الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مأزوميّة الخطاب الإسلامي

نجيب علي العطّار
طالب جامعي

(Najib Ali Al Attar)

2022 / 6 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تلعب المنابر الدينيّة دور المُرسِل الأكثر احتكاكًا بمكوّنات مجتمعاتنا العربيّة، ولا غرابة في ذلك إذ أنّها مجتمعاتٌ "متديّنة" يُشكّل "الدينُ" محورًا أساسيًا، ولعلّه الوحيد، لكلّ أفعالها. ومن البداهة أن يكون الخطيب الديني منتميًا، بالضرورة، الى العصر الذي يخطبُ فيه، ومُنطلِقًا من السقف المعرفي الذي أنجزه إنسانُ القرن الحادي والعشرين. ورغم أن حرّاس الخطاب الديني المتخلّف زمنيًا، وفكريًا، قد استجابوا للانكشاف الهائل للعالم بعضه على بعض، إلّا أنّ استجابتهم هذه لم تتعدَّ الاستجابةَ التقنيّة؛ فبدلًا من انحصار المتلقّين لخطابهم بالمستمعين المتواجدين فيزيائيًا في "المسجد"، باتوا يُسجّلون وينشرون و"يُخلّدون" خطبهم الشاهدة عليهم "في الدنيا والآخرة".

كثيرةٌ هي أوجه كارثيّة ومأزوميّة الخطاب الإسلامي العام، غير القابل للتخصيص. فمن حيث الشكل؛ هو خطابٌ إجتراريٌّ بامتياز حيث يمارس الخطيب/الكاهن إجترارًا مُضاعفًا لما أنتجه "السلف" من فهمٍ للنص الديني يناسب عصر "السلف" وحدَه. ومن حيث مضمون الخطاب ولغته؛ فإنّه يظهر جليًا أنّ الخطيب لم يُدركْ بعدُ، أو أنّه أدركَ، الإنكشاف المزدوج الذي صار العالم اليه؛ انكشافَ الخطيبِ على العالم من جهة، وانكشاف مصادر المعلومة على المتلقّين للخطاب الديني من جهة أخرى. ومن الملفتِ حقًا أن هذا الانكشاف الذي أسقطَ، أو سهّل إسقاط، أنظمة الطغيان العربيّة، لم يستطع أن يُسقط الخطاب الديني الإجتراري، بل زاده رسوخًا في وعي المتديّنين ولاوعيهم. وممّا يدفعُنا الى الوقوف عنده طويلًا والتفكير فيه كثيرًا هو تركيز الخطاب الإسلامي على الموتِ والحياة الموعودة بعده، تركيزًا يوحي بأنّ الإنسان خُلقَ ليموت.

نشرَ أحدُ "رجال الدين المشهورين" مقطعًا مصوّرًا على قناته على يوتيوب يمكنه أن يقدّم لنا صورة معبّرة عن واقع الخطاب الديني السائد؛ يبدأ المقطع بصورة لقبرٍ عليه صورة "رجل الدين المشهور" هذا ونعوته، وترى يدًا تسكبُ الماء على القبر وتسمع صوتًا يدعو للشيخ الفقيد. وقبل أن تدعو له بالرحمة والمغفرة تتفاجأ بأنّ الذي يغسلُ قبر الشيخِ المرحومِ هو الشيخُ المرحومُ نفسُه.

إنّ أوّل سؤالين يثيرهما مشهدٌ كهذا هما؛ ما الذي يريدُ أن يوصله هذا "الشيخ" للمتلقّي؟ وهل هو حيٌ أم ميّت؟

إنّ "رجل الدين" الميّت/الحي أعلاه هو عبارة عن كيانين متضادّين في جوهرهما؛ فهو جسدٌ حيٌّ ولكنّه فكرٌ ليس ميتًا وحسب، بل مميتًا، وفيه من البشاعة ما ينفّركَ من الموت حتى لو كان انتقالًا الى جوارِ الرفيق الأعلى...

يعود تركيزُ الخطاب الإسلامي على حياة ما بعد الموت لسببين أساسيين مترابطين؛ فالخطيب/ الخطاب، من جهة، لا يملكُ ما يُقدّمه، للإنسان المنكشف على العالم المتقدّم، في حياة ما قبل الموت، وبالتالي تصبح ثقافة الموت "الدسمة"، والتي تزخر بها كتب الفقه والحديث، التي يبثُّها هي المبرّر الوحيد لوجوده المعنوي بصفته مرشدًا الى السعادة في الحياة الأبديّة للإنسان.

ومن جهة أخرى، إنّ السيناريو المفترض، الذي يقدّمه "رجال الدين"، للحياة بعد الموت وما تحمله هذه الحياة من أبديّة، يضمن استمراريّة سلطة الكهنوت الإسلامي وتسلّطهم على عقول المسلمين وسلبهم حقّهم في التفكير خارج "الحظيرة" التي رُسمت حدودها قبل مئات السنين، فتكون سلطة الكهنوت، ومؤسّساتها، هي المرجع الوحيد في التفكير والتكفير على حدٍّ سواء.

إنّ منشأ الخطاب الإسلامي الجديد/ القديم يعود في أصله الى التماهي بين المنبرين الديني والسياسي الذي بدأ منذ الحكم الأموي ولم ينتهِ الى اليوم. يعمد الخطيب الديني/ السياسي، عبر هذا التماهي، الى خلق ذهنيّة مشوّشة عند المتلقّي بحيث يجعله عاجزًا عن التمييز بين الديني والسياسي في الخطاب.

إضافة الى الحالة التي يخلقها الخطاب الإسلامي من خلال تحريم الفنون بوصفها سبيلًا الى الالتقاء، على ما هو إنساني، مع الآخر المختلف. يؤدّي تحريم الفنون، وبخاصّة الغناء والفنون التصويريّة، الى خلق جماعاتٍ منغلقةٍ على ذاتها، ومنعزلة عن الآخر الذي هو كلُّ العالم، ممّا يجعل هذه الجماعات في حاجة دائمة الى الرعاية التي يحتكرها السياسي/ رجلُ الدين في مؤسّساته التي تستثمر حالة الأفراد المضطربة من أجل التعبئة الطائفيّة حين تُطلب منها.

وممّا يجب أن ندرسهُ دراسة نقديّة دقيقة هو ثقافة الخوف من الحياة التي زرعها الخطاب الإسلامي في أذهان المسلمين. فالطفل الذي يُنشّأُ على أن الله "يُعلّقُ النساء من شعورِهنّ" وأنّه سيخنقه إن أخطأ، وما يرافق الإنسان من أحداثٍ مخيفة بعد الموت، كلُّ ذلك يؤهّل المؤمن بها لتقبّل وممارسة أشكالٍ عديدة من التطرّف المعنوي الذي يتحوّل الى تطرّفٍ ماديٍّ/ إرهاب حين تُتاح له الفرصة.

إنّ المنطقة العربيّة بحاجة ماسّة الى اصلاحٍ على كافّة الأصعدة. ورغم أنّ الإصلاح السياسي يبدو الأكثر إلحاحًا، إلا أنّه لا يمكن أن يبدأ عمليًا قبل الإصلاح الديني الذي يقوم على أن النص المقدّس/ القرآن يجب أن يُفسّر بناءً على السقف المعرفي الإنساني وعلى قاعدة أنّ فهمنا للنصّ المقدّس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد