الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بمناسبة ثورة العشرين العراقية في 30 حزيران 1920.. دور العوامل الداخلية والخارجية في ثورة العشرين العراقية

عادل عبد الزهرة شبيب

2022 / 7 / 7
المجتمع المدني


لم تكن ثورة العشرين , تلك الثورة التي اندلعت شرارتها في الثلاثين من حزيران عام 1920 وليدة حادثة معينة مرتبطة باعتقال الشيخ شعلان ابو الجون من قبل الانكليز وتحريره من قبل عشيرته , وانما هي ثورة انتجتها عوامل داخلية وخارجية متعددة الجوانب. وتظافرت عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية عديدة في انبثاقها. ولكننا سنعطي العامل الاقتصادي الاهمية في هذا المقال .
يعتبر العامل الاقتصادي من العوامل المهمة التي عجلت بالثورة, فالعراق بلد زراعي و احتلت الزراعة مكان الصدارة في اقتصاد البلاد في حين كان الانتاج الصناعي ضئيل جدا, وقد ادت ادارة الدولة العثمانية السيئة للعراق الى تخلف الزراعة وهبوط الانتاج واهملت مساحات شاسعة من الاراضي الزراعية التي غزتها الرمال والاملاح الى جانب انهيار منظومة الري وحدوث الفيضانات التي الحقت بالعراق خسائر فادحة . وادى خضوع العراق لسيطرة الدولة العثمانية والتي امتدت لأربعة قرون الى تكريس النظام الاقطاعي وعرقلة التجارة والصناعة والحرف والزراعة, واثقلت المواطنين بالضرائب المختلفة . وعند دخول الاستعمار البريطاني العراق عام 1914 واحتلاله له سعى الى تحويله الى منتج للمواد الاولية وجعله تابعا للدول الرأسمالية والسوق التجارية العالمية. تطورت بشكل محدود بعض الفروع الانتاجية لتلبية احتياجات السوق المحلية كإنتاج الاقمشة ومواد البناء وصناعة السجاد والصباغة وتعبئة المنتجات الزراعية لأغراض التصدير واعمال الحدادة والسراجة والنقل ,وبذلك فقد تم تأسيس عدد من المعامل الصغيرة في مختلف انحاء البلاد. ادت السيطرة الطويلة للعثمانيين على العراق الى خلق العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي عانى منها شعبنا في تلك الفترة المظلمة , حيث التخلف الاقتصادي والامية وسيطرة الاقطاع على الاراضي الزراعية اضافة الى الضرائب الكبيرة المفروضة على العراقيين وهم اصلا يعانون من قلة الدخل ,الى جانب انتشار الفساد المالي والاداري الذي شجعه العثمانيون ( والذي عادت صورته اليوم بفاعلية ), وهذا ما دعا العراقيون الى رفض مساندة الجيش العثماني عند احتلال البريطانيون العراق . في الحرب العالمية الاولى خسرت الدولة العثمانية الحرب واحتل الاستعمار البريطاني العراق عام 1914 , وكانت سياستهم تجاه العراقيين أشد شراسة وقوة من العثمانيين . وبعد استكمال احتلال العراق عمدت السلطات البريطانية الى اتباع سياسة تخدم مصالحها الاقتصادية فعمدت الى توثيق الصلة بالبرجوازية الكومبرادورية الجديدة التي ساهمت بتكوينها , كما وثقت علاقتها بالإقطاعيين الذين شجعتهم على بسط نفوذهم على عشائرهم في المناطق التي يقيمون فيها . قام البريطانيون بجباية الضرائب الكبيرة وعملوا على تنويعها كضريبة النخيل وضريبة المحاصيل الزراعية المختلفة وضريبة الملك وقد اثقلت هذه الضرائب كاهل الفقراء. وكان للضرائب الزراعية أثرها السلبي على الفلاحين وعلى الانتاج الزراعي عموما الذي تميز بانخفاضه وارتفاع اسعار المحاصيل الزراعية, وان لجوء الجيش البريطاني المحتل الى استهلاك الانتاج الحيواني والنباتي في ظل انخفاض الانتاج ادى الى تعرض الناس للجوع وانتشار القحط وكان ذلك احد الاسباب التي ادت الى كره البريطانيين. كانت معظم القبائل العراقية وبضمنهم البدو تشكو الفقر المدقع وتحول الكثير من البدو الى رعاة للماشية العائدة للشيخ ولأغنياء القبيلة وبذلك اصبح افراد القبيلة خاضعين اقتصاديا للشيخ الذي ازدادت موارده. اما بالنسبة للإنتاج الحرفي فقد تعرض للخراب , كانت اجور العمال منخفضة مع وجود عدد كبير من الفلاحين المعدمين المحرومين من الارض والمستعدين للاشتغال في اي عمل , اضافة الى استخدام الاطفال والنساء في المؤسسات الصناعية باجور اقل مما يتقاضاه العمال البالغون ,كان الاستغلال بشعا للغاية في ظل انعدام السكن الانساني المناسب. الى جانب ذلك فقد وضع الرأسماليون الانكليز ايديهم على التجارة الخارجية وشبكة المواصلات