الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نوال السعداوى وفتح الأبواب المغلقة

شريف حتاتة

2022 / 7 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


-----------------------------------------------------
منذ أعلنت نوال السعداوي قرارهـا بالتقـدم لانتخابات رئاسة الجمهورية القادمة ضد حسنى مبارك فى أكتوبر 2005 ، لم تتوقـف أعـداد مـن الشباب والشابات عن التوافد إلـى بيتنـا، أو إيقافنـا ونحن نتريض في الصباح على كورنيش النيـل أمـام جزيرة الوراق، أو الاتصال بنا تليفونيا للتعبيـر عـن تأييدهم الحماسي لهـا، أطبـاء وصحفيون وأدبـاء ومحامون ومدرسون وأساتذة في الجامعـة وشـعراء وكتاب قصة من مختلف الأعمار والأجيال، بالإضـافة إلى شباب وشابات من خريجي الجامعات أو المعاهـد الذين بلا عمل ولا أمل.
عندما طرحت الفكرة ، ونحن جالسون مع بعضـهم في إحدي الأمسيات عارضتهم. كان رأيـي أن "نـوال" ستتعرض مرة أخري إلى حملة من التشويه والتشنيع دون أن تصل إلى أي نتيجة، ستخوض معركـة خاسرة، لأنها لن تستطيع أصلا أن تتقـدم للانتخابــات . فالدستور الذي يحكمنا يشترط حصول المرشـح علـى ثلثي أصوات مجلس الشعب. لقد وضع هذا الدسـتـور الممثلون للطبقة الحاكمة.. أرادوا غلق الباب أمـام أي مرشح ، لا ينتمي إلى المراتب العليا العسكرية أو المدنية في نظام الحكم.
لكن الحوار الذي دار بعد ذلك ، أوضح لي ما لم اكـن قـد فكرت فيه. لا شك أنها معركة خاسرة إن حسبت مـن زاويـة المكاسب الشخصية . وهل كان ذلك هو الأساس الذي نبني عليه قراراتنا؟ . ألم تكن القيمة المعنوية أهم؟ . كانت حياتنـا محفوفة دائما بالمخاطر والتهديدات التي مازالت توجه إليهـا مـهـددة بفقدان المكاسب التي يعتبرها الكثيرون أساسية . لكنهـا رغم ذلك كانت ثرية بالأفكار ودفء المشاعر والصداقات الحميمة.
أدركت أن القرار الذي أتخذته " نوال السعداوي" لـم يكـن هدفه أن تخوض معركة انتخابية ناجحة، لسبب بسيط هو أنها أصلا لن تقبل كمرشحة في الانتخابات الرئاسية. لكنها أرادت أن تساهم بما لها من رصيد في المجال الإبداعي والفكري وفـي العمل الدؤوب من أجل حقوق الإنسان وحقوق المـرأة، وفـي تدعيم الحركة الشعبية المتنامية، التـي تسـعي إلـى تغييـر الدستور، ورفع القيود السياسية والقانونية التـي تحـول دون مشاركة الناس في تغيير الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التـي تؤدي إلى مزيد من الفقر والبطالة وإلى تمتـع الأقليـة التـي تتحكم في مصائر البلاد بثراء فاحش ، يستفز مشـاعر النـاس المحرومين من الضروريات ومن أبسط الاحتياجات في الغذاء، والتعليم، والعمل، والسكن، والصحة ، والذين يعانون من القهر المستمر.
أرادت " نوال السعداوي" بقرارها أن تضيف جهدها إلـي جهود الذين يرفضون الأوضاع المتردية في بلادنا. أرادت أن تقول أن رئاسة البلاد ليست حكرا على فرد أو علـى أسـرة، وإنما يجب أن تكون تعبيرا عن إرادة شعبية، أن تؤكـد حـق المرأة في أن تقوم بدورها كاملا على كل المستويات، أن تثير حوارا حول كل المسائل المتعلقة بحياتنا، من لقمة العيش إلـى حرية الرأي، من إزدهار الإبداع إلى حقوق الفلاحين، والنساء والأمهات والأطفال. أرادت كعادتها دائما ، أن تساهم في فتح الأبواب المغلقـة والتي تصر القلة الحاكمة أن تظل مغلقة ، خوفـا مـن انـدفاع الشعب من خلالها إلى آفاق الحرية والعدل.
سيسعي الرجال والنسـاء المستفيدين مـن الأوضـاع الحالية، والذين سمح لهم النظام القائم بالصعود إلى المناصب، ليصبحوا المعبرين عنه، وستسعي وسائل الإعلام إلى تشـويه الخطوة التي أقدمت عليها " نوال"، وتصويرها على أنها زوبعة أوفرقعة، أو رغبة في المزيد من الشهرة، أو شذوذ أو جهـل بالواقع، أو مناهضة للقيم أو الشرع أو غيرهما . لكن "نـوال" تعودت منذ أن وعت الحياة على هذه الحملات المعادية، عرفت التشهير والتكفير والسجن والنفي الخارجي والداخلي، وعاشت الغربة والبعد عن الأهل والوطن، ومحاولات التفريـق بينهـا وبين شريك حياتها، شريف حتاتة ، كاتب هذه السطور . وتعرضت " نوال " الى التهديد بالقتل أو قطع الرأس، لأنها منذ أن كانت طفلة في قرية فقيرة ، فتحت عينيها علي الواقع المشبع بالظلم فثارت ضده ، رغم أنها هى شخصيا لم تعرف القهر فى أسرتها ، حيث رفضت فى كل مراحل عمرها أن تكون ضحية الازدواجيات الأخلاقية والدينية وقمع حريات التعبير ، والاستبداد السياسى والذكورى .
وصفت " نوال " ترشحها لرئاسة الجمهورية بأنه " عملية فدائية " لحث الشعب المصرى على تبديد الخوف ، والتحرك للتعبير عن أنفسهم ، وأن برنامجها الانتخابى يعتمد على مدنية الدولة فى كل القوانين والتشريعات بما فى ذلك قانون الأحوال الشخصية ، وتغيير فلسفة التعليم من الحفظ على الجدل والشك وتشغيل العقل الناقد المبدع ، والغاء القوانين المقيدة لانشاء الأحزاب والتنظيمات السياسية والجمعيات الثقافية والنسائية ، وتغييرالمواد الدينية فى الدستور ، وضمان مراقبة الشعب وحسابه للانفاق العام ، وتحرير الاقتصاد من التبعية بحيث نأكل ما ننتج ، وننتج ما نأكل بعد أن أصبحنا نستورد كل شئ ، وربط السياسة الخارجية بالسياسة الداخلية ، وادارة التأمينات الاجتماعية بشكل مستقل يضمن الانتفاع بها لمنْ فعلا يستحقونها . وأكدت أن شابات وشباب بأعداد كبيرة ، قد أخبروها أن يريدون الهجرة وترك مصر ، حيث لا عمل لهم ، ولا توجد أى بارقة أمل فى التغيير . وهذا ما جعلها تصر أكثر على الترشح للرئاسة ، لكى تحتفظ مصر بخيرة عقولها وطاقاتها ، عندما يرون مبادرات للتغيير مثل تحديها لنظام مبارك ، الذى زرع اليأس ورسخ التفرقة الطبقية ، وضاعف من مظاهر الفقر والبطالة وغياب العدالة .
كانت محاولة لم تسبقها اليها أى امرأة مصرية ، من أجل فتح الأبواب المغلقة ، وما أكثرها فى حياتنا .
من كتاب " يوميات روائى رحّال " 2008
-------------------------------------------------------------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مساعدات بملياري دولار للسودان خلال مؤتمر باريس.. ودعوات لوقف


.. العثور على حقيبة أحد التلاميذ الذين حاصرتهم السيول الجارفة ب




.. كيربي: إيران هُزمت ولم تحقق أهدافها وإسرائيل والتحالف دمروا


.. الاحتلال يستهدف 3 بينهم طفلان بمُسيرة بالنصيرات في غزة




.. تفاصيل محاولة اغتيال سلمان رشدي