الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسرحية وحيد القرن.. أوجين يونسكو

وليد الأسطل

2022 / 7 / 2
الادب والفن


غالبا ما كان جورج أورويل يستخدم في مقالاته كما في رواياته، تعبير "الآداب العامة" common decency. إن آداب القواعد البسيطة لأي فرد، تتعارض بقوة غير متوقعة مع الأوهام الثقافية والسياسية الشمولية الموجودة في عصره.
يونسكو الذي شهد صعود الخطر الفاشي في رومانيا، لحركة الحارس الحديدي ل أنتونيسكو، يستخدم المسرح للإشادة بموقف الأشخاص العاديين، الذين لا يستسلمون على الرغم من عدم وجود أي شيء يشير إلى وجود هذه القوة الأخلاقية لديهم.

تدور أحداث مسرحية "وحيد القرن" في بلدة غير محددة، تصاب بوباء غامض، يحوّل أهلها إلى وحيدات القرن.

يهتز سبات يوم أحد بالمرور المتتالي لحيوانين من فصيلة وحيد القرن. يثير هذا دهشة الشخصيات، التي سرعان ما تبدأ في الجدل - بغباء - لمعرفة ما إذا كان الحيوانان من إفريقيا أو آسيا، وبقرن واحد أو قرنين؟ الخطر الضئيل للغاية الذي يمثله هذان الكائنان، اللذان يكونان قد هربا من حديقة الحيوان، هو جزء من مشهد سخيف، بعيد عن القضايا الحقيقية التي يتهيأ يونسكو لإثارتها. في اليوم التالي لمرور الحيوانين، وأثناء انهماك الشخصيات في أعمالها، تنزعج بسبب ظهور حيوان ضخم آخر من هذه الحيوانات النابضة بالحياة. سيتضح أن أحد زملائهم، هو الذي تغير، وأن الحيوانين اللذين تمت مواجهتهما في اليوم السابق لم يكونا وحشين هاربين من السيرك، ولكنهما عبارة عن كائنين بشريين متحولين.

ينظم لونسكو تصاعد التوتر في المسرحية: أفضل صديق للشخصية الرئيسية، مريض، يتحول أمام أعين المتفرجين إلى وحيد القرن. شيئا فشيئا، يختفي البشر، ويتم استبدالهم بوحيدات القرن في كل مكان. في الفصل الأخير، يصبح التحول أكثر حدة، حتى النهاية: بيرانجر، البطل، هو آخر رجل. يُسمع الصرير(صوت وحيد القرن) في الراديو، وفي سماعات الهاتف، وفي الشوارع. لم يعد هناك شيء سوى وحيد القرن. يتساءل بيرانجر: هو الذي رفض بعناد أن يصبح مثلهم، أفلا يحاول؟ هل يتحول؟ أليس من الخطأ معارضة السائد؟ بعد تردد أخير، يتم تشكيل اختياره، يأخذ بندقيته، وفي شقة غزاها وحيد القرن يصرخ "لن أستسلم". تقدم المسرحية صورة قوية للغاية عن روح العصر: من يستطيع مقاومة الخطر المتزايد؟ على الرغم من أن الفصل الأول يظهر لنا الشخصيات الأكثر ذكاء وقد فهمت التهديد بشكل أكثر حدة من بيرانجر المسكين، المحدود الذكاء، المكتئب، والمدمن على الكحول على الأرجح، إلا أن المتفرج سيشهد تنازلاتهم المتتالية.

