الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موسم الهجرة من بلاد قابلة للنسيان ...

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2022 / 7 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


موسم الهجرة من بلاد قابلة للنسيان ....
( 1 )
قال الربيع بن زيّاد ألحارثي يعلق على مقتل حجر بن عدي :
" لا تزال العرب تُقتل صبرا ولو نفرت عند قتله لم يُقتل رجل منهم صبرا ... ولكنها أقرّتْ فذُلّتْ " – الطبري --
وخطب الوليد بن عبدالملك يوم استخلافه قائلا :
" أيها الناس . منْ أبدى لنا ذات نفسه ضم بنا الذي فيه عيناه . ومن سكت مات بدائه " .
وقال بن المُقَفّعِ :
" شرُّ الملوك الذي يخافه الجِرّيء ، وشرُّ البلاد بلاد ليس فيها أمن ولا خصب " .فحق هجرتها ..
قال عبدالرحمان الكواكبي : " أشد طبائع الاستبداد ، هي حكومة الفرد المطلق ، الوارث للعرش ، القائد للجيش ، الحائز على سلطة دينية " .

بلاد من الفخّار
بلاد من الفخّار المزخرف
بلاد من الشفاعات بالموتى
وردِّ الشفاعات بالموتى ...
بلاد من الأوسمة يأخذها
الرديء والمُهرج
وما عاف الضّبع قبل السّبع
يأخذها عديم الشرف
والطرب والمجون
ويأخذها
من يقتل عمداً ..
الجند ، والمخابرات ، الدرك ، والحرس الملكي
، والوحدات الرَّديفةُ ...
من أحزاب ومنظمات عميلة
بلاد من الأوسمة التي يأخذها كل قاتل
هدايا القتل المُتقن والرُّعب العمومي
وحيطانها مبكى كل الناس ..
حائط مبكى على الطريقة العربية
على الطريقة المحلية
باسم الخصوصية ..
شعبها يئنُّ ويبكي .. ويتدوّر جوعا
ثروته سُرقت وهُرّبت
بلاد من الفخار المزخرف
إن ضمّها الطغاة انكسرت
فاختلطت أوراقها بنبيذها الأحمر
بدمها الأحمر
وباللبّن الذهبي فيها
ولم تسق جريحا مُلْقى في الشارع
الدموي ...
مجزرة لتهشيم اللحم
اللحم الإنساني
بالرّكل والرّفس
بلاد هكذا بلاد ... هي بلاد قابلة للهجرة ..
قابلة
للنسيان ..
( 2 )
أي بلاد هذه .... واشْ من بْلادْ
أي بلاد هذه ....
التي اختلطت ألوانها
وتداخل قمرها في شمسها
وليلها في نهارها
وخيرها في شرها
فاستأسدت فيها القطط
ومن هم على شاكلة ابن أوى
وأكلة الجيفة
والناطحة وما عاف حتى الضبع قبل السبع
اي بلاد هذه ...
التي ترفع مكانة حثالتها
وتهين مثقفيها ومفكريها ..
بلاد مثل هذه في طريق الدمار
وككل بلاد .. هي بلاد
لها زلزالها وبراكينها
وموسم الفيضانات فيها
ولكل بلاد إلهاهٌ وربٌّ
يغضب إنْ عصته جواريه
او أمحلت فُحولته ..
نزقاً إن أغلقوا بابه خوفا عليه
او فتحوه كي تأتي شكاوى الناس ..
وبلادنا تشكو من زينتها ..
من سحنتها التي ورّدها البحر ..
بلادنا انقسمت لونين اثنين :
لون اسود ولون كاكي مغلق
....................................
والبلاد التي ألفت موتاها
والبلاد التي ألفت عذابها
والبلاد التي لا ألف لون لها ..
لتتويج الزهرة فيها
وضحكة وجه الطفل فيها ..
ومد الكفِّ للصبح فيها ..
بلاد ظالمة هكذا ...
هي بلاد ... قابلة للهجرة .. قابلة للنسيان .
هجرتها احسن من البقاء فيها ..
( 3 )
قال الحكماء يوما : " بَنيّ ،
لا تعمروا مدنا في عصر من يهوى الخراب
لا تحلموا بالنوم في ظل السقوف
ولا تفرشوا أرضا بثوب
فقد ولّى أوان الثياب ..
فلا تتبختروا في الشارع الرسمي مثل العاشقين