في العراق وحولوا العراق الى سوق لتزويد الصناعة البريطانية بالمواد الخام. وساهمت احداث الحرب العالمية الاولى في زيادة تأزم الوضع الاقتصادي في العراق وفرض اعمال السخرة المرهقة على المواطنين وبإلزامهم عنوة على الخدمة في الجيش. وعمل الانكليز على خنق الصناعة الوطنية والحرف المحلية وتوطيد السيطرة الاقتصادية الكاملة لرأس المال البريطاني المحتكر, وسعى الى الحفاظ على نظام الانتاج الاقطاعي واستعباد الشعب العراقي,واشاعة البؤس والفاقة في اوساط جماهير الشغيلة واهدار حقوقها . ولم يكن بوسع السياسة البريطانية تلافي مقاومة الجماهير الشعبية في البلاد وفي مقدمتها الفلاحون والبدو الذين كانوا يمثلون القوة الرئيسة للحركة الوطنية التحررية حيث امتزج نضال الفلاحين ضد الاستبداد الاستعماري البريطاني بنضالهم ضد الاستغلال الإقطاعي.
الى جانب ذلك فقد اعتمد البريطانيون (السخرة) وهي العمل المجاني لاستغلال الايدي العاملة في انجاز المشاريع العسكرية البريطانية. حيث استغل العراقيون وبأعداد كبيرة منهم في الاعمال المجانية لبناء معسكرات الانكليز وفي شق الطرق ونقل السلاح وغيرها من الاعمال .
أما بالنسبة للطبقة العاملة العراقية فكانت عندئذ قليلة العدد وضعيفة سياسيا ولم تكن تملك اي نوع من التنظيم, وهي عاجزة عن القيام بدور قيادي مستقل وملحوظ مع انها ساهمت مساهمة فعالة في الحركة الوطنية التحررية ضد المستعمرين, كما لم يكن بوسع البرجوازية العراقية قيادة الحركة الوطنية التحررية لأنها كانت ضعيفة من الناحيتين الاقتصادية والسياسية.
لقد قاومت الجماهير الشعبية في العراق السياسة الاستعمارية للمحتلين منذ الايام الاولى للعدوان البريطاني على العراق ,فامتنعت عن دفع الضرائب ورفضت بإصرار القيام بأعمال السخرة المفروضة عليها ولم تعترف بسلطة المحتلين وهاجمت الفصائل الوطنية الصغيرة الوحدات العسكرية البريطانية التي ارسلت لجمع الضرائب والاستيلاء على المواد الغذائية والمواشي. كما قامت الجماهير بانتفاضات عديدة ضد الانكليز في النجف والكوفة وابوصخير عام 1917 وانتفاضة عام 1918 في النجف وانتفاضة القبائل الكردية عام 1919 حول العمادية وانتفاضات رانية وراوندوز. وكنتيجة لتصاعد الحركة المعادية للاستعمار في الدول المستعمرة فقد اضطر المستعمرون التخلي عن خططهم السابقة بالحاق العراق بالمستعمرات البريطانية.
ان ثورة العشرين هي ثمرة لنضال طويل خاضه الشعب العراقي ضد الاستعمار البريطاني. وكان للوضع الدولي في نهاية حزيران 1920 أثر كبير في تصعيد النضال التحرري لشعبنا حيث نجاح ثورة اكتوبر الاشتراكية وفضحها للمعاهدات الاستعمارية مثل سايكس- بيكو وغيرها , الى جانب اتساع الحركة المعادية للحرب والاستعمار في مختلف اوساط الشعب البريطاني المستاء من السياسة الاستعمارية لبلادهم.
وبالرغم من استعداد الجيش البريطاني عسكريا لخنق الحركة الوطنية في العراق , وبالرغم من تسليحه بأحدث الاسلحة الفتاكة ,الا أنه لم يستطع التغلب على مقاومة الشعب العراقي الذي امتاز بروح نضالية عالية, وانطلقت شرارة الثورة في الثلاثين من حزيران عام 1920,وكان الفقراء والفلاحين الذين يشكلون غالبية السكان والذين تعرضوا الى النهب والاستغلال الشديد والجشع من جانب سلطات الاحتلال هم الذين ثاروا ضد المحتل رغم اختلاف الامكانيات في العدد والسلاح بين الطرفين , بين الطوب والمكوار.( الطوب أحسن لو مكواري ).
واليوم نحن بأمس الحاجة لاستلهام الدروس والعبر من ثورة العشرين في توحيد صفوفنا ونبذ الخلافات من اجل دحر داعش نهائيا والقضاء على بقاياه واعادة النازحين الى ديارهم واستلهام المآثر البطولية للفلاحين وسكان المدن أثناء الثورة للاستمرار في النضال من اجل تحقيق التقدم الاقتصادي – الاجتماعي وتحقيق الرفاهية والعيش الرغيد لشعبنا ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب الجامعة الأمريكية في القاهرة يتظاهرون بأسلوبهم لدعم غزة


.. إعلام فرنسي: اعتقال مقتحم القنصلية الإيرانية في باريس




.. إعلام فرنسي: اعتقال الرجل المتحصن داخل القنصلية الإيرانية في


.. فيتو أميركي ضد مشروع قرار منح دولة فلسطين العضوية الكاملة في




.. بن غفير: عقوبة الإعدام للمخربين هي الحل الأمثل لمشكلة اكتظاظ