الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجليات الأبواب

سعد محمد موسى

2022 / 7 / 8
الادب والفن


كانت الابواب عبر كل العصور تحظى بأهمية في معتقدات الشعوب، وكذلك كان لدى سكان وادي الرافدين للابواب مكانة خاصة، فبعضها كان يتميز بمقام مقدس وإيحاءات رمزية ودينية وعقائدية.
كانت القدسية الدينية والروحية للبوابات المبجلة متوارثة منذ الحضارات القديمة الأولى حين كانوا يقصدون بوابات المعابد والآلهة للتبرك بها عندما يركعون ويصلون أمامها أثناء تقديمهم القرابين والنذور المشفوعة بالابتهالات والترجي لنيل مرادهم وطلب الثواب.
فعلى بوابات المعابد والأضرحة والمساجد يتجلى الشعور بالرهبة والتوسل والرجاء، فالزوجة أو الأم عادة ما تنذر القرابين وتوشم بصبغة الحناء بوابات السادة والائمة والشيوخ الصالحين وهي تتضرع الى مقامهم ومنزلتهم الروحية المقدسة وشفاعتهم من أجل عودة الغائب سواء كان أخاً أو زوجاً أو أبناً أو شخصاً عزيزاً سالماً من الحرب أو الصيد أو السفر وكذلك في أمنيات الزواج والحب ووفرة الرزق والانجاب وكل المشاعر من خوف وحب وفرح توشمها وترتلها النساء على البوابات.
مما لا شك فيه ان النساء العراقيات هُنّ من أكثر نساء ولعاً وتعاطياً مع مادة الحناء في أغلب المناسك الروحية والشعبية والدينية وبقيت طقوس الحناء متوارثة لدى المجتمع العراقي منذ أقدم الازمنة ومازال منتشراً
في جميع المدن العراقية لاسيما في الوسط والجنوب وفي مناسبات الاعراس واستذكارا تراجيديا عرس القاسم الذي استشهد في واقعة الطف الكربلائية.. وكذلك فوق أبواب وشبابيك الائمة والشيوخ وأصحاب المكرمات وعلى مشربيات الازقة وواجهات الجوامع والحسنيات حين توشم كفوف النسوة تلك الاماكن طلباً للمراد وشفاعة لقضاء الحاجات

فترسم خرائط الأمنيات وقدسية المثلث وتعلق تمائم سبع عيون وغنوصية الحروز والأدعية، تلك الطلاسم والنقوش ترمزً الى الدلالات والرموز الروحية المقدسة فعلى بوابات وشبابيك المعابد والأضرحة ومقامات الزهاد والشيوخ والدراويش وأصحاب الحظوات والمكارم كانت تمنح النذور وتربط شرائط (العلوگ) الخضراء المباركة فوق عروات الشفاعة وكذلك المسابح والتمائم والمفاتيح والقفال، وتشعل الشموع ويحرق البخور والحرمل بشفاعات التبرك على عتباتها.
بينما صدى التضرع يتماوج في أروقة المقامات وحضرة الاضرحة ثم يأفل بعيداً متوسلا ًحضور المراد والمبتغى في قداس الخنوع وشلالات الدموع التي تنهمر في وديان الغياب!!

منذ وضع الانسان البدائي الأول صخرة على فتحة كهفه ليعزله عن العالم الخارجي تبلورت حينها بداية فكرة لمشروع الباب كي يكون الحاجز الذي يدرء مخاطر الحيوانات المفترسة وشرور الأنسان ويحميه من العواصف والأمطار والثلوج والبرد.
حينها دفعته غرائزه وهواجسه واعتقاداته أن يوشم فوق تضاريس صخرته تعويذاته ويلصق تمائمه وطواطمه ويحفر رسوماته ودلالاته وإشاراته.
وعبر مراحل وجود الأنسان تطورت مفاهيمه وحرفياته ومفردات حياته وتطورت معها أيضاً صناعة الأبواب وأختلفت مواد تصنيعها لكن الباب بقيّ مسلته الأبدية لتدوين إعتقاداته وأمنياته ومخاوفه من الأقدار حتى يومنا هذا، ومتحفاً يختزل ذاكرته وجذوره ويؤرشف انطباعاته وايمانه ومفرداته الروحية.
اِستخدم الانسان حينها الباب ليكون الساتر ما بين الداخل والخارج والحجاب ما بين الباطن والظاهر والبرزخ ما بين الطقوس السرية والطقوس العلانية.
وكانت ملحقات الأبواب ومكملاتها مثل: المزاليج والرزات والأقفال والمفاتيح والزخارف المعدنية والمكونة من الصفائح البرونزية والنحاسية المثبتة بمسامير ذات الرؤوس العريضة التي تزين واجهات الأبواب الخشبية السميكة الموشاة بالنحت البارز أو الغائر
والزخارف المستوحاة من الاشكال والرموز الحيوانية والنباتية والآدمية وتكوين الوحدات الهندسية، وكذلك المطارق النحاسية والبرونزية التي تفنن بها الحرفيون في تكوينات جمالية وأيقونات رمزية تجسد الاعتقادات الدينية والشعبية والتراثية والثقافة الروحية والحضارية للمجتمع عبر الامتداد التأريخي.

تتجلى القيم التعبيرية والذاكرة الشعبية بتكوينات مختلفة للمطرقة منها حدوة الحصان أو قبضة الكف ذات الخمسة أصابع أو شكل الدائرة أو الهلال الاسلامي الذي يرمز للخير ولدرء الحسد وإبعاد العين الشريرة عن الدار وأيضاً هنالك مطرقة الباب بتصميم مروحة النخيل التي تشبه مقطع من سعفة نخلة ويبدو أن هذا التصميم كان مستوحى من ريليف وزخارف عمارة بلاد الرافدين القديمة، وكذلك اِستخدمت في تكوين وحرفية المطارق ملامح وجه أسد أو حيوانات خرافية واسطورية.

لقد تنوعت وتباينت أشكال وتصاميم الابواب في العراق على مر العصور لا سيما أثناء الاحتلات الكثيرة التي مرت بها بلاد الرافدين فتركت ثقافة الاحتلال بصمات متنوعة على فن العمارة والبناء ومنها تصاميم الأبواب والشبابيك أيضاً ، لكن بقى لمفهوم واعتقادات أهالي ما بين النهرين وتعلقهم بقدسية بعض الابواب التي ترمز الى مقامات رفيعة وذات شأن روحي وديني وتأريخي أرتبطت بها مظاهر التبجيل وطلب الشفاعة والمراد ارتباط راسخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا