الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشيخ حسين شحادة: ملتقى الأديان والثقافات

عبد الحسين شعبان

2022 / 6 / 30
الادب والفن


يوم وصل بيروت باشر على الفور بأنشطته الفكرية والثقافية المعتادة، فدعا مع نخبة كنت واحداً منهم لتأسيس ملتقى الأديان والثقافات للحوار والتنمية الذي اخترت اسمه وأصرّ ومعه الصديق العزيز السيد علي فضل الله على وجودي في مجلس الأمناء أو مجلس المستشارين وفي كل مرّة كنت أعتذر لظروفي وعدم القدرة على الإيفاء بالتزاماتي، لكن كرم أخلاقهما أعادني إلى جادة الرضا والموافقة وبقدر ما يشرفني التواصل مع هذا المحفل الفكري والثقافي الجامع، فقد كانت خشيتي من التقصير هي وراء اعتذاري، بسبب انشغالات وارتباطات جامعية وإشراف على أطروحات وأسفار وغير ذلك.
وقد حظي الملتقى الذي ترأسه السيد علي فضل الله باهتمام كبير ومساهمات نوعية من جانب مفكرين وأكاديميين وقادة رأي وناشطين من المجتمع المدني وأصحاب مقامات دينية مسيحية وإسلامية ودرزية ومن أشكال الطيف الفكري والسياسي والديني والثقافي والديني المتنوّع. وقام بفاعليات وأنشطة متعددة في إطار تعزيز ثقافة السلم الأهلي والتسامح واللّاعنف والدعوة إلى الحوار والعيش المشترك معاً في إطار الشراكة الفاعلة والمتكافئة وعلى أساس مواطنة متساوية.
وفي العام 2015 وإثر صدور كتابي "أغصان الكرمة - المسيحيون العرب" (مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، بغداد /بيروت، 2015)، قام المنتدى ممثلاً بشخص رئيسه السيد علي فضل الله بتكريمي في احتفال كبير مخصص لذلك، وقد افتتحه الشيخ حسين أمينه العام، وتحدث فيه كل من القس رياض جرجور والوزير عصام نعمان والدكتورة أوغاريت يونان مؤسِّسة جامعة اللّاعنف والبروفسور عبد علي المعموري مؤسس ورئيس مركز حمورابي للبحوث والدراسات، وهو المركز الذي قام بنشر الكتاب، واختتم الاحتفال بكلمة مؤثرة للسيد علي فضل الله الذي منحني وسام ودرع الملتقى، اعتزازاً بالعلاقة التاريخية المتميزة وبالدور الفكري والثقافي في نشر ثقافة الحوار والتسامح والتواصل بين الثقافات والأديان، الذي خُطّت عليه العبارة الآتية: "عربون تقدير لمسيرة الدكتور عبد الحسين شعبان: إنساناً ومفكراً ومناضلاً".
لم يترك الشيخ حسين انشغالاته الشامية، وكان غالباً ما يستحضر ما جرى وما يجري في الشام، لاسيّما ما تعرّضت له من احتراب وعنف وإرهاب وتداخلات خارجية ومؤامرات دولية وإقليمية، وخصوصاً ارتفاع وتيرة التعصّب والتطرّف، وكانت تدميه حد البكاء مسألة التدمير الذي تعرّضت له المدن والحواضر السورية، والموجة الظلامية التي اجتاحتها والأيدي الأجنبية التي ساعدتها وأمدتها بالمال والسلاح. وكان كلما استمع إلى قصص اللاجئين وما يحصل في الشام يزداد حزنه عمقاً وترتفع درجة حرارة قلقه، وكنت أشعر مع كل دمعة يذرفها دقات قلبه، ولكنه بعد موجة الألم والوجع يغدو أكثر قوةً وبهاءً فتستيقظ حواسه.
لم يعرف الشيخ حسين صاحب القلب النظيف والروح السمحة أي حقد أو ضغينة أو حتى حسد، وكان يعامل الجميع بالحسنى بمن فيهم خصومه أو الذين يحاولون النيل منه، فما إن تغلي الكراهية في النفوس فتشتعل القلوب لتمحو كل شيء إيجابي وسليم بسرعة خاطفة مولدة دورات الثأر والثأر المضاد والعنف والعنف المضاد وهكذا تغدو الحياة موجات من العنف المتواصل، والضغائن المعلنة أو المضمرة، وإذا كان له خصوماً عديدين لأسباب فكرية أو سياسية أو اجتماعية،وهو أمر طبيعي، لكنه لا يعتبر أي منهم عدواً له.
وقد حاول التعبير عن أحزانه وقنوطه مرّات ومرّات عبر مقطوعات شعرية أو نثرية، وقد حاولت أكثر من مرّة أن أطلب منه جمعها لما فيها من قيمة فنية وأدبية ووجدانية وإنسانية، وقد اشترط عليّ كتابة مقدمة لها إنْ فعل ذلك، وما زلت أنتظر أن يستكمل ذلك لكي أتمكن من قراءتها مجتمعة، ثم الشروع بكتابة المقدمة المنشودة وهي شرف عظيم لي، وهذه الملاحظة التحريضية ما تزال قائمة لجمع قصائده وهي مبثوثة بين السطور في حروفه، فقد كان يرسم بالكلمات، لوحات وصوراً وحياة فيها من تجريدات عطر الألوان وشذى الورد وعذوبة النسيم، كل ذلك ينبع من إيقاع العقل لديه بخطوطه المضيئة والمعتمة أحياناً وضجيج موسيقاه وهدوئها في أحيان أخرى، لكن ثمة حركة دائمة عنده وهذه نابعة من الذات القلقة الحائرة المستفهِمة المتأنسة بالله والخير والجمال، وذلك شرطه البشري المستعصي على كثيرين.
لم أعرف شخصاً واحداً تعرّف على الشيخ حسين إلّا وأحبه وتعلّق به، ليس لصميميته وصدقه، بل لحميميته ومودته ومروءته، "وعلى شرف قدر الناس تكون المروءة" حسب الإمام علي، وأتذكّر أنني عرفته على الصديق صلاح عمر العلي بُعيد احتلال العراق العام 2003، وكنّا في دعوة خاصة إلى بيروت ومعنا أخي حيدر، وقد دعانا على العشاء في فندق الساحة واستمع إلى مطالعتينا حول الاحتلال الأمريكي وموقفنا منه، وهو ما كان يتطابق به معنا، لاسيّما المخاطر التي ستعقبه على صعيد البلدان العربية ودول المنطقة جميعها، وقد ظلّ العزيز صلاح " أبا عمر" باستمرار يستذكره ويبدي إعجابه ومحبته بعقله النيّر وحميميته الإنسانية وكرم أخلاقه.

أدوار غير منظورة
بدأ الشيخ حسين شحادة مشواره الثقافي والفكري على قاعدة إسلامية، ولكنه كان قريباً من اليسار اللبناني والعربي، وكان مثل هذا المناخ سائداً في الستينات في جبل عامل، ولعلّ من بواكير ذلك محاضرة له ألقاها على جمهور يساري وطُبعت لاحقاً بكرّاس بعنوان: "العمل وحقوق العامل في الإسلام"، حاول فيه الإضاءة على حقوق العمال تماشياً مع الموجة السائدة آنذاك. وكان ذلك أيضاً بسبب قراءاته في تلك المرحلة من الصراع الآيديولوجي العالمي، ولاسيّما عقب العدوان "الإسرائيلي" في الخامس من حزيران (يونيو) العام 1967، والمراجعات التي حصلت على نطاق واسع لدى الحركات والتيارات السياسية بمختلف توجهاتها، وتململات أولى لإرهاصات التيار الإسلامي.
بعد هذا التوجّه الأولي مرّ الشيخ حسين بأربعة مراحل أساسية قبل المرحلة الشامية:
المرحلة الأولى - المرحلة النجفية
جاءت مرحلة النجف ذات الخصوبة العالية وحضوره الصالونات الثقافية والمناظرات الأدبية التي كان يحضرها في الأماسي النجفية،إضافة إلى الجديد من الكتب والمجلات التي كانت تصدر في القاهرة وبيروت والتي كان ينتظرها مع زملائه الذين درسوا في النجف بشغف كبير، مقتطعين من رواتبهم الشحيحة والتي لا تسد الرمق لإشباع جوعهم إلى المعرفة وعطشهم إلى الثقافة.
