الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لجان المقاومة، أشباح تنظم احتجاجات السودان

راتب شعبو

2022 / 7 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


يتراجع الاهتمام اليوم بالثورة السودانية بتأثير انشغال العالم بأحداث أكثر إثارة، على أن ثمة ما يحملنا على القول إن ما يجري في السودان، على التمايز مع ما جرى ويجري في بقية البلدان العربية التي شهدت ثورات في العقد المنصرم، يحمل في ثناياه إضاءة أو معنى قد يفتح أفقاً للتغيير السياسي الجدي في بلداننا.
عرضت علينا الثورة السودانية، منذ انطلاقها في أواخر 2018، ما يستحق التأمل والاعتبار، فهي الثورة التي نجحت إلى حد كبير، رغم وعورة طريقها ورغم انتكاساتها، كغيرها من الثورات في البلدان العربية، في فرض وزن الشارع ونظرته ومواقفه على مراكز صنع القرار، أكانت مراكز قرار سلطة حاكمة أو مراكز قرار في أطراف أو أحزاب سياسية معارضة أو مؤثرة. في السودان تمكن الشارع من أن يؤطر وينظم حضوره المدني باستقلال معقول عن القوى السياسية التي باتت مجبرة على الإصغاء إلى صوت الشارع وأخذ ثقله المدني بعين الاعتبار.
الشارع السوداني ليس مجرد مادة تتنافس عليها الأحزاب، فقد تبين أن هناك جزءاً فاعلاً من الجمهور السوداني ومن النخبة السودانية، وعلى نحو خاص الفئة الشابة، له استقلالية نسبية عن الأحزاب، وليس تابعاً منفعلاً لتوجهاتها. لا الأحزاب تمكنت من استتباع هذا الجمهور، ولا الأطر المدنية لهذا الجمهور تحزبت وباتت بوصلتها النضالية تهتدي، كما كل الأحزاب، بمنارة اسمها الوصول إلى السلطة السياسية، بل تهتدي بالحاجات المباشرة للناس (رفع الدعم عن السلع الأساسية مثلاً) كما بالمبادئ العامة غير القابلة للتفاوض (رفض حكم العسكر مثلاً).
وعليه فإن الجمهور السوداني الشاب بات يشكل وزناً بذاته، وصوتاً يوجب على جميع الممثلين السياسيين الإصغاء إليه. الجديد هو أن هذا الصوت ليس انفعالياً و"عفوياً"، بل يمتلك رؤية وثبات يساهم في رفع سقف الحياة السياسية، رغم أنه صوت غير سياسي بحصر المعنى. نقصد بذلك أن هذه الأطر المدنية (المثالان البارزان هما تجمع المهنيين السودانيين، ولجان المقاومة أو لجان الأحياء) لا تسعى إلى السلطة ولا تفاوض على اقتسام السلطة بل تشكل رافعة للمطالب السياسية من خلال ثباتها على مطالب محددة أهمها استبعاد العسكر عن الحكم. هذا يكتسب أهميته بوجه خاص إذا علمنا أن هذه التشكيلات أو الأطر الشعبية التي يمكن وصفها بأنها تشكيلات مدنية سياسية وسيطة، كانت قادرة دائماً على حشد الشارع والحفاظ على استمرارية الاحتجاجات مستفيدة من محليتها ولا مركزيتها بشكل سمح بأن لا تتقطع صلاتها بالناس مع القطع المتعمد للنت في البلاد، ما جعل الاحتجاجات تستمر بشكل دفع إحدى الصحف المتابعة للموضوع السوداني لوصف الحال بالقول إن هناك أشباحاً تنظم احتجاجات السودان.
"إن لجان المقاومة لم تدّعِ في أي يوم من الأيام بأنها قادرة وحدها على خلق الواقع الجديد، أو بمعنى قلب نظام الحكم أو أن تقود الفعل المضاد للانقلاب، لكن الادعاء الأكبر بالنسبة للجان المقاومة أنها تتصدى لمسؤولية تهيئة المناخ للتغيير المقبل، بمعنى لا تفاوض الانقلاب ولا تتشارك معه في الحكم، ولا تتطلع أن تكون جزءاً منه، وهذا التزام قوي مارسته هذه اللجان وما زالت تحافظ عليه"، يقول أحد ابرز عناصر اللجان في وعي واضح لدورها وحدودها، ويضيف: "من الملاحظ أن لجان المقاومة قامت برفع سقف مطالبها لأقصى حد، وما زالت مصرة عليه، وهو يعني عدم العودة للوراء سواء بالاحتيال أو الانقلاب أو بأي وسيلة غير موضوعية أخرى، وهذا في حد ذاته عمل وطني تحمد عليه هذه اللجان على الرغم من التضحية الباهظة الثمن والمستمرة، إذ فقدت 81 قتيلاً من شبابها، وآلاف الإصابات، منذ انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الثاني 2021".
