الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإستبداد السياسي .

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2022 / 7 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


الاستبداد السياسي / Le despotisme et la tyrannie politique
المستبد الطاغية – Le despote / Le tyran
هناك كثير من الدوافع جعلتني اليوم كالأمس ، افكر في كتابة هذا الموضوع ، ليس فقط بسبب ما تعرفه الدولة السلطانية من نقاش وتجادب لا طراف الحديث ، بين الرعايا اجمعين وليس فقط بين المثقفين ، والمهتمين ، والمشتغلين بالشأن العام ، حول الاشاعات الرائجة هنا وهناك حول صحة الملك المتدهورة ، وحول غيابه الذي طال اكثر من اللزوم دون توضيحات السبب في ذلك ، هل السبب يرجع الى مرض السلطان ، ام يرجع الى أسباب أخرى لا يعلم بها ولا يحقها غير المقربون جدا ، وأولوا الابصار الذين لا تخفى عليهم خافية .. ناهيك عن الاشاعات المتداولة هنا وهناك حول ( صراع ) مفترض عن خليفة العرش . ونحن نجزم ان لا صراع حاصل بين افراد العائلة الحاكمة ، وانّ الجميع متشبث بالدستور الواضحة نصوصه .. وإنّ أي خروج عن مقتضيات الدستور لتنظيم انقلاب ناعم من طرف من يسبح في البرك الآسنة ، سيكون له الجيش بالمرصاد .. فوفاء الجيش هو وفاء للنظام ، ووفاء اعمى للسلطان ، وللدولة السلطانية . أيْ ان عقيدته علوية دستورية لن تسمح باي تجاوزات او سيناريوهات ، يفكر البعض في لعبها للحيلولة دون الانتقام القادم ، وتصفية الحسابات ، والتغطية على الجرائم المختلفة التي ارتكبوها ، باستعمال أجهزة الدولة في الاعتداء على الناس ظلما ، وتزوير المحاضر البوليسية لرمي المعارضين السلميين ، الذين يعارضون بالريشة والقلم ضد فساد هذه الطغمة ، التي أصبحت مصالحها ، واصبح وضعها مهدد اليوم قبل الغد . ولنطرح عليهم السؤال . من اين لك هذا ؟ حتى تظهر سريعا سرقات أموال الشعب المفقر ، الذي اصبح يمارس التسول في واضحة النهار، ومن دون حشمة ..
فما يروج عن الصراعات داخل القصر، ولعلعة الرصاص داخله ، وان المفتش العام للجيش عبد الفتاح الوراق اجتمع بقادة الجيش ، وان صراعا يدور مع البوليس السياسي بقيادة المدعو عبد اللطيف الحموشي ، ورئيسه المدعو فؤاد الهمة لا أساس لها من الصحة ، ثم ان الجنرال عبد الفتاح الوراق لم يعد هو المفتش العام للجيش ، لقد تم اعفاءه من هذا المنصب منذ اكثر من سنة ، وحل محله الجنرال بلخير الفاروق .. .. هي اشاعات لبث البلبلة ، وتضبيب الواقع بالخرافات التي افتضحت منذ أولها .. وعندما يكون الدستور واضحا ، فالجيش الضامن للنظام العام وللاستقرار ، والضامن لوحدة التراب الوطني ، ولوحدة الشعب ، سيتحرك بما يفرضه الواجب ، ويفرضه الامر اليومي ، ويفرضه القسم الذي اداه ضباطه عند تخرجهم من مختلف المدارس العسكرية ... وكيفما كان الحال فالمحاكمات بسبب المظالم قادمة ومنتظرة .. ومن دونها قد يتطور الوضع نحو الاستفحال ، ونحو مأزق الازمة التي تتطلب هزة Un choc للملمتها بنتائج ستكون كارثية ..
إذن . ان ما دفعني لكتابة هذا الموضوع ، ليس فقط ما يعرفه الحقل السياسي من اشاعات حول صحة السلطان ، وحول الخليفة المنتظر ، و ( الصراع ) الدائر بين افراد الاسرة الحاكمة حول من تتوفر فيه شروط خلافة العرش ، وما يصاحب هذا الجدل ( السياسي ) من حملات إعلامية مغرضة ، ذات طبيعة ديماغوجية او تكتيكية ، وهي الغالبة والرائجة على كل المستويات والاصعدة ، ولكن المتتبع للأمور يلاحظ انه وسط هذه الأجواء الدعائية ، هناك أصوات رزينة عاقلة ، ومواقف تنبعث من نداء الضمير الحر ، وتنطلق من الصفاء المبدئي ، والنزاهة الفكرية ، والمصداقية السياسية .. مواقف لم تسقط الى مستوى الخساسة في التشفي في المرض الذي قد يصيب أي انسان ..
