الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القيم الاجتماعية التي تتحكم في حياة البشر

محمد رياض اسماعيل
باحث

(Mohammed Reyadh Ismail Sabir)

2022 / 7 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كان ركوب السيارات والقطارات في بدايات القرن المنصرم مستحرما بفتاوي صادرة عن الملالي، كونها رجس من عمل الشيطان الذي خبئه الأجانب فيها!! وكانوا يرددون في خطب الجمعة " أتتركون حمير الله وتركبون الشمندفر ، والشمندفر كلمة باللغة الدارجة وتعني (القطار)؟" ، كما كانت المدارس غير محببة لعامة الناس، وكانوا يعتبرون اللذين يقصدون المدارس للتعليم بعديمي الرجولة، ويعتبرونها افساد للأخلاق وبطر! وكانت المدارس محرمة على النساء، وكانوا في كركوك يرددون المقولة الشعبية السائدة في نهايات الحكم العثماني " توت اغاجي توت ويري... مكتابللار كو... ويري" أي ان شجرة التوت تعطي توتاً، والمدارس تعطي مخانيث، ولكنهم كانوا يشجعون الدراسة الدينية في الجوامع او لدى الملالي! وكان النقاب فرضا على السيدات، والعباءة على البنات، وتعتبر السافرة ساقطة خُلقياً! وكانت تتعرض للإهانة والتحرش وترمى بالحجر. كما كان عمل النساء في المهن محرماً، وخصوصا لدى الحكومة، باستثناء الطبيبات والقابلات، ولم تنجوا الممرضات من الإهانة الاجتماعية والرشق بالتعابير البذيئة. واستمرت الحالة الى خمسينات القرن المنصرم، حيث كان الشباب يقفون طوابير على أبواب البنوك والمنشئات الحكومية التي تعمل فيها عدد قليل من النساء للتحرش بهن لاعتبارات تتعلق بشرفهن بعد ان قبلوا العمل مع الرجال!!! كما كان حلق اللحية والشارب معيبا، لأنها دلالة الرجل الخنثى، وتظهر كامل رجولته في إطلاق اللحية والشارب، وكلما كانت الشوارب ثخينا وطويلا كلما دل على فتونة صاحبها وشجاعته وغيرته، فيكون عند حسن تقدير وافتخار من لدن مجتمعه.. كما كان معيبا ايضا لبس القبعات وربطات العنق، كونها من عادات الكفار الأجانب، شياطين الأرض!! وتمتد المحرمات والمعيبات الى قوائم طويلة من العادات الاجتماعية المستحدثة، كانت ضحيتها في الغالب النساء، وكانت فتاوي غسل العار تطالهن لأتفه الأسباب. فكانت تلك المفاهيم والفتاوى تبسط قبضتها على الناس وتحكم المجتمع وتسيرها بخطى من بودقته النتنة، ووفق منظور الوعي السائد آنذاك. اليوم الغالبية من الناس تستهجن هذه المفاهيم والفتاوى، وتعتبرها تخلف وانحطاط. ولكن تغيير تلك المفاهيم السطحية استغرقت وقتا طويلا، لاستبدالها. ان هذه المفاهيم والفتاوي كانت تتسيد الموقف في حينها، وكانت تسير حياة العباد بحزم وعنف، وكان لابد من تضحيات في كل بضعة أجيال لتغيير بعض المفاهيم، وكانت المصالح العامة خير عون وسند للتغيير، فحين أصرت الحكومة على ادخال السيارات وتوسعت استخداماتها العامة وأدرك الناس بانها الوسيلة السهلة والاسرع لقضاء أعمالهم وحاجاتهم اقبلوا عليها غير مكترثين بما يفعله (الجن المسير لها)! ودفعت بعض النساء ثمنا باهظا لعملهن في المؤسسات الحكومية وذلك بتلويث سمعتهن، ولكن اصرارهن على العمل ومساعدة عوائلهن اثبتن بان مقياس الشرف هو العمل. تغيرت القيم الاجتماعية تباعا وغيرت الوعي العام، رغم الثمن الباهظ. وسواء ان غيرنا في الوعي العام بمفاهيم جديدة او حكمنا بصرامة على بعض التقاليد، أصبحنا اليوم بحاجة للتغيير مرة أخرى لوعي معشعش في البودقة الاجتماعية او نستبدل تلك التي غيرناها فعلا في السابق القريب. هل يجوز ان نفرغ القِربة الاجتماعية من أفكار سيئة وضارة ثم نعبئها بأفكار غير مدروسة بعمق! ولمجرد اننا برهنا بان القديم غير نافع؟! ان هكذا خطأ يعود بنا القهقري الى القديم الاسوء والذي لم يكن يعاصر زمنه. ثم الى متى ستستمر هذه الأخطاء ومن يتحمل وزر معالجتها؟ متى سنضع حدا لهذه المهزلة ونحدد من هو المجتهد او المفتي! متى سيتم إيقاف تجار الأديان (المتقنين لأفانين الكلام والتلاعب بالألفاظ) من هكذا امر خطير تسير الوعي العام؟ يذكر سلامة موسى في احدى كتاباته عن حرية الفكر، بان الكنيسة البروتستانتية في أوروبا أبان العصور الوسطى كانت تحرم دراسة القانون، كون الكتاب المقدس هو الفيصل في الحاكم في المنازعات بين الناس. وان أحدهم كان يعشق دراسة القانون وهاجر لإكمال دراسته، ولدى عودته الى مدينته فُضح قصة دراسته من قبل أحد اقاربه، فسيق للمحكمة الكنسية التي أصدرت حكم الإعدام به وتقطيع جثته ورميها للكلاب لكي لا يبقي منه اثرا ضارا على المجتمع المسيحي! بعد مرور مائتي عاما على إعدامه، تغير ت القوانين الكنسية التي سايرت تغير العصر والحاجة الملحة لدراسة القانون ووضع التشريعات التي تساير ايضا تقدم المجتمع وتنوع متطلبات العصر التي تستجد باستمرار.. فعقدت الكنيسة جلسة خاصة لتبرئ ذلك المسكين بعد مائتي سنة من إعدامه!
أتأمل أحيانا الوعي الاجتماعي السائد في مجتمعاتنا، فلاتزال المرأة والطفل والشاب فيها ضحايا مفاهيم سطحية سخيفة تسيرها لصالح قلة قليلة جاهلة غبية ترتزق من الأديان، وتمد بودقة الجهل الاجتماعي بمفاهيم تسود وتتسيد على العباد.
اما آن الأوان؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام 


.. انفجارات وإصابات جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب




.. مسعفون في طولكرم: جنود الاحتلال هاجمونا ومنعونا من مساعدة ال


.. القيادة الوسطى الأمريكية: لم تقم الولايات المتحدة اليوم بشن




.. اعتصام في مدينة يوتبوري السويدية ضد شركة صناعات عسكرية نصرة