ولأنني أفضت في الحديث عن تأثير النجف وإشعاعها الفكري والثقافي والروحي على الشيخ حسين، فلا بدّ من تسليط الضوء، على بعض تفاصيل تلك المرحلة، حيث وصل النجف العام 1968 وعاش لأربع سنوات ونيّف في مدرسة البروجوردي (بالقرب من حضرة الإمام علي) التي درس فيها، وعن تلك المرحلة يقول: أنه تتلمذ على يد السيد محمد باقر الصدر الذي أشعرنا بأبوة المرجعية وزرع ذلك في نفوسنا، لاسيّما في محاولاته الخروج من دراسة النصوص إلى دراسة الواقع، وهو ما أسميته " فقه الواقع" والمقصود بذلك فقه الحياة ومتغيراتها ومستجداتها، وكانت تلك أولى الإرهاصات لإعادة التفكير بالمنهج أي بطرائق التفكير ذاتها وبطرح أسئلة، قبل مرحلة النقد التي ستأتي لاحقاً.
ومن أساتذته أيضاً الإمام الخميني الذي كان لاجئاً في النجف (1964- 1978) ويصلي يومياً صلاة المغرب والعشاء حين كان يحضر الشيخ حسين، ويقول أنه تأثر بتلك القامة الروحية وقد استمع إليه في أطروحاته المبكرة حول "ولاية الفقيه" و "الحكومة الإسلامية"، وكان المرجع الديني الوحيد الذي يكتب ويحاضر في الفقه السياسي.
ومع أن موضوع ولاية الفقيه يثير الكثير من النقاشات الحامية اليوم، فإنه في تلك الفترة لم يكن أكثر من اجتهاد نظري محدود، لم يكن أحد يتصوّر أنه سيأخذ طريقه إلى التنفيذ ويقره دستور الجمهورية الإسلامية في إيران ويصبح مبدأ دستورياً فيها، وهو ما حاولت حركات إسلامية تطبيقه أيضاً على نحو مباشر أو غير مباشر، وقد سبق لي أن كتبت عن "ولاية الفقيه غير المعلنة"، أي إخضاع قرارات الدولة وقوانينها لبعض علماء الدين وتوجهاتهم، وهو ما يخلّ إخلالاً كبيراً بمبدأ حكم القانون الأساس في الدولة العصرية.
كما درس على يد السيد الخوئي وهو أحد العلماء المهمّين وله مؤلفت كثيرة وهو شخصية موسوعية، وكان محمد سعيد الحكيم أحد أساتذته أيضاً الذي حدد له درساً خصوصياً بعد صلاة الفجر وارتبط بصداقة مع السيد حسن الخرسان والد رضا الخرسان، وتأثر به كثيراً وكان يلتقيه في الغرف المخصصة للعوائل العاملة في الحضرة العلوية في الصحن الحيدري، مثلما تأثر بالسيد محمد تقي الحكيم وبمجلة "الأضواء" التي كان يحررها أيضاً السيد محمد باقر الصدر والشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد حسين فضل الله، وبحركة الإصلاح في إطار الحوزة ممثلة بالشيخ محمد رضا المظفر والشيخ محمد حسن آل ياسين والسيد البكّاء، وشكّل ذلك المناخ نقلة نوعية أولى لديه، وذلك بعد الدراسة نحو أربع سنوات، إضافة إلى المعايشة التي ضمّت عراقيين ولبنانيين وإيرانيين وعرب وآخرين، حيث تتمازج الثقافات ويتعدد المزاج بين الأدب والفقه والتاريخ وأحياناً بنفحات من الفلسفة، فضلاً عن العلوم الدينية، والأهم اتساع الأفق في الجدل والنقاش وتنوّع الآراء.
من زملائه ومجايليه في تلك المرحلة شخصيات لها شأن مثل السيد محمد حسن الأمين والسيد محمود الهاشمي "الشاهرودي" (الذي أصبح رئيسا للسلطة القضائية في إيران 1999- 2009، ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام وهو من أعلى المناصب في إيران) والشيخ محمد علي التسخيري (الذي تولى منصب الأمين العام لـ المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية) وجمال الخوئي ومحمد جواد فضل الله (شقيق السيد فضل الله) وعبد اللطيف برّي (المرجع في أمريكا - ميتشغان ) والسيد هاني فحص والشيخ فضل الغزال وهو سوري من القرداحة الذي صلّى على جثمان باسل الأسد (نجل الرئيس السوري حافظ الأسد)، وعباس الموسوي أول أمين عام لحزب الله وعبد الحسين صادق (إمام النبطية) وهو والد الأديب اليساري حبيب صادق والسيد علي بدر الدين والسيد الفضلي وغيره.
وقد شهد الشيخ حسين وهو في النجف وفاة السيد محسن الحكيم العام 1970 حيث كانت الأجواء ملتهبة بينه وبين السلطة العراقية بسبب اتهام نجله السيد مهدي بالجاسوسية واضطرار الأخير الهرب إلى خارج العراق، وقد نقل جثمان الحكيم من الكاظمية إلى النجف عبر كربلاء، وقد ساهم في تشييعه وحمله إلى مثواه الأخير في النجف.
وسألته عن علاقته بالسيد الخميني هل استمرت وماذا يتذكّر عنها من خصوصيات فقال: في مطلع العام 1973 انتقل في دراسته من النجف إلى قم، وهناك تعزّزت علاقته مع العلامة شريعتمداري، وقد حمّله رسالة إلى السيد الخميني خلال إحدى زياراته إلى العراق بعد اندلاع الحرب اللبنانية العام 1976، وكان جواب الخميني الذي عاد وحمله إلى طهران أنه يعتبر هدف الحرب تصفية القضية الفلسطينية وتقسيم لبنان وضرب النموذج اللبناني في التعايش وذلك ما يريده المشروع الصهيوني، ومما يذكر أن ولده البكر أحمد شحادة ولد في النجف خلال تلك الزيارة.
وأشار الشيخ حسين إلى أن لدى الخميني وضوحاً في الرؤية وأولويات كان يعمل عليها ضمن استراتيجية محددة وهو دائماً ما يلتقط الجوهري من الأشياء، صلب في مواقفه وقناعاته ومستعد لبذل المزيد من العطاء في سبيلها، وهو ما كان يؤكده لي محمود شعبان مدير أوقاف النجف الذي كان على صلة مستمرة بالسيد الخميني، حتى خلال إبلاغه بمغادرة العراق، حيث يقول حين ذهبنا إليه لتبليغه قرار الحكومة، كان مستعداً ومتهيئاً، بل إنه كان قد جهّز نفسه لمعرفته بالأجواء التي كانت سائدة، لاسيّما ضغوط الشاه بعد اندلاع حركة الاحتجاجات الواسعة، ولم ينبس ببنت شفة، وكان شديد الكبرياء ومعتّداً بنفسه.


المرحلة الثانية - المرحلة القمّية
وبعد المرحلة النجفية جاءت المرحلة القميّة التي استمرت نحو أربع سنوات أيضاً وقد فوّضه علي شريعتمداري بإصدار "مجلة الهادي" وكان حينها من المقرّبين لآية الله كلبايكاني أيضاً وأصبح محرراً رئيسياً فيها، وفي الوقت نفسه كان يدرّس " مادة تفسير القرآن" في "دار التبليغ" مثلما يدرّس محمد جواد مغنية "مادة العقائد" وجعفر مرتضى "مادة التاريخ". ومن المحرّرين في المجلة العربية التي تصدر لأول مرّة: هادي خسرو شاهي (سفير إيران لاحقاً في الفاتيكان) وسعيد النعماني ومحمد علي التسخيري وجعفر مرتضى والسيد محمد بحر العلوم وعلي كوراني وهاشم نصرالله (الإمام حالياً في استراليا) وكان ذلك في أيام الشاه حيث عمِل بصحبة اختر رضوي والسيد مهدي الحكيم والسيد محمد حسين فضل الله، وأسس هؤلاء لاحقاً رابطة آل البيت العالمية في لندن، كما سيأتي ذكره.
(يتبع)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج