الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-دولة فلسطينية ، ولكن..

سعيد مضيه

2022 / 7 / 19
القضية الفلسطينية


دولة فلسطينية ...لكن !

تحت قناع تحرير الكويت نجحت الولايات المتحدة في إلحاق هزيمة بالجيش العراقي والانتصار في حرب الخليج الأولى. حينئذ هتف بوش الأب : بحق الإله، لقد ركلنا بأقدامنا عرَض فييتنام مرة وإلى الأبد. إذن لم تخض أميركا الحرب حبا في سواد عيون شيوخ الكويت ؛ إنما كانت لمحو عرض حرب فييتنام؛ بعد الحرب المديدة والتي سببت ازمة اقتصادية لعالم الرأسمال أسفرت عن فتور النشاط العسكري الأميركي. بعد حرب الخليج الأولى "استعادت العسكرية الأميركية ثقتها بالنفس ، وانها يمكن أن تكسب الحرب بتكاليف مقبولة"، كما كتب،متشائما، أستاذ العلاقات الدولية ، الأكاديمي ريتشارد فالك. أضاف البروفيسور فالك، " تولد تصميم بدا وكأنه مضاد لمرحلة ما بعد الحرب الباردة ، لإدارة العالم لمصلحة الواحد بالمائة . ما من بينة على تعلم في هذا المجال يشير الى أن الولايات المتحدة الأميركية بصدد التحول لإحداث خفض كبير في موازنة الحرب . وقبل حرب اكرانيا أفضت الدبلوماسية الأميركية بحلف الناتو الى السعي الحثيث لإشعال الحروب بدلا من السعي لمنع الحروب ؛ فارضة ً نظام القطب الواحد المكروه من قبل الجنوب العالمي كما هو مكروه من قبل روسيا والصين. إصرار من جانب الولايات المتحدة على أن امن العالم في أي بقعة على سطح كوكبنا لا يهم إلا بنوك المعلومات واللوبيين والنخبة العليا من بيروقراطية السياسات الخارجية بالولايات المتحدة" .
بالمقابل، نقل البروفيسور فالك عن باربارا وولترز في بحث نشر مؤخرا أن الولايات المتحدة قد تنزلق الى حرب أهلية ثانية. وبصدد نتائج حرب فييتنام ثم حرب أفغانستان تولد تفكير بأن الدرس الرئيس للحرب يؤكد ان الحشد السياسي لشعوب الجنوب العالمي خلف النضال من أجل حق تقرير المصير القومي بمقدوره تحييد، وفي الأغلب التغلب، في نهاية الأمر،على قوة خارجية متفوقة بنسب كبيرة في المجال العسكري، خاصة إذا انتمت للغرب".
مصير العالم يتقرر بواحد من احتمالين متناقضين: يقول فالك ، "ليس مستغربا في مازق كهذا بروز مجموعة ذات عزيمة وحماس تحدوها رغبة السيطرة على المستقبل، ما لم تتصدى لها طاقة تقدمية ، تنطلق من حيث لا نحتسب تمكّن حركة اجتماعية جديدة مندفعة بأشواق سياسات اخلاقية تحافظ على البيئة ، وتستخدم الأموال بحكمة وإنتاجية في الداخل والخارج". غير ان انفراد الولايات المتحدة بتوجيه السياسة الدولية لحلف الأطلسي ، كما يتضح في حرب أكرانيا، تحشر البلاد في دينامية طويلة وعالية الكلفة ، محفوفة بالخسائر والتوترات ، يجري تمويهها بخديعة خطرة حول الطبيعة الحقيقية للمهمة الاستراتيجية- تعريض أكرانيا لحرب طويلة من أجل إنهاك روسيا وتحذير الصين" . الإدارة الأميركية تدافع عن نظام القطب الواحد، تريد تخليده الى إشعار آخر.
ضمن التوجه الدبلوماسي للولايات المتحدة رحل الرئيس الأميركي الى الشرق الأوسط. جميع المراقبين يرون ان النتائج الحقيقية للرحلة سوف تتضح في زمن لاحق . والمؤكد أنه تم التوصل مع إسرائيل الى تطوير للاستراتيجية المشتركة، استجابة لمقتضيات السياسة الخارجية للولايات المتحدة. تم الاتفاق الاستراتيجي الجديد بدون أدنى تحفظ على الاستيطان المتواصل. لوحظ تعمد رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال في إسرائيل الإشارة الى انتهاك القانون الدولي في الهجوم الروسي على أكرانيا ، ولم يجد من يذكره بانتهاكات نهج إسرائيل بالمنطقة للقانون الدولي الإنساني. إسرائيل التي دشنت باتفاقيات امنية عملية التطبيع مع الدول العربية لا تتردد، ومعها الولايات المتحدة ودول الأطلسي والمطبعون العرب، في اتهام إيران بالتدخل في الشئون الداخلية لبلدان المنطقة!
ولدى الانتقال الى العالم العربي سمح بايدن بإخضاع اللقاءات لكشافات الإعلام . نقلت بالكامل كلمة الرئيس الفلسطيني، اكتفى الرئيس الأميركي بتاييد حل الدولتين ولكن..!! من تركة الراحل أوري أفنيري في سياق دفاعه عن التعايش والسلام في فلسطين، تعبير سيسي أطلق عليه " يسار، ولكن..." ، يقول : "عند مواجهة هاتين الكلمتين في التلفزيون والإذاعة والصحف ، يراودني في بعض الأحيان شعور بالدعاء: ‘ربي اعطني فاشيين حقيقيين بدلا من هؤلاء‘اليساريين ، ولكن’". صك التعبير في سياق مقال حول عدوان إسرائيل على لبنان عام 2006. أيد النفر المكنى " يسار ولكن" الحرب حين اندلعت وفي أواخر العدوان طالبوا بوقف الحرب. تساءل افنيري:" ما هو المنطق الذي يكمن وراء هذا الموقف؟" يطرح في السياق تفسيرات اعتبرها سطحية؛ ثم انتقل الى الحقيقة: اليسار "عانى من تناقض داخلي؛ الحركة الصهيونية قومية اشتراكية... هاشومير هتصعير الذي اصبح يحمل الاسم ميريتس، حمل شعارا رسميا يقول :‘من أجل الصهيونية والاشتراكية وأخوة الشعوب’. لم يكن ترتيب كلماته عشوائيا، بل معبرا عن الأولويات الحقيقية...اهم إنجازات الحزب ‘ اليساري’كان الاستيطان على الأراضي التي تم شراؤها بعد طرد الفلاحين الذين اعتنوا بها وفلحوهالأجيال. وبعد إنشاء دولة إسرائيل تمركزت كيبوتسات ‘هاشومير هتسعير’ على اراضي المهجرين والأراضي التي تمت مصادرتها من مواطني إسرائيل العرب... وهكذا الكثير من الصهيونية والقليل من أخوة الشعوب. هذا هو مصدر انفصام شخصية ‘اليسار، ولكن’" .
بالمثل تشكل تناقض بايدن ، صاحب القول المأثور "لا يشترط في الصهيوني أن يكون يهوديا"، وضع نفسه في صدارة المحافظين الجدد ، دعاة المسيحية الصهيونية؛ هو ملتزم بدمج المشروع الصهيوني الاقتلاعي بفلسطين مع برنامج "القرن الأميركي" كما أسماه المحافظون الجدد – يحمل مشروع الهيمنة الدولية للولايات المتحدة الأميركية. بموجبه تدمج إسرائيل في تحالف استراتيجي غير مسبوق مغ نهج السياسة الخارجية الأميركية. وفي نفس الوقت التزم ببرنامج حزبه حول القضية الفلسطينية : "دولة فلسطينية ، ولكن" .. "لكن تجب ما قبلها! مزيدا من الاستيطان وقليلا من حقوق الشعب الفلسطيني. غموض بايدن المريب يشفع لصراحة ترمب؛ أفصح عن استراتيجية الدبلوماسية الأميركية بالشرق الأوسط. وطالما أن القيادة الفلسطينية ربطت قضية شعبها بأرجل الامبريالية فما المانع في أن تخوض الامبريالية بها في وحول سياساتها . وللرئيس أبو مازن أن يقول ما يشاء في كل مناسبة تلوح. الأقوال لم تصنع التاريخ، إن لم ترشد الأفعال.
أثناء عرض القضية الفلسطينية على الأمم المتحدة حذر فريق داخل وزارة الخارجية الأميركية من الموافقة على تقسيم فلسطين ، فذلك يضرب المصالح الأميركية بالمنطقة، خاصة النفط . حينئذ وجهت الإدارة الأميركية – إدارة ترومان- سؤالا الى الملك عبد العزيز آل سعود هل انتم تدمجون الاقتصاد بالسياسة؟ استفسر طويل العمر، وجاء الرد هل يؤثر التصويت بالأمم المتحدة على تدفق النفط الى العالم "الحر". انتفض طويل العمر وقال لا ، وكررها ثلاثا ، نحن نفصل النفط عن القضية الفلسطينية. حينئذ أبعد من وزارة الخارجية الأميركية جميع الذين حذروا من الموافقة على تقسيم فلسطين وتمت الموافقة على جريمة تقويض المجتمع الفلسطيني، قسمت دولته وهجرقسم كبير منه. وكما أورد إيلان بابيه في كتابه " التطهير العرقي في فلسطين" استولى النهم على بن غوريون واقترح الاستيلاء على نابلس ، غير ان الدائرة الضيقة المحيطة حذرت من أن الاستيلاء على نابلس يستتبع تهجير سكانها بالقوة، الأمر الذي يفضح عملية التطهير التي تمت عامي 1948-49 ؛ ولم يعرقل ذلك أو يعطل تصاعد نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
وفي العام1969 طرح وزير خارجية اميركا، روجرز، فكرة انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة خطوة تمهيدية لإقرار السلام بالمنطقة. عارض مقترح الوزير الأميركي إسرائيل والفصائل الفلسطينية ، شنوا حملة ضد عبد الناصر الذي قبل الاقتراح وتعامل معه دون أن يرتقوا لتفهم رؤية وبصيرة عبد الناصر . سأل دايان الخارجية الأميركية: لماذا الاقتراح ؟ جاء الرد حفاظا على أصدقائنا العرب!
حمل عدوان حزيران في حينه كنية "حرب الأيام الستة " ، علما أنه لم يستغرق سوى دقائق الضربة الجوية لمطارات مصر العسكرية. الكنية المقحمة مستقاة من قصة الخلق في ستة أيام ثم استوى على العرش ، مثالا بعملية استيلاء إسرائيل والتحالف الاستراتيجي الأميركي – الإسرائيلي على عرش المنطقة . أجل، استهدف العدوان الإسرائيلي ، المؤيد أميركيا، إعادة إخضاع المنطقة للهيمة. عجل ذلك وجسده واقعا على الأرض تغلغل الليبرالية الجديدة ، اقتصادا وثقافة، في الشرق الأوسط والعالم أجمع . لم توقف إسرائيل والامبريالية الأميركية جهودها لإحداث التغييرات بالمنطقة معتمدة على إبعاد مصر بقيادة السادات ثم مبارك، عن جبهة المقاومة العربية. وحقق التحالف نجاحات ضخمة في المضمار تحولت المنطقة برمتها الى التبعية الأميركية وصدّرت إسرائيل والولايات المتحدة القتن الطائفية والعرقية أشغلتها عن مساندة الشعب الفلسطيني مع موجة تهويد الأرض. مرة ثانية يخذل الواقع العربي القضية الفلسطينية، وتثبت إسرائيل والصهيونية ان رؤيتها لأوضاع الشرق الأوسط هي الأكثر موضوعية من رؤية الدبلوماسية الأميركية.
ارتفعت مكانة إسرائيل في المعسكر الامبريالي، وتشكل تحالف إستراتيجي اميركي –إسرائيلي ، واكتسبت الحركة الصهيونية مزيدا من التأييد داخل المجتمع الإميركي، يهودا ومسيحيين؛ تشكل تجمع المحافظين الجدد ونواته المسيحية الأصولية، تضخمت ماكينة الدعاية اليمينة بانضمام مجلات ومراكز أبحاث وفضائيات وشبكات اتصالات الى التحالف الاستراتيجي.
في ظل فاشية الليبرالية الجديدة تم تقليص الديمقراطية الأميركية واستولت الشركات الكبرى على الكونغرس والهيئات التشريعية كافة، وكذلك على جهاز القضاء ، خاصة المحكمة العليا. تقترب اميركا من النظام الشمولي ومن سيطرة الفاشية على الحكم. تعزز التيار الفاشي داخل المجتمع الأميركي مع تفاقم النزعة العدوانية للامبريالية الأميركية.
قصر نظر الدبلوسيين الأميركيين يتجلى امام بصيرة نفاذة للشعر. فالك ينظر في آفاق النهج السياسي للولايات المتحدة : "هذا الاندفاع نحو الفاشية ليس السيناريو الوحيد المتاح لمستقبل اميركا شديد الغموض في ضوء العدوان بالخارج. الشاعر الأميركي ، ييتس ، تنبأ بمخرج من المازق تخيله قبل مدة طويلة من تشكل المازق الراهن. "لكن" يقول فالك، " علينا ان لا نصاب بالدهشة إن وجدنا لدى الشعراء رؤية مستقبلية أوضح واكثر إنسانية مما يجترحه جهابذة السياسة الخارجية ، ممن يبقون موثقين بدورات انتخابية او استعراضات أخرى اوتقراطية". نبوءة ييتس تقول:
الأشياء تتشظى؛ ينوء المركز بأثقاله

