الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا تموت

محمود عباس

2022 / 7 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


تراجيديا الشعوب السورية، تحولت إلى مسرحيات كوميدية على منصات مجلس الأمن، وجنيف، وأستانه. كما وتحذيرات لجان الإغاثة الدولية تحولت إلى صدى صامتة ضمن أروقة الأمم المتحدة، ونداءات المنظمات الإنسانية أصبحت غير مجدية، ودون القدرة على تحفيز القوى الكبرى لتصعيد الاهتمام المتناسب مع حجم الكارثة، خاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية.
لم تكتفي روسيا، بعد صراعها المتصاعد مع أوروبا وأمريكا، بالإصرار على فتح معبر وحيد من أصل أربعة معابر دولية، لإيصال المساعدات إلى الداخل السوري، وبالتحديد إلى مخيمات منطقة إدلب، بل حذرت العالم على أنها بعد ستة أشهر ستضع شروط جديدة لإبقائه مفتوحا. وظلت مصرة على المدة التي حددتها بعدما لم تحصل على بعض المكتسبات بالمقابل، من الدول الأوربية والناتو في حربها الأوكرانية، ولا من تركيا ضمن جغرافية إدلب وجنوب عفرين، خاصة بعدما رفضت الاجتياح التركي للمنطقة. والجدلية ظلت تعالج خلف كواليس مجلس الأمن، بعكس قاعتها العامة والتي كان المجتمع السوري وخاصة أبناء مخيمات إدلب ينتظرون التصويت الهش، وما سينتج بعد استخدام الفيتو، والذي يرهب الشعوب السورية طوال العقد الماضي.
حصرت الحوارات حول منطقة إدلب، دون المناطق السورية الأخرى المعانية على سويات تكاد تكون مشابهة، والشعب يدفع ضريبة الموقف الروسي الأمريكي من المنظمات الإسلامية المدرجة ضمن قوائم الإرهاب، (نتحدث عن الدول كقوى سياسية، وليست المنظمات الإنسانية التابعة لهم) مثلما يدفع بقية المجتمع ضريبة النظام والصراع الإقليمي على الجغرافية السورية. فكما نعلم أن بقية المناطق، والمعابر الثلاث الأخرى الرسمية، ملغية من سجل الحوارات، وذلك لأن مناطق النظام تدرج ضمن قانون قيصر، والكوردية مرفوضة من جميع القوى المعنية بالقضية السورية تقريبا باستثناء أمريكا، ومعابرها الداخلية مفتوحة على الطرفين المعارضة والنظام.
طوال السنوات الثمانية الماضية، تتحاور دول مجلس الأمن على كمية الوجبة التي يجب أن تصل إلى العوائل السورية، يدرسونها فيما إذا كانت كافية على إبقائهم أحياء، وما هي نسبة الشعب الذي سيظل حيا بعد ستة أشهر أو سنة.
للمرة السابعة عشرة تستخدم روسيا حق الفيتو لصالح النظام السوري، وتنتهك حقوق الإنسان، وتعرض قرابة أربعة ملايين سوري ونصف إلى خطر المجاعة، دون أي تحرك سياسي أو دبلوماسي من قبل النظام أو المعارضة لتغيير مواقف الدول المعنية، لأنهم أدوات يتلقون الأوامر دون اعتراض، وطلباتهم لا ثقل لها لدى الدول المعنية بفتح المعابر الدولية، والأغرب أن مصالحهم تفرض عليهم الاختلاف على فترة فتح المعبر الوحيد والذي يتحكم به تركيا دون الدول الأخرى.
لم يصوت مجلس الأمن الدولي الخميس، وأستعمل روسيا كالعادة حق الفيتو في يوم الجمعة، وانتهت الفترة الزمنية دون الموافقة على مشروع قرار آلية التمديد، إلى أن أضطر الجميع على التصويت ثانية وربحت روسيا الجولة بعدما امتنعت أمريكا وبريطانيا من التصويت، دون استخدام الفيتو على مدة ستة أشهر. بعدما رفضت اقتراح تسعة شهور من قبل البرازيل والأمارات العربية.
والمؤلم أن الطرفين متفقان على كمية محددة لا تتجاوز 800 طن شهريا، قد لا تكفي لإطعام مليوني شخص من أصل أربعة ونصف مليون يعانون من خطر المجاعة، فكما تقول منظمة الإغاثة أن مخازنهم شبه خالية، والباقي كاف لثلاثة أشهر فقط، أي أن 650 مخيما، قرابة مليوني ونصف من البشر سيواجهون الحرمان من الخبز ومياه الشرب في فصل الشتاء عندما ستنتهي الفترة الزمنية، حينها ستكون خطوط الأمداد كارثية، كما نبهوا على أن المساعدات الصحية تقلصت بنسبة 80% خلال الأشهر الأخيرة.
نحن هنا لا نتحدث عن البقية من الشعوب السورية في مناطق النظام والإدارة الذاتية في شرق الفرات، ولا في منطقة عفرين، أي هناك تناسي لقرابة 13 مليون ونصف سوري، المدرجون تحت خط الفقر المدقع.
لا شك هذا الواقع الإنساني المرعب، يخلق البيئة الملائمة للمنظمات الإرهابية بالدعاية لنشاطاتهم وإلقاء اللوم على الدول الكبرى، وبالتالي ستساعد على تنشيط خلاياها لتعبث بشوارع الدول الكبرى، تحت حجة الدفاع عن الشعوب السورية.
لو قضية سوريا بذات الأهمية الإستراتيجية لهم، ومؤثرة على مصالحهم، لكان بإمكان أمريكا والدول الأوروبية المتعارضة مع روسيا إحالة القضية إلى هيئة الأمم، كما تم بحق روسيا عندما هاجمت أوكرانيا واستخدمت الفيتو في مجلس الأمن، لكنهم لن يفعلوها، لأسباب:
1- أنهم بذلك سيدرجون قانونية النظام السوري إلى المعادلة، وهذه تعني شبه اعتراف بالمنظمات العسكرية المنضوية تحت أسم المعارضة، ومعظمهم مدرجون ضمن قائمة الإرهاب عند الأمريكيين والأوربيين مثلما هم عند الروس.
2- ستتم محاسبة القوى المتواجدة على الأرض السورية من قبل منظمات هيئة الأمم، وبالتالي يتوجب عليهم قانونيا الانسحاب، وهذا ما لن تفعله أية دولة حتى ولو حكم عليه بالإجماع، وهذه ستؤثر على مصداقية الأمم المتحدة.
3- لا يتم طرح معبر اليعربية (تل كوجر) لأنها تحتاج إلى اعتراف سياسي بالمنطقة، أو أنها يجب أن تكون ذات نظام قانوني معترف به دوليا، أي يملك صلاحية عرضها على مجلس الأمن، أو أن تقوم دول أعضاء بعرضها.
4- تم رفض فتح معبر الرمثة، والبحث فيه، لأنها تحت سيطرة النظام، وتنطبق عليه شروط قانون قيصر.
جميع المؤتمرات، والاتفاقيات، والصفقات السياسية، من الأستانة إلى السوتشي إلى جنيف، إلى مؤتمرات تشكيل المنصات، وغيرها التي جرت، باستثناء ما يتم كل ستة أشهر في مجلس الأمن، تناولت مصير النظام والمنظمات التكفيرية المسلحة، دون أن يتم الحوار على مستقبل المخيمات والمهاجرين، والمهجرين، والأطفال المشردين، وما تم حول مشكلة السجناء كانوا يعنون بها الأشخاص المنتمية إلى النظام والقوى العسكرية المسماة جدلا بالمعارضة.
قوى دولية تماهت مع هذه النزعة الإجرامية، والانحطاط الأخلاقي، باستثناء بعض المنظمات الإنسانية التي حاولت إرضاخ الدول المعنية إلى بعض شروطها، دون أن تتمكن من التأثير عليهم، أو رفع سقف المساعدات الإنسانية، والتي لا تصل إلى 20% من حاجة السوريين، الذين يواجهون الموت في العراء أو ضمن المخيمات. فمصالح تركيا وإيران ومن ثم روسيا وأمريكا تفرض استمرارية الصراع الداخلي بعمقه الدموي للحصول على الشرعية في البقاء لنهب وربما تقسيم سوريا، وإيجاد التبريرات لمصير الشعب المهاجر والمعاني من المجاعة.
الألم السوري له خصوصية، لم يعد يتأثر به إلا أبناءها، والقضية أصبحت وباء تنفر منه الدول، ليدفع المجتمع السوري ضريبة النظام المجرم وشرائح المعارضة الفاسدة ومرتزقتها.
والغريب أنه من شبه المستحيل، وعلى مر التاريخ، إيجاد أتفاق أقذر من الاتفاق الضمني بين النظام والمعارضة على قتل الشرائح الوطنية من الشعب. والأغرب، عدم وجود تضارب بين مخططات تدميرهم للوطن، والتي تشمل التجويع إلى القتل عن عمد إلى التهجير القسري، إلى النهب وفتح الأبواب للقوى الإقليمية للعبث بمصير المجتمع. لهذا فجلسات مجلس الأمن، وغيرها، تصبح بشكل جدلي حوارات على المصالح الدولية قبل أن تكون على مصير الإنسان السوري أو سكان المخيمات الآيلة إلى المجاعة المرعبة.
يجب على القوى الوطنية السورية، مطالبة مجلس الأمن للانعقاد من أجل محاكمة ليس فقط سلطة بشار الأسد، بل المنظمات الإسلامية التكفيرية، وتجريمهم، وإقناع المجلس بالإقرار على إزالتهم، حينها سيكون من السهل الاتفاق على فتح المعابر وإيصال المساعدات، ودخول المنظمات الإنسانية، دونها مصير المجتمع السوري إلى معاناة مستمرة، بل ومصيرها كدولة إلى التشتت والضياع.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
10/7/2022م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تنظير مريض أيديولوجي
سمير صلولين ( 2022 / 7 / 15 - 12:56 )
ااسم على مسمى فالرئيس الفلسطيني لا يقل عنك فذلكة حاقدة لا تقدم ولا تؤخر
يا زلمي أصبح السوري يقرف من حرف الدال التي تسبق أسماءكم

اخر الافلام

.. واشنطن تفرض عقوبات جديدة على طهران بعد الهجوم الإيراني الأخي


.. مصادر : إسرائيل نفذت ضربة محدودة في إيران |#عاجل




.. مسؤول أمريكي للجزيرة : نحن على علم بأنباء عن توجيه إسرائيل ض


.. شركة المطارات والملاحة الجوية الإيرانية: تعليق الرحلات الجوي




.. التلفزيون الإيراني: الدفاع الجوي يستهدف عدة مسيرات مجهولة في