الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 77

ضياء الشكرجي

2022 / 7 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


[...] وَيَسأَلونَكَ ماذا يُنفِقونَ قُلِ العَفوَ [...] (219)
والمقصود بإنفاق العفو حسب أكثر وأشهر التفاسير، هو أن ينفقوا من الفضل، أي مما يفيض عن حاجاتهم وحاجات أسرهم، لكن يمكن أن نفهم من ذلك تأكيد العفو والتسامح كقيمة أخلاقية، وكأن الآية تريد أن تقول، إن التحلي بالعفو هو أفضل عند الله من كل الإنفاق، لكننا نعرف إن الأخلاق التي يدعو إليها القرآن، هي ما يجب أو يستحسن للمسلمين التحلي بها، لكن بين بعضهم البعض تحديدا.
[...] كَذالِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُم تَتَفَكَّرونَ (219) فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ [...] (220)
غريب أن تختم آية بجملة مبتورة «لَعَلَّكُم تَتَفَكَّرونً» لتأتي التكملة في الآية التالية «فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ». كان يمكن أن يقول «وَيَسأَلونَكَ ماذا يُنفِقونَ قُلِ العَفوَ كَذالِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُم فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ تَتَفَكَّرونَ»، خاصة وأن القرآن استخدم مثل هذا التقديم والتأخير، بل ما هو أشد غرابة من هذا، ذلك من أجل الحفاظ على السجع، ومثل هذه الحالات يمثل لونا من العجز عن الجمع بين اللاتزام بالسجع، والحفاظ على وحدة النص داخل الآية، ومثل هذا سنجده في سور كثيرة، لاسيما في سورتي الروم والرحمان.
[...] وَيَسأَلونَكَ عَنِ اليَتامى قُل إِصلاحٌ لَّهُم خَيرٌ وَّإِن تُخالِطوهُم فَإِخوانُكُم وَاللهُ يَعلَمُ المُفسِدَ مِنَ المُصلِحِ وَلَو شاءَ اللهُ لَأَعنَتَكُم إِنَّ اللهَ عَزيزٌ حَكيمٌ (220)
كم هو ممل تكرر عبارة «وَيَسأَلونَكَ»، خاصة وتأتي الأسئلة عن أشياء تافهة في أغلب الأحيان، أو عن أشياء تكون إجاباتها من البداهة، التي يجعل كل إنسان ذي ذكاء متوسط يعرف جوابها، فلا يحتاج إلى جواب مستنزل من السماء، حيث يجلس الرب على عرشه في الطابق السابع منها، وحيث السفينة الفضائية لساعي بريده جبريل شغالة، تهبط بمجرد توجيه سؤال من نبيه أو انبعاث رغبة شخصية أو عامة عنده. الإنسان ذو الحد الأدنى من الحس الإنساني يدرك ببداهة فطرته أن عليه معاملة اليتيم الذي فقد حنان ورعاية أمه وأبيه أو أحدهما بالحسنى والمراعاة والرعاية والحنان. هل أحتاج كإنسان إلى خبر من السماء، ليقول لي، إن كان في رعايتي أيتام أن أصلح أحوالهم، أو عندما يكون اليتيم راشدا فهو أخي في الإنسانية وفي المواطنة وفي الحقوق والكرامة، أكثر من كونه أخي في الدين كما يريد الإسلام؟ لاسيما مبادئ الحداثة والديمقراطية والحريات الليبرالية ومن أسسها المساواة ليس بين اليتيم وغير اليتيم وحسب، بل بين كل إنسان وإنسان آخر، دون تمييز بسبب اللون أو العرق أو اللغة أو البلد أو الجنس أو الدين أو المذهب أو عموم العقيدة، بل هذه المبادئ والقيم وقوانين حقوق الإنسان أرقى من كل الأحكام الشرعية لكل الأديان.
وَلا تَنكِحُوا المُشرِكاتِ حَتّى يُؤمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُّؤمِنَةٌ خَيرٌ مِّن مُّشرِكَةٍ وَّلَو أَعجَبَتكُم وَلا تُنكِحُوا المُشرِكينَ حَتّى يُؤمِنوا وَلَعَبدٌ مُّؤمِنٌ خَيرٌ مِّن مُّشرِكٍ وَّلَو أَعجَبَكُم أُلائِكَ يَدعونَ إِلَى النّارِ وَاللهُ يَدعو إِلَى الجَنَّةِ وَالمَغفِرَةِ بِإِذنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنّاسِ لَعَلَّهُم يَتَذَكَّرونَ (221)
