الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى السّتّين لاستقلال الجزائر

الطاهر المعز

2022 / 7 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


تكريمًا لشُهدائنا

يُعتبر فرانتز (المعروف بعمر) فانون، المولود في 25 تموز/يوليو 1925 بِفُورْت دي فرانس، في مارتينيك (مُستعمرة فرنسية) وتوفي في 6 كانون الأول/ديسمبر 1961، أحد رموز الثورة الجزائرية، من أجل التّحرّر من ربقة الإستعمار الفرنسي الذي استمر 132 سنة، من 1830، إلى 1962. تعلّق فرانتز فانون ببلده الذي اختاره (الجزائر) وأوْصى بدفنه هناك، فأعيد جثمانه سراً، عبر الحدود التونسية) إلى الأراضي الجزائرية، التي حارب من أجلها، لكنه لم يعرف الجزائر المستقلة...
إن ذكرى استقلال الجزائر (5 تموز/يوليو 1962 - 2022) هي فرصة للتعريف بهذا الثائر الأممي لمن لم تتح لهم الفرصة لمعرفة تاريخه ومنشوراته وآرائه الرائدة في مجال الطب العقلي أو في المجال السياسي.
اكتشفَ فرانتز فانون العنصرية في كلية الطب في ليون، وعندما تَخرّجَ سنة 1953، كرّس نفسه لخدمة قضية العالم الثالث، وتم انتدابه للعمل بمستشفى مدينة البليدة بالجزائر المُسْتَعْمَرَة، التي سبق له اكتشافها عند تأدية الخدمة العسكرية، سنة 1944، وتابع أثناء ممارسته لمهنته كطبيب نفسي سلوك المرضى بدقّة ودَوّن ملاحظاته، واستعان باعتماد البُعد السيميولوجي وبتحليل البعد الاجتماعي الثقافي في المقابلات التي كان يجريها لعلاج مرضاه، وخلص إلى أن البنية الاجتماعية والسياسية في السياق الاستعماري للجزائر قد عجلت بظاهرة تبدد الشخصية من خلال إبعاد الفرد عن بيئته الأصلية، وقاده عمله إلى اعتبار العوامل الاجتماعية والبيئية والدينية في مجال الصحة العقلية عوامل مُحدّدة لبدء العلاجن وما ما قاده إلى معارضة المدرسة التمييزية والمواقف العنصرية لزملائه الفرنسيين الغارقين في الأيديولوجية الاستعمارية والتي تعتبر الشعب الجزائري مجموعة من الأفراد والعشائر البدائية، من ذوي العقليات المتخلفة المرتبطة، وأجرى فانون دراسات ميدانية علمية فَنّدت ودَحَضتْ هذه الأساليب الاستعمارية، ما أدّى بزملائه الفرنسيين الإستعماريين إلى محاولة عزل "هذا الطبيب الأسود الشّاب، قليل الخبرة، والمتواطئ مع الجزائريين".
استقال فرانتز فانون من منصبه سنة 1956 لينضم إلى صفوف المقاتلين الجزائريين في تونس، حيث مارس مهنته في مستشفى "الرازي" للأمراض النفسية والعقلية، بالتوازي مع إدارة صحيفة "المجاهد"، الناطقة باسم جيش التحرير الوطني، فكان من أفضل الدعاة لقضية استقلال الجزائر، وكلفته جبهة التحرير الوطني بالتعريف بالثورة الجزائرية في إفريقيا، ما مكّنه من الإحتكاك بالعديد من القادة الثوريين الإفريقيين لما كان مُمثلاً للجزائر في "أكْرا"، عاصمة غانا، سنة 1958، التي كان "كوامي نكروما" (صديق جمال عبد الناصر) رئيس حكومتها بعد الإستقلال عن بريطانيا، كما سمح له منصبه في أكرا بالارتباط بشخصيات استقلال أفريقية عديدة، مثل الكاميروني فيليكس مومي، الذي اغتيل على يد القوات الفرنسية، وباتريس لومومبا، الذي اغتيل (17 كانون الثاني/يناير 1961) على يد الأمن الإستعماري البلجيكي بعد انتخابه رئيسًا للحكومة في الكونغو، بالإضافة إلى زعماء أمريكيين سود آخرين مثل "ماركوس غارفي" (Marcus Garvey ) أو عالم الاجتماع والمناضل ( William E.B du Bois ) وليام دوبوا...
يعتبر فرانتز فانون أحد منظري العنف الثوري، فقد دَرَسَ الأشكال التاريخية للعنف التي أدخلها المستعمِر لإخضاع الإنسان المُسْتَعْمَر وإدامة هيمنته من خلال ترويعه، ومن الضروري، لتحرير الذات، معارضة عُنف الإستعمار الإستيطاني بالعنف الذي أحدثه الإستعمار نفسه، فالاستعمار هو بطبيعته فعل عنيف يهدف الهيمنة، واقتنع "فانون" بعدم جدوى الحوار مع المستعمرين، لبلوغ هدف التحرير وإنهاء الاستعمار.
في كتابه "معذبو الأرض" ، الذي نُشر قبل وفاته بفترة وجيزة ، كتب "مهما كانت العناوين أو الصّيَغ المُستخْدَمَة للحديث عن عملية التحرير الوطني والنهضة القومية واستعادة الشعب لوطنه، فإن عملية إنهاء الاستعمار هي دائمًا ظاهرة عنيفة "إن العنف ضروري لإنهاء الاستعمار ولاستعادة ما سلبه بالقوة: الهوية الوطنية والأرض والثقافة وكل شيء في البلد. إنها عملية استبدال المستعمِر بالمستعمَر، ولا يمكن إنجاز هذه المهمة سوى بالعُنف..."، فلا توجد وسيلة أُخْرَى، غير العملية الثّورية، لمحاربة الفكر الاستعماري ولوضع حد للتعصب والاغتراب والمعاناة التي عانى منها المستعمَر، الذي تم احتلال وطنه باسم "إنجاز المُهمة الحضارية وتمْدين الشعوب المتخلفة"، أو باسم "القيم الإنسانية والأخلاقية" التي تزعم الكنيسة البيضاء نَشْرَها، بينما تُشكّل إحدر ركائز الإستعمار والهيمنة وتخدير العُقُول.
يرفض "فانون" أي شكل من أشكال الامتثال أو الخُضوع، ولا يتوانى بتصنيف نفسه ضمن الثوريين، خلال ممارسة مهنته كطبيب أو في نضاله من أجل تحرير وطنه الذي اختاره (الجزائر) أو أبحاثه ومنشوراته الفكرية، فضلا عن نضاله في صفوف جبهة التحرير الوطني، مع المحافظة على هامش النّقد الثوري.
أصيب فرانتز فانون بنوع من سرطان الدم الذي أودى بحياته في 6 كانون الأول (ديسمبر) 1961 بواشنطنن وأُعيد جثمانه إلى تونس لِيُدفن لاحقًا في الجزائر، حسب رغبته. توفي عن عمر يناهز 36 عامًا ، مثل غسان كنفاني (1936-1972) الذي شاركه منهجه الفلسفي الفكري في النضال ضد الاستعمار.
تمكّنت المؤسسة الأكاديمية ومراكز البحث الفرنسية من طَمْسِ تُراث ونضال فرانتز فانون، وبقي مجهولا لدى أقاربه في جزيرة "مارتنيك" ( بحر الكاريبي)، وهو الذي كتب جميع أعمله وبُحوثه ودراساته ومقالاته الصحفية باللغة الفرنسية، ولا يذكره سوى قلّة من المُختصّين في فرنسا، ولكنه معروف جيدًا لدى الثوريين في البلدان الواقعة تحت الإستعمار والهيمنة الإمبريالية، كمنظِّر لإنهاء الاستعمار في البلدان الخاضعة للسيطرة، وكمقاوم صلب...
من الضروري تكريم فرانتز فانون ، المعروف باسم عمر ، من قبل مناضلي جبهة التحرير الوطني في الجزائر ، بمناسبة الذكرى الستين للاستقلال ، التي حارب من أجلها لكنه لم يعشْ لحظة الإستقلال.
إن قيمة إرثه لا تقدر بثمن كطبيب ومفكر وناشط، ومن حسن حظنا أننا اكتشفنا هذا الإرث، بعد وفاته وبعد استقلال الجزائر...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع عماد حسن.. هل سيؤسس -الدعم السريع- دولة في د


.. صحف بريطانية: هل هذه آخر مأساة يتعرض لها المهاجرون غير الشرع




.. البنتاغون: لا تزال لدينا مخاوف بخصوص خطط إسرائيل لتنفيذ اجتي


.. مخاوف من تصعيد كبير في الجنوب اللبناني على وقع ارتفاع حدة ال




.. صوت مجلس الشيوخ الأميركي لصالح مساعدات بقيمة 95 مليار دولار