الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موقف اليهودية من المعاناة والشر

بوياسمين خولى
كاتب وباحث متفرغ

(Abouyasmine Khawla)

2022 / 7 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


على مدى قرون ، تصارع الحاخامات والمفكرون اليهود بخصوص إحدى أكبر الأسئلة اليهودية وهذا السؤال هو:
إذا كانت التوراة تضمن المكافأة للصالحين، فلماذا يعاني بعض الصالحين؟
إن مفهوم الثواب والعقاب هو تفسير لوجود المعاناة. و ينص العهد المبرم بين الله وشعب إسرائيل على جبل سيناء - والذي تم تفصيله في سفر التثنية - على أن المعاناة ستلحق بمجتمع إسرائيل (وربما الأفراد) عندما يتخلون عن سبيل الله. بهذا المعنى، فالثواب والعقاب ليسا حلاً لمشكلة، إنه مجرد توضيح. وفي الواقع، إنه يخلق المزيد من المشاكل. إذا كانت التوراة تضمن الأجر للصالحين فلماذا يعاني بعض الصالحين؟
كتاب أيوب :
إن كتاب أيوب مخصص لهذه المشكلة. فقد اجتاحت المأساة حياة أيوب رغم بره وورعه. ويؤكد القريبون منه، لا بد أنه أخطأ ، لكن أيوب يؤكد براءته ويشكك في عدل الله وانصافه. في النهاية، يتحدث الله إلى أيوب من قلب زوبعة رافضًا تفسير أصدقائه والقريبين منه - وبالتالي يعترف بأن الأبرار يمكن أن يتألموا وتحيط بهم المأساة- و في الأخير يوبخ الله أيوب. ويتساءل الله كيف يمكن لأيوب أن يسأل سيد كل الخليقة. يناشد كتاب أيوب أسرار الكون كرد على مشكلة المعاناة. علما أن البشر ذوو العقول المحدودة ليس في استطاعتهم فهم النهج والطرق التي يعتمدها الله في تدبير الأمور.

الأدب الحاخامي :
تم توضيح توضيح هذه الإشكالية في الأدب الحاخامي.
يقول الحاخام "ياني": "ليس في مقدورنا أن نشرح، سواء خير الأشرار أو معاناة الأبرار".
وبالمثل ، يلاحظ الباحث المعاصر "ديفيد هارتمان" أن الأدب الحاخامي غالبًا ما يتجنب الحلول اللاهوتية ، ويركز بدلاً من ذلك على استجابة الإنسان للمعاناة. وهكذا ، عندما تعرض الحاخام "أكيفا" في القرن الأول للتعذيب في نهاية حياته ، فإنه لا يتساءل لماذا هو - رجل صالح - يعاني بشدة ، وبدلاً من ذلك يدرك أنه فرصة لتحقيق الوصية المنصوص عليها في صلاة "شيما" : أن تحب الله ، "من كل قلبك وبكل روحك وبكل قوتك."
ومع ذلك ، كانت هناك شخصيات حاخامية سعت للاحتفاظ بالثواب والعقاب كتفسير للمعاناة. اقترح هؤلاء الحاخامات أن المكافأة والعقاب يتم إنزالها بحكمة - ولكن في العالم الآتي ، وليس في هذا العالم. لذلك عندما نرى الشخص الصالح يتألم ، فهذه ليست مشكلة. هو أو هي سيكافأ في الحياة القادمة. وبالمثل ، في العصور الوسطى ، قدم بعض "الكباليين" – نسبة للكبالا - فكرة التناسخ ، مما يشير إلى أن المرء قد يعاني من خطايا ارتكبت في حياة سابقة.

مقاربات القرون الوسطى:
في الواقع ، أعطى المتصوفة والفلاسفة في العصور الوسطى اهتمامًا كبيرًا لمشكلة المعاناة والشر. وقد حاول مفكرو العصور الوسطى التوفيق بين أربعة ادعاءات:
- الله خير تمامًا ؛
- الله كلي القدرة؛
- الله كلي المعرفة؛
- الشر حقيقي.
كما أشار "بايرون شيروين" (1)، أن معظم حلول العصور الوسطى لهذه المشكلة رفضت أو عدلت أحد هذه الادعاءات.
------------------
(1) كان الحاخام "بايرون لي شيروين" - Rabbi Byron Lee Sherwin - 18 1946- 2015) باحثًا ومؤلفًا يهوديًا لديه خبرة في اللاهوت والحوار بين الأديان والتصوف والأخلاق اليهودية.
----------------------
على سبيل المثال ، نفى "موسى بن ميمون" (2) أن الشر حقيقي. على حد قوله، الشرور "حرمان" ، أي مجرد نقص الخير. الأشياء التي تبدو شريرة هي نتيجة الحرمان من المعرفة والفضيلة البشرية. ويزيل هذا "الحل الفلسفي" الإله المحسن من مأزقه، لكنه على الأرجح لن يفعل الكثير لتهدئة المتألم والذي يعاني.
-------------------
(2) أبو عمران موسى بن ميمون بن عبيد الله القرطبِي (1135 - 1204 م) المشهور في الغرب باسم "ميمونيديس" ويشار إليه كذلك بلقب "رمبام" (ربي مشه بن ميمون أي الحاخام موشيه بن ميمون) واشتهر عند العرب بلقب الرئيس موسى، وكان فيلسوفا يهوديا سفارديا وأصبح من أكثر علماء التوراة اجتهادا ونفوذا في العصور الوسطى. في زمنه، كان كذلك عالم فلك وطبيبا بارزا. وُلد في قرطبة ببلاد الأندلس ، ومن هناك انتقلت عائلته سنة 1159 إلى مدينة فاس المغربية حيث درس بجامعة القرويين، ثم انتقلت سنة 1165 إلى فلسطين، واستقر في مصر آخر الأمر، وهناك عاش حتى وفاته.
----------------------
قدم "سعدية غاوون"(3) أيضًا نسخة من هذا الرد، مدعيًا أن الله يجعلنا نعاني من أجل مصلحتنا. ما نعتبره شرًا هو في الواقع مفيد.
--------------------------------
(3) سعيد بن يوسف أبو يعقوب الفيومي المشهور بـ "سعديا غاوون (268 هـ / 882م - 330هـ / 942م) حاخام وفيلسوف يهودي مصري. تأثر بالمدرسة الكلامية ومذهب المعتزلة. ودافع عن شرعية النبوة ووحدانية الله، كما رفض الإيمان بالسحرة والمنجمين. وهو أول شخصية عبرية مهمة تكتب على نطاق واسع بالعربية، ويعتبر مؤسس الأدب العربي اليهودي.
-------------------------------

لاهوت ما بعد الهولوكوست:
يعتبر حل مشكلة المعاناة والشر محور الكثير من "لاهوت" ما بعد "الهولوكوست" - المحرقة. فقد قدم بعض اللاهوتيين نسخًا مختلفة من الحلول السابقة. هكذا يؤكد "اليعازر بيركوفيتس"(4) على دور الإرادة البشرية الحرة . ويقدم "إجناز مايباوم" نموذجًا للخادم المتألم - الفكرة المقدمة في "إشعياء 53"، أن الشعب اليهودي يعاني بشكل غير مباشر من شر الآخرين. (من المثير للاهتمام أن التقليد اليهودي حاول في كثير من الأحيان أن ينأى بنفسه عن هذا المقطع بسبب أهميته للمسيحيين ، الذين يعتقدون أنه إشارة نبوية ليسوع).
-------------------------------------------------
(4) حصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة برلين . خدم في الحاخامية في برلين (1934-1939) ، في ليدز ، إنجلترا (1940-1946) ، في سيدني ، أستراليا (1946-1950) ، وفي بوسطن (1950-1958). في عام 1958 أصبح رئيسًا لقسم الفلسفة اليهودية في الكلية اللاهوتية العبرية في "سكوكي" بالولايات المتحدة . وفي سن 67 ، هاجر هو وعائلته إلى إسرائيل في عام 1976 حيث قام بالتدريس والمحاضرات حتى وفاته في عام 1992. جوهر لاهوته هو اللقاء كاجتماع حقيقي بين الله والإنسان في جبل سيناء . اللقاء متناقض من حيث أنه يتجاوز الإدراك البشري ، ومع ذلك فهو يوضح أن الله يهتم بالبشر. يعلم أنه بمجرد أن يعرف البشر أن الله يهتم بهم ، يمكنهم التصرف بطرق تسعى إلى المعنى ، وقبول المسؤولية عن أفعالهم ، والتصرف باستقامة تجاه الآخرين. وهذا يعني حفظ الوصايا والاهتمام الأخلاقي بالآخرين.
--------------------------------------------------
ويقدم "إجناز مايباوم"(5) نموذجًا للخادم المتألم - الفكرة المقدمة في إشعياء 53 أن الشعب اليهودي يعاني بشكل غير مباشر من شر الآخرين. (من المثير للاهتمام أن التقليد اليهودي حاول في كثير من الأحيان أن ينأى بنفسه عن هذا المقطع بسبب أهميته للمسيحيين ، الذين يعتقدون أنه إشارة نبوية ليسوع).
------------------------------------------------------
(5) "إجناز مايباوم" (1897 - 1976) حاخام وعالم لاهوت يهودي ليبرالي من القرن العشرين. قُتلت والدته وشقيقاته في الهولوكوست، وكان ناشطًا في الحوار بين الأديان، كما كتب عن الإسلام . له وجهة نظر مثيرة للجدل بخصوص الله بعد "أوشفيتز" – معسكر الموت النازي- إذ قال إن "معاناة اليهود في الهولوكوست كانت تكفيرًا عن خطايا بقية العالم".
--------------------------------------------------------

