الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم الديمقراطية

سعد سوسه

2022 / 7 / 20
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


إن التعريفات التي قدمت لمصطلح الديمقراطية كثيرة، إلا إنه لا يزال التعريف الأكثر شيوعاً هو "حكومة من الشعب، يختارها الشعب من أجل الشعب"
ومع إن كلمة الديمقراطية دخلت الانكليزية في القرن السادس عشر عبر كلمة (democratie) الفرنسية, إلا إن جذورها إغريقية متحدرة من كلمة (democratia) المركبة من كلمتي ديموس (Demos) وتعني الشعب, وكراتوس (kratos) أو (Kratia) وتعني الحكم ( أي حكم الشعب )( 1 ) .
وعلى الرغم من اتفاق معظم الباحثين على الأصل التاريخي لمفهوم الديمقراطية إلا إنهم اختلفوا في وضع تعريف جامع للديمقراطية ، ويرجع ذلك إلى طبيعة موضوع الديمقراطية, لأنها مصطلح سياسي واجتماعي والسياسة فرع من فروع العلوم الاجتماعية وطبيعة هذه العلوم تحمل وجوهاً عدة تختلف عن العلوم الطبيعية والرياضيات وكون العلوم الاجتماعية تتصل اتصالاً مباشراً بتصرفات الإنسان وسلوكه ومجتمعه وما يتصل بهما من أمور حياتية لذلك فنحن إزاء ذلك أمام منظومة تعمل وفقاَ لحاجة الإنسان وتطلعاته زماناً ومكاناً لا كما هي عليه العلوم الطبيعية التي تتعامل مع ثوابت وحقائق وعناصر لا تتبدل زماناً ومكاناً( 2 ) , ولذلك أصبح لمفهوم الديمقراطية تعريفات بعدد ما هناك من باحثين تناولوا الديمقراطية. بل إن الباحثين أنفسهم قد غيروا تعريفاتهم عبر الزمن( 3 ) .
وقد عرف موريس دوفرجيه الديمقراطية على إنها (النظام الذي يختار فيه المحكومون الحاكمين عن طريق الانتخابات الصحيحة والحرة، بمعنى إن الديمقراطية تعني نظام الحكم الذي يجعل السلطة بيد مجموع الشعب أفراد الأمة دون اعتبار فوارق الجاه والغنى وغير ذلك)( 4 ) . أما محمد عابد الجابري فيعرفها على إنها (سلطة الشعب معبراً عنها بمؤسسات تنتخبها انتخابا حراً)( 5 ) .
والى جانب هذا التعريفات هناك العديد من التعريفات منها "إنها نظام الحكم بواسطة الشعب تقوم على السيادة الشعبية، المساواة السياسية والحرية السياسية" وعرف الن توفلر الديمقراطية على إنها اختيار حر، خلال فترات منتظمة للحاكمين من قبل المحكومين.
ويقوم مضمون الديمقراطية اليوم على أنها نظاما للحكم وأسلوبا للعمل بل وسلوكا اجتماعيا يكتسبه الفرد من خلال أساليب التنشئة الاجتماعية منذ نعومة أظافره ( 6 ) .
ويلاحظ على التعاريف السابقة إنها تحدد وبكل وضوح الآلية المؤسساتية التي لا وجود للديمقراطية بدونها وهي الانتخابات . إذ ليس من سلطة شعبية يمكن أن نسميها ديمقراطية ما لم تمنح وتجدد باختيار حر ولا وجود للديمقراطية أيضا إذا كان قسم كبير من المحكومين لا يملك حق التصويت .
وعلى الرغم من إن هناك الكثير من التعريفات التي تجعل الديمقراطية مساوية لإجراء الانتخابات المنتظمة، كما في تعريف جوزيف شومبيتر والذي عرف الديمقراطية على أنها مجموعة من الإجراءات والمؤسسات التي يستطيع الأفراد من خلالها المشاركة في عملية صنع القرارات السياسية عن طريق التنافس في انتخابات حرة .
إلا إن بعضهم يذهب إلى إن الانتخابات ليست هي الشرط الكافي للديمقراطية، كما انه لابد من الالتفات إلى أهمية الأسلوب, وكذلك إلى الطريقة التي أديرت بها عملية الانتخاب بين المواطنين، والحقوق الانتخابية التي يتمتع بها المواطن، ومدى حقوق المشاركة وفرصها المتاحة أمام جميع المواطنين ( 7 ) .
فالعديد من العلماء يدركون إن العديد من بلدان (آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية) تعتمد على الانتخابات ولديها مؤسسات انتخابية رسمية إلا إنها لم تصبح ديمقراطية في كثير من النواحي الجوهرية، ولهذا تذهب ماريانا اوتاوي إلى ضرورة التمييز بين طقوس الديمقراطية وجوهرها .
كما يعرفها بعض علماء الاجتماع المعاصرين " طريقة في الحياة يعيشها كل من الفرد والمجتمع، ولا تقتصر على ناحية واحدة من نواحي المجتمع ولا على جانب من جوانب الشخصية، إنما هي شاملة لجميع نواحي المجتمع موضحة طريقة تشكيل حياته وأسلوبه للعمل الاجتماعي" ( 8 ) . أما عدنان حافظ جابر فيرى إن الديمقراطية هي ميل الجماعة البشرية إلى عقلنة شؤونها وتنظيمها وإدارتها بأكثر ما يمكن من الإشراك في القرار والاقتناع واقل ما يمكن من القسر والعنف ( 9 ) .
ويرى بعض المفكرين السياسيين إن الديمقراطية هي نظام للوصول إلى قرارات سياسية يكتسب من خلالها الأفراد السلطة لإقرار حق الشعب بالتصويت عبر طرق النضال المشروع . ويقوم هذا النظام على فكرة الحكم ألتعددي ولهذه الفكرة بعدان أساسيان :
• أولهما المعارضة والمقصود بها المنافسة المنظمة عبر انتخابات حرة نزيهة .
• ثانيهما المـشاركة والمقصـود بها حق البالغين في التصويت والتنافس من اجل السلطة .

