الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيلم سيدة الجنة / الغلو والغلاة

حسين سميسم

2022 / 6 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


فيلم سيدة الجنة
الغلو والغلاة

الغلو هو الافراط والاسراف والمبالغة في تجاوز الحد الشرعي المتعارف عليه وتضخيم الاعمال ورفعها الى مستوى المعاجز التي لا يستطيع البشر القيام بها ، وذلك بمنح بعض الأفراد قدرات تفوق القدرات البشرية ، ومنح اعدائهم صفات اعجازية مخالفة فهي شيطانية وشقية ومزعجة .
وقد ظهر الغلو في جميع المذاهب والأديان ، وقد يظهر في السياسة ، ويترافق الغلو مع الجهل والعواطف الزائدة على حساب الفطنة ، وتلك المرافقة تهيئ الأرض الطبيعية لنمو الغلو وازدهاره ، وهو يتعالى على البرهان ويتميز بنقص الحجة والبينة . والغلو طريق سهل سلوكه نظرا لعدم حاجته إلى ميزان العقل والبرهان ، وهو فعل لم ينشأ من داخل المنظومة المعرفية بل أتي جاهزا من خارجها فيرتفع الحدث إلى مستوى الخرافة والابهام والوهم ، وهو يحتاج في كل مراحله إلى انعدام التفكير والتركيز الإعلامي والنقل المتعدد الجوانب ، وكأن الخبر بديهية وحقيقة متواترة يعرفها كل الناس .
سقت هذه المقدمة التعريفية للإطلالة منها على أحداث فيلم سيدة الجنة المعروض حاليا في عدد من دور العرض في بريطانيا وأمريكا، وهو فيلم تاريخي باللغة الانكليزية عن حياة السيدة فاطمة الزهراء وفق المنظور الشيرازي الذي يؤمن به الشيخ المتطرف ياسر الحبيب المولود عام 1979 خريج قسم العلوم السياسية من جامعة الكويت الذي أسقطت عنه الجنسية الكويتية عام 2010 ، وهو مقيم منذ عام 2004 في لندن بعد أن طلب اللجوء فيها .
والفيلم من إخراج جون ستيفنسون وإيلي كينج ، وكتابة وسيناريو ياسر الحبيب ، ومثله عدد من نجوم السينما من بريطانيا مثل راي فيرون ، ومارك انتوني برايتون ، وهانا روز … وكلف بين 15 - 20 مليون دولار امريكي .
قد يكون الفيلم عاديا لو تكلم عن المعجزات الدينية ، حيث ظهرت أفلام تحكي عن معجزات السيد المسيح والنبي موسى ، وهي أفلام أظهرت معاجزهم وبينت سلوك القوى الظالمة التي وقفت ضدهم كما تقول الروايات في ذلك الوقت ، ولم تثر تلك الأفلام معارضة ما ، حيث لم يبق واحد من أنصار تلك القوى الظالمة يدافع عنهم . وكان فيلم الرسالة واحد من الأفلام التي عرضت أحدث ظهور الدين الإسلامي وانتصاره على الوثنية حيث لم يبق واحد من بقايا قريش المعادين للنبي يشدخ شعوره هذا الفيلم .
لكن فيلم (سيدة الجنة ) يختلف عن تلك الافلام لأنه موجه ضد مذاهب اسلامية حية وتمثل أكثرية المسلمين ، وموجه ضد مجموعة من الرموز الدينية التي تمثل جزءا من مقدسات تلك المذاهب ، ويبرز للمقدمة سؤال هام هو : ما الهدف من وراء إخراج هذا الفيلم ؟ هل يهدف المنتج والكاتب -في دفعه ملايين الدولارات- مرضاة الله والحصول على ثواب الدنيا والآخرة؟ ام تعليم الشيعة طرق عباداتهم وصحة توجهاتهم ؟ .
ان اصرار الشيخ ياسر الحبيب على توجهاته المتطرفة المخصصة لا للتوجيه الديني ولا للسيطرة على النفس من التمادي في شهواتها ، ولا لجمع الجاليات الاسلامية على التعاون والعمل لخدمة لهذه الجاليات ، بل لاثارة العواطف المذهبية الحادة ضد مؤمني المذاهب الآخرى ، كما سخر فضائيته (فدك ) في الاعتداء العلني على إيمان المذاهب الأخرى ورموزهم الدينية ،والهجوم عليهم، وإثارة المشاكل بين أفراد الطوائف ليكون هذا الشيخ وأمثاله من جميع المذاهب مهمازا في إثارة الكراهية والبغضاء ، وليصبحوا قادة مذهب الحقد والضغينة الجديد ، ليحرفوا في النهاية طرق البحث عن خلاصهم والتعرف على عوامل تأخرهم وتخلفهم، ويحققوا بذلك السيطرة على جماهيرهم الجاهلة وتسخيرها في الدوران داخل إطار خلافاتهم التاريخية ، والفوز بالمركز الاجتماعي البارز والمالي الرفيع ، والشيخ ياسر لا يعمل عملا منتجا نافعا للناس بل آلى على نفسه العيش من إثارة الكراهية والبغضاء والخصومة بين أفراد المذاهب المختلفة . ومن يفكر في اهداف الشيخ ياسر الحبيب ومجموعته الاعلامية يتوصل الى نفس الاستنتاج الذي ذكرناه ، فهو لا يريد ان يتصدى للمرجعية( حسب قوله ) وتعليم اتباعه مبادئ الدين القويمة بل يريد تسخير حياته لسب عمر وابي بكر وعائشة وكل رموز المذاهب السنية ووضع نفسه مكان الله جل في الحكم عليهم في الدنيا وبالتالي الحكم على اتباعهم بالكفر والضلال، وهو يريد بذلك تصادم الجاليات وصرف نظرها عن العدو الحقيقي الذي يبدأ بالجهل .
