الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ولم تزل الرسالة في كتابي

فوز حمزة

2022 / 7 / 15
الادب والفن


مد يده فتناول بها كوب الشاي الذي يتوسط المنضدة الدائرية أمامه ، موعد شرب الشاي كان مقدسًا لديه في حين يقترن مع موعد سيجاره الذي يصفه أنه أوفى من عشيقاته اللواتي لا يعرف لهن عددًا .. نفث دخان سيجاره ثم مال إلى كرسيه معتدلًا في مقعده فما لبث حتى حمل هاتفه وكعادته فتح حسابه الفيسبوكي مطلعًا على ما ورده من رسائل في بريده الخاص ومشاهدة المقاطع الموسيقية و الشخصية التي تصله من بعض صديقاته المقربات والتي جعلها بملف خاص تحت عنوان س ش .. وهو يعني بهذا سري وشخصي ..
لكن ما يغريه حقًا تلك الحكايات المرسلة إليه من نساء سردن فيها قصصهن ومشاكلهن وأوجاعهن ليخرج منها بمادة تنفع لكتابة القصص ..
كن مشدودات للغته الرائعة في تصوير إحساسهن بدقة وعمق عما يخجلن من البوح به في مجتمع يضيق الخناق عليهن ..وقد كان بارعًا في تقمص حالاتهن حتى لتشك إحداهن إنه امرأة !!
وبينما هو يهم بالخروج من الحساب وإذا بدخول رسالة من إحداهن .. لاحت منه نظرة للاسم الذي لم يكن مألوفاً لديه .. ترى من تكون إنعام هاشم هذه ؟ كان منشغلًا في أمر آخر فلم يرد على رسالتها والتي رفقتها بباقة ورد جميلة : سيدي .. وددت أن أشكرك لقبولك صداقتي .. فقد أعجبت بكتاباتك التي آسرتني وحملتني لعالم آخر .. قضيت ليلتي من مساء البارحة وأنا اتجول كسائحة في محطاتك العذبة ..
مضى يومان نسي فيها أمر تلك الشاعرة .. حتى جاءته رسالة أخرى في الساعة العاشرة مساءً ..
- أستاذي العزيز .. أنا آسفة .. يبدو أنك لا ترغب في محادثتي !
كتب لها بعد أن قرأ رسالتها بشيء من البرود :
- أهلاً بحضرتك سيدتي .. من قال ذلك؟!
- لقد أعجبت كثيرًا بقصيدتك الأخيرة .. ذكرت لحضرتك ذلك إلا أنك أهملتني فخشيت ازعاجك ثانية.
رد بالقول : من دواعي سروري .. وأعتذر لعدم الرد فإنني كثير المشاغل ..
فردت :
- سعيدة بمحادثتك وأشكرك أنك منحتني من وقتك.
- على الرحب والسعة شاعرتنا.
خرج بسرعة الضوء من المحادثة كمن حصل على إفراج من حكم بالإعدام !!
حتى جاء المساء .. فوردت رسالة منها كتبت فيها بعد ألقاء التحية:
- بودي أن أسألك .. هل قصصك من الواقع ..هل بطلاتك يعشن في مجتمعنا أم هن وهم من نسيج خيالك ؟ رد بسرعة هذه المرة :
- سؤالك غريب سيدتي ! وكأنك تعيشين في عالم غير عالمنا .. هن صور من الواقع .. يأكلن ويشربن بيننا .. سأجيبك بشكل آخر قد يبدو تقليديا لكنه الحقيقة .. بعض قصصي استلهمتها من الواقع وبعضها الآخر محض خيال وحسب ما تقتضيه الضرورة الأدبية .. فردت :
- أنتم الكتاب تعيشون في عالم لا يمت للواقع بصلة !
فقاطعها : أنتِ مخطئة سيدتي .. إنما نحن نصور الواقع ونكشف الستار عنه .. فردت : ربما خانني التعبير.. الذي أعنيه أنكم تنقلونا إلى عالم يمس شغاف القلب ويروي ظمأ الروح ..
ثم انتفض ليفتح نافذته العريضة، حين عاد وجدها قد كتبت :
- هل لي بسرد قصتي على حضرتك لتكتبها وتنشرها في صفحتك دون ذكر اسمي ؟
- سأفعل إن وجدت فيها مادة تستحق ..
- ستجد سيدي .. أنا واثقة من ذلك..
- تفضلي أحكي وسنرى.
- بدأت قصتي منذ ثلاثين عامًا حينما كنت طالبة في الثانوية ..
قال في نفسه : هذا يعني إنها الآن في النصف الثاني من العقد الخامس .. ثم واصل القراءة ..
وأنا في طريق عودتي إلى البيت لمحت شابًا وسيمًا كان ينظر إلي .. رأيته واقفًا عند زاوية ذلك الجسر الذي يفصل ما بين المدرسة والشارع العام .. انقطعت عن الكتابة لوقت أشعره بالملل والضجر .. فكتب:
- أنا معك ..
فاستأنفت : في البداية ظننته ينظر لفتاة أخرى .. فلم أعر للأمر أهمية وإن كان شيء ما بي يود أن يكون يعنيني بنظراته تلك .. تكرار المشهد عدة أيام متتالية قادني للتفكير به .. صرت انتظر رؤيته .. أعيش لحظات غريبة علي .. لكنها تدغدغ أنوثتي وتهبني الشعور بالسعادة .. وفي ذات يوم .. بينما كنت أمشي لأقطع تلك الساحة وصولًا للجسر شعرت بخطى خفيفة من خلفي .. لم أشأ الالتفات .. شيء ما في داخلي أخبرني أنه هو .. وفجأه وفي واحدة من أروع لحظات عمري شعرت بيده فوق تلك الكتب التي كنت أحملها وإذا بظرف أزرق أنيق يعتلي كتبي .. ثم مضى مسرعًا واختفى تمامًا .
