الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حزب الأردن الجديد

أسامة هوادف

2022 / 7 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


تقرير حول الحياة الحزبية في الأردن، وحول "حزب الأردن الجديد" الخارج عن المألوف شكلا ومضمونا، في تلك الرقعة الحساسة من الجغرافيا العربية المحاذية لإسرائيل بمسافة لا تقل عن 400 كيلومتر من التضاريس الأسطورية.

يبدو أن المتغيرات التي يشهدها شرق أوروبا ليست فقط منتجةً لما بعدها، بل هي أيضا نتيجة لما قبلها، إقليميا وعالميا. فالذين يمرون مرور الكرام على الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، ويصفونه شكلا ومضمونا بالفوضوي، يبدو أنهم مخطئون جدا. فقد راحت الأيام تثبت أن الولايات المتحدة تؤكد يوما بعد آخر، أن الشرق الأوسط هو مركز ثقل كل سياساتها المستقبلية، على الأقل على مدى مساحة جغرافية لا تقل عن 35 مليون كيلومتر مربع من اليابس في القارات الثلاث أوروبا وآسيا وإفريقيا.

إن اتفاقية التعاون العسكري بين الأردن والولايات المتحدة بكل ما انطوت عليه من دلالات ما يمكن اعتباره شبه احتلال لهذا البلد الصغير بمساحته وسكانه وإمكاناته، بالغ الحساسية بموقعه و جغرافيته السياسية، تعتبر هي المؤشر الواضح على أن الأردن سيكون في المستقبل القريب والقريب جدا، بالمعايير الجيوسياسية "بيضة القبان" في السياسة الأمريكية الإقليمية على الأقل.

ولأن الولايات المتحدة راحت تتمركز عسكريا بموجب اتفاقية التعاون المشار إليها بين البلدين، في داخل الجغرافيا الأردنية بشكل كثيف، قد يجعل من الأردن مركز الثقل في التمركز الأمريكي الإقليمي، فإنها لا تستطيع إلا أن تطلب وبإلحاح من النظام الأردني إجراء تعديلات ذات دلالة في بُنيته، وعلى رأس ذلك، التخفيف من حِدَّة الفساد والاستبداد، وهما الأمران اللذان يجب على أي إدارة أمريكية أن تملك بخصوصهما إجابات مُرضِيَة ومُقنِعَة للكونغرس الأمريكي وللنخب الأمريكية، إذا تم السؤال عن علاقة النظام بشعبه في الدولة التي تحظى بهذا القدر من الحماية العسكرية الأمريكية.

ولأن الحزبية خاصة والديموقراطية عامة ليست لها جذور يُعتد بها في الأردن على مدى الخمسين سنة الأخيرة، حيث قامت معظم علاقات النظام ومؤسساته الأمنية مع نخبه وشعبه على مدى تلك العشرات السنين على البُنى القبلية والعشائرية من جهة، وعلى التوازن القائم في قلب نزاع الهويتين الأردنية والفلسطينية من جهة أخرى، فإن دهاء النظام وأجهزته الأمنية جعله يتمكن من صياغة قانون للأحزاب لا يمت إلى معنى الحزبية بأي صلة، إذا نُظر إلى الحزبية على النحو الذي هي فيه في معظم دول العالم التي تؤمن بالحزبية.

لقد بدا واضحا من قراءة قانون الأحزاب الأردني الجديد لعام 2022 والذي تم نشره في الجريدة الرسمية مؤخرا، وكأن النظام الأردني عَمَدَ إلى تحويل الصراع الهوياتي الذي كان يدور رحاه على مستوى القواعد الشعبية ونخب الطبقة الدنيا في المجتمع، ليصبح صراعا وتجاذبا هوياتيا يدور رحاه على مستوى الأحزاب والقوى السياسية هذه المرة. إذ أن هذا القانون صيغ على نحو لا يمكن معه تشكيل أحزاب إلا من خلال تجميع مجموعة من العشائر والقبائل الشرق أردنية، والعائلات والمخيمات الفلسطينية.. إلخ، لتشكِّلَ كل مجموعة منها حزبا سياسيا، لتغدو العملية السياسية مجرد نزاع بين نفس أولئك الذين كانوا يتنازعون في الأسفل عندما كانت العملية السياسية غائبة عن البلاد، قبل الضغوطات الأمريكية الأخيرة.

ولكن قراءة المشهد الأردني إذا كانت قد كشفت عن أن هناك أحزابا قائمة سوف تغيب عن المشهد، لأنها لن تستطيع تسوية أوضاعها بما يتناسب مع متطلبات القانون الجديد، وعن أن عددا محدودا من الأحزاب ذات البناء العشائري والمخيماتي سوف تنشأ، فإن حزبا وحيدا هو الآن تحت التأسيس، أطلق عليه مؤسسوه اسما مؤقتا هو "حزب الأردن الجديد"، يرفض فكرة بناء حزب سياسي على أساس عشائري وعائلي ومخيماتي، فلسطيني أو أردني، وليس على أساس أيديولوجي طبقي فكري، يحمل مشروعا وطنيا يمثل مصالح أوسع الطبقات الاجتماعية، ألا وهي طبقة الفقراء والعاطلين والمهمشين بصرف النظر عن انتماءاتهم الهوياتية الذي أرادهم النظام بقانونه هذا أن يشكلوا أحزابهم على أساسها.

"حزب الأردن الجديد" الذي ما يزال في طور التأسيس، هو حزب كما يقول مؤسسه الأول وصاحب فكرته وصائغ مشروعه أستاذ العلوم السياسية الدكتور "أسامة عكنان"، هو حزب سيجد صعوبة بسبب قوى الشد العكسي التي يمثلها بالدرجة الأولى قانون الأحزاب الجديد. لكنه يؤكد على أن بالإمكان اختراق كل العقد المفصلية في قانون الأحزاب الجديد للوصول إلى تشكيل حزب برامجي يقوم برنامجه على مشروع له فلسفته وأيديولوجته التي أطلق عليها الدكتور أسامة عكنان مصطلح "النظرية الرابعة" أو "الفلسفة الرابعة". وهو لهذا السبب يؤكد على أن كل النخب الأردنية المُحبطة مما يجري في البلاد ستجد في هذا الحزب ملاذا لها، وفرصة تاريخية لا تعوَّض لتعود إلى انتزاع المبادرة من النظام ومن مخابراته المتغَوِّلَين على الشعب وعلى نخبه، وعلى شبابه، لتشكيل حكومة برلمانية برامجية تطرح مشروعها الخاص لحل كل مشكلات البلاد السياسية والاقتصادية والثقافية.

وبسؤالنا للدكتور أسامة عكنان مؤسس الحزب عن فحوى مصطلح النظرية أو الفلسفة الرابعة أجاب بقوله أن هذه النظرية هي الخيار الآخر البديل لكل من الخيارات الثلاثة التي خرَّبت الأمة العربية على مدى المائة عام المنصرمة، وهي الخيار "الشيوعي الاشتراكي"، والخيار "الليبرالي الرأسمالي"، وخيار "الإسلام السياسي"، فهذه الخيارات، أو النظريات الثلاث يعتبرها الدكتور أسامة عكنان ومعه العشرات من مؤسسي هذا الحزب الجديد، تحتضر وتستعد لتنتقل بشكل نهائي إلى عالم البرزخ، متيحة الفرصة التاريخية الكبرى للنظرية أو للفلسفة الرابعة، التي ليس بالضرورة أن تكون نقيضا في كل شيء مع تلك الخيارات البائدة، وإنما هي تختلف عنها، في أنها لا تعتمد على القوالب الأيديولوجية الجاهزة والثابتة المسبقة التي تفرض فرضا على المجتمع كنماذج ثابتة ومقدسة، وإنما هي تبني أيديولوجيتها من خلال استحلابها من متطلبات الواقع كما هو، حيث تتغير عندها المعادلات فتنقلب رأسا على عقب، فلن تعود الملكيات والحريات الاقتصادية هي الثوابت التي يجب البحث عن الصيغ الاقتصادية التي تخضع لها مهما كان مردودها على المكونات الثلاث الأخرى التي هي الفقر والبطالة والطبقية، بل العكس هو ما يجب أن يحدث، فالثوابت والأهداف والغايات هي "القضاء على الفقر كليا"، و"إلغاء البطالة كليا"، و"الهبوط بالفوارق الطبقية إلى أدنى الحدود"، أيا كان مردود ذلك على الملكيات والحريات الاقتصادية بعد ذلك. مع أن الأصول الفكرية والأيديولوجية التي يقيم عليها الحزب نظريته الرابعة هذه كثيرة وعميقة وأصيلة ولا تقف عند هذه التوصيفات البسيطة للعلاقة بين الملكيات والحريات الاقتصادية من جهة، وبين الفقر والبطالة والطبقية من جهة أخرى كما يقول الدكتور عكنان.

وإذن فنحن أمام حزب جديد خارج عن المألوف في تأسيساته وتأصيلاته، وسيجد نفسه في الأردن تحديدا يعاند كل التيارات السائدة، وعلى رأسها تيار العشيرة والقبيلة المهيمن، فهل ينجح هذا الحزب ومؤسسوه الذين يعتبرون أنفسهم ما يزالون في بداية الطريق، في التغلب على كل هذه العقبات؟!

لا نستطيع الجزم، ولكن الغريب أن الثقة الكبيرة بأن مشروع الحزب الجاهز والمُعَد، ورؤيته الفلسفية المتكاملة والشاملة التي يمكن قراءتها في مؤلفات المؤسس الدكتور أسامة عكنان المنشورة في أكثر من دولة عربية، وامتلاك هذا المشروع لكل الحلول المطلوبة لمشاكل البلد بالغة الحساسية، يجعلنا نتريث في الحكم، فكأننا أمام ظاهرة جديدة تشهدها الأمة العربية للمرة الأولى..

فلنترقب ما الذي سيجري في الأردن الذي سوف تركز عليه الأعين في الأشهر والسنوات القليلة القادمة، لا بسبب ما سيحدث فيه من منظور الاستراتيجية الأمريكية، بل أيضا بالدرجة الأولى من خلال ما سيحدث فيه على صعيد الحياة الحزبية التي سيعطيها "حزب الأردن الجديد" وبكل تأكيد مذاقا مختلفا، لأنه سيكون هو وتجاذباته مع السلطات الأردنية، ومع باقي الأحزاب العاملة في البلاد، بمثابة بؤرة المشهد الأردني برمته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحة وقمر - قمر الطائي تجرب التاكو السعودي بالكبدة مع الشيف ل


.. لحظة تدمير فيضانات جارفة لجسر وسط الطقس المتقلب بالشرق الأوس




.. بعد 200 يوم.. كتائب القسام: إسرائيل لم تقض على مقاتلينا في غ


.. -طريق التنمية-.. خطة أنقرة للربط بين الخليج العربي وأوروبا ع




.. سمير جعجع لسكاي نيوز عربية: حزب الله هو الأقوى عسكريا لأنه م