لجان المقاومة لا تكتفي بصيانة شعلة الثورة والاحتفاظ بتعبئة دائمة للشارع السوداني، بل تضع أهدافاً ورؤية عامة من منظور غير حزبي، وتستخدم الشارع للدفاع عن مطالبها دون أن يكون في منظورها المشاركة في الحكم. فهي لا تتنازل عن إسقاط الانقلاب العسكري ومحاسبة الضالعين فيه سواء من العسكر أو القوى المدنية، وتصر على إبعاد العسكر تماماً عن الحكم، وبذلك فإنها ترفع، مدعومة بوزنها في الشارع، من سقف الحياة السياسية.
هذا يقول إن السودان في وضعه الحالي، حتى في ظل إصرار العسكر على السيادة، وفي ظل غلبة التشتت على الأحزاب والقوى السياسية غير العسكرية، هو أقرب إلى الديموقراطية قياساً بأي من التجارب العربية الأخرى، وإن السودان يؤسس لعلاقة أكثر ديموقراطية بين السلطة السياسية والمجتمع من خلال بروز وتبلور هذه التنظيمات الشعبية الوسيطة التي تكمن وظيفتها في إدامة حضور الشارع وفاعليته وتأثيره على الحياة السياسية. المقياس الأساسي للديموقراطية هو استمرار يقظة الناس تجاه الفاعلين السياسيين، ومدى عدم التسليم أو الركون لفكرة إن الممثلين السياسيين "يمثلون" الناس فعلاً.
إذا وضعنا جانباً انتفاضتي أكتوبر/تشرين الأول 2019 في لبنان والعراق، على اعتبار أن البيئة السياسية لهما مختلفة عنها في بقية البلدان العربية التي شهدت ثورات، نجد أن السودان هو البلد الوحيد الذي لم يكن للإسلاميين حضور يذكر في حراكها الشعبي المعارض للنظام. الترافق بين غياب الإسلاميين عن الحراك السوداني وبين احتفاظ هذا الحراك بالسلمية رغم تعرض المتظاهرين والمعتصمين للعنف الذي بلغ ذروته في فض اعتصام القيادة العامة في 3 حزيران/يونيو 2019، يشكل أساساً أولياً لاعتبار أن الإسلاميين، بقدر امتلائهم بأحقيتهم وبقدر يقينيتهم، يشكلون خطراً حين يشاركون في الثورات، ليس فقط بسبب نزوع غالبيتهم إلى العنف، بل أيضاً بسبب عسر انفتاحهم على الآخرين. لذلك فإن القدرات الممتازة للإسلاميين في التواصل والتنظيم واستعدادهم الكبير للعمل والتضحية، تتلاشى فاعليتها دون أن تثمر التغيير الذي يرجوه الناس، نقصد ردم الهوة بين السلطة والمجتمع، ديمومة حضور وزن الشارع في صناعة القرارات العامة.
يسمح لنا ما يعرضه الصراع في السودان من بروز وتبلور التشكيلات الشعبية الوسيطة والمستقلة، التي تشكل، في صلتها المباشرة بالشارع وقدرتها على الحشد والتعبير المباشر عن الناس، ضغطاً مستمرة على نخبة الحكم كما على نخب "المعارضة"، بنفض اليأس الذي كرسته التشكيلات السياسية، وفتح صفحة من الأمل تقوم على مثل هذه التشكيلات المدنية الوسيطة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إنسحاب وحدات الجيش الإسرائيلي وقصف مكثف لشمال القطاع | الأخب


.. صنّاع الشهرة - تيك توكر تطلب يد عريس ??.. وكيف تجني الأموال




.. إيران تتوعد بمحو إسرائيل وتدرس بدقة سيناريوهات المواجهة


.. بآلاف الجنود.. روسيا تحاول اقتحام منطقة استراتيجية شرق أوكرا




.. «حزب الله» يشن أعمق هجوم داخل إسرائيل.. هل تتطورالاشتباكات إ