الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مظاهر الأزمة في النضال الفلسطيني ومصادرها

سعيد مضيه

2022 / 7 / 8
القضية الفلسطينية


في عشرينات القرن الماضي، أي قبل قرن من الزمن، سعت القيادة القومية في فلسطين لمهادنة الانتداب البريطاني، عله يقف معها ضد الاستيطان اليهودي ؛ ربما جهلت القيادة الفلسطينية آنذاك أن دول الغرب الامبريالية في عصبة الأمم أسندت للانتداب البريطاني على فلسطين مهمة إنشاء الوطن القومي لليهود . مضى مائة عام والقيادة الوطنية تنتظر تفريج كروبها على يدي " الصديقة بريطانيا" ثم " الصديقة " الولايات المتحدة ! هل هو غياب المراجعة النقدية لاستيعاب دروس الماضي ؟ ام هو العجز حيال تعقيدات المشكلة الناجمة عن مسلسل الانكسارات؟ وربما أن القيادة الفلسطينية تحرص على تقديم شهادة حسن سلوك الى من بأيديهم الربط والحل ! الواضح ان القيادات الفلسطينية لا تنظر للجماهير طاقة كفاحية وقوة تغيير اجتماعي جذري ؛ لا تنظر ولا تريد ذلك. لتذهب فلسطين الى الاستيطان ولا تذهب الى الجماهير الفلسطينية إن حررتها بكفاحها المغير للواقع ! ومن ثم ترى في مسلمسل الهزئم قدرا معاندا او تعاسة حظوظ . طوال قرن من الزمن و القيادات الفلسطينية تريد الجماهير حطبا في ثورة ان اضطرت اليها او احتياطي عزوة لدى استعراض الشعبوية والمزاحمة على مكاسب السلطة الموهومة .
القيادة الفلسطينية بانتظار بايدن، تتوهم بيديه الحل لأزمتها المستفحلة؛ ورغم انشغال بايدن حاليا بمشاكل تستحكم بالداخل والخارج، تشمل الاقتصاد والأمن الاجتماعي ومشكلة اكرانيا وخطر سيطرة حزب الجمهوريين المنافس على الكونغرس بمجلسيه في انتخابات على الأبواب؛ وآخر المشاكل المباغتة انهيار تابعه جونسون في بريطانيا.. رغم كل هذه المشاكل مجتمعة وجدت إدارة بايدن الوقت والامكانيات لتحصين امن إسرائيل ومشاريعها الاستيطانية؛ لكنها غير متعجلة لتحصين وجود الشعب الفلسطيني فوق أرض وطنه. ترمي إدارة بايدن ، بادعائها العمل من أجل حل الدولتين، إبقاء الموقف الفلسطيني في خانة الانتظار، بينما تمضي عملية التهويد بلا توقف او ممانعة. الإدارة الأميركية حرصت على تبرئة جيش الاحتلال من اغتيال الصحفية شيرين أبو عقلة، سُمِح لها بتقزيم قضية سياسية أثارت العالم الى جنحة تخضع لتحقيق جنائي. القرار الأميركي بصدد اغتيال أبو عقلة صفعة مهينة للجانب الفلسطيني وهو ينتظر باستجداء " الضغط على إسرائيل"! بات بدهيا أن دول الغرب الامبريالية والإدارة الأميركية تتجنب الضغط على إسرائيل. تتالت فترات ثماني سنوات تلو ثمان، لم تجد إسرائيل نفسها مرغمة على تعطيل، ولا نقول وقف، النهب المتواصل لاراضي الشعب الفلسطيني. ومن جهتها تستجير القيادة الفلسطينية ب "المجتمع الدولي" او الولايات المتحدة الأميركية، ولا تتوجه لشعبها ؛ تبلغ جميع الأطراف ، خاصة إسرائيل ، أن الجانب الفلسطيني عاجز عن ردع إسرائيل، وعاجز عن الحفاظ على حقه في وطنه .
