الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللقالق تخلت عن زيارة بغداد

محمد رضا عباس

2022 / 7 / 9
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


بغداد كانت جميلة , امينة , نظيفة, منضمة , مفعمة بالحيوية والنشاط في سنوات الصبا والشباب من عمري . في الربيع , بعد شتاء قصير, تملئ رائحة القداح اجوائها , فيما يقف بائع الكوجه (الجقيل) مع طبقه المحفوف بالورد الجوري وسط الحارة والأطفال من حوله يقضمون الجقيل وحركة وجوههم تخبرك عن شدة حموضة ما يأكلون . وفي وقت الغروب تغطي قطعان الغربان السماء وهم يعودون الى اعشاشهم , ومع اقتراب الخريف تمر في المساء أفواج طيور "أبو الخضير" , وهو طير اخضر اكبر من العصفور تملئ السماء بهجة . وفي المساء أيضا , واذا كنت قرب جامع مع مآذنه او بناء عالي سوف تسمع صوت صاخب مثل ضرب مطرقة ( جاكوج) على خشبه , انه صوت اللقلق الأبيض ,او الأبيض والأسود . هذا اللقلق تعود زيارة بغداد كل عام , واصبح منظر عشه الضخم منظرا عاديا لأبناء مدنها , فقد احبهم واحبوه , خاصة وان هذا الطائر الوقور قد اختار المآذن العالية عش له . في مدينة الكاظمية كان عشه المميز مأذنة الامامين الجوادين , ومأذنة جامع فتاح باشا , ومناطق أخرى من المدينة . غذاء هذا الطير الذي يحمل رمز سعادة بوصول مولود جديد للعائلة , هو الضفادع والأسماك الصغيرة التي يلتقطها من السواقي المنتشرة في بساتين مدينة الكاظمية ولاسيما بستان العجمي والذي أصبح مقر لمديرية الامن . مركز هذا الطائر الانيق هو شمال اروبا ولكن يغادرها في فصل الشتاء الى افريقيا الاستوائية و أجزاء من الشرق الأوسط وشبه القارة الهندية . هذا الطير المتميز بالطول ورشاقة السيقان النحيفة يختلف مع علماء الدين في النجف الاشرف والازهر الشريف في قضية تعدد الزوجات , حيث يستقر هذا الطائر على زوجة واحدة حتى الموت.
في سفراتي المتعددة الى مدينتي التي احببتها بعد التغيير لم أرى هذا الطائر المحبوب لا على مأذنة ولا على شجرة عالية , لقد هجر هذا الطائر بغداد التي احبته واحبها لأسباب عدة , منها انخفاض في مساحة الأراضي الزراعية في بغداد ومن حولها , كثرة التفجيرات التي عاشتها بغداد بعد التغيير , حيث ان من المشهور ان الطيور تترك اعشاشها مع كل دوي صوت , فكيف وان أصوات المتفجرات لم ينقطع لعقود من الزمن في بغداد؟ والأكثر مأساوية اصبح هذا الطائر وبقية الفصائل الأخرى من الطيور هدف يتمرن عليه الشباب الطائش بأسلحتهم . وكيف يتوقع الحب و السلام لطائر جاء من بعيد الى ارض مات فيها السلام . بكلام اخر اصبح لا صديق لهذا الطائر الجميل في بغداد . لقد هجرها بعد ان شاهد اخوه طائر النحام ( الفلامنكو) مكسور الرجل و الجناح يباع في سواق بغداد من اجل (الثريد). الغريب ان هذا الطائر الخلاب كان يباع في الأسواق تحت انظار أجهزة الامن , في الوقت الذي يصبح يوم وصول هذه الطيور الوردية الشكل يوم عيد تبتهج به الاخبار المحلية في الدول المتقدمة , ويصبح محل تواجدها قبلة للزائرين.