ومع ذلك ، قدم بعض المفكرين حلولًا جديدة جذرية للمشكلة. إذ اقترح كل من "Emil Fackenheim"(6) و " Irving Greenberg " (7) أن الهولوكوست كان حدثًا ملهمًا ، غير اليهودية. ومن المثير للاهتمام ، أن عالم اللاهوت الأكثر تطرفاً في فترة ما بعد الهولوكوست ، ريتشارد روبنشتاين ، يؤكد أن شروط العهد لا يمكن تعديلها. بما أن الهولوكوست تناقض حقيقة العهد ، ويمكننا فقط أن نستنتج شيئًا واحدًا: يجب أن يكون الله قد مات.
------------------------------
(6) فيلسوف وحاخام ألماني (1916 – 2003 )، وهو مؤلف لعدة كتب عن اليهودية ومصير الشعب اليهودي.
(7) (من مواليد 1933) ، عالم ومؤلف وحاخام أمريكي. يُعرف بتأييده القوي لإسرائيل ، ويعد مروج لفهم أكبر بين اليهودية والمسيحية.
-----------------------------------

المعاناة والشر: لماذا تحدث أمور سيئة لأناس طيبون؟
لماذا تحدث أمور سيئة لأناس طيبين؟ إذا كان الله قويًا جدًا ، فلماذا لا يمنع الله سوء الحظ؟
مسألة المعاناة والشر فريدة من نوعها، وهي من بين المشاكل اللاهوتية والفلسفية، لأنها تواجهنا بشكل شبه يومي، ولأن التاريخ اليهودي مليء بالمآسي الفردية والجماعية. ولطالما انزعج المفكرون اليهود من وجود المعاناة والشر . ولكن في العصر الحديث ، ونتيجة للهولوكوست ، فقد لعبت هذه الإشكالية دورا مركزيا في فكر جميع اللاهوتيين اليهود المعاصرين تقريبًا.

فما هي المشكلة؟
بالنسبة لليهود، مشكلة المعاناة ذات شقين: هناك مشكلة عالمية ومشكلة خاصة.
إن المشكلة الكونية هي مشكلة فلسفية. إنها ليست مشكلة لليهود فقط ، ولكن لمن يتصور الله بطريقة معينة. إن كان الله يعلم كل شيء، فالله يعلم كل شر. وإذا كان الله كلي القدرة ، فيمكن أن يمنع الله كل شر. وإذا كان الله صالحًا تمامًا ، فيجب عليه أن يمنع كل شر. ومع ذلك ، الشر موجود. فكيف يمكن أن يكون هذا سديدا؟
تاريخيًا ، لم يفصح المفكرون اليهود عن مشكلة الشر بهذه الطريقة حتى العصور الوسطى. فكان الأدب اليهودي السابق يتصور الله على أنه قوي وصالح وواسع المعرفة ، ولكن ليس بالضرورة كذلك تمامًا. كانت مشكلة المعاناة والشر الخاصة - مشكلة ناتجة عن العلاقة الفريدة بين الله واليهود - هي التي شغلت الأدب اليهودي المبكر.

وفقًا للتوراة ، فإن العهد في سيناء ، الذي وافق فيه الإسرائيليون على الالتزام بالوصايا ، أثبت أن اليهود سيُكافؤون إذا اتبعوا طريق الله. ومع ذلك ، يبدو أن المعاناة غالبًا ما يتم التخلص منها بشكل عشوائي. إن الصالحين يعانون ، والأشرار يزدهرون ويتمرغون في النعيم. فكيف يمكن التوفيق بين هذا وبين علاقة العهد بين الله واليهود؟
تُعرف مشكلة تبرأة الله ، على الرغم من وجود الشر ، بالثيوديسيا- theodicy. إنها السؤال عن كيف يمكن تصور وجود الله عندما يكون هناك شر في العالم ، أو سبب وجيه لتفسير لذلك. إنها إشكالية كيفية التوفيق بين إله عادل وعالم يحتوي على الشر. لكن، يبدو من المستحيل أن تنتج "ثيوديسيا" تفسيرا عن معاناة الأطفال الرهيبة.

فما هي الحلول؟
هناك عدة أنواع من الحلول لمشكلة المعاناة والشر.
الحل الوارد كتاب "أيوب التوراتي" المذكور أعلاه، أي من غير المجدي أن يحاول البشر اكتشاف سبب معاناة بعض الأبرار.
وتشمل الحلول التقليدية الأخرى فكرة أن المعاناة مفيدة بطريقة ما (وبالتالي ليست سيئة حقًا) ، ونموذج الخادم المعذب لنبي الكتاب المقدس إشعياء ، الذي يشير إلى أن الشعب اليهودي يعاني من أجل تخليص البشرية من الأشرار.
وقد طور العديد من علماء اللاهوت بعد الهولوكوست ردودًا على المشكلات الفريدة التي أثارتها معاناة اليهود خلال المحرقة. من أطروحة "الله مختبئ" إلى أطروحة "مات الله"، وضع هؤلاء المفكرون التحليلات الحديثة عن الله والشر في مركز تفكيرهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب


.. مأزق العقل العربي الراهن




.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah