الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسفة التسامح عند جون لوك

محمد عبد الرحيم طالبي
كاتب

(Mohammed Talbi)

2022 / 7 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حاولنا في دراستنا لفلسفة التسامح عند جون لوك أن نبين أنها رسمت خطا فاصلا بينها وبين المقاربات الثيولوجية، حيث أبانت هذه الأخيرة عن عجز كبير في إيجاد حل نهائي ودائم لمعضلة الحروب الطائفية المصحوبة بالتعصب والعنف، ويعود سبب فشلها في تحقيق سلام دائم إلى كونها كانت تجمع بين السلطتين الدينية والمدنية في شخص الملك ويرجع سبب فشلها أيضا إلى أنها كانت تعتمد على القوة العددية الأفراد الطوائف الدينية، ولذلك اختار الفيلسوف الإنجليزي طريق التأسيس السياسي للتسامح، وخير دليل على أن لوك حقق منعطفا حاسما في مقاربة مسألة التسامح هو تمكنه من حماية الهراطقة والوثنيين، بحجاج متميز من عنف الكنيسة الكاثوليكية، بعدما ظلت الكنيسة إلى حدود القرن السادس عشر تعتبر ذلك العنف حقا مشروعا.
اعتبر لوك أن سبيل تلمس السلام الدائم كامن في جعل الدولة والكنيسة يشتغلان بطريقة سليمة، أي وفق الغايات والوظائف التي وضعا ﻷجلها. فقد تم إنشاء الدولة بغاية ضمان السلم الاجتماعي، وإذا ما مس حق المواطن في السلامة الجسدية أو في التمتع بالملكية فإن الدولة قادرة على تعويض الضرر والخسائر ﻷنها صاحبة السلطة في العالم الدنيوي، لكنها لا تستطيع تعويض الشخص إذا ما أخطأ الطريق نحو الخلاص، ﻷن سلطتها محدودة في العالم الدنيوي، ولا سلطة لها في عالم ما بعد الموت، لذلك وجب عليها أن تترك للأشخاص حرية اختيار الطرق المؤدية إلى الخلاص، كما أن طبيعة أدوات الدولة المستعملة في إكراه المواطنين على اتباع عقائد معينة تتناقض تماما مع الإيمان الديني. وبناء على هذا، بين لوك أن هذه الأدوات ملائمة أكثر مع غاية احترام القوانين المنظمة للحياة المدنية. فما تحتاجه الدولة هو الامتثال الظاهري، وهذا النمط من الامتثال غير كاف في القضايا الإيمانية والعقدية.
أما وظيفة الكنيسة فتقتصر على مساعدة الناس للتوصل إلى خلاص أرواحهم، وما دامت وظيفة الكنيسة هي مساعدة الناس لتحقيق خلاص أرواحهم؛ فإنه يلزم عن ذلك أنه لا يجوز لها أن تعاقب أي عضو من أعضائها بأية عقوبة دنيوية، وأقصى اجراء يمكن أن تتخذه تجاه أعضائها الذين لا يلتزمون بقوانينها هو عزلهم واستبعادهم عن المجتمع الكنسي، كما لا يجب عليها أن تنشغل بامتلاك الخيرات المدنية. وسلطة رجل الكنيسة محددة داخل حدود الكنيسة؛ ﻷن الكنيسة منفصلة تماما عن الدولة بحدود ثابتة لا تتغير.
ورغم الطابع المشرق والمتسامح لفلسفة التسامح عند جون لوك، إلا أنه يظل تسامحا ناقصا وضيق النطاق، ﻷنه لا يشمل الإنسان غير المتدين أي الملحد، مما يعني أن التسامح عند لوك هو تسامح لا يشمل إلا التعددية الدينية رغم أنه ادعى أن تسامحه قائم على أساس سياسي، ويرجع السبب الذي جعل تسامحه ضيق النطاق إلى كون تفكيره كان محكوم بنظرة ضيقة للمجتمع المسيحي الذي كان يعاني من معضلة التعصب الديني، لذلك نحن نعتقد أن رسالته في التسامح ليست صالحة لكل زمان ومكان، بل هي تعبر فقط عن الظروف التاريخية التي عاش فيها، ونقصد بذلك الظروف التاريخية للمجتمع الإنجليزي الذي مزقه الصراع الديني بين الكاثوليك والبروتستانت.





ا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا


.. الجيش الإسرائيلي يدمر أغلب المساجد في القطاع ويحرم الفلسطيني




.. مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح


.. يهود أمريكا: نحن مرعوبون من إدارة بايدن في دعم إسرائيل




.. مجلس الشؤون الإسلامية في أمريكا: الرد القاسي على الاحتجاج ال