لكن بين هذا وذاك ، نرى ان الاستبداد السياسي لا يزال قابعا ، متأبطا آخر الوسائل التقنية الحديثة في ممارسة القمع والإرهاب ، والمصادرة بأبشع صورها الوحشية ، المرضية ، الصادية ، والبدائية التي كانت معروفة منذ ما قبل التاريخ ..
-- فما هي تجليات هذا الاستبداد السياسي ؟
-- وما هي مجالاته ومستوياته ؟
-- ونحن كدولة ( مسلمة ) نعيش في مجتمع ( مسلم ) نطرح السؤال عن ما موقف الإسلام منه ؟
الاستبداد معناه استعمال السلطة والقوة من طرف حاكم ، او زعيم ، او قائد ، لفرض رأي معين على الناس ، ومنع الاخرين من التفكير المخالف ، او المعارض ، او المضاد .
والمستبد هو شخص في موقع الحكم او المسؤولية ، يمنع حرية التعبير ، ويصادر كل الحريات ، والحقوق ، والممارسات الديمقراطية ، باسم المحافظة على الامن العام والخاص ، والاستقرار ، والنظام العام ، وهو الذي يعيث فيهم خرابا وفسادا .
الاستبداد في العمق ، هو سلوك سياسي يتسلح بالسلطة ، وبأدوات القمع المادية والمعنوية ، ويتحصن بالإيديولوجيا والديماغوجية ، وبالحفاظ على التقاليد المرعية باسم الخصوصية ، التي يستغلها الحاكم المستبد ضد دعاة الديمقراطية الرافضين لهذه الخصوصية الغير مدونة في الدستور المنزل ، ويعالجها الدستور العرفي الغير مكتوب المسمى بعقد ( البيعة ) . وهنا فان المستبد الطاغية الذي يلغي كل شيء جميل في هذا البلد الجميل لا يتردد في شكل كاريكاتوري مفضوح ، يتمسح بمسوح الديمقراطية والدفاع عن حقوق الانسان .. فيالها من مفارقة مكيافيلية غريبة تجدها فقط عند الاباطرة وعند السلاطين . فنمط الدولة الإمبراطورية نسخته طبق الأصل ، هي الدولة السلطانية التي يوجد فيها شخص السلطان لوحده ، وكل ما عداه هو مِلك له ، لأنه هو الدولة السلطانية ، والدولة هي السلطان .
ان الاستبداد يتجلى في عدة صور ومشاهد منها :
استبداد الحاكم ، وهو أوضح واقوى مظاهر واشكال الاستبداد في المجتمع ، لأن الحاكم هو الشخص الذي يسيطر على كل الوسائل والأجهزة التي تجعل منه مستبدا بامتياز ، كأجهزة البوليس السياسي ، والأجهزة الرديفة لهذا البوليس الفاشي كالجهاز السلطوي L’appareil autoritaire
، بالإضافة الى تحكمه في بقية السلط التي بها يتم قهر العباد ، كسلطة القانون ، حق التشريع والقضاء ، ناهيك عن وسائل الضغط الأخرى ، كالتعليم ، والاعلام ، والثقافة وغيرها . وان كانت كل هذه الأمور يجب ان تستخدم في حقيقة الامر لمصلحة الشعب لا ضده ، و ليس لمصلحة الفرد كيفما كان وضعه او على شأنه .
وهنا يطرح السؤال : هل الاستبداد يرتبط بالضرورة بامتلاك السلطة ، سلطة الجبر ، والقهر ، وامتلاك حد السيف ، ووسائل القوة المادية والمعنوية ، أم انه حالة نفسية وسلوك اجتماعي يمارسه الفرد في علاقاته بالناس ، سواء كانت عنده السلطة والقوة وبيده السيف ، ام لا ؟
في الحقيقة ان الاستبداد نزعة نفسية تنشأ عند الفرد ، فيمارسها في الواقع بشكل نسبي حسب الوسائل التي يملكها ، وحسب موازين القوة والضعف التي يقدرها في علاقته بالأشخاص والاوساط . إذن فالاستبداد في الأصل حالة مرضية ونزعة نفسية ( مثلا نيرون الذي احرق روما ) يمارسها الفرد بحسب ما تأتى له من إمكانات وظروف .