وتندلق على العالم المزيد من الفوضوية
مهمة بايدن، اختزلها في مقالة نشرها بصحيفة واشنطن بوست أن "الزيارة للحفاظ على بلاده قوية وآمنة."، أي الحفاظ على المصالح الامبريالية بالمنطقة والعالم: إلحاق الهزيمة بروسيا، زيادة كميات النفط والغاز مصدرا للطاقة يسفر عن خنق روسيا، وهزيمتها مثلما انهزم الاتحاد السوفييتي في الحرب الباردة ! ولو استتبع ذلك اطالة امد الحرب في اكرانيا ! وكان لبايدن ما أراد من الشرق الأوسط، وربما يكون المنطقة الوحيدة بالعالم ينال فيها بايدن مأربه! بينما اختلطت كلمات الرؤساء العرب مع أغبرة الواقع العربي ووحول السياسات الامبريالية.
انفتح لقاء جدة على الجمهور القلق من رحلة بايدن المشؤومة؛ برأ كل رئيس نفسه من دنس الارتباط بحلف عسكري مع إسرائيل وغرق في مستنقع "دولة فلسطينية ، ولكن..!!" قيادتنا في فلسطين والقيادات العربية رهنت القضية ، مع انتظار الذي لن يجيء.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هي نعمت شفيق؟ ولماذا اتهمت بتأجيج الأوضاع في الجامعات الأ


.. لماذا تحارب الدول التطبيق الأكثر فرفشة وشبابًا؟ | ببساطة مع




.. سهرات ومعارض ثقافية.. المدينة القديمة في طرابلس الليبية تعود


.. لبنان وإسرائيل.. نقطة اللاعودة؟ | #الظهيرة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية لحزب الله جنوبي لبنا