كتب بعد توقفها عن الكتابة : أكملي .. ما الذي حدث بعدها ؟
ردت : نعم أنا معك .. لكن تنهيدة موجعة قبضت قلبي .. لقد تركني في حيرة ولوعة .. وفي يدي تلك الرسالة .. فتحتها في خوف وفرح وأنا ارتعد كمن أصيبت بنزلة برد .. وجدت داخلها وردة حمراء صغيرة .. في الليل قرأتها لعشرات المرات .. وفي كل مرة أشعر كأني أميرة فوق غيمة بيضاء تحملني لجزيرة الأحلام ..
نمت ليلتي والحلم يداعب أجفاني في لقياه في الغد .. أخبرني أنني سأجده في نفس المكان .. ترى ماذا سأقول له ؟ كيف استقبله ؟ ربما أضع قليلًا من أحمر الشفاه .. أواه ستقتلني أمي ولا شك .. لا ضير من ذلك فأنا ذاهبة للقائه تحت شريعة الحب .. الحب ؟! هل تراني أحببته ؟ إذن ماذا يمكن تسمية ما أنا فيه الآن ؟ سيشرق علي يوم جديد .. لطالما انتظرته وحلمت به .. عجيب أمر هذا الحب .. فحين يمر بنا يلون أوقاتنا ويجعل من خريف المشاعر ربيعًا ..
كتب لها : طريقتك في التعبير عن نفسك رائعة جدًا .. أكملي صديقتي حتى النهاية دون توقف ..
فعادت لتكتب : كنت ساهمة في الساعات الأولى من دوامي ذلك النهار .. يبدو علي القلق والشرود .. ومع نهاية الدوام الذي طال كثيرًا شعرت أنني الآن غديت أتنفس .. أخبرت أمي أنني سأتأخر بعض الوقت لذهابي مع صديقتي للمكتبة العامة .. تلك كانت كذبتي الأولى .. وقفت في الفناء الأمامي لمدرستي أنظر نحو ذلك المكان الذي كنت أراه فيه كل يوم .. مرت زهاء النصف ساعة ولم يأتِ ؟! ربما حدث له مكروه ! لا يمكن لكلماته تلك في رسالته الزرقاء أن تذهب أدراج الرياح ؟!
اليأس تمكن مني .. ألتفت عدة مرات علني ألمحه قادمًا .. تخيلت صوته يرن في مناداتي .. بقي الحلم يلوح لي بلقياه في اليوم التالي .. تمنيت ليلتها ألا يأتي الصباح لأظل عالقة بخيوط الأمل .. ثم جاء اليوم الآخر ولم يكن مختلفًا عما سبقه ! وتوالت الأيام تلو الأيام وسيد الرسالة لم أره ولم التقيه وبقيت محتفظة برسالته تلك .. أقراها كل ليلة لأكثر من مرة .. مؤكد أن شيئًا ما حدث له ..
مرت لحظات صمت .. شعر أنها تبكي .. انتظر لحظات حتى كتب :
- ينبغي علينا أخذ فاصل .. ذلك لا لأجلك فحسب بل ولأجلي.
واتفقا على إكمال القصة في المساء ..
في وقت مبكر من تلك الليلة كتبت له:
- أحيانًا أفكر أن ما حدث كان وهمًا أو محض خيال .. لقد تخرجت وتزوجت وصرت أمًا وصارت لي حياة أخرى .. لكن ذكراه بقيت عالقةً في خيالي وصورته ملتصقة جنب فؤادي .. منذ ذلك الحين صار الحزن رفيقي .. أعلم أنها قصة غريبة .. صدقني سيدي هذا ما حدث حقًا ..
- نعم .. ربما عند كتابتي لها كقصة سيكون هناك بعض التغييرات لما يخدم النص في الحبكة والبناء الدرامي .. كتب لها هذه الكلمات .. ثم استأذنها لدقائق معدودات .. وهو يعد له فنجان قهوة .. لمعت عيناه وابتسم كمن عثر على شيء ثمين .. حين عاد .. كتب لها :
- لو شاءت الأقدار والتقيتِ بهذا الشخص .. فهل بمقدورك معرفته؟
أجابت : لا أظن يا صديقي .. ثلاثون عامًا مضت .. من المؤكد قد غير الزمن ملامحه ..
رد في الحال : هل لكِ أن تتخيلي إنك معه الآن!
ردت بذهول : أوحقًا ما تقول ؟
كتب : نعم أنني أعني ما أقول ..
بيد مرتعشة كتبت : دعني أتأكد من أنني لست في حلم ! أنا الآن مع صاحب تلك الرسالة !!
فكتب بحروف متقطعة :أ ن ا ه و !
أجل أنا من كتب الرسالة وأنا من وضعها فوق رزمة كتبك التي كنتِ تحملينها .. وكنت حقًا سألتقيكِ في اليوم التالي إلا أن أمرًا حدث لي حال دون لقيانا لا يمكنني سرده الآن.. وحينما عدت بعد أشهر كانت قد حلت العطلة الصيفية فانقضى كل شيء ..
فكتبت وهي تبكي: يا لسخرية القدر .. أهو حقًا أنت ؟ لو أني رأيت ذلك في فيلم لا أصدقه !
ساد الصمت بينهما .. في حين كانت تقول مع نفسها : هل سأضيعك لمرة ثانية؟ وفي حين مقابل قال مع نفسه : امرأة مخبولة .. لكنها قصة جميلــــــــة ••








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و