الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


. العلم من بارا دايم البساطة الى بارا دايم التعقد:هكذا تحدث إدجار موران (2/2)

السيد نصر الدين السيد

2022 / 7 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


)
للافكار، ايا كان مصدرها، تاريخ صلاحية تنتهي بعده قدرتها على وصف كيانات الواقع وعلىتفسير احداثه. وهذا بالضبط ما حدث صللمفاهيم التي قامت عليها منظومة العلم الحديث في صورته الاولى وهي:
 Qالحتمية العامة"Universal Determinism ،
 “اﻹاختزالية" Reductionism،
 و"الفصل" Disjunction
وهي المفاهيم التي اطلق عليها عالم الاجتماع الفرنسي الشهير إدجار موران Edgar Morin اسم "فكر البساطة
(Morin, 2007).
اﻹاختزالية" Redutionism، و"الفصل" Disjunction (Morin, 2007).
فطبقا له فإن "فكر البساطة"، في سعيه لفهم الواقع الذى يعيش للافكار، طبيعيا كان أو إنسانيا، تحكمه عدة مبادئ مترابطة سويا هي: "الحتمية العامة"Universal Determinism ، "اﻹاختزالية" Redutionism، و"الفصل" Disjunction (Morin, 2007).
وأول هذه المبادئ، مبدأ "الحتمية العامة"، يعنى أن تغير يحدث في أحوال أي كيان يمكن صياغته على صورة قانون يربط بين الأسباب والنتائج يمكنا من "التنبؤ" اليقيني بأحواله المستقبلية انطلاقا من معرفتنا بأحواله الراهنة. وأن هذا القانون يتمتع بصفة العمومية فهو صالح للتطبيق في كل زمان ومكان. أما المبدأ الثاني فهو مبدأ "اﻹاختزالية” الذي ينص على أنه يمكن فهم سلوك أي كيان ككل بـ "تفصيصه" الى مكوناته الأولية ودراسة سلوك كل منها على حدة. وآخر هذه المبادئ الحاكمة لـ "فكر البساطة" هو مبدأ "الفصل" الذي يعنى عزل الأشياء موضوع الدراسة عن السياق الذي تحدث فيه. ويؤدى هذا العزل إلى انقسام المعرفة وتفرقها على "موضوعات" Subjects يعنى بدراسة كل منها "نظام علمي" Discipline بعينه لكل منها مناهج بحثه الخاصة. وبالطبع فإن هذا التقسيم ليس من الخصائص الأصيلة للواقع ولكنه تقسيم اختياري من صنع الإنسان ويتغير بتغير مستوى وعيه. ويؤدى هذا التقسيم المصطنع إلى إنتاج معرفة منقوصة لا تحيط بكافة جوانب الظاهرة موضوع الدراسة.
وفى مقابل "فكر البساطة" هذا قدم لنا مورين "فكر التعقد" الذى يقوم على سبعة مبادئ رئيسية هي (Morin, 2008 Morin & Le Moigne, 1999):
1. مبدأ "المقاربة المنظومية/الإنتظامية" Systemic-Organizational Principle
2. مبدأ "الهولوجرامية" Hologrammic Principle
3. مبدأ "الرجيع" Principle of Feedback
4. مبدأ "التكرارية (العلية الدائرية)" Principle of Recursivity
5. مبدأ "الاستقلال/التبعية" Principle of Autonomy/Dependence (Self-Eco-Organization)
6. مبدأ "الحوارية" Dialogic Principle
7. مبدأ "إعادة الاعتبار للذات المشاهدة"
وأول هذه المبادئ هو مبدأ "المقاربة المنظومية/الإنتظامية". وينطوي الشق الأول ، "المقاربة المنظومية"، على أمران. الأمر الأول هو تمتع أي منظومة بـ “كينونة" Identity تميزها عن الوسط التي توجد فيه وبقدرتها على الحفاظ على كينونتها هذه إزاء ما يحدث من تغيرات بيئية. أما الأمر الثاني فهو أن خصائص المنظومة ككل هي خصائص "مستجدة" (أو "بازغة") Emergent، أي أنها ليست مجرد محصلة لخصائص مكوناتها أو يمكن اشتقاقها من تلك الخصائص. وهي الخصائص التي تجسد قاعدة "علم المنظومات" الشهيرة: "الكل أكبر من مجرد حاصل جمع مكوناته". أما الشق الثاني لهذا المبدأ، "الإنتظامية" (أو "الانتظام الذاتي")، فيؤكد على قدرة المنظومات على تخليق الانتظام بداخلها بدون أي تدخل من خارجها. وهي القدرة التي تقوم على وجود مزيجا متوازنا من "النظام" و"الفوضى". فوجود "النظام" يسمح لها بالدوام والإستمرارية عبر مايوفره من بنى وترتيبات. أما وجود "الفوضى" فهو أمر ضرورى لكلا من عمليتى التكيف والتطور اللازمتان للحفاظ على وجود المنظومة وذلك بوصفه القوة المحركة لإنتاج الجديد. وهو المزيج الذى تنشئه التفاعلات بين مكونات المنظومة إذ تؤدى هذه التفاعلات إلى زيادة قدر الفوضى وإلى دفع المنظومة إلى وضع "حافة الكيوس". وهنا تؤدى هذه التفاعلات مرة أخرى إلى ظهور أوضاع إنتظام جديدة ودواليك.
وثاني هذه المبادئ هو مبدأ "الهولوجرامية" الذي يتجاوز كلا من مبدأي "الاختزالية" Reductionism و"الكلية" Holism. فمبدأ "الاختزالية"، أحد المبادئ الرئيسية لفكر البساطة، يركز، في المقام الأول، على سلوك المكونات الداخلة في تركيب المنظومة أو الظاهرة موضع الدراسة وذلك على حساب المنظومة أو الظاهرة ككل واحد. وفى المقابل يركز مبدأ "الكلية" في المقام الأول على دراسة سلوك وخصائص المنظومة أو الظاهرة ككل واحد لتأتى دراسة سلوك وخصائص مكوناتها في المقام الثاني. وهنا يأتي مبدأ "الهولوجرامية" ليؤكد على ما أطلق عليه لفظة "الاحتواء المتبادل". فكما أن المنظومة أو الظاهرة تحتوي على المكونات التي تشكلها فإن كل مكون من هذه المكونات يحتوي على وصف للكل الذي يحتويه. فجسم الإنسان تشكله الخلايا المكونة له والتي يحتوي كل منها على جزئ الـ "دنا" DNA الذي يحمل وصفا دقيقا لهذا الجسم، أو ما يعرف بالبصمة الوراثية. وبالمثل يتشكل المجتمع البشرى من الأفراد الذي تتمثل خصائص المجتمع ككل بداخلهم عبر اللغة والثقافة السائدتين فيه. وهكذا تتبدى خصائص الكل في صلب تكوين المكونات المشكلة له.
أما المبدأ الثالث من مبادئ "فكر التعقد"، مبدأ "الرجيع (التغذية المرتدة)"، فينطوي على أمران أساسيان. أولهما هو تأكيده على "العلية اللاخطية" Nonlinear Causality التي تحكم سلوك المنظومات المعقدة. فـ "العلية" هي العلاقة بين "العلة (السبب)" و"المعلول (النتيجة، المُسَبب)". ووصف العلية بـ "اللاخطية" يعنى عدم تناسب قدر التغير في الأسباب مع قدر التغير في النتائج. فقد يؤدى تغير بسيط في قدر الأسباب إلى تغير هائل في قدر النتائج وبالعكس. أما ثاني هذه الأمور هو الدور الحيوي الذي يلعبه الرجيع بنوعيه السالب والموجب في تقرير مصير المنظومات المعقدة. فالرجيع السالب يعمل على الحفاظ على هوية المنظومة وذلك بحصر التغيرات التي يمكن تحدث في بناها أو سلوكها في نطاق محدود. بينما يساعد الرجيع الموجب عملية تطور المنظومة عبر تضخيم التغيرات البنيوية والسلوكية التي تساعدها على البقاء.
إذا كان مبدأ "الرجيع" يركز على علاقة العلية بين مخرجات المنظومة ككل (النتائج) ومدخلاتها ككل (الأسباب) فإن المبدأ الرابع، مبدأ "التكرارية"، يعمم مبدأ الرجيع ليشمل كافة العمليات والتحولات بداخل المنظومة. فطبقا لهذا المبدأ يتم التبادل المستمر للأدوار بين "الأسباب (العلل)" و"النتائج (المعلولات)". فـ "نتيجة" سبب ما قد تغير منه وتعدله لينشأ عن تغيره هذا نتيجة جديدة. إنها "العلية (السببية) الدائرية. فعلى سبيل المثال يعتبر المجتمع البشرى نتيجة للتفاعلات بين أفراده ولكنه في نفس الوقت يؤثر على طبيعة هذه التفاعلات.
يتطلب الحفاظ على "استقلال" المنظومة، الذي تجسده هويتها بما تتضمنه من بنى وسلوكيات خاصة، استهلاكا للموارد، مادة وطاقة ومعلومات، التي توفرها لها البيئة الموجودة فيها. أي أننا لا يمكنا الحديث عن "استقلال" المنظومة دون اعتبار "تبعيتها" أو اعتمادها على الموارد المتوفرة في بيئتها للحفاظ على هذا الاستقلال. وهكذا يجمع المبدأ الخامس، مبدأ "الاستقلال/التبعية"، بين مفهومين قد يبدوان متناقضين ولكنهما في حقيقة الأمر متتامان Complementary. كما يرتبط هذا المبدأ أيضا بمفهوم "التطور المتصاحب"، إذ يؤدى تبادل الموارد، مادة وطاقة ومعلومات، بين المنظومة وبيئتها إلى حدوث تغيرات في كل منهما بطريقة متزامنة.
ونصل الآن للمبدأ السادس، مبدأ "الحوارية"، الذي يرفض واحدا من أهم المبادئ التي تحكم "بارادايم البساطة". إنه "قانون الثالث المرفوع"Law of the Excluded Middle الذي ينص، في صورته اللفظية، على "أن الحكم بصحة أمر من الأمور لا يخرج عن اثنتان: فهو إما أن يكون صائبا، أو أن يكون خاطئا". فهذا القانون، الذي وضعه أرسطو (384-322 ق.م) منذ أكثر من ألفى سنة، لا يسمح إلا باختيار واحدا من بين بديلين يستبعد كل منهما الآخر. أي أنه قانون (إما... أو...) الذي لا يسمح بالبين بين في الحكم على الأشياء. وهنا يأتي المبدأ السادس ليؤكد على ضرورة أن تتضمن دراستنا لأي منظومة أو ظاهرة كافة ما قد يبدو متناقضا من تفسيرات. ولعل أبرز مثال لهذا المبدأ هو مبدأ "ثنائية الجسيم-الموجة" Wave-Particle Duality الذي يعتبر من أهم المبادئ التي تقوم عليها الفيزياء الحديثة وفى القلب منها "ميكانيكا الكم" Quantum Mechanics. فالضوء، طبقا لهذا المبدأ، يسلك في بعض الأحيان سلوك الموجات بينما يتصرف في أحيان أخرى كما لو كان تدفقا للجسيمات التي تعرف بالـ "فوتونات" Photons. ولا يقتصر تطبيق هذا المبدأ على الضوء بل تمتد صلاحيته أيضا للجسيمات. فالإلكترون، على سبيل المثال، يمتلك مثل هذه الشخصية المزدوجة إذ يتصرف أحيانا كما لو كان جسيما ماديا بينما يسلك في أحيان أخرى سلوك الموجات.
وأخيرا نصل إلى آخر مبادئ "فكر التعقد" وهو مبدأ "إعادة الاعتبار للذات المشاهدة". وهو المبدأ الذي جاء ليقوض أحد أهم مبادئ "فكر البساطة" وهو مبدأ "الموضوعية المطلقة". وينطوي مبدأ "الموضوعية المطلقة" على فرض الفصل التام بين "الموضوع المُلاحظ" و"الذات الملاحظة" بما يعنيه هذا من عدم تأثر الواقع بفعل الملاحظة وبعدم تأثر أحكام الإنسان الملاحظ وتفسيراته لما يلاحظه بآرائه وتوجهاته الشخصية. ومن الغريب أن تفنيد هذا المبدأ والتشكيك في صحته نبع من العلوم الطبيعية وبالتحديد على أيدي كلا من نظرية النسبية ونظرية الكم. فنظرية النسبية بينت أن إدراك الإنسان للمكان، وما ينطوى عليه من أبعاد، وإحساسه للزمان، بما ينطوى عليه من تعاقب للآحداث، يتوقف على حركته. أما نظرية الكم فقد جاءت بـ "مبدأ اللاتيقن (أو الريبة)" والذي يؤكد على أن مجرد عملية ملاحظة (أو مراقبة) الإنسان للواقع تؤثر على حالته ومن ثم على ما تتم مشاهدته وتسجيله. وقد أدى هذا كله إلى تآكل مبدأ "الموضوعية المطلقة" فالعالم الذي نعيش فيه يتأثر فأفعالنا ويؤثر فيها. لذا لا يمكن الفصل التام بين "الموضوع المُلاحظ" و"الذات الملاحِظة" فوصف وتفسير أي ظاهرة طبيعية أو اجتماعية مرتبط ارتباطا وثيقا بخلفية "الذات الملاحِظة" المعرفية والثقافية. وهنا يأتي مبدأ "إعادة الاعتبار للذات المشاهدة" ليؤكد على أن وصف وتفسير أي ظاهرة طبيعية أو اجتماعية لا يكتمل إلا بأخذ خلفية "الذات الملاحِظة" المعرفية والثقافية في الاعتبار.
توجز هذه المبادئ السبعة الملامح الرئيسية لـ "فكر التعقد" الذى يؤكد مورين (Morin, 2008) على طبيعته الخاصة التي تأخذ في اعتبارها العوامل المحلية والسياقية لما ينتجه الإنسان من معارف، أو بعبارة أخرى "حساسية المعرفة لكلا من سياق إنتاجها وسياق استخدامها". وهو بذلك التوجه يخالف مبدأ "العالمية" Uiversalism الذي تبناه "فكر البساطة" بما ينطوي عليه من الإيمان بصلاحية ما ينتجه عقل الإنسان من أفكار وما يقدمه العلم من تفسيرات لظواهر الواقع للتطبيق في أي سياق. ويمضي مورين قدما ليؤكد على اعتراف "فكر التعقد" بالدور الهام الذي يلعبه "اللاتيقن" Uncertainty في تطور المعرفة وتناميها. فبدون الاعتراف بهذا الدور وبدون أخذه في الاعتبار يصبح كل شيء في حياة الإنسان مقرر سلفا ولا يصبح لـ "الإبداع" والابتكار" و"التجدد" و"التطور" مكانا في هذه الحياة. وأخيرا ينظر مورين لفكر التعقد بوصفه فكرا متعدد الأبعاد. فعلى الرغم من قيام "فكر التعقد" على مبادئ تخالف تلك التي قام عليها "فكر البساطة" إلا أنه يأخذ في اعتباره منتجات ومقاربات هذا الفكر ويضعها في إطار متكامل يتعالى على التقسيم المصطنع الذي أنشأه هذا الفكر للمعرفة.
المراجع
Morin, E. (2007). Restricted Complexity, General Complexity. In C. Gershenson, D. Aerts, & B. Edmonds (Eds.), Worldviews, Science and Us (pp. 5-29). London: World Scientific.
Morin, E. (2008). On Complexity. Cresskill, NJ: Hampton Press.
Morin, E., & Le Moigne, J.-L. (1999). L’ Intelligence de la Complexité. Paris: L’Harmattan.


ل:








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر




.. -يجب عليكم أن تخجلوا من أنفسكم- #حماس تنشر فيديو لرهينة ينتق


.. أنصار الله: نفذنا 3 عمليات إحداها ضد مدمرة أمريكية




.. ??حديث إسرائيلي عن قرب تنفيذ عملية في رفح