الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بي بي سي بين اليوم وأيام زمان

رضي السماك

2022 / 7 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


لعل من المفارقات التاريخية في الإعلام المسموع العربي أن تأسيس أول إذاعة عربية فعلية ومؤثرة جاء على يد السلطات البريطانية عام 1938 ، ألا هي هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي، وكانت السلطات البريطانية حينذاك يوجد لديها عدد من المستعمرات في أقطار المشرق العربي، وجاء تأسيس هذه الإذاعة لغايات سياسية ، وذلك على إثر أستشعارها آنذاك بخطورة تأثير محطة إذاعية إيطالية تبث بالعربية على الرأي العام العربي حيث كانت تلك الإذاعة تروج للسياسات الفاشية التي يتزعمها الزعيم الإيطالي موسوليني . أما ما قبل تأسيس بي بي سي فلم تكن في العالم العربي سواء إذاعات صغيرة خاصة محدودة التأثير، كما في مصر والجزائر وتونس والعراق. ومع أن عام1934 شهد البدايات الأولى لتأسيس الإذاعة المصرية، كما جرت في الفترة 1934- 1939 تحت إدارة الاحتلال الإنجليري تطوراً نسبيا لهذه الإذاعة ، إلا أن بدايتها كإذاعة وطنية مستقلة إنما تمت خلال الفترة من عام 1945 إلى عام 1947.
وعودة لصلب حديثنا عن إذاعة بي بي سي، فمنذ سنوات قليلة أستحدث الإعلامي المصري الدكتور فؤاد عبد الرازق برنامجاً رائعاً تبثه هذه الإذاعة العريقة، وكان بعنوان "ذاكرة إذاعة"، ولا يملك من يتابع أي حلقات هذا البرنامج العتيد والذي يبث نماذج من تسجيلات برامج قديمة راقية، إلا أن يقارن بينها منذ تأسيسها 1938، عشية أندلاع الحرب العالمية الثانية، وبين ما آلت إليه برامجها اليوم منذ أواخر التسعينيات تقريباً أو أوائل الألفية، سواء من حيث مستوى الاداء أو المحتوى، واللذان بالكاد يصلان إلى الحد المتوسط المقبول . كانت بي بي سي تستقطب نخبة متنوعة من الكفاءات الإذاعية من عدة أقطار عربي، لكنها أضحت للأسف تستأثر اليوم بضم أغلبية من مذيعين ومراسلين ينتمون إلى قطر عربي بعينه، وجرى ذلك بغض النظر عن مدى كفاءاتهم الفنية والإعلامية في الصوت والألقاء والفصاحة في النطق السليم بعيداً عن مؤثرات اللهجات المحلية، وكان مذيعو بي بي سي يتمتعون بالثقافة العامة وفن الأسلوب اللبق في التحاور مع ضيوفها والمستمعين المشاركين في برامجها المختلفة، وهذا للأسف ما نفتقد إليه عند معظم -وليس كل - كوادر مذيعيها الجُدد الذين أنضموا إليها منذ نحو عقدين .
وفي ذلك الزمان لم يكن من السهولة بمكان على أي راغب في الانضمام إليها تحقيق رغبته مالم يجتاز أمتحاناً في الصوت والفصاحة اللغوية السليمة في الألقاء فضلا عن الثقافة العربية العامة والإنجليزية ، إذ تميزت باستقطاب نخبة من أفضل الكفاءات الإعلامية العربية، سيما الفلسطينية، وكانت برامجها الراقية تستحوذ أهتمام جمهرة عريضة من المستمعين في العالم العربي، وتستضيف نخبة من كبار رواد الفكر والأدب ونجوم الفن في عالمنا العربي، ولم يمنع خطها" الحيادي" المرسوم لها من الإدارة الإنجليزية -وإن لم يكن حياداً حقيقياً كاملاً- مذيعيها العرب من تعاطفهم مع قضاياهم القومية،وخصوصاً القضية الفلسطينية. وهذا ما عبّرت عنه على سبيل المثال بدقة المذيعة الكبيرةالراحلة مديحة المدفعي: " كانت تمزقنا-كمذيعين عرب- لحظات الصراع الدامي بين المهنة والاحتراف من ناحية والعواطف الثائرة من جهة اخرى". وتضيف المدفعي: حينذاك كنت أرى زملائي الرجال يمسحون الدموع بيد ويقلبون صفحات النشرة بيد اخرى. وتلفت المدفعي الأنتباه إلى حقيقة مهمة لعلها غائبة عن الجميع ، وهي إن القسم العربي في البي بي سي كان أسبق في إدخال مذيعات عربيات لقراءة نشرات الأخبار من القسم الإنجليزي بخمسة عشر عاماً. أما زميلها أفطيم قريطم فيروي كيف أنه صاغ خبر تراجع عبد الناصر عن أستقالته أواخر حرب 1967، ليذيعه ضمن النشرة أكرم فالح، ثم ليذيعه مرة اخري على طريقته الخاصة بعد انتهائه من النشرة مطلقاً عواطفه الجياشة من الفرح : " أيها المواطنون في شتى ارجاء الوطن العربي، أسمحوا لي أن أهنئكم وأهنيء نفسي بعودة بطلنا الحبيب جمال عبد الناصر " ولم يتنبه إلى أن الميكرفون مازال مفتوحا!
وأتذكر حينما كنا في صبانا المبكر (12- 13 عاماً) بأن البي بي سي هي أول من أذاع صباح الخامس من يونيو/ حزيران 1967 أنباء الضربات الجوية الأسرائيلية الموجعة القاصمة للمطارات العسكرية المصرية في ظل أستخفاف وتجاهل مطلق لحقيقتها من قِبل الغالبية الساحقة من المستمعين العرب باعتبارها " "إذاعة أستعمارية مشبوهة" كما حذرنا اساتذتنا الناصريون في المدارس ومثقفونا الأكبر سناً مننا في مناطقنا من تصديقها، بل حتى مجرد متابعتها!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحقيق الأهداف الإسرائيلية في غزة قد يستغرق سنوات


.. ترمب يخطط لإرسال 100 ألف متطوع ومحام لمراقبة الانتخابات المق




.. بعد 200 يوم من الحرب.. الفلسطينيون في القطاع يرزحون تحت القص


.. هل دعا نتنياهو إلى إعادة استيطان غزة؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. روسيا تكثف الضغط على الجبهات الأوكرانية | #غرفة_الأخبار