد منتظمي يقدم الفن العربي الحديث في أهم متاحف باريس • فرا




.. وزير الخارجية الأردني: يجب منع الجيش الإسرائيلي من شن هجوم ع


.. أ ف ب: إيران تقلص وجودها العسكري في سوريا بعد الضربات الإسرا




.. توقعات بأن يدفع بلينكن خلال زيارته للرياض بمسار التطبيع السع