غطّوا تآلفكم ..
خبئوا القبلات في المنفى
فروائح التقبيل تغري خياشيم الذئاب
انتظروا مرور العسف تحت الأرض
وترقبوا المنفى .. المنفى أيها الاحرار ..
ولا تعمروا مدنا في عصر من يهوى الخراب ..
................................
انهم في المنفى يا صاحبي
مُلئت بالكدمات تلك التي رأيتها بالأمس
تصب الشاي للآتين .. قُتلت تحت باب
الغد الآتي .. ولا بد انه آتي ، واكيد سياتي
انه يطل من ثقب الباب ..
.............................
هذه بلاد مغلقة كزهرة من غبار مظلمة ...
كما لو انها اختبأت في معطف من صخور
لا كهرباء فيها
ولا ماء للجرحى
( ولا تخفي عارها ) ..
هذه بلاد
مثل حب قديم ، مضى عنوة ، بلاد قابلة للهجرة والنسيان .
( 4 )
علقوا بالأمس ، وساماً
من الطلقات في صدر الشاعر
رصدوا دمه للمجهود الحربي
وقالوا : مات شهيدا .
عذبوه طويلا ... ومات شهيدا
قالت أمه :
تفتّح مُرّاً في طفولته
فجاء مريراً الى وطن قصير .
وقالت بنته الصغرى :
بابا مسافر ليرى الموت
والمشيّعون الصامتون
أكثروا من الريحان والتلفت للخلف
موكب الموت مهيب إنْ كان في ظل البنادق
والمجرمين القاتلين .
قال الشاعر :
إن الصمت مهزلة
إن الخوف مهزلة
ومن يصمت ويخاف يشمت بالقتلى
قال الطاغية الأبله المستبد
نيرون روما الجديد
علقوا صوته بحبل سرته
وأعدوه الى النهر جثة هامدة
وليختفي هذا البكاء والنحيب
قال الشاعر بلى مات الخمسة " مُشوّطين " في بنك
وقال الناس :
أميلوه قليلا كي لا يروه وحيدا ...
وعلقوا صوته في الصدر ..
أو علقوه في وثر الباب
او اقتلوه وأرموه في السكك الحديدية .
..............................
بلاد ترامت أطرافها
واستبيحت حدودها
وغشّت نبيذها ..
بلاد لم تحتمل ان يصرخ
في وجه طعنته شاعر
أن يجرب صوته في حمام الدم
بلاد هكذا بلاد .. بلاد قابلة للهجرة .. قابلة النسيان ..
( 5 )
يُبدّل هذا الهواء شهيقي بفحم
فأغفو على حلم الهواء النقي والخط
في الصبح ان لا يكون امام بيتي صدفة ، او امام قلبي
الدم صارخا بضميري .
أرفو رئات الناس بالكلمات فتدفعني الى المدن التي فقدت أمنها
تقاريرهم معلنة التي شهدت زورا .. فقلت
ان صوت الصراخ موجع ، وان المدينة قد خلت من اهازيجها
والتاجر المزود بالنياشين افتتح الليلة
دكانا لبيع الدم .
يأتي الفقراء اليه فيجسُّهم نخاس يرتدي الأبيض
يصنف الزمر المرغوبة . يسحب من ابهرهم
ما امكنه ، يحاسبهم بالقليل عن الكثير خلف ستار
لا يرى خلفه دمه .. ثم يمضي الفقير الى الشارع
اصفر الوجه ويشتري لأولاده ربع كيلو من سوق لحم الكلب الرخيص
يغشه تاجر أصفر ..
ثم يأتي الى البيت ميتاً ، ليطلب في اول الصبح
من يفتش منزله بحثا عن مخابئ مشبوهة لجرار السمن والعسل المصفى ، وبقايا قطع من تاريخ امته المجيد ..
... أنا أرفو جزء الحكاية المُرّ كي لا تصبح الشكوى
صراخا .. فيطلب من يصرخ متهِما بإقلاق الراحة
والامن العام ..
إنني هكذا مثل بلادي
أغش نبيذي ..
أبلاد هذه
أم بقايا اساطير من الشرق القديم ؟
أم حدّ سكين مشى الحفاة عليها
باسم الصداقة ، والابوة ، والاخوة ، والبنوة ، والنيابة
عن الشعب المُستبْلد الغشيم ؟
بلاد هذه هجرتها احسن من البقاء فيها ..
بلاد هذه ..
يذكرها بالخير ساكنوها
أم بلاد قابلة للهجرة و للنسيان ..