إعلام القيادة الفلسطينية يكرر كل يوم حكاية الضحية، ويحرص على عزل الجماهير أو تفعيل طاقتها الكفاحية . يصف ممارسات الاحتلال ولا يحرض على مقاومتها. إعلام السلطة يورد أخبار التجاوزات الإسرائيلية كمراقب محايد، او كما قال محام فلسطيني ، كأنه بيان لجنة التضامن الكوبية مع شعب فلسطين ، مولدا الانطباع بأن ضياع فلسطين قدر لا مهرب منه ولا فكاك. فكل ما يتعلق بمعيشة الفلسطيني بات رهن المشيئة الإسرائيلية : الماء والطاقة والعمل والطعام والتنقل، بحيث يمكن حشر الشعب الفلسطيني في ضائقة معيشية لا تطاق . و الإدارة الأميركية معنية بحماية حكومة إسرائيل الجديدة ، وهي تمضي على خطى سابقاتها، تغتصب الأرض بدون البشر، تمضي بلا تردد نحو الاستحواذ على الضفة تفصل بالكتل الاستيطانية ما بين تجمعاتها السكانية بالمدن والبلدات والمخيمات ، وتصدر التهديدات بالترحيل خارج الديار ، حسب قناعة نوعام تشومسكي.
عبرتشومسكي في مقابلة أجريت معه حول فلسطين ، عن قناعته، لدى المقارنة مع أبارتهايد جنوب إفريقيا، نستنتج ان الوضع في فلسطين اسوأ بكثير. اننا نكافئ إسرائيل ،إذ نصنف بنظام أبارتهايد ما أرست معالمه بالضفة خلال العقود المتعاقبة. جمهورية جنوب إفريقيا العنصرية كانت بحاجة الى السكان السود الذين شكلوا نسبة 83 بالمائة من سكان الجمهورية. اعتبرتهم قوة عمل احتياطية، حرصوا على الإبقاء عليهم ضمن اوضاع محتملة بقدر ما ؛ الأمر النقيض لأوضاع الشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة. "إسرائيل لا تريدهم، وسياساتها خلال نصف القرن الأخير ظلت على الدوام جعل الحياة لا تطاق، كي يذهبوا الى مكان آخر".
هذا ما أدركه نوعام تشومسكي من بعيد، وترفض أن تدركه القيادة الفلسطينية، أو القيادات الفلسطينية. سمعوا بخطة إسرائيل مصادرة مليون دونم من الأراضي الفلسطينية لعمل متنزه عام، ومضى الإعلان بغير اكتراث، ولم يحرك ساكنا أو ينطق صامتا! كثيرة هي عمليات القرصنة تذرعت بالحدائق العامة او المتاحف او المحميات الطبيعية سياسة الآضطهاد مطبقة على الفضاء الفلسطيني بأجمعه. وكثيرة أيضا عمليات تقويض الكيانية الفلسطينية تمّت بهدوء! وما توصل اليه تشومسكي بهذا الصدد:" تقول منظمات القانون الدولي ان الفلسطينيين لا يستطيعون احتمال الأوضاع إلا لسنوات قليلة قادمة في الضفة الغربية المحتلة تحدث فظائع كل يوم"؛ وحسب اعتقاده فان "إسرائيل ، خلافا لجنوب إفريقيا لا تسعى للحصول على موافقة المجتمع الدولي؛ وقاحة تصرفات إسرائيل صادمة ، يعملون ما يريدون ، عارفين ان الولايات المتحدة الأميركية سوف تدعمهم. وهذا أسوا مما ساد في جنوب إفريقيا. لا يرغبون في التوافق مع الجمهور الفلسطيني قوة عمل مضطهدة ، إنما المقصود التخلص منهم."