والمستبد قد يكون انسانا ضعيفا ، وقد يكون انسانا قويا ، وقد يكون انسانا ذكيا ، وقد يكون انسانا بليدا سطلا غبيا . لكن الذي ينبغي الاّ ننساه ، ان الظروف الاجتماعية والبشرية ، تعتبر عاملا من العوامل المساعدة في صناعة المستبدين الطغاة . والذي يتحكم في ذلك هو درجة الوعي الفكري والسياسي ، والحالة النفسية للأفراد والشعوب ، بمحتوياتها الإيمانية ، والأدبية ، والمعنوية .
فالمستبد يمارس استبداده بشكل اقوى وأعنف ، كلما تحقق له شرطان متداخلان : فكلما امتلك مزيدا من أسباب القوة ، كلما ازداد استبدادا وفسادا وعُلواً في الأرض ، وكلما وجد استعداد الناس وتقبلهم لاستبداده بحكم ضعفهم الفكري والنفسي ، واستسلامهم الواقعي ، كلما طغى وتجبر واستعلى ، الى ان يصل الى الحالة التي يقول فيها ( أنا ربكم الأعلى ) . وهذا هو الموقف الذي سجله القرآن في حق فرعون مصر البسيكوباطي .
إذن فالمستبد هو الشخص الذي يخاف ويخشى من أفكار الاخرين ، ليس لأنها خطأ ، ولكن لأنها لا توافق هواه الحيواني ، فيحاربها ويحارب أصحابها ، ويريد فقط لأفكاره وآراءه ان تسود وتنتشر . وهو بهذا الوصف ، انسان منهزم فكريا ، ضعيف نفسيا ، ويريد ان يعوض ذلك بإطلاق العنان لجسده المختل ، وبطش بولسه ومخابراته المريضة ، ليعيثوا في الأرض في حق العباد قهرا وظلما ..
ولقد لخص القرآن كل هذه الحالات ، في تصويره الرائع للمشهد الفرعوني ، وذلك من خلال سورة القصص : ( إن فرعون علا في الأرض ، وجعل أهلها شيعا ، يستضعف طائفة منهم ، يذبح ابنائهم ، ويستحيي نساءهم ، انه من المفسدين ) ..
وكذلك قول القرآن عن فرعون وقومه : ( فاسْتخفّ قومه فأطاعوه ، انهم كانوا قوما فاسقين ) .. هكذا نرى ان استضعاف الشعوب هو من نتائج الاستبداد الذي يؤدي الى الفساد في الأرض ، ولكن يجب ان نعترف ان المستضعفين الذين لا يقدرون على قول الحق في الوقت المناسب ، ويسايرون الحكام الطغاة في كل صالح وطالح ، يساهمون في صناعة الطواغيت .
ويلحق باستبداد الحاكم الطاغية المستبد ، كل رموزه وأعوانه كالبوليس السياسي ، والجهاز السلطوي ، والعامل ، والقايد ، و( الكوميسير ) العميد Le commissaire politique ، ولمْخازنية Les maghzens ...... وغيرهم من الذين يشاركونه في الظلم وفي الاعتداء على الناس ، وفي الاستفراد بالثروة ، والنفود ، والجاه ، والمال ...
ومن التجليات الأخرى للاستبداد التي يعرفها المجتمع ، استبداد الزوج في الاسرة ، والزعيم في الحزب ، والقائد او الرئيس في الجمعية او الجماعة ، والمسؤول في الإدارة ، والأستاذ في القسم .
والخلاصة ان الاستبداد هو رديف الظلم ، ونقيض العدل ، وهكذا تسقط مقولة " المستبد العادل " Le despote éclairé ، لان الاستبداد والعدل ، نقيضان لا يلتقيان ، بينهما برزخ لا يبغيان ، والله امر بالعدل : ( ان الله يأمر بالعدل والإحسان ، وإيتاء ذي القربى ، وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي ، يعظكم لعلكم تذكّرون ) ( النحل 90 ) ..
ومرة أخرى لن تكون هناك جمهورية ، لان الجمهوريين التنظيميين الحقيقيين غير موجودين ، والرعايا غارقة في الجهل والامية ، هناك جماعة حمقى بارعة فقط في السب والقدف في اعراض الناس . ولن تكون هناك ملكية برلمانية اوربية ، لان دعاتها قلة قليلة تحسب على رؤوس الاصابع ، وقدر المغرب مرهون بين استمرار النظام كنظام مخزني بتغييرات نسبية لامتصاص الغضب ، واطفاء الاحتجاج ، كما كان الحال بالنسبة للتعديل الدستوري الذي اطفأ لهيب حركة 20 فبراير قبل وصوله نقطة اللاّعودة ، حيث يصبح الضبط لإرجاع الأوضاع الى سابقها من الصعوبة بمكان ..
وقد تنتشر الفتنة والفوضى ، بدواعي وتحريضات سياسية ، لكن ان امتد اللهيب ، الى الأقاليم الجنوبية سيصبح السيطرة على الوضع من الصعوبة بمكان ، لان ما سيجري سيكون مراقبا من قبل الأمم المتحدة ، ومن قبل مجلس الامن ، والاتحادات القارية كالاتحاد الأوربي ، والاتحاد الافريقي .. فاطلاق الجيش النار على المتظاهرين سيكون انتحارا داخليا ، وانتحارا دوليا ، أي خارجيا .. لكن هذه الفرضية تبقى احتمالا لكن دون استبعاد حصولها ولو في حدودها الدنيا ..
ان الدولة ستستمر كما هي بكل سهولة وبكل اطمئنان ، لكن هذا لا يعني ان الحسن الثالث يكون قد ضمن المُلك ، ويكون قد نجح في غلق كل أبواب الاخطار المحدقة بالنظام .. فإذا لم يحدث تغييرا لصالح ديمقراطية نسبية تساوي بين الحقوق وبين الحفاظ على الدولة من مخططات الاتجاهات الفاشية ، فان ما يسمى بالاستقرار سيكون وقتيا ، لان الازمة ضاربة اطنابها ، وسيبقى النظام مفتوحا على جميع السيناريوهات ، بما فيها اندلاع ثورة للجياع الله وحده قد يكون عالما بنهايتها .. ان المدخل لاستقرار الدولة والحفاظ على النظام ، مدخله القطع مع كل اشكال الاستبداد السياسي ، والاقتصادي ، والاجتماعي .. وان المثل الذي سيطمئن الرعايا للالتفاف وراء السلطان الحسن الثالث مدخله :
1 ) الانتقام من الاضرار التي تكون قد اصابت الأمير الحسن ، واصابت اخته ...
2 ) الشروع في محاكمة المسؤولين عن البوليس السياسي ، ووزارة الداخلية كجهاز سلطوي ، عن خروقات حقوق الانسان ، وعن الاعتداءات التي طالت المواطنين الأبرياء ، وعن المحاضر البوليسية المزورة لرمي الناس البريئين في سجون السلطان وباسم السلطان ... ان الجرائم التي قام بها هؤلاء في حق الناس هي من صنف الجنايات ، وليست من صنف الجنح .. فلا يجب ان تمر مرور الكرام .. ولن تمر هذه المرة . فلا صلح ولا جبر الضرر ... الحل المحاكمات مع التتريك .. من اين لك هذا ؟ أجب ْ ..
اما إذا سار الأمير على هدى وطريقة محمد السادس ، ببناء أجهزة استبدادية على حساب التنمية السياسية ، والاقتصادية والاجتماعية ، فمصير الدولة سيكون السقوط كما يتراءى الآن . ان المغرب مهدد من قبل دول خارجية ، تبحث عن تقسيم ترابه وتقسيم شعبه ... واي خطأ بالنسبة للظرف الخطير الذي نوجد فيه ممنوع منعا كليا .. سيكون تقديم خدمة وبالمجان لدعاة تفتيت المغرب وتقسيمه .. وتسهيل سقوطه الذي سيشجعه حتى الاتحاد الأوربي ، وواشنطن الذين يركزون على الديمقراطية وحقوق الانسان ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي


.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض




.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا


.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24




.. وضع كارثي في غزة ومناشدات دولية لثني إسرائيل عن اجتياح رفح