الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السيرة الغيرية في كتاب -الطيور لا تغرد بعيدا عن أوطانها- للكاتبة وفاء عمران

رائد الحواري

2022 / 6 / 30
سيرة ذاتية


رائد الحواري| فلسطين
الوفاء سمة جميلة ومحمودة في الإنسان، لهذا تجدنا نحترم من يفي للآخرين، ويمنحهم شيئاً من السعادة، إن كان من خلال أشياء مادية أم معنوية، لكن أعتقد أن تقديم مادة أدبية لهؤلاء أو عنهم يعدّ ذروة الوفاء، ولا يمكن أن يقاس بأي شكل من الأشكال، فالكاتب/ة يمنح ذاته الأدبية والإنسانية لهم كرد على ما قُدم لهم، من هنا تأتي أهمية السيرة الغيرية، فهي تعبير إنساني عن الوفاء والنبل الذي يتمتع به كاتب السيرة.
وبما أننا أمام نص أدبي فمن الضروري أن تكون العناصر الجمالية والمتعة حاضرة فيه، وهذا ما نجده من خلال سلاسة اللغة وتسلسل الأحداث، والتوقف عند المحطات المهمة في السيرة، من هنا نجد معلومات مهمة لكل من يريد أن يعرف طبيعة الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في الضفة الغربية في حقبة الستينات وحتى العقد الثاني من القرن الحالي.
دائما الأفكار التي تطرح بطريقة غير مباشرة لها وقع جميل على المتلقي، حيث يشعر أن الكاتب يحترم عقليته، لهذا يخاطبه بعقلية الناضج وليس التلميذ، الكاتبة تحدثنا عن حالة القمع التي سادت فلسطين إبان العهد الأردني بهذه الطريقة: "بدأت تنتشر في تلك الفترة الأفكار الشيوعية،... وانضم معظم الشباب لهذا الحزب "الحزب الشيوعي"، وأصبحت الاتهامات تكال جزافا لكل شخص على أنه شيوعي، وكان الملك حسين في تلك الفترة يحكم على من يشاع عنه أو يتم التأكد من شيوعيته بالسجن، فلما ذهب الملك بنفسه ذات مرة إلى منطقة في فلسطين سمع شخص يقول له "أنت شيوعي" فعرف أن الاتهامات تكال أحيانا دون وجه حق، فأمر أن كل من يشيع عن الآخر أنه شيوعي دون دليل مطلق فسوف يحاسب.
في تلك الفترة أيضا اتخذت بلدة سلفيت مقرا لتكون داعمة للشيوعية، فأوعز الملك للمخابرات أردنية أن تتعقب من يساند الشيوعية، "في أيام الخريف هبت رياح شرقية شديدة بحيث التزم معظم الناس بيوتهم فكان ينادي بأعلى صوته على ولده صارخا: "هل سقيت الجحش؟ سمح رجال المخابرات نداءه لأكثر من مرة وأكثر من يوم، فتهادي إلى بالهم أن تلك كلمة سرية فقبضوا على الرجل وأشبعوه ضربا لمدة خمسة أيام متواصلة، ولما خرج مكث شهرين كاملين طريح الفراش" ص31، إذا ما توقفنا عند هذا المقطع، يمكننا الاستنتاج أن
الحكم كله كان بيد الملك، بمعنى حكم الفرد الاستبدادي، ونلاحظ تفشي سلطة المخابرات التي كانت تعمل دون رادع أو معايير تقيد/ تحد من تغولها على الشعب، من هنا كانت تهمة الشيوعية كالزندقة تطلق على كل معارض للنظام، وهذا القمع هو من جعل الجهل والتخلف والضعف سائدا في المملكة عامة، وفي الضفة الغربية خاصة، وهو من مهد وأسس للاحتلال بقية فلسطين عام 1967، بهذا الشكل استطاعت السيرة أن تقدم واقعنا السياسي والاجتماعي بصورة واضحة وبعيدا عن المباشرة والصوت العالي.
المبدع من يستطيع أن يتجاوز واقعه وينتصر عليه، "عمران" صاحب السيرة أثناء دراسته يمر بحالة مادية صعبة جدا، لهذا يقرر: "التغيب يومين من الأسبوع عن محاضرات الجامعة من أجل توفير أجرة المواصلات" ص36، وهذا حال دون علمه بوجود امتحان، مما أدى إلى عدم استعداده له ورسوبه، لهذا كان مطلوبا منه أن يحصل على علامة النجاح وأن يحقق علامة تعوضه عن تلك التي فاتته: "هناك أمل في مئة وأربعين علامة مستقبلا هي وزن الاختبار النهائي في آخر الفصل. استطعت الحصول على علامة مئة وسبعة وعشرين من وزن العلامة النهائية" ص36، الجميل في هذه المحطة أنها لم تقدم "عمران" كمستسلم/ كضحية للواقع، بل قدمته كمناضل يحسن التصرف، ويعي أنه مسؤول عن أخطائه لهذا عمل على تصحيحها من خلال بذل الجهد وإخراج ما فيه من طاقة وقدرة.
أما عن خدمة العلم (التجنيد الإجباري) والطريقة التي يعامل بها المجند: "كان التدريب الأول هو الركض المتواصل لنحو ساعة كاملة، كثير من الطلاب الذين اختيروا لتنفيذ خدمة العلم قذفوا ما في جوفهم منذ التمرين الأول، ومن سقط منا تعرض للضرب من قبل الجنود المدربين" ص42، بهذا المشهد تشير السيرة إلى الخلل الذي يلازم عملية التدريب، بمعنى أن البدايات خاطئة/ فاشية، فكيف ستكون النتائج؟ فالكاتبة تصف حال الجنود في حرب 1967 وكيف أنهم تربوا على تنفيذ الأوامر والذل، وليس على الكرامة والعزة، لهذا لم يشعروا بمرارة الهزيمة عندما قبلوا الانسحاب من الضفة الغربية.
المدهش في السيرة أنه تقدم تنبؤات "البداد" على أنه حقيقة، فكل ما جاء على لسانه حصل، لكن هناك تنبؤات لم تحصل بعد، منها: "أمريكا تطلب من الاحتلال الصهيوني مهاجمة سوريا وتكاد دمشق تسقط حيث تحاصرها قوات الاحتلال قادمة من شمال الأردن، وحمص وحماة وحلب يتم تدميرها من قبل الطيران الصهيوني، لكن الأمور تتطور ويتم هزيمة الاحتلال
الصهيوني وتصبح دولة فلسطينية بالكامل واليهود يعيشون في ظل الدولة الفلسطينية مكرمين ومنعمين، علما أن أمريكا لا تتدخل في القتال" ص89، رغم أن كل تسلسل التنبؤات السابقة حصلت وبالشكل الذي قاله "البداد"، إلا أن هذه النبوءة ما تزال بعيدة.
[*] السيرة من منشورات دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، فلسطين، الطبعة الأولى 2022.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتساع رقعة الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية للمطالبة بوقف فو


.. فريق تطوعي يذكر بأسماء الأطفال الذين استشهدوا في حرب غزة




.. المرصد الأورومتوسطي يُحذّر من اتساع رقعة الأمراض المعدية في


.. رغم إغلاق بوابات جامعة كولومبيا بالأقفال.. لليوم السابع على




.. أخبار الصباح | مجلس الشيوخ الأميركي يقر إرسال مساعدات لإسرائ