الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في رثاء تجربة إنسانية أكثر عدلا

عبدالله عطية شناوة
كاتب صحفي وإذاعي

2022 / 7 / 6
السياسة والعلاقات الدولية


حتى نهاية ثمانينات القرن الماضي كان ينظر الى المجتمعات الإسكندنافية باعتبارها المجتمعات الأكثر ازدهارا ونموا والأكثرا حتراما لحريات الأنسان وحقوقه السياسية والإجتماعية - الإقتصادية. وكان النموذج السويدي يدرس في بعض الجامعات الأوربية باعتباره النموذج الأمثل لجمعه مزايا النظامين الرأسمالي والإشتراكي وابتعاده عن مساوئهما. غير أن التجربة الإسكندنافية بدأت بالتعثر مع مطلع التسعينات، ومع بدء إنضمام بلدان إسكندنافيا - باستثناء النرويج وإيسلاندا - الى الإتحاد الأوربي.

ومع ان السويد والدانمارك تمسك كل منهما بعملته الوطنية المستقلة ولم تندمجا في منظومة اليورو، إلا إن إندماج إقتصادهما بالإقتصاد الأوربي، المتداخل هو الآخر بالاقتصادات الكبرى في الولايات المتحدة واليابان والصين، أدى الى تآكل تدريجي للنموذج الإسكندنافي، ومع تزايد التماثل في السياسات الإقتصادية والإجتماعية بين اسكندنافيا وباقي بلدان الإتحاد الأوربي ذات التوجه الرأسمالي الصرف، ازدادت الهوة اتساعا بين الطبقات والشرائح الإجتماعية ونمت معها في إسكندنافيا والسويد على نحو خاص الأمراض التي كانت أكثر بروزا في المجتمعات الأخرى مثل تزايد نفوذ الجماعات العنصرية، واتساع نشاط عصابات الجريمة المنظمة، وما يرتبط بها من جرائم المخدرات والدعارة والسلاح والإتجار بالبشر، كما تضعضعت منظومة الرفاه الاجتماعي التي كانت السويد تفاخر بها.

وبدلا من أن يؤدي فتح الأبواب في السويد، أمام القطاع الخاص للإستثمار في قطاع الصحة العامة ورعاية المسنين، وفي قطاع التعليم، الى تطوير القطاعين وتحسين خدماتهما، شهدت المنظومة الصحية تدهورا ونقصا في أعداد الممرضات اللواتي أضطر قسم كبير منهن، وبسبب تدني الأجور، إلى البحث عن العمل في النرويح المجاورة، التي لا تنتمي للاتحاد الأوربي. وكشفت جائحة كرونا عن تدهور المنظومة الصحية السويدية، من خلال الفارق الهائل، بين أعداد صحاياها بين السويديين مقارنة بالبلدان الأسكندنافية الأخرى، حيث تقاربت الوفيات بين السويديين، سواء نسبة الى عدد السكان أو أعداد المصابين، مع نسب بلدان شديدة التخلف في المجال الصحي أما التعليم في السويد فقد تخلف ليس فقط عن فينلاندا التي تحتل أعلى المراتب على الصعيد العالمي، بل تخلف كذلك عن الكثير من البلدان النامية.

ربما يمكن القول أن هذا التطور كان حتميا، إذ لا يمكن لبلدان اسكندنافيا الصغيرة مساحة وكثافة سكانية، أن تكتفي بالإعتماد على أسواقها الصغيرة لإدامة التنمية الداخلية، مع صعوبة الحصول على منفذ الى الأسواق العالمية في حمى تزاحم الإقتصاديات الكبرى عليها.

لكن هذه الرؤية وإن كانت وجيهة فإنها لاتنفي حقيقة إن البشرية، قيد خسارة تجربة إنسانية أكثر تعبيرا عن الحلم بإمكانية تطوير منظومة إنسانية أقرب الى العدل. وبتوجهها للإرتماء قي أحضان حلف شمال الأطلسي (( ناتو )) تخلت السويد الرسمية عن جانب أخر من الجوانب التي أعلت من شأن البلاد، ومنحتها مكانة عالمية مرموقة، وهو موقف الحياد والسعي الى توطيد السلم العالمي، والمساعدة على حل النزاعات الدولية والأقليمية والنأي التام عن التورط في الأحلاف العسكرية، وبذلك تلاشى أخر ما تبقى ما تبقى من قيم المنظومة السويدية، التي يبدو انها قد أفلت إلى غير رجعة في ظل تنامي التوجهات اليمينية واليمينية المتطرفة في المجتمع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إسرائيلية ضد إيران في أصفهان.. جيمس كلابر: سلم التصعيد


.. واشنطن تسقط بالفيتو مشروع قرار بمجلس الأمن لمنح فلسطين صفة ا




.. قصف أصفهان بمثابة رسالة إسرائيلية على قدرة الجيش على ضرب منا


.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير تعليقا على ما تعرضت له




.. فلسطيني: إسرائيل لم تترك بشرا أو حيوانا أو طيرا في غزة