دلالات الماضي القريب والبعيد لا تبرر الثقة بالولايات المتحدة : صمت حيال المسيرة الحاشدة في ذكرى " توحيد القدس"؛ الإعلان عن تاسيس مكتب الولايات المتحدة للشؤون الفلسطينية " بديلا لإعادة فتح القنصلية امتثالا لمعارضة إسرائيل؛ التحريض على التطبيع مع إسرائيل وإقامة حلف أمني معها؛ وأخيرا تبرئة جيش الاحتلال من دم شيرين أبو عاقلة . وجد بيني غانتس، وزير الحرب الإسرائيلي، الجسارة كي يعلن “يجب أن نتذكر بأن من يتحمل المسؤولية عن الحدث( اغتيال ابو عاقلة) هم قبل كل شيء ‘الإرهابيون’ الذين يعملون من داخل السكان المدنيين”. مستندا الى حلفائه الأميركيين تحدى الوزير الإسرائيلي الفضائية الأميركية سي إن إن ، والمفوضية الدولية لحقوق الإنسان، اللتين توصلتا الى أن ألرصاصة القاتلة للصحفية شيرين أبو عاقلة انطلقت من جيش الاحتلال. وكما استخلص مراقبون محايدون أقدمت القيادة الفلسطينية على تقزيم قضية أبو عاقلة من قضية سياسية الى قضية جنائية تخضع لتحقيقات امنية مغرضة وغير نزيهة، واغتيلت شيرين مرة ثانية .
تبرئة قتلة الصحفية الفلسطينية ، تنذر بتهافت وسخافة العرض الذي سيقدمه بايدن لدى التقائه بالرئيس عباس؛ تضحي الدبلومسية الأميركية بالنزاهة وبالمصداقية وبالحيادية مدركة أن القيادة الفلسطينية لن تترك خانة الاستجداء، تتوسل ترياق " لبن النملة" - الضغوط على إسرائيل. الحالة الفلسطينية مأزومة بقصور القيادات الفلسطينية ، خاصة قيادات تدعي اليسار. النهب المتواصل للأراضي وتهويد القدس والجزء الأعظم من الضفة الخاضع لسيطرة إسرائيل المطلقة ويشكل 64 بالمائة من الأراضي ويشتمل على أخصب الأراضي الزراعية بالأغوار يجري تهويده بمختلف المسوغات. والجماهير الفلسطينية ساخطة تشهد السلطة تفضل ضياع الأرض على تنشيط المقاومة الشعبية. ومن قطاع غزة تتكرر التلميحات بأن السلاح لن ينجد الأقصى، اولاً دعوة من حماس للانتقام من الكنس اليهودية المتناثرة بالعالم؛ ثم الدعوة للجماهير بالزحف الى القدس والتصدي للمسيرة ، وحاليا يكتفى إعلاميا بتفسير الإجراءات الإسرائيلية وتغييب خيار المقاومة . الثقافة التي تشيعها السلطة وبعض المتعاطفين في الغرب تقتصر على ‘قص حكاية الضحية’، لا أكثر. الجرائم الإسرائيليية تملأ نشرات الأخبار والتحليلات الإخبارية . لا يصدر عن إعلام السلطة دعوة الى التحدي وإفشال هذا المشروع أو ذاك. بدل تنشيط حركات الدفاع عن الأرض فضلت السلطة الفلسطينية "تعيين" موظفين بمراكز إدارية عليا لايتوجهون الى الجماهير ويششكون من عدم تجاوب الجماهير. يجهلون ان الحراك الشعبي يتصاعد بالممارسة والدربة والتربية السياسية والفكرية – نقل الوعي . ثقافة المقاومة وسيلة استنهاض الجماهير، لا تتوجه نحو استقطاب العطف، ولا تقبع عند توصيف الضحية. يهيب الدكتور رمزي بارود ، الإعلامي والمحلل السياسي الفلسطيني من خلف المحيط ، على المثقفين الفلسطينيين أن ينشطوا في الأوساط الشعبية، يبدعون الثقافة المقاومة؛ يرشد بأن الأزمة التي تربك المقاومة هي ثقافية تنطوي على الوعي، مضمونها ، حسب تقدير إدوارد سعيد ، " المقدرة على تقديم رسالة وتجسيدها بدقة وإحكام"، والرسالة المطلوبة نقل الوعي السياسي والثقافي الى الجماهير كي تناضل ببصر وبصيرة، تحرر الشعب الفلسطيني من ملزمة الاحتلال . اما غرامشي فعبر بمزيد من الوضوح عن ثقافة التغيير الاجتماعي أقرب الى المطابقة مع الحالة الفلسطينية : "المثقف يغير ويعيد تشكيل أنماط تفكير الجماهير وسلوكها. " ودوما يذكّر المثقفين بانهم "ناقلو الوعي "، وليس منهم " مثقف الضحية" .
في زمن مبكر وعى غسان كنفاني المفارقة. نقل رمزي بارود ان كنفاني منع زوجته ، الصحفية الأجنبية، زيارة مخيمات اللاجئين في جنوب لبنان عام 1961 معللا رفضه " عليك الحصول على معرفة وافية بالمأساة الفلسطينية في ضوئها تكتبين عن حالتهم." يضيف بارود ، " ونفس المنطق يمكن أن ينطبق على قطاع غزة والشيخ جراح وجنين . فلا يجوز اختصار النضال الفلسطيني بالفقر وأهوال الحروب ، إنما يتوجب تمديد السياق السياسي ليشمل العوامل التي سببت التراجيديا الراهنة". هكذا تتبلور ثقافة المقاومة كرسالة تجسد الواقع بدقة وإحكام . دور الامبريالية في المأساة الفلسطينية، ضمن السياق العام لعدوان الامبريالية ونهج الليبرالية الجديدة العولمي للهيمنة الكونية. يهيب بارود بالسياسيين والمثقفين الفلسطينيين الاضطلاع بالدور الغرامشي للمثقف "ناقل الوعي"، والتخلي عن دور استجداء العطف على الضحية. من مآثر غسان كنفاني التي ينقلها بارود تأكيده أن "الشعب الفلسطيني ليسوا بهائم داخل حديقة حيوانات، بل امة ذات رسالة سياسية تتماهى مع رسائل التحرر الاجتماعي والسياسي لشعوب المعمورة. تكشفت الامبريالية الأميركية عن قرصان دولي مارس العولمة نهبا ضاريا لثروات الشعوب وثمار عملها . كما تكشفت ليبراليتها الجديدة عن اداة رأسمالية الاحتكارات عابرة الجنسية لإفقار الشعوب واابتزازها وحرمانها من فرص العمل فتضطر الى الهجرة، موجات من البشر متتالية يبتلعهم البحر مخاطرين بالأرواح في عرض البحر . الامبريالية الأميركية تمارس في العالم ما تمارسه إسرائيل في فلسطين، وهي تمنى بالهزائم وتتخلف في مضمار الإقتصاد والقدرات العسكرية النسبية، وتتطلع دول العالم الى الخلاص من هيمنتها المطلقة، وتغيير النظام الدولي بأجمعه.
.وضع تشومسكي اما الشعب الفلسطيني مثالا من تجربته: "إن أحداث أيار 2021 وما تحقق خلالها من وحدة بين الفصائل تغير إيجابي نظرا لكون الخلاف بين حماس ومنظمة التحرير ، ان لم يجد حلا يقدم هدية عظيمة لإسرائيل". ولهذا نجد إسرائيل تمعن في فصل غزة عن الضفة. الوحدة الوطنية تجربة ملهمة مر بها العديد من شعوب العالم ؛ وشعب فلسطين قادر على الإدراك الدقيق والمقاومة ، وفي النهاية الفوز بحريته كجزء من كفاح عظيم من أجل العدالة والتحرر في العالم كله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. شبكة -أي بي سي- عن مسؤول أميركي: إسرائيل أصابت موقعا


.. وزراءُ خارجية دول مجموعة السبع المجتمعون في إيطاليا يتفقون




.. النيران تستعر بين إسرائيل وحزب الله.. فهل يصبح لبنان ساحة ال


.. عاجل.. إغلاق المجال الجوي الإيراني أمام الجميع باستثناء القو




.. بينهم نساء ومسنون.. العثور جثامين نحو 30 شهيد مدفونين في مشف