هنا تحدد الآية أحكام الزواج الذي تسميه أدبيات الشريعة بما فيها القرآن بالنكاح. وكما نعلم إن النكاح تعني الجماع، وكأنما اختزلت العلاقة الزوجية بالجماع أو ما يعرف بـ(النَّيْك)، بل ميّز القرآن في الممارسة الجنسية هذه بين الرجل كفاعل للنكاح (ناكِح، نائِك)، والمرأة كمفعول به (مَنكوحة، مَنيكة)، ولذا ميزت هذه الآية باستخدام الفعل الثلاثي (نَكَحَ، يَنكَحُ، نَكحاً، فهو ناكِحٌ)، أي (ناكَ، يَنيكُ، نَيكاً، فهو نائِكٌ) وبين الفعل الرباعي (أنكَحَ، يُنكِحُ، إِنكاحاً، فهو مُنكِحٌ)، أي (أناك، يُنيكُ، إِناكَةً، فهو مُنيكٌ)، فعند استخدام الفعل الرباعي، كأن يقال أن أبا أنكح ابنته من فلان، أي جعلها تنكح منه، أو أناكها منه. وحتى في عقود الزواج الشرعية، على المرأة التي تزوج نفسها أن تقول إما «زَوَّجتُك نفسي» أو «أَنكَحتُكَ نفسي»، وقد يفضل البعض النطق بكلاهما «زَوَّجتُك وَأَنكَحتُكَ نفسي»، والبعض يضيف «مَتَّعتُكَ» لتكون «زَوَّجتُك وَأَنكَحتُكَ وَمَتَّعتُكَ نفسي»، وبلغتنا المعاصرة كأنها تقول «زَوَّجتُك وَأَنيَكتُكَ وَوَنَّستُكَ نفسي». إن الاستمتاع بالعملية الجنسية أمر طبيعي، ولذا لا مشكلة أن تتكلم النصوص الدينية في مثل هذه القضايا بلغة واضحة وصريحة، ولكن أن تختزل العلاقة الزوجية بمجرد الممارسة الجنسية، وأن يجعل فعل النكاح (النيك) والمتعة (الوُنسة) حكرا على الرجال، ولا تكون المرأة إلا منكوحة (منيكة)، ومتمتعا و(مُتَونَّسا) بها، وكأن العملية الجنسية ليست بمتعة متبادلة، وكأن من المعيب أو الحياء الكلام عن استمتاع واستئناس المرأة بالجماع، ولكنه ليس خلاف الحياء أن يجري الكلام بشكل صريح وفاضح عن نيك الرجل وتلذذه به.
هذا كان عن فعل النكاح ورُباعيِّه الإنكاح في القرآن، والآن مع بعض أحكام النكاح (الزواج) بحدود ما تطرحه هذه الآية. الآية تنهى المسلمين عن الزواج بغير المسلمات، ولو إنها تخصص ذكر المشركات بقول «وَلا تَنكِحُوا المُشرِكاتِ»، ولكن تضع شرطا للاستثناء، وهو «حَتّى يُؤمِنَّ»، أي يدخلن دين الإسلام ولو ظاهرا، وهذا يكفيه أن يكون بنطقهن بالشهادتين، وتبين الآية علة هذا التحريم «وَلَأَمَةٌ مُّؤمِنَةٌ خَيرٌ مِّن مُّشرِكَةٍ وَّلَو أَعجَبَتكُم»، يعني المشركة حتى لو كانت أعقل وأرقى أخلاقا وأكثر ثقافة وأجمل، فالمؤمنة أي المسلمة حتى لو كانت جاهلة وسيئة الخلق ودميمة الخلقة فهي أفضل من المشركة ومن عموم غير المسلمة. هذا عن زواج المسلمين بغير المسلمات، أما عن تزويج المسلمات لغير المسلمين، ولم نقل زواجهن بهم، بل تزويجهين، لأن القرار بالنسبة للمرأة بيد ولي أمرها، فهي لا تتزوج كما الرجل، بل تُزَوَّج، ولا تَنكَح بطبيعة الحال بل تُنكَح، ولذا تقول الآية للمسلمين، ولا تخاطب بذلك المسلمات، اللاتي هن المعنيات بالحكم، وهكذا في كل الأحكام الشرعية أو المواعظ المتعلقة بالنساء، لا يخاطب الله فيها النساء، بل يخاطب بذلك الرجال ليبلغوا نساءهم وبناتهم بأحكام الله، وكأن الرجل هو رسول الله إلى زوجته او ابنته، «وَلا تُنكِحُوا المُشرِكينَ، حَتّى يُؤمِنوا، وَلَعَبدٌ مُّؤمِنٌ خَيرٌ مِّن مُّشرِكٍ وَّلَو أَعجَبَكُم، أُلائِكَ يَدعونَ إِلَى النّارِ وَاللهُ يَدعو إِلَى الجَنَّةِ وَالمَغفِرَةِ بِإِذنِهِ». والذي لا نفهمه في القرآن هو تكراره إن الله يفعل أشياءً «بِإِذنِهِ»، وكأن الله لا يدعو إلى الجنة والمغفرة، ولا يغفر، ولا يعذب، ولا يفعل أي فعل، إلا بعد يستأذن نفسه، فيمنح نفسه الإذن بذلك. فعبارة «بِإِذنِهِ» التي تتكرر في مثل هذه الحالات، ما هي إلا لغو أو حشو من الكلام، زائدة ولا معنى لها، والله يتعالى عن ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا


.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد




.. يديعوت أحرونوت: أميركا قد تتراجع عن فرض عقوبات ضد -نتساح يهو


.. الأرجنتين تلاحق وزيرا إيرانيا بتهمة تفجير مركز يهودي




.. وفاة زعيم الإخوان في اليمن.. إرث من الجدل والدجل