الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشيخ حسين شحادة فقيه التغيير (2)

عبد الحسين شعبان

2022 / 7 / 19
الادب والفن


المرحلة الثالثة هي المرحلة الأفريقية
انتقل في مطلع العام 1978 إلى أفريقيا إماماً للجالية اللبنانية في سيراليون، ثم ترأس الجمعية الإسلامية الثقافية، وقد عمل على إصدار نشرتين هما: الأولى باسم "بلال" والثانية باسم "الأنصار" وتعاون في الوقت نفسه مع جامعتين ليعطي لنشاطه بُعداً ثقافياً ودراسياً، ومن منجزه في تلك الفترة: تأسيس جمعية للمرأة الأفريقية، ضمت أفارقة ومغتربين، وإنشاء الحوزة الأولى في غرب أفريقيا، كما نظم عدداً من المؤتمرات لما سمّي بالصحوة الإسلامية.
وكان يعقد مؤتمراً سنوياً يدعو إليه عرب وأفارقة ويدعم جمعيات للصداقة الأفريقية العربية، كما يستضيف بعض قادة أفريقيا فيها منهم الشخصية النيجيرية زكزكي، وكان يسعى لإنشاء لوبي عربي وإسلامي لمواجهة اللوبي الصهيوني كما يقول. وقد عقد مؤتمراً كبيراً في العام 1982 في مدينة فري تاون (عاصمة سيراليون) وذلك لتعزيز العلاقات العربية - الأفريقية، وكثيراً ما كان ميله إلى جانب شعوبها في مواجهة البؤس والتخلّف والأمية وآثار الاستعمار والاستعباد القديمة والجديدة، وقد لفت ذلك الانتباه إليه "إسرائيلياً" فحيكت مؤامرات ودسائس وضغوط ضده من أجل إخراجه من أفريقيا، لاسيّما وقد كان مرصوداً في رحلاته إلى لندن وباريس ونشاطه هناك.
وهكذا دفع ثمناً باهظاً بفعل التغلغل "الإسرائيلي" في القارة السوداء يتعلّق بمستقبله حيث اضطرّ لمغادرة موقع عمله وأصبح وضعه لا يحسد عليه. وبدلاً من تكوين لوبي عربي في أفريقيا بدأ اللوبي الصهيوني يظهر بقوة مصحوبة بمساعدات ومشاريع واستثمارات، بعد أن كانت 30 دولة أفريقية قد قطعت علاقاتها مع "إسرائيل" وذلك بعد عدوان العام 1967 وحرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، لكنها في الثمانينات أعادت العلاقات الدبلوماسية، بل إن بعضها منح " إسرائيل" امتياز "الدولة الأكثر رعاية" بسبب النكوص العربي وغياب الحد الأدنى من التضامن العربي، كما أن تراجع الوضع الدولي وانحلال الكتلة الاشتراكية، ساهم في تعزيز دورها وإعادة علاقاتها مع العالم وفك جزء من عزلتها بعد أن كانت الأمم المتحدة قد دمغت الصهيونية بالعنصرية واعتبرتها "شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري" بالقرار 3379 الصادر في 10 تشرين الثاني (نوفمبر) العام 1975، لكنها عادت عن قرارها هذا وألغته في سابقة قانونية دولية خطيرة في كانون الأول (ديسمبر) 1991.
يقول الشيخ حسين شحادة إن أحد رؤساء أفريقيا قال له: لقد قطعنا علاقاتنا مع "إسرائيل" تضامناً مع العرب، وبالتحديد مع مصر والمغرب، وكنّا ننتظر أن ينفتح علينا العالم العربي والبلدان الإسلامية، بالاستثمارات والمشاريع والعلاقات التجارية والاقتصادية وفقاً للمصالح المشتركة والأهداف المشتركة، وإذا بنا نفاجأ بأن العرب وخصوصاً الدول النفطية تدير ظهرها لنا وهي تشاهد الفقر والتخلف الذي نعيشه، حتى أننا ذهلنا حين رأينا العلم "الإسرائيلي" يرفرف في القاهرة بعد كامب ديفيد وفي عدد من البلدان العربية، وأصبح التطبيع أمراً رسمياً قائماً مع بعض الدول العربية، فكيف تريدنا أن نتصرّف وشعوبنا جائعة وتعاني من الأمراض والأوبئة؟
وأضاف الرئيس الأفريقي مخاطباً الشيخ حسين: وبدلاً من مكافأتنا إنسانياً ببناء مستشفيات ومستوصفات ومدارس وشق طرق وإقامة جسور وتشييد بنية تحتية لتنمية بلداننا وتحسين ظروف عيشنا وحياتناـ وإذا بأحد الحكام العرب يرسل لنا شيكاً يخصصه لبناء جامع، علماً بأن لدينا ما يكفي من الجوامع والمساجد، بل يزيد عن حاجتنا أحياناً، في حين أننا نعاني من شظف العيش وشحّ الموارد، وفي الوقت نفسه نتعرض إلى مغريات وضغوط كبيرة، فكيف تريدنا أن نتصرف؟ وكيف نطعم شعوبنا؟ وهذا ما كان من تأثير للوبي الصهيوني في أفريقيا ابتداء من أثيوبيا وأريتريا وزائير (جمهورية الكونغو الديمقراطية) والكاميرون وكينيا ورواندا وجنوب السودان وأوغندا وغيرها.
المرحلة الرابعة فهي "المرحلة الأوروبية"
تداخلت هذه المرحلة مع المرحلة الأفريقية، فقد شملت نشاطاً ملحوظاً وعملاً فكرياً متواصلاً، حيث اشتغل مع ثلّة من رفاقه على تأسيس مركز رابطة آل البيت الإسلامي في لندن والتي ضمّت السيد مهدي الحكيم والسيد محمد بحر العلوم والسيد أختر رضوي والسيد محمد حسين فضل الله، وقد استضاف المؤتمر الأول الشيخ محمد مهدي شمس الدين.
وأستطيع القول بأن أدوات الشيخ حسين شحادة في النقد والعقلانية بدأت تنضج تزامناً مع انتهاء هذه المرحلة، تلك التي طوت صفحة المرحلة التبشيرية العاطفية، وارتفع فيها رصيد التساؤلية النقدية، حيث امتاز بقدرته على بلورة مشاريع وتقديم مبادرات وإثارة أفكار، فضلاً عن تأثره بالجديد واستعداده لقبوله خارج دائرة الأيديولوجيا المسبقة، وفي حواراته الأوروبية كنت أتابع قضيتين أساسيتين شغلتاه جدياً، أولهما: موضوع العرب والهويّة، وثانيهما - العرب والاندماج، ففي الأولى كان يطرح كيف نحافظ على خصوصيتنا دون انغلاق؟ وفي الثانية كان يثير سؤالاً حيوياً: كيف نندمج بمجتمعاتنا الجديدة ونتعامل مع قوانينها باحترام وتقدير دون تحلّل عن هويتنا؟ وأظنّه كان متقدّماً على مجايليه في هذا الشأن، وهو ما أسجّله له وقد لمسته مباشرة، إضافة على متابعاتي العديدة لنشاطه وحركته وما يكتبه على هذا الصعيد.
وكان ذلك قبل الأطروحات التي تبلورت في التسعينات وفي تساوق معها بشأن الإسلاموفوبيا " الرهاب من الإسلام" في الغرب، والويستفوبيا "الرهاب من الغرب" من جانب العرب والمسلمين، وخارج نطاق الويستلوجيا أي تمجيد الغرب لنفسه في كل شيء وتفضيله وتنزيهه من الآثام بما في ذلك من بعض النزعات الاغترابية لدينا أو الإسلامولوجيا أي تنزيه المسلمين والعرب عن كل الارتكابات وتقديسهم لأنفسهم وتراثهم بما فيه من آثام أحياناً، في مقابل تدنيس الغرب وإنساب كل الآثام والكبائر إليه، فهو عنصري ومستعمر وإرهابي ومرتكب، دون تفريق بين الغرب السياسي والغرب الثقافي وهو الوجه الآخر للأطروحات الغربية التي تلصق كل شيء سيء بالعرب والمسلمين، فهم خسيسون ومتعصبون ومتخلفون وإرهابيون ودينهم يحضّهم على العنف.