التعامل مع الطيور المهاجرة يقسم العالم الى عالم متحضر وعالم غير متحضر, عالم غني وعالم فقير, عالم يحترم الطبيعة ويستخدمها من اجل رفاهيته وسعادته وعالم ينظر الى الطبيعة مصدر سد جوعه مع عدم التفكير بان عدم العناية بالطبيعة يعني نقص عطاءها في الأعوام القادمة , تماما مثل ما يقوم الفيل بأسقاط كل شجرة تقف امامه من اجل اكل بعض اجزائها ولكن بمرور الزمن لا يجد ما يتغذى عليه . ولهذا السبب في القوانين في الدول الصناعية تسمح باصطياد عدد محدود من الأسماك من الأنهار و البحيرات الداخلية خوفا من القضاء عليها . ولا يجوز قطع شجرة في غابة الا بعد زراعة غيرها. في العراق , مع كل الأسف , أصبحت الحيوانات البرية مصدر دخل من لا له دخل , والشاهد على ذلك سوق الغزل في بغداد , والذي يعرض فيه بعض الأوقات حيوانات برية بعضها على لائحة الانقراض و الحكومة تنظر ولا تكترث .
رجوعا الى صلب موضوعنا , اللقلق . المجتمعات المتقدمة تتعاطف وتحب الطيور المهاجرة لأن عودتها تعبر حبها للمكان المضيف لها , بعد سفر طويل بعضها يقطع الاف الاميال . انهم يهاجرون بالوقت المحدد بدون استخدام رزنامة , ويطيرون بمسافات طويلة ربما لا يصل لها احدث التليفونات . انهم يطيرون لأيام بدون توقف . قبل بدء رحاله يبني الطائر بدنه ليستطيع تحمل السفر البعيد , والتحضير للسفر يبدئ مع بعض العلامات مثل تغير في عدد ساعات ضياء اليوم , حرارة الجو, المطر , وفرة الطعام , وضياء القمر. وكيف يشق الطائر طريقه وهو ينتقل من قارة الى أخرى بدون خرائط و بوصلة؟ العلماء يقولون ان الطيور المهاجرة تطير على أساس موقع الشمس , النجوم, والمغناطيسية الأرضية , فيما يقول بعض العلماء الروائح ولكنهم غير متأكدين عن نوع هذه الروائح هل هي رائحة البحر ,الخضروات او حتى التلوث في الجو. وكيف تنام الطيور في هجرتها الطويلة جدا ؟ بعض الطيور المهاجرة تتوقف بعض الوقت لأجل الراحة والطعام . اخرون يطيرون لأيام , فوق البحيرات , المحيطات , السلاسل الجبلية, والقارات بدون توقف . العلماء يعرفون انه من الممكن لبعض الطيور النوم وهم يحلقون في الجو , ولكن غير متفقون على طول الفترة الزمنية للنوام . بعض ادمغة الطيور ينقسم الى قسمين , بينما يأخذ الجزء الأول كفايته من النوم , يقوم الجزء الاخر بالسيطرة على الطيران مع عين مفتحة واحدة . هذا مع العلم ان بعض الطيور المهاجرة لا تنام خلال رحلتها على الاطلاق , حيث وجد الخبراء ان تأثير عدم نوم الطيور لأيام طويلة اقل من تأثيراتها على البشر.
لا اجد ما انصح به الحكومة العراقية على العمل في تسهيل عودة اللقلق الأبيض الى بغداد وبعض المناطق الأخرى, لان فوق عدم اكتراثها بالبرية ,وقف عامل اخر ضد الطائر الأبيض وهو الانحباس الحراري الذي جفف المستنقعات والجداول والبحيرات , ومن يعلم ربما يجف نهري دجلة والفرات في قادم الأيام . الدولة التي لا تستطع توفير الطاقة الكهربائية وهي تسبح على بحر من نفط لا رجاء من مطالبتها ان توفر الظروف المناسبة للطائر الأبيض , والدولة التي تتحكم العشيرة بمقدراتها وبأمنها ومدنها لا يرجى منها حماية الطير من "الهجوم العشائري", والدولة التي يفتقر اكثر من 50% من شعبها امتلاك متر واحد فيها , لا يرجى منها تخصيص مساحة خضراء في وسطها بركة ماء لطائر يحل ضيف عليها أربعة اشهر فقط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على الحرب في غزة تتحول لأزم


.. هجمات الحوثيين في البحر الأحمر تعود إلى الواجهة من جديد بعد




.. التصعيد متواصل بين حزب الله وإسرائيل.. وتل أبيب تتحدث عن منط


.. الجيش الروسي يحاول تعزيز سيطرته على شرق أوكرانيا قبيل وصول ا




.. مع القضم الإستراتيجي والتقدم البطيء كيف تتوسع إسرائيل جغرافي