يبدأ الفيلم بعرض جريمة ارتكبتها داعش في مدينة الموصل وذلك بقتلهم امرأة وهروب ابنها الصبي الذي تتولاه امرأة شيعية تحكي له عن آلام السيدة فاطمة الزهراء وموتها متأثرة بضربها وكسر ضلعها ، وصراعها مع صحابة النبي محمد لينتهي الفيلم بجريمة نكراء أخرى تؤكد الاولى ، والوحي بانها جريمة حقيقية قام بها عمر بن الخطاب وذلك بالاعتماد على رواية ضعيفة ظهرت في فترة حكم الدولة البويهية ، ونسبت إلى زمن متقدم وهي جريمة الاعتداء على الزهراء وموت جنينها محسن حيث أسقطته الصديقة الطاهرة حسب روايات الثقافة الطائفية بسبب ذلك الفعل ، وسأتناول أصل الرواية التاريخية تلك بالبحث في مقالة لاحقة .
وعنوان الفيلم (سيدة الجنة )لا ينطبق على فحوى الفيلم الذي تركز على الاعتداء على السيدة الزهراء فقط ، ولا يتعرض إلى حياتها مع النبي وخديجة الكبرى ، ومع الإمام علي وتربيتها للحسن والحسين وزينب وتحولها الى سيدة يحتذى بها ، وقد أبقاها الفيلم -زيادة لمظلوميتها - وحيدة فريدة تستدر العواطف في وضع غير معقول دون حماية بني هاشم الذين كان يعج بهم الدار ، وهم ابطال المعارك الكبرى التي شهدتها الفترة النبوية ، وجعل دور الإمام علي خانعا شاكيا أمام مشهد زوجته التي ضربت بالسيف ورُفِست بطنها وأسقط جنينها مما يكذبه التاريخ وترفضه شهرة علي ليس عند الشيعة فقط بل عند جميع المذاهب الاسلامية الاخرى وغيرهم .
كلف انجاز هذا الفيلم مبلغا كبيرا قدر ب(15) مليون دولار قيل انه من تبرعات المحسنين ، وذلك يثير عددا من التساؤلات حول المال الشرعي والديني وابواب صرفه ، حيث لم يعد صرف الأموال الطائلة على الفضائيات والمؤتمرات موضوع يخضع للسرية والتقية بعد ان تجاوزت هذه التجمعات الدينية حيثية الزهد الديني والاهتمام بالفقر والفقراء والظهور بمظهر المدافع عنهم ، فقد خصصوا اموال الخمس والزكاة للدعوة لهذه النشاطات المشبوهة ، ولا تأخذ هذه الأموال الطائلة بالحسبان زيادة مساحة الفقر والجهل والمشاكل الاقتصادية العامة، وهي أحد أهداف ومهمات هذه التجمعات الدينية نظريا ، ولو محصنا الواقع وتجولنا في المدن الدينية التي تحتشد فيها تلك الأموال الشرعية وتتكدس نجد الصورة الاخرى من الواقع وهو انتشار الفقراء في معظم تقاطعات الشوارع وشيوع العوز والإملاق قريبا جدا من ذلك الحشد المالي الشرعي .
كما يتبادر للذهن سؤال آخر عن ماهية الدور المناط بالشيخ ياسر الحبيب في لندن ، وما هي المادة الفكرية التي يريد تسويقها للمسلمين في الخارج ؟، حيث توفرت له فضائية فدك ، واشترى كنيسة قديمة بملايين الجنيهات وأطلق عليها فدك الصغرى ، وأصبح لديه مركزا خاصا يسجل فيه محاضراته الطائفية ،كما امتلك خارج لندن اماكن غير معروفة بعد ومجهولة التمويل . ومن يتابع فضائيته ومحاضراته يستطيع تلمس ما يريد تسويقه وهي مادة الغلو الديني الذي تخصص بها ووظف لها كل امكانياته لاصطياد البسطاء من أصحاب العواطف لزجهم في صراع تاريخي واشغالهم عن أعدائهم الحقيقيين .
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا زادت الجزائر إنفاقها العسكري بأكثر من 76 في المئة؟


.. لماذا تراجع الإنفاق العسكري المغربي للعام الثاني على التوالي




.. تونس: هل استمرار احتجاز المتهمين بالتآمر على أمن الدولة قانو


.. ليبيا: بعد استقالة باتيلي.. من سيستفيد من الفراغ؟ • فرانس 24




.. بلينكن يبدأ زيارة للصين وملف الدعم العسكري الصيني لروسيا على