كان الشيخ حسين داعياً لمدّ الجسور وتصحيح التاريخ القديم والحديث مما علق به من ترهات، سواء واقعياً وثقافياً بما له خلفية بـ المستعمِر والمستعمَر، أي التابع والمتبوع، إلى علاقة حسن الجوار والصداقة والثقافة والمصالح، ولاسيّما في حوض البحر المتوسط بضفتيّه، على أساس المشترك الإنساني الأساس والجوهر في الأديان والفلسفات والعلاقات المتكافئة والمتساوية بين بني البشر، للتكامل الإنساني، عبر التفاعل والتواصل، فالعالم متشابك ومتداخل ليس بفعل العولمة فحسب، بل بفعل الواقع وهو ما يدلّ عليه تاريخ الأمم والشعوب وعلاقاتها من الحضارات القديمة إلى اليوم.
لعلّ التنوّع والتعددية التي عاش في كنفها الشيخ حسين أدياناً ولغات وقوميات وجنسيات وحضارات وثقافات وألوان أكسبته غنى وتقبلاً للآخر وللحق، بغض النظر عن الاختلاف، وانطلاقاً من فهمه للدين وللقرآن: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم" (سورة الحجرات، آية 13) ، كان الشيخ حسين تلقائياً داعياً للحوار ومدافعاً ومنافحاً عن الحق ولعلّ لسان حاله يتمثل في قول ابن عربي " من أحب الحق وغار عليه فهو مع حبّه لا مع الحق، العارف لا يغير على الحق، بل يعشقه إلى عباده ويحبّبه إليهم ".
ومن هذا المنطلق فقد انشغل في دراسة فكر النهضة وأسباب إخفاقنا، فقد كان يقول: لقد ابتلينا فكراً وممارسة بنزعتين متخلفتين هما: الأولى نزعة التخوين السياسي والاتهامات والشكوك، وهي مغلّفة بادعاء الأفضليات بهدف التسيّد والإقصاء والتهميش، والثانية نزعة التكفير الديني أي إثارة أنواع من التشكيك الديني والطائفي وتأثيم الآخر وتحريمه وتجريمه وتفسيقه، بزعم الفرقة الناجية التي تمتلك الحقيقة وحدها دون سواها.
ويعتبر الشيخ حسين أن هاتين النزعتين، إضافة إلى غياب الحرّية واستمرار الاستعباد الخارجي والداخلي، ناهيك عن عدم نجاح مشاريع التنمية كان من عوامل الإخفاق الكبرى، لاسيّما باستبعاد الحوار والرأي الآخر، وكان قد قدم دراسة مؤثرة بعنوان "كيف نختلف ونكون سعداء؟"، وهو من الفقهاء الذين يؤمنون إيماناً حقيقياً وليس شكلياً أو مظهرياً بحرية الاعتقاد وقد تعمق في ذلك مم خلال دراسته عن: الدين والأيديولوجيا والدين والحق والدين وحرية المعتقد والدين والعلمانية.
وقد دعا إلى "علمانية مؤمنة" أو "علمانية عادلة" كما أسماها لاحقاً، وكنت قد ناقشته في موضوع الإيمان وعدم الإيمان، بأن وضعت العدل أولاً فهو والحرّية الأساس الذي لا غنى عنه لأي مشروع فكري أو ثقافي أو سياسي للحكم أو للتغيير، وعاد وكتب العلمانية ليست مذهباً لكي نقابلها بموضوع ديني أو مذهبي، إنها افتراض لشكل حكم يضع للدين مكاناً محترماً ويضع للدولة قوانينها التي ينبغي أن تكون محترمة ويخضع لها الجميع، مثلما حين يكون الدين صحيحاً والممارسة الدينية سليمة تحترم العقائد والطقوس والشعائر، وأي اعتداء أو انتقاص منها سيكون ذلك اعتداء على الدين وانتقاصاً منه. وتلك كانت خلاصة تجربته لمرحلته الشامية.
(يتبع)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز.. ما الرواية الإيرانية؟


.. عاجل.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدنى عن عمر يناهز 81 عاما




.. وداعا العمدة.. رحيل الفنان القدير صلاح السعدنى


.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدني عن عمر يناهز 81 عامًا




.. المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الفنان الكبير صلاح السعدني