( 6 )
أيُّ بلاد هذه ...
يا من تحاملتم عليها ..
وعلى تاريخها المجيد
لوّنتموه بألف لون
ليفقد لونه الأصيل
فتداخلت الألوان من كل حدب
وصوب ..
ومن كل اتجاه غير مُبين
فيا معشر السحرة والكهنة
وقراء الفناجين
هاتوا إذن ..
جمالها الفريد ومجدها
وغرّتها وكل ما فيها من خصال
حميد ..
شمسها البيضاء ، وجبالها وهواءها
وطغاتها ، والعسْف الذي واصل
ولا يزال ..
هاتوا قمحها ولعابها
والبنات الجميلات فيها ..
وكل ما فيها . حتى حلمها الجميل ..
وامزجوا عسلا في كأسها
وانتخبوا منها أفضل ، أرأف ، أوسم ،
أشفق ، أهدأ ... طاغية تجدون
ولتجدوا ...
ان المدن التي أحببنا مُلئت غربانا
وان الموتى أفضل من أحيائها
والأعلى أسفل تحت السقف
تحت الأرجل ، والجزمة ، والحداء
السيف أُعيد اعتباره
فاصْطف خلف الرقاب ..
خارجا من متحفها
لقد صنفوا بلادنا بين الوحوش
زيّفوها حتى تكبر فيها عقوبتنا
حتى تصفر فيها كهولتنا
حتى تغدو بلادا قابلة للهجرة و للنسيان .
( 7 )
وكلما رفعت يدي للسلام على الناس
تذكرت ان الحقائب ما زالت ملغومة
وان النسيم خلا من رائحة الجثث المتروكة
في ارض بلاد قابلة للنسيان ، هجرتها افضل بكثير من البقاء فيها .
............................
يتبعني ظلي ..
أحاوره كالمجنون لأقنعه
إن الرحيل الى مدن أخرى
وبلاد أخرى
افضل من مشهد مقبرة
تزحف يوميا لتصحر هذا العالم
يتبعني ظلي :
إن المدينة او المقبرة او العدائين
او الذكرى .. سوف تلحقك أينما
ذهبت ..
فهذه الجثة البيضاء .. بلادنا
لم يزل فيها لبن على حواف الثكنات
وفيها تعددت أوجه الموت ، والموت واحد
، وعلى ضفافه تجري الحياة
هذه بلادنا .. تعبت من انتظارنا ، من هواننا ، وهواننا
فأقفرت وصنفت بين الوحوش .
بلادنا صبية الصيف الجميل .. مربض خيل المرضى الطغاة
اتسعت يوم الأربعاء لتدفن ابناءها
وحين ضاقت هصرتْ نوم القاتلين .
فأرّقهم دمها ..
كبرت بلادنا فجأة ..
فضايقهم أنّ قامتها اعلى ، وانها لكل الناس
ولديها متسع من الوقت لتبديل حكامها ، وطغاتها
، ولصوص ثروات شعبها .. وتنويع الوانها ..
ونكهة الحب في القلب ، ولثغة العدل في توزع الضوء ..
ضايقهم انها كبرت فينا لتصغر فيها عقوبتنا ، وقد مزجت في كأسنا مرارات ..
فصحنا .. يا بلادنا .. يا غطاء الرأس ، يا صندل الحزن ، يا نزيك الروح ..
يا استدارتنا الغضبى ، و يا مخدات عودتنا .
يا بلادنا .. مدي ذراعيك
رحيبين اكثر
الى اعلى ..
والى الأصغر .
الى اليمين
الى الشمال
مدي يديك الى اقاصي الآن
ونظفي اسناننا من دمنا ..
يا بلادنا ..
يا ايتها المخمل البري
و يا ايتها الصلبة القاسية
مثل شاهد القبر
انت مثل ناي طويل طويل
ينفخ فيه الناس
لكي ينسوا انك قاسية
فيعيد اليهم صدّى غامضا ..
كالصرخات في الوديان ..
" أنك غير قابلة للنسيان "
" ان المصير والختم فيك وليس في هجرك "
" وان الصراع فيك وليس خارجك "
فلنمت فوق ارضك وترابك ، وليس بعيدين عنك ..
أنت لنا ولست لهم ..
صراع هكذا كان . وهكذا يجري . وما بدل تبديلا ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا تنظر في حصانة ترامب الرئاسية في مواجهة التهم


.. مطالب دولية لإسرائيل بتقديم توضيحات بشأن المقابر الجماعية ال




.. تصعيد كبير ونوعي في العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل|


.. الولايات المتحدة تدعو إسرائيل لتقديم معلومات بشأن المقابر ال




.. صحيفة الإندبندنت: تحذيرات من استخدام إسرائيل للرصيف العائم س