ولا يمكن لهذين البعدين أن يقوما إلا على أساس بعد ثالث يتمثل في الحرية المدنية التي تتضمن حرية الكلام وحرية النشر وتبادل الآراء وحرية تشكيل المنظمات والمؤسسات الإعلامية البديلة أو الانتماء إليها ( 10 ) .
أما فيليب س. شميتر وتيري لين كارل فيعرفان الديمقراطية على إنها نظام للحكم يحاسب فيه المواطنون الحكام عن أعمالهم ويتنافس فيه المواطنون بصورة غير مباشرة عبر ممثليهم المنتخبين ( 11 ) .
وهناك من ينظر للديمقراطية على أنها نظام اجتماعي يؤكد قيمة الفرد و كرامته الشخصية الإنسانية, ويقوم على أساس مشاركة أعضاء الجماعة في تولي شؤونها, وتتخذ هذه المشاركة أوضاعا مختلفة, و يكون الشعب فيها مصدر السلطة وتقرر الحقوق لجميع المواطنين على أساس من الحرية والمساواة من دون تمييز بين الأفراد بسبب الأصل أو الجنس أو الدين أو اللغة ( 12 ) .
ومن خلال التعاريف التي أوردناها لمفهوم الديمقراطية يمكن أن نعرفها إجرائيا بأنها (منهج ونظام للحكم يكون مصدر السلطة فيه نابعاً من الشعب، ويهدف إلى تحقيق العدالة والمساواة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى حل إشكالية تداول السلطة وتأمينها عبر التداول السلمي عن طريق الانتخابات الحرة والنزيهة والمقررة دستورياً).

المصادر
1 . هيلد, ديفيد, نماذج الديمقراطية, ترجمة فاضل جتكر، معهد الدراسات الإستراتيجية، بيروت، ط1، 2006 ،ص 12.
2 . الحسيني, د. خالد حسن جمعة, الديمقراطية والفكر السياسي، دار النشر بلا، بغداد ، 2004 ، ص16 .
3 . الكواري, د. علي خليفة, وآخرون ,الخليج العربي والديمقراطية : نحو رؤية مستقبلية لتعزيز المساعي الديمقراطية ، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت ، ط1 ، 2002 ، ص17– ص18 .
4 . ديفرجيه , موريس , الأحزاب السياسية , ترجمة علي مقلد ، دار النهار للنشر ، بيروت ، 1977 ، ص356 .
5 . الجابري , محمد عابد , نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، 1992م , ص268.
6 . ساسي, سفيان, التربية في تكريس الديمقراطية: من التنظير إلى الممارسة, مجلة علوم إنسانية, العدد 19 السنة الثانية (مارس 2005) , https://www.uluminsania.net .
7 . عبد الله , د. ثناء فؤاد, آليات التغيير الديمقراطي في الوطن العربي ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، ط1 ، 1997 ، ص25.
8 . الرشدان , عبد الله, علم اجتماع التربية ، دار الشروق, الأردن ، 1999 ، ص 297 .
9 . جابر, عدنان حافظ , العقلانية والديمقراطية ، مجلة المستقبل العربي ، العدد 254 ، نيسان ، 2000م ، ص131 .
10 . دايموند , لاري , الديمقراطية : تطويرها وسبل تعزيزها , ترجمة فوزية ناجي جاسم الدفاعي ، دار المأمون للترجمة والنشر ، بغداد ، 2005 ، ص15 – ص16 .
11 . عبد الجبار, فالح , الديمقراطية : مقاربة سوسيولوجية تاريخية , ترجمة سهيل نجم ، الفرات للنشر والتوزيع ، بغداد ، ط1 ، 2006 ، ص42 .
12 . المسعودي , سلام فاضل , الموجز في المصطلحات والمفاهيم لنظم الدولة ,منشورات مؤسسة المعرفة الثقافية , بغداد , 2005 ,ص 59 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا خصّ الرئيس السنغالي موريتانيا بأول زيارة خارجية له؟


.. الجزائر تقدم 15 مليون دولار مساهمة استثنائية للأونروا




.. تونس: كيف كان رد فعل الصحفي محمد بوغلاّب على الحكم بسجنه ؟


.. تونس: إفراج وشيك عن الموقوفين في قضية التآمر على أمن الدولة؟




.. ما هي العقوبات الأميركية المفروضة على إيران؟ وكيف يمكن فرض ا