الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فتاة في العشرين مسلسل يعيد الحنين الى الماضي وينعش الذاكرة  لكاتبه صباح عطوان

اسراء العبيدي
كاتبة واعلامية

([email protected])

2022 / 6 / 30
الادب والفن


الكاتب الكبير صباح عطوان من منا لا يعرفه فهو من أهم صناع الدراما في العراق، الذي عبر بقلمه عن الكثير من القضايا والأزمات و له نتاجات واسعة تتسم بالجودة والواقعية . ومن أشهر أعماله الفنية مسلسل (فتاة في العشرين) و (ذئاب الليل) (الاماني الضالة) و(اعالي الفردوس) وغيرها من المسلسلات الشهيرة والافلام كفيلم (المتمردون) و(شيء من القوة) و(زمن الحب) والكثير من المسرحيات كمسرحية (حسن افندي) و(العاطفة والاحتقار) و(قصر الشيخ) وغيرها. 

فالكتابة عند صباح عطوان إضافة إلى مهارة الحرفة ثقافة واسعة وشغف والهام ، الى جانب الخيال والإحساس والقدرة على الروي . وما حققه صباح عطوان هو ثروة ثقافية فنية وطنية تمتد لأجيال عديدة قادمة . وعند الحديث عن أعماله لنا الفخر أن نقول إن أعماله الإذاعية بلغت الألف ، والمسلسلات التلفزيونية قاربت السبعين  . أما السهرات التلفزيونية فهي واحد وتسعون  سهرة ، والأفلام التلفزيونية خمسة عشر فلماً . والأفلام الروائية الطويلة ستة إضافة إلى مؤلفاته في مجال الرواية والمسرح  .

ارتبطت أعمال صباح عطوان بالواقع العراقي فهي بحوث درامية عن الحياة الاجتماعية كما يقال عنه ، ويسرني جدا أن أبدأ الحديث عن مسلسل( فتاة في العشرين ) وهو مسلسل إجتماعي تدور أحداثه بين أحلام فتاة في زمن الانفتاح الثقافي وحرية الرأي و الاختيار، وبين أفكار الماضي التي ما زالت تفرض سيطرتها على بنية المجتمع ، متمثلة في الجيل السابق، والذي يرفض فكرة التعايش مع معطيات العالم الحديث  . وايضا هو دراما اجتماعية مبنية على الصراع بين الطموح الفردي والمصلحة الجماعية و الذي تميز بمتانة الحبكة وجمالية القصة وأبعادها النفسية والواقعية . وعند متابعة المسلسل نلاحظ إن الكاتب صباح عطوان عالج المشكلة دراميا من خلال حلقات المسلسل التي تتمحور حول رفض البطلة الشابة ( شذى سالم) الزواج من ابن عمها(عبدالمطلب السنيد) بناءا على ذكرياتها الطفولية معه ، اذ تتخللها شراسته وعنفه الطفولي وكثيرا ما تكرر البطلة( شذى سالم) مصطلح (شكيب خبالو) لتوصيف ابن عمها وفق ماتشعره تجاهه من بغض لازمها منذ الطفولة ، ورغم محاولات الأهل تغيير رأيها إلا انها ظلت تحاكم ابن عمها بنفس نظرتها له التي بنتها في سني عمرها المبكرة . وهذا خطأ فادح جدا يرتكبه أي انسان

يتعامل مع شخص بناءا على حكم مسبق ، وفي حال فعل هكذا فهذا يعني أنه شكل حاجزًا بينه وبين هذا الشخص ، لذلك ينبغي عدم إطلاق أحكام مسبقة على الآخرين لأنها تسجن صاحبها في سيل من الظنون السيئة والافتراضات السلبية التي تهيمن على حياته .

ومن الرائع جدا أن يكون للانسان خيارات، وأن يستمتع بهذا ويرفض ذاك. ولكن تلك الخيارات قائمة على الاحتياج والميول الخاصة، وليس على أي معنى للوجوب أو القرض ، لأن الانسان يتألف من وحدة مركبة تتظافر في تشكيلها مجموعة من العوامل النفسية والبيولوجية  والاجتماعية  . حيث من المعروف أن الفرد يستنبط أولاً مجموعة من العادات والمعارف من مؤسسة الأسرة، مما يشكل لديه مجموعة من الأحكام المسبقة والجاهزة بمجرد رؤية تصرف معين .

نتسائل ونحن نتابع مسلسل فتاة في العشرين لماذا غابت الأعمال الرصينة التي لطالما دُعمت بها الدراما العراقية على مدى العقود الأخيرة من القرن الماضي؟ وعلى الرغم من ظهور عدد كبير من القنوات العراقية بعد عام 2003، فإنها لم تستطع التأثير أو الهيمنة على المشاهد بالأعمال الدرامية التي تقدمها . ولو قارننا دراما الحاضر بالماضي فإننا نستطيع القول إنها لم تخرج من حلقة صراعات الأمس القريب واسترجاع ذكريات العنف والدمار النفسي الذي لحق بالمواطن العراقي . وهذا يجعلنا نحن لمتابعة المسلسلات القديمة ومن بينها مسلسل ( فتاة في العشرين ) وقد  لا نكون الوحيدين في هذا العالم الذين يشكون من حاضرهم، ويتأسفون على ماضيهم . نقول هذا ونحن نتذكر الدراما العراقية السابقة في سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته كانت مدرسةً تأخذ من منابرها دول عديدة لما تحويه من مادة مسلية وممتعة للمشاهد. وبات المشاهد يتحسّر عليها، ويتمنى عودتها كي يستطيع أن يعيش لحظاتٍ من المتعة والسرور . وأكثر ما يصيب المشاهد بالملل هو التكرار للأفكار والمواضيع التي عرضت في مواسم سابقة، مما يجعله يترك المتابعة ويتحول، بضغطة زر واحدة، إلى قناة أخرى، وغالبا ما يجذب المشاهد العراقي الدراما السورية أو المصرية أو اللبنانية او التركية التي تضم مواضيع أكثر إثارة وجاذبية ومتجددة.

كتبت هذا المقال لأني مازلت افضل متابعة المسلسلات القديمة، خاصة وأن الجديد منها، رغم حداثة الإنتاج والتطور والإخراج المميز، يخلو من التفاصيل العميقة والأحداث التي تشبه حياة الأسرة العراقية المتقاربة في العادات والسلوك والمجتمع المحافظ . كل هذا وأكثر، نجده ووجدناه في التسابق الفني الذي تسعى وسعت إليه معظم القنوات والشركات الإنتاجية العراقية، لا سيما في شهر رمضان المبارك، حيث يكون الشعب في الانتظار كما حال القائمين والمنتجين للأعمال الفنية من أجل تقديم الأفضل ، لكني وجدت نفسي بين الحين والآخر أبحث عن حلقات مسلسل ( فتاة في العشرين ) حتى وجدت حلقاته على اليوتيوب ومن ثم بدأت بمتابعته فهو يعيد الحنين وينعش الذاكرة ، على الرغم  من مرور الوقت وظهور الكثير من المسلسلات  التي يتم إنتاجها سنوياً في موسم رمضان وغير رمضان ، بات القديم له رونقه، يسمو في نفوس متابعيه القدامى، الذين يحاولون أن يشجعوا أبناءهم وإخوتهم الصغار على مشاهدة هذه المسلسلات، التي تحمل في مضمونها هدفا وقصة وعبرة، وأحيانا كثيرة يكون الحضور لمجرد الاستمتاع بالمشاهد القديمة المتعلقة بالأماكن والمجتمع القديم . 

أيام الزمن الجميل باتت محركا للمجتمع العراقي للعودة لإستدعاء الماضي الجميل مرة تلو الأخرى دون ملل . وفي جلسة عائلية يتسيدها الهدوء، بإنصات جميع أفراد العائلة، تحلو الجلسة عند متابعة مسلسل( فتاة في العشرين ) بعد أن انقضى على بثه ما يزيد على ربع قرن ، ولكن باتت العديد من الأسر العراقية تبحث عن تلك التفاصيل الغائبة، في الأماكن القديمة وتحاول أن تعيش تلك اللحظات بكل حب وحنين . ومهما طال الزمن لن نمل مشاهدة هذا المسلسل الذي

بقي بالقلب وترسخ في العقل . ويشهد بهذا كل من تابعه فهو هادف بكل المقاييس ويحمل في طياته الكثير من المعاني والعبر والافكار . وسيبقى من الأعمال اللامعة بتاريخها الفني لإنه يعيد الحنين وينعش الذاكرة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا