الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بصدد الموقف من جبهة النضال الاجتماعي

وديع السرغيني

2022 / 7 / 11
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


وهي واجهة من واجهات النضال الاجتماعي المهمة في اللحظة الحالية، بل هي واجهة من واجهات الصراع الطبقي الذي يخوضه فقراء وكادحو شعبنا.. واجهة لا بد عليها أن تملي على جميع التقدميين والديمقراطيين المغاربة أجمعين مهمة الارتباط والانخراط، بدون تردد، في صفوفها، والدعوة والتعبئة للمشاركة في جميع محطاتها ومعاركها وأشكالها النضالية، المحلية والوطنية.
فأن ينخرط اليسار المغربي بجميع مكوناته في النضال على هذه الواجهة، فذلك من طبيعته ومسؤوليته وواجبه، وإلاّ لما كان يسارا يستحق هذا اللقب وهذه المكانة.. الحال أننا بصدد الكلام عن اليسار الاشتراكي الأصيل الذي رأى النور مع مطلع القرن التاسع عشر، ارتباطا بتجربة البرلمان الفرنسي وقتها، حيث كانت الفئات السياسية المعارضة لسياسة الحكومة البرجوازية تجلس على يسار منصة رئيس البرلمان، عكس ممثلي الحكومة ومن يدافع عنها، وعن سياساتها وقراراتها، الذين كانوا جميعهم جالسين على اليمين. أي أن اليسار، ومنذ نشأته الأولى، كان معارضا راديكاليا للسياسات البرجوازية، ومناضلا من أجل التغيير الاشتراكي. وبالتالي فنحن واضحون انطلاقا من هذا التحديد، وملتزمون ومخلصون أشد الإخلاص لإرثنا وتراثنا الماركسي، علاقة بهكذا مفاهيم، من هذا الحجم الذي يفترض الوضوح، ولا يقبل بالانجراف نحو متاهات فكرية بعيدة، ومناقضة للمذهب الماركسي الاشتراكي.
فإذا كان المقصود من هذه الورقة المقدمة بقلم "معاد الجحري" حول "الجبهة الاجتماعية المغربية" هو تطوير للأداء النضالي على هذه الواجهة، وفتح واسع للنقاش، والتفاعل سعيا لهذه الغاية، فنحن مستعدون كل الاستعداد لهذه المهمة.. أما وأن يتحول النقاش لمجرد تسول، واستجداء أطراف سياسية رجعية، طلبا لالتحاقها أو انخراطها في هياكل الجبهة الاجتماعية.. فتلك هي الانتهازية اليمينية، وذلك هو الركوب المفضوح على الملفات الاجتماعية لجماهير شعبنا، الواجب فضحه ونسفه.. على اعتبار أن هذه المحاولة ليست سوى محاولة حقيرة، الغرض منها تحقيق مآرب ذاتية وتجريبية لوجهات نظر حولاء، تدّعي الفهم السديد لكيفية معالجة التناقضات داخل الأوساط الشعبية، ضدا على التصور الماركسي واللينيني في هذا المجال.
لقد تبيّن بوضوح من خلال سلسلة من الإشارات والمقالات والمداخلات، أن هدف بعض الرفاق من هذا اليسار المهزوم والكسيح، ليس هو تطوير نضال وفعالية الحركة الاحتجاجية، بقدر أن ما يهمهم بالدرجة الأولى هو وضع اليسار المناضل وسط هذه الحركة الذي يلزمه، حسب وجهة نظرهم الانهزامية، التطبيع والانفتاح والتنسيق مع طابور القوى الرجعية والظلامية ورأس رمحها "جماعة العدل والاحسان".. وهو عكس شعار اليسار الحقيقي والمبدئي، الذي كان ومنذ اللحظات الأولى لتشكله، هو النضال من أجل الإطاحة بالرأسمالية وإقامة الاشتراكية محلها، اختلفت مكوناته حول السبيل والطريقة للوصول لهذه الأهداف، ليطرح حينها السؤال التالي، هل يتحقق التغيير المنشود بالطريقة الثورية، أي عبر التدمير الجذري للرأسمالية.. أم تتم العملية بطريقة سلمية عبر مراكمة الإصلاحات والتحسينات لمصلحة الشعب.؟
وجوابا على هذا السؤال انشطر اليسار إلى اتجاهين، اتجاه ثوري راديكالي واتجاه إصلاحي، يشكلان معا حجر الأساس والعمود الفقري للحركة الديمقراطية والتقدمية في الساحة المغربية، ومعنيان مباشرة بتجربة "الجبهة الاجتماعية" وبهياكلها وخطواتها النضالية.. فـ"الجبهة" إذن مرتبطة نظريا وعمليا باليسار وتطلعات اليسار، الذي تسعى جميع مكوناته للمساهمة في التغيير وبناء الاشتراكية، كأفق لنضالها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.. وليس لها عذر، على هذا الأساس، للغياب أو التخلف عن ركب هذه "الجبهة" وما يرتبط بها من برامج ومحطات نضالية باعتبارها الجبهة اتحادا لقوى اليسار التقدمي والديمقراطي.. وجدير بالقول والتذكير أن هذه الواجهة، واجهة للنضال الاجتماعي، تتطلب في نظرنا، نوعا من الانسجام، والمبدئية، والتلقائية في الانخراط، وتبني الملفات وقضايا "الشعب" الاجتماعية.. ومن ينتظر الدعوى والاستضافة والترحيب، فلا يستحق مكانته ضمن "أصدقاء الشعب" من الأحزاب والتيارات ومختلف الفعاليات السياسية وبالعودة لموضوعنا، فالملاحظات جميعها التي قدمها الرفيق معاد حول "معيقات وإكراهات ونواقص.. "الجبهة"، صحيحة وتستدعي الوقوف والانتباه، قصد معالجتها وتداركها، عدا النقطة المرتبطة بتوسيع جلباب "الجبهة" الذي لن تنفع معه البراقع، مهما اتخذت من أشكال وقوالب وشعارات تدعي المناهضة "للمخزن"، فكيف يا ترى، وبأية طريقة يمكن أن تنجح هذه "الجبهة" في الوصول لأهدافها؟ وتجاوز إكراهاتها.. فأهم نقطة تستدعي الانتباه هي المبدئية والالتزام الذي تحتاجه "الجبهة" انطلاقا من قراراتها المعلنة وما تستوجبه من التزام وتفعيل ميداني ملموس، من طرف مكوناتها السياسية.. إذ لم يعد هناك من مبرر لإغراق "الجبهة" بمكونات شبيهة بالأشباح، التي لا تبرز سوى في لحظة التوقيعات على البيانات وتسجيل الحضور، لتختفي بعدها لحظة الفعل والتطبيق والاحتجاج "كصفر مسكين".! فحين نتغلب على هذه العقبة الكأداء نكون شرعنا في نهج الطريق الصحيح، مما سيساعدنا فعلا على الانسجام مع ما اتخذناه من قرارات ومواقف، وسيحسن من سمعتنا ووضعيتنا داخل الأوساط الشعبية، وبأن ما نتحمله ونعبر عنه من قرارات ومواقف لمصلحة "الشعب" وفي "خدمة الشعب" مبدئية على طول الخط وليست مزايدة أو نفخ في الأحجام.
فتعداد الملاحظات وتنسيقها وترتيبها بطريقة "معاد" حيلة لن تنطلي سوى على الأطفال الصغار أو المبتدئين في عالم السياسة، ملاحظات تمني النفس باستدراجنا لوصفات حزبية يمينية، غرضها الخلط، والتشويش، والمس بمواقف وهوية اليسار التقدمي والديمقراطي بالمغرب.
إنهم يمعنون، ويحاولون دون هوادة، حسب ما اكتشفوه من وصفات سحرية، لإنجاح هذه المهمة. مهمة توسيع "الجبهة" التي هي في الأصل والحقيقة كما يتصورها الرفاق من شاكلة "معاد" جبهة "لمناهضة المخزن" وليس "جبهة للنضال الاجتماعي" كما يدعون.. فلم يترك الفرصة قط قادة ومنظرو الحزب، حزب "النهج الديمقراطي"، تمر حتى يجددوا طلبهم بضرورة توسيع الجبهة لتشمل "الجماعة" في إطار مخطط فكري وسياسي انطلقت أجرأته منذ بداية الألفين، وليتم تجريبه عمليا وبطريقة أوسع بدءا من انتفاضة فبراير المجيدة وفي صفوف هياكل حركة العشرين.
وهي الحركة التي لم تحظى بأي تقييم جدي يذكر، باعتبارها تجربة سياسية جبهوية واختبار لأهم مكونات اليسار في تنسيقها الميداني مع قوى اليمين الظلامي بزعامة "الجماعة".. الآن وبعد انسحاب هذه الحثالة اليمينية من الساحة الاحتجاجية، تفتقت عبقرية المنظرين الانتهازيين في محاولة لتدارك هذا الانسحاب وتأثيراته على حجم الاحتجاجات، وصولا لهذه الطبخة العجيبة، التي يدعي أصحابها بأنها ستخرج الحركة الاحتجاجية من أزمتها، وستعيد توهجها والانتعاش لقاعدتها.. إذ لم يتأخر الرفاق في الحزب عن تجديد الدعوة "للجماعة" من أجل الالتحاق وتوسيع صفوف "الجبهة" وكسبها لمصلحة المعركة ضد "المخزن" والنضال من أجل الإطاحة بسلطته.. وبسبب هذا الانحراف وسوء التقدير تشبثوا، ولم ييأسوا أو يستسلموا بل تمادوا في تخطيطهم لهذا الغرض، ولم يستفيدوا من الانسحاب المفاجئ "للجماعة" من حركة العشرين دون إعلان أو سابق إنذار.. والحال أن أزمة الحركة الاحتجاجية هي من صلب أزمة اليسار وحركة التحرر المغربية، التي تدهورت وتفاقمت بشكل كبير، وعلى كل المستويات، الفكرية والسياسية والثقافية وكذا التنظيمية.. إلى الحد الذي أصبح فيه البعض، نموذج حزب "النهج الديمقراطي"، يستنجد بقوى رجعية يمينية لشد عضده خلال معاركه النضالية والاحتجاجية المرتبطة بالنضال ضد الأوضاع الاجتماعية المتدهورة، وبأوضاع الجامعة والنضال الطلابي، وبمعارك التمثيلية النقابية وسط الأساتذة الجامعيين، ووسط هيئات النصرة والدعم للقضية الفلسطينية، ونضال الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه الثابتة في العودة وإقامة دولته الديمقراطية والعلمانية فوق كامل التراب الفلسطيني.. نموذج سيء لا يجب الاحتداء به.
فحين نعترف، ونقرّ بأن جميع المبادرات الاحتجاجية أو جلها، تمت من فوق، بما يعني أنها وقفات منظمة وواعية، وليست بالعفوية، وهو إجراء عادي لا يعارض الطبيعة النضالية للحركة الاحتجاجية، خصوصا في الشروط الحالية التي يعيشها اليسار المغربي التقدمي بجميع مكوناته، ارتباطا بمستوى الوعي في صفوف الحركة الاحتجاجية واستعداد قواعدها للنضال بدون هوادة، من أجل مطالبها والحفاظ على مكتسباتها لتصبح حينها مثل هذه المزايدات البئيسة دون معنى وخارجة عن الموضوع والسياق.. لأننا أصلا بصدد الالتزام والتشبث بالمبادئ، إذا كنا فعلا نؤمن بأن جميع الإطارات الجماهيرية وشبه الجماهيرية ملزمة بتوفرها على مبادئ تؤطرها وتحميها من التجاوزات والانحرافات، ولسنا بالتالي بصدد الاختيار البليد، أمن فوق أو من تحت..؟!
في الوقت الذي يعلم الجميع، وعن اقتناع، أن "الجبهة" كإطار منظم للنضال، تـَشكـّل أصلا بقرار وتشاور من فوق.. أي من المناضلين التقدميين والديمقراطيين المبدئيين، علاقتهم بـ"التحت" تستوجب الإخلاص، والتفاني، والتعبئة المستمرة، والتوعية، والتنظيم..الخ قصد خوض المزيد من النضال وتحسين أوضاع الفقراء من المواطنين وحماية قدراتهم الشرائية.
وبصدد ملاحظاتكم عن حجم الوقفات والمسيرات، المحلية والوطنية التي وصفت بالضعيفة، وهي حقيقة لن يتناطح حولها عنزان، لكنها معضلة لن تحلها بتاتا "الجماعة"، وكافة الجماعات التي يراهن عنها البعض، هذه "الجماعات" التي تراجع تأثيرها الجماهيري بعد تقهقر حجمها ونفوذها بشكل ملموس وجلي، خلال العشر سنوات الأخيرة، جرّاء صمتها وسكوتها التام عن تدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين، واكتفائها بتسجيل الحضور الباهت والتمثيلية الرمزية خلال وقفات الدعم والتضامن مع الشعب الفلسطيني.. وفقط.
فنحن نعترض كما يعترض جميع التقدميين المبدئيين والصادقين، عن انضمام التيارات الرجعية والظلامية لصفوف هذا الإطار الفتي، يعني "الجبهة الاجتماعية المناهضة للغلاء وتدهور الخدمات الاجتماعية"، ليس بسبب ما ادعاه الرفيق زورا وافتراءا، أي بسبب من الخلافات السياسية بين عموم التقدميين والديمقراطيين وهذه القوى الرجعية والظلامية.. بل يسبب الهوة العميقة التي تبعدنا حقا عن هذه التيارات، هوة فكرية وسياسية وقيمية تفصل بيننا كتيارات تقدمية متشبعة بالديمقراطية، ومؤمنة أشد الإيمان بالحق في الاختلاف، تيارات منفتحة على جميع الأفكار التقدمية المناصرة للفكر العلمي وأبحاثه واكتشافاته ونظرياته، ولأننا تيارات تحررية ومدافعة شرسة عن الاشتراكية كأفق، وكخيار وحيد يمكنه القضاء عن الفقر والبؤس والحرمان والاستغلال والاستبداد.. يعني أننا تيارات مناضلة من أجل القضاء على الملكية الفردية والخاصة، ومناهضة لكل من يقدس الربح والتربح عبر استغلال الآخرين، وضد كل من يقهر حرية التعبير والتدين، من عدمه.. وضد كل من يعمل على اضطهاد المرأة، واحتقارها، ووضعها في مرتبة أقل من مرتبة الرجال، وضد كل من ينكر تعدد وتنوع الثقافات وسط الشعب المغربي، ولا يعترف بالحقوق الثقافية واللغوية للأمازيغ المغاربة، وضد كل من لا يبدي التضامن مع الشعوب ومع حركاتها التحررية المناهضة للاستعمار والإمبريالية، بشكل شمولي وبعيد عن التمييز والانتقاء العنصري والإيديولوجي.. بمعنى أننا ضد كل من يمس بمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها.
لتكون هذه من أهم المواقف والنقط التي تبعدنا ليس عن هذه "الجماعة" وفقط، بل عن جميع التيارات الظلامية والسلفية، وعن حزب العدالة، وحزب الاستقلال، وحزب الاتحاد الاشتراكي، وحزب التقدم والاشتراكية، وحزب الأحرار، وحزب الحركة الشعبية.. وهي كلها تمثل إلى هذا الحد أو ذاك الخيار اللبرالي المدافع عن الرأسمال والمبرر لكوارثه الاجتماعية، حيث لا مجال لعقد التحالف أو إقامة التنسيق، الدائم أو المؤقت مع من يداهن ويجهر بحرية أخطبوط الرأسمال في الاستغلال، واضطهاد الطبقة العاملة، واستدامة الغلاء ورفع الأسعار.. عن طريق شرعنة حقه في الاستثمار والربح ومراكمة الأرباح.. ولا يتبنى التصور المدافع عن الحريات وحق الشعب المغربي في تقرير مصيره وفي اختياره للنظام السياسي والاقتصادي، الذي يحكمه ويساعده على تنمية قدراته، وبناء مستقبله باستقلال تام عن الإمبريالية، ودوائرها المالية، وبنوكها، وشركاتها الضخمة والأخطبوطية، العابرة للقارات..الخ
لهذه الأسباب نرى أن "الجبهة" لا بد أن تقتصر في تشكيلها على الأحزاب والمكونات اليسارية المعروفة في الميدان و"أرض الله واسعة للجميع". ونعنى "فدرالية اليسار" وحزب "النهج الديمقراطي" و"الحزب الاشتراكي الموحد"، إضافة لمختلف المجموعات الماركسية الصغيرة المرتبطة بالميدان.. وبهذا نضع الحد لهاته الترهات البلهاء.. التي تسعى جاهدة، حسب ادعائها توسيع وعاء "الجبهة" بغاية تمتيعها بجماهيرية أكبر، وتوسيع قاعدتها أكثر.. وهي في الحقيقة وعبر هذا التصور الانتهازي والانتفاعي لن تعمل سوى على زرع بذور الشتات، وتكريس الفوضى، وتضبيب الرؤى، والانحراف عن المبادئ والمبدئية.. عوض التأكيد على القيم والمبادئ، وعلى حث المناضلين والمناضلات، وإلزامهم بالانضباط والحضور لمثل هذه المحطات، بكل حماس ومسؤولية.
فليست النباهة، بتاتا، في الهروب إلى الأمام، على اعتبار أن اليسار لم يكن أبدا طابورا خامسا، أو زيت رخيصة تساعد على دوران عجلات التاريخ للخلف.. ولا نريد الارتباط بأية قوة تعج حنينا وتحلم بالرجوع لعصر السلف وللقرون الغابرة. فنحن نؤكد مرة أخرى على انتماءنا لحركة سياسية تقدمية وديمقراطية، تلزمنا مبادئنا على تحفيز قواعدنا، وحثها على الحضور، والاحتجاج والتظاهر، انضباطا لمواقفنا وقراراتنا النضالية.
وحيث لا يحق لأي من الفعاليات اليسارية، سواء المنظمة الحزبية أو تلك الغير مهيكلة، الغياب أو التخلف عن ساحة الاحتجاج ضد الغلاء وضد ارتفاع الأسعار، وضد الفقر والبطالة وتدهور الخدمات الاجتماعية.. تحت أي مبرر كان.. فواجب الانخراط في هذه الحركة يجب أن يصبح تلقائيا بالنسبة لجميع المناضلين التقدميين ارتباطا بمشروعنا التحرري، وحتى نصبح أكثر ارتباطا بشعبنا وبقضاياه، وتعود الثقة في مواقفنا ومبادئنا وخطنا النضالي، عوض هذا اليأس والتراخي عن إنجاز أبسط مهامنا النضالية، التي عوّضها البعض، وبدرجة أولى حزب "النهج الديمقراطي"، بالجري المحموم واللهث وراء فكرة الانقاذ والمنقذ، المهزوزة.. إذ ومنذ أواخر السبعينات ومباشرة بعد نجاح الثورة الإيرانية، تعالت العديد من الأصوات اليسارية المنهارة، مطالبة بضرورة توفر اليسار على تحالفات جديدة، تكون له سند وتحميه من بطش الدولة، وتساعده على تطوير نضاله حتى لا يبقى عاريا مجهولا، ومنعزلا عن الجماهير الشعبية.! كانت حاجتها ماسة لمظلة سياسية. فكان أن طارت المظلة سريعا من يد أصحابها المفترضين، والذين اختفوا بالتدريج عن الصف الديمقراطي التقدمي، ساجدين وراكعين للرأسمال ولوصفاته ومخططاته ولسلطة الدولة الاستبدادية القائمة.! والآن يدعونا بعض الرفاق بصوت وقلم "معاد" للرهان على مظلة جديدة، توفر لليسار الحشد المطلوب وتفك عزلته، في سابقة تكتيكية وشقلبة بهلوانية بنحو مائة وثمانين درجة عن مسار اليسار، بمواقفه ومبادئه وتطلعاته واستراتيجية. الخ
فمهما كانت التبريرات لهذا التكتيك اليميني المهزوز، فتداعياته ستكون وخيمة على جسم اليسار، وعلى آلياته الضاربة، بما فيها "الجبهة الاجتماعية".. وليس لنا من سبيل سوى النقاش والنقد والفضح حتى.. بموازاة للممارسة الميدانية، لتوسيع قاعدة الاحتجاج وكسب معركة النضال ضد الغلاء، وضد تدهور الخدمات الاجتماعية، وضد تفشي الفقر والبطالة والحرمان.. بعد أن تبيّنت حقيقة هذه المظلة الجديدة، وأهدافها في تخريب قوى اليسار وما يرتبط به من إطارات، واتحادات نقابية ومهنية وجبهات اجتماعية.. كانت البداية بالجامعة بداية التسعينات، وأعيدت الكرّة ليلة انتفاضة العشرين، ليستمر المخطط بتواطؤ مع حزب "النهج" في إطار مسعاه الدائم لتكوين أو المشاركة في تشكيل جبهة للنضال من أجل إسقاط "المخزن" تحتل فيها "الجماعة" مكانة رئيسية وأساسية.! وهذا ما لا يقبل به ديمقراطي تقدمي مبدئي وعاقل.
هذا رأينا بصدد مسار الجبهة الاجتماعية والتحالفات السياسية الممكنة واللازمة خدمة لتطوير حركتنا التحررية، ونتمنى أن نكون مخطئين في نقدنا، وتقديرنا لتاكتيكات الرفاق في حزب "النهج"، فكيفما كان الحال، فنحن متيقنين جيدا من نظافة هذا الحزب، جلـّه أو بعضه، ومن أصالة معدنه، بالرغم من بعض الشوائب والطحالب المسمومة المحيطة به، والتي لن يكون لها من مصير سوى مزبلة التاريخ، مثلها مثل العديد من سابقاتها، التي ارتبطت ببعض التقييمات والمراجعات اليمينية من قدماء اليسار الثوري المغربي، الذين انمحوا بعدها من الساحة متساقطين تباعا، مثلهم مثل أوراق الخريف.
وكملاحظة أخيرة، تفاديا لأي تأويل حول حق "الجماعة" وغيرها من الأحزاب، والجماعات والمجموعات، والتيارات.. أيا كانت أفكارها ومواقفها ومرجعيتها.. في المشاركة في العمل السياسي، أو الانخراط في الاحتجاجات الشعبية، بكل الحرية التامة.. لأننا كمناضلين تقدميين وديمقراطيين مغاربة، ومهما بلغنا من صدق ومبدئية وإخلاص، فلا نعتبر أنفسنا رقباء على الساحة بأي شكل من الأشكال.. نناقش، وننتقد، ونصارع، ونفضح.. دفاعا عن مواقفنا ومبادئنا وتصورنا.. وفي هذا السياق كان نقاشنا، وما زال، حول تدبير العمل وسط هذا الإطار الجماهيري، ضبطا لمواقفه وتصوره وخططه ومواعيد محطاته.. حتى ننجح في معاركنا ونوقف النزيف.. أما الساحة فهي ملك للجميع، بمحافظيها، ورجعييها، وتقدمييها والصراع مفتوح، ولن ينتصر إلا الصحيح.

جوان 2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السلطات الروسية تحث سكان مدينة أورينبورغ على الإخلاء بسبب ال


.. واشنطن بوست: إسرائيل تخطط للرد على طهران عبر هجمات إلكترونية




.. حولت النهار إلى ليل.. -السحابة الخارقة- تظهر في سماء الإمارا


.. وزير الخارجية السعودي: يجب وقف إطلاق النار في غزة الآن




.. حكايتي على العربية | قبة مسجد بلدة زيزون الشاهد الوحيد على ك