بيرانجر، الشخص الذي لم يتوقع منه أحد شيئا، والذي أهانه صديقه بسبب افتقاره إلى الثقافة والتصميم، انتهى به الأمر إلى الفوز. معرض الشخصيات الثانوية غني: من الشخص المنطقي العبثي الذي لا يمكن إيقافه إلى الرجل صاحب الإرادة الحديدية، ومن المثقف اللطيف إلى النقابي ضيق الأفق، كلهم ​​ينتهي بهم الأمر إلى أن يصبحوا وحيد القرن. حتى الحب لا يكفي لإنقاذ صديقة بيرانجر. يفرض بديل مأساوي نفسه على بيرانجر، وعلى اختياره، غير المتوقع ولكن المنطقي، للمقاومة. إن الفعل وحده هو الذي يكشف عن معادن الرجال، والذي يثبت أن المقاومة في الأساس فعل اختياري، لا يحتاج إلى إصدار مرسوم، وأن الترس المتواضع يمكنه أن يتحدى الآلة. لا تشكل وحيدات القرن تهديدا فعليا: لا يبدو أن وحشيتهم البسيطة تشير إلى موقف عدواني تجاه بيرانجر. ومع ذلك، فإن ضغط وجودهم يزداد قوة كل دقيقة. إن الأمر يتعلق باختيار الخندق، وبأجواء الخمسينيات، إلى الستالينية الفكرية. تتنكر الأغلبية للحس الفطري السليم. اختاروا جميعا أن يصبحوا وحيدات القرن، باستثناء بيرانجر. وبعيدا عن الإشارات السياسية والتاريخية الواضحة، إلى الفاشية والشيوعية، التي تستخدمها المسرحية، يبدو جليا أن لونسكو ينشد الكرامة والحرية.

عندما يحوّل سياق ما، مهما كان، الرجال من خلال إثارة ميولهم الشريرة وحيوانيتهم، فإن الموسيقى على سبيل المثال ليست حلاً. عندما يتحول الأفراد تدريجيا، تحت الضغط الخبيث لآلية شاملة، فإن فقط أولئك الذين يقاومون يظلون بشرا.

مهما كانت دوافعه أو ثقافته أو ذكاؤه، فإن الصرخة الأخيرة "لن أستسلم" تشير إلى إنسانية بيرانجر العميقة. الحجج العقلانية، مثل الدوافع الأقل عقلانية، لا تبرر أبدا الإلتزام الأعمى. الرجل الذي يرفض، عندما يتآمر كل شيء لتحويل الشك إلى معارضة والمعارضة إلى جريمة، الرجل الذي لا يريد أن يتبع القطيع، هذه الشخصية التي تقف مراقبة كل الفلسفات والأديان - من النقابية الستالينية ذات العقلية التي تذكرنا ب فراي خوان دي توركيمادا، وبكل شخصية متسلطة - إنها شخصية تمتلك الأفضلية الأخلاقية إلى ما لا نهاية. أجل، إن بيرانجر وحده يعادل الإنسانية جمعاء. بيرانجر بمقاومته اليائسة يحفظ الحقيقة الإنسانية من أتباع كل ناعق ومن أصحاب المصالح الشخصية والطغاة والمثقفين الراكعين.

إن رد الفعل الغريزي الذي يقود هذا الرفض، هذا النفي التام لفعل الاستسلام، هو صرخة تحرير. إنه هو الذي يخاطب جميع الرجال، البسطاء أو المثقفين، الضعفاء أو الأقوياء، الجماهير. إنه الإعلان أمام العالم عن إرادة الإنسان الحرة التي لا تُقهر. إن الفعل هو من يكشف الإنسان لنفسه. و بيرانجر، هذا الرجل، جعل الإنسان أفضل مما هو عليه. الرجل الحر لن يستسلم، حتى لو أخبره الجميع أنه مخطئ. إذا لم تقبل الجماهير بيرانجر، فعليه أن يقاتل في محاولة أخيرة. تنتهي المسرحية بجملة وينستون تشرشل الشهيرة "لن أستسلم". ما سيحدث بعد ذلك لا يهم، فسواء كان منتصرا أو مهزوما، وهو ما يبدو أكثر منطقية، فقد أكد بيرانجر إرادته الحرة، وصرخ بكلمتين - لن أستسلم - بالحقيقة العميقة للإنسانية وفدى بهذه الجملة اليائسة استسلام كل وحيدات القرن (البشر الذين قبلوا أن يتحولوا).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع