الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة شمال سوريا انعطافة تاريخية في المنطقة

أحمد شيخو
كاتب وباحث سياسي

(Ahmed Shekho)

2022 / 7 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


بعد عشرات السنيين من تقسيم المنطقة وشعوبها وحالة النظم القوموية والإسلاموية التي تم فرضها على المنطقة، علاوة على فشل هذه الأزمة في إدارة الشعوب والبلدان أو الدولة القومية ومع تصاعد ظاهرة الفقر والبطالة وكذلك التهميش والأحادية والأقصاء من قبل هذه النظم وخاصة القومية التي جسدت حالة وظيفية أداتية و تبعية مطلقة للهيمنة العالمية وللرأسمالية الاحتكارية، حيث عبر هذه الدول والأنظمة القومية التي تجسد تركيز للسلطوية الفاشية، تم سرقت ونهب موارد المنطقة وشعوبها وتطبيق حالات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتغير الديموغرافي لخلق الأمم الدولتية النمطية التجانسية البعيدة عن ثقافة وقيم المنطقة والإنسانية التي تمتاز بالتعدد والتنوع القومي والديني والمذهبي.
تحركت شعوب المنطقة ومجتمعاتها وغالبية قطاعاتها ضد هذه الأنظمة وبشكل كبير وخاصة في بعض البلدان العربية ولكن هذه التحركات كانت في غالبيتها تفتقدإلى تنظيم أو قيادات واعية ذات خبرة نضالية وقادرة على حمل هموم الناس وأهدافهم ، بل أن العفوية والشبابية كانت السمة السائدة إضافة إلى تحرك قوى الإسلام السياسي وعلى رأسهم التيارات الإخوانية ومعها الدولة الإقليمية التي رأت الفرصة مناسبة لتحقيق وإعادة أمجادها مع حالة الوهن والضعف التي اصابت المنطقة كتركيا وإيران وإسرائيل علاوة على التحركات الأكبر من القوى العالمية التي ربما كان لها اليد الطولى في توجيه بعض الدول الإقليمية وأدواتها المحلية لضبط مسار وسياق الثورات والتحركات الجماهيرية والانتفاضات إلى خدمة مصالحها وأجندتها واستمرارية هيمنتها على المنطقة ونهب مواردها وقيمها المادية والمعنوية.
وبعض حوالي 11 سنة من الثورات والانتفاضات التي سماها البعض الربيع العربي وبعضها الأخر ربيع الشعوب والبعض الأزمة وأحياناً تم تسميتها بالخريف بعدما خلف بعض التحركات ونتائجها بعد التدخلات الإقليمية والعالمية حروب أهلية و أثار سلبية على المنطقة ودولها وحتى مجتمعاتها وشعوبها.
ولكن في قلب هذا المشهد المعقد وربما البائس و حالة اليأس، هناك ثورة مختلفة في شمالي سوريا(روج آفا) انطلقت كذلك مع ثورات وتحركات المنطقة وانتفاضات شعوبها وشبابها ونسائها
في 19 تموز-يوليو وهي تجسد حالة انعطاف تاريخية وهي تختلف عن ثورات العالم وثورات الربيع العربي بأمور عديدة منها:
1- الذهنية والسلوك: تجسد ثورة شمالي ( ثورة 19 تموز-يوليو) ذهنية تشاركية ديمقراطية تؤمن بالتعددية والتنوع والاختلاف في الوحدة الكلية الديمقراطية وتعبر عن إرادة وطنية حرة للمجتمعات والشعوب وليست حالة تابعية أو تواطؤ أو عمالة لأحد وهي ترى أن معنى ومفهوم الثورة هو أن يتم إزالة العوائق والصعوبات أمام أنسجة المجتمع الديمقراطية للعمل والإبداع وتأمين الاحتياجات وممارسة السياسية الحرة والديمقراطية بعكس ثورات الربيع العربي وقواها التي تعبر سلوكها عن ذهنية ومقاربة أحادية إلغائية تجاه الأخر وتحاول فرض اللون الواحد بالقوة والقتل والتخويف مع ارتباط حتمي تابعي مع القوى الخارجية وليس حالة علاقات ندية سيادية .
2- التنظيم والقيادة: تنظم نفسها والمجتمع في كومينات ومجالس وجمعيات واتحادات ديمقراطية مجتمعية وبذلك يقوم المجتمع وبأنسجته السياسية والأخلاقية بممارسة السياسية الديمقراطية والدفاع الذاتي وتقوم القيادة المنبثقة من المجتمع وبريادة المرأة والشباب بتنظيم وترتيب وقيادة كافة جهود النضال والبناء والتغيير وليس كحالة القوى في الربيع العربي من عدم وجود اي تنظيم أو وعي جديد بل التركيز فقط على فصائلية عسكرية تناحرية الكل يتأمر و يقتل الكل للفوز بالمكاسب والقيادة.
3- الغاية والهدف: تعمل ثورة شمالي سوريا على تحقيق التحول الديمقراطي الوطني وتطبيق الديمقراطية في الدول الموجودة وبذلك هدفها دمقراطة المجتمع وكافة ساحات العمل وعلى رأسمهم النشاط السياس والاقتصادي وليس الوصول إلى سدة الحكم وتبديل أشخاص أو بناء دولة قومية جديدة أو احتكار قطاعات وموارد اقتصادية كما فعلتها ثورات الربيع العربي.
4- الأدوات والوسائل: تستخدم ثورة شمالي سوريا الأدوات والوسائل النبيلة للوصول إلى الأهداف النبيلة فالطرق السيئة حتماً تؤدي إلى النتائج السيئة ولذلك تمتاز سياسية ودفاع وسلوك الثوري والمجتمعي وجهود التغيير والبناء بالطابع الأخلاقي وكل شخص لايمتاز بالبعد الأخلاقي الاجتماعي أولاً بالإضافة إلى الأبعاد والمميزات الأخرى لا يستطيع أن يكون قيادي
أو ذات اعتبار في شمالي سوريا، وهي تستند إلى مفهوم الدفاع الذاتي للحماية وتحقيق الديمقراطية عبر الإدارات الذاتية الديمقراطية لكافة التكوينات والخصوصيات المختلفة ضمن الحدود الموجودة في إطار من الوحدة الديمقراطية والتكامل الحقيقي.
5- تمثل حالة تركيب وجمع بين الأصالة والتجديد بين الاستناد إلى الثقافة والتاريخ الذاتيتين للمنطقة وشعوبها من جهة و بين العلوم والأفكار والمقاربات العلمية المعاصرة التي تمثل جهد الإنسان وخلاصة افكاره وكده وعمله، وليس الإغراق والدفن في الماضي كالتيارات الرجعية أو الإنقطاع عن التاريخ والقيم المجتمعية للمنطقة كما تفهلها بين التيارات الحداثوية والليبرالية والقوموية التي تنكر الماضي والقيم والثقافة المشتركة لشعوب المنطقة في مختلف مراحل حياتها.
6- تهدف ثورة شمالي وشرق سوريا إلى تغير كافة البنى الفكرية والسياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والقانونية للنظم القمعية والديكتاتورية وليس فقط تغير شخص أو حكومة مع بقاء نفس الأنظمة وذهنيتها وعقليتها وسلوكها وأجهزتها السابقة، كما فعلتها بعض ثورات الربيع العربي في بعض بلدان المنطقة مع وصولهم للحكم في بعض الدول العربية.

ويمكننا القول أن ثورة 19 تموز هي ليست إنقلاب أو ثورة للوصول للسلطة من أجل أشخاص أو طبقة أو فئة والحكم ، بل هي ثورة اجتماعية شاملة متكاملة وعلى رأسها ثورة المرأة الحرة والشباب الواعي والمنظم، ولعل أهم ما يميز ثورة شمالي سوريا وشرقها هي نموذج المرأة الحرة التي اصبح طريق وخيار للمرأة وموديل على مستوى المنطقة والعالم وليس على مستوى شمال سوريا وشرقها أو سوريا عامة، فالمرأة في شمال سوريا تشارك في كافة المؤسسات الاجتماعية والسياسية والدبلوماسية الثقافية والتنظيمات المختلفة والهياكل المدنية والعسكرية والأمنية، فالرئاسة المشتركة في كل أعمال ولجان ومؤسسات الإدارات الذاتية كلها ، كما أن أي قانون أو عمل أو اجتماع لا يكون شرعي وقانوني إلا بتواجد المرأة وإرادتها وقرارها الحر فيه. والمهم أن المرأة حاضرة بقرارها وتمثيلها لجنسها وإرادتها الحرة وليس فقط الحضور الشكلي والبارفاني والمزهري كما هي في ثورات الربيع العربي أو في مؤسسات و المشاهد الدولتي في الدول القومية وفي المؤسسات الدولية ذات الطابع والمنشأ والعقلية الذكورية. وعلية فثورة شمالي ثورة هي ثورة المرأة الحرة والأصح أن نقول أن ثورة 19 تموز تجمع وتضمن عدة ثورات في داخلها.

ومن المهم الإشارة إلى الأرضية السياسية والاجتماعية والفلسفة التي استندت إليها ثورة شمالي سوريا وهنا لابد أن نذكر القائد والمفكر عبدالله أوجلان صاحب الفضل الأول منذ قدومه لسوريا ولبنان عام وحتى 1979 وحتى خروجه ، فهو الذي مهد الأرضية والذهنية والأداء المجتمعي الكردي المنظم بالتشارك مع الشعوب الأخرى المتعايشة والمتشاركة مع الشعب الكردي، فقد قام بإعداد وتدريب الشخصية و المجتمع الكردي وبكافة أبعادها وكما أن المفكر والقائد وبعد المؤامرة الدولية بحقه وسجنه لأكثر من 23 سنة قدم خلاصة أفكاره وتجربته ضمن مرافعاته وكتبه واصبح هذه المرافعة والكتب والخلاصة الفكرية والفلسفية منهل ومرجع وموجه سياسي وأيدولوجي وفكري لثورة شمالي سوريا وشرقها.

لثورة شمالي سوريا بعد إقليمي وعالمي فهي تمثل البديل لنظام الهيمنة العالمي وللدولتية القومية الأحادية بطرحها الإدارات الذاتية كجسد وتجسيد عيني أو الأمة الديمقراطية كنظرية بديلة للدولة القومية وللاحتكارية الرأسمالية العالمية وتقسيماتها وتفتيتها للمنطقة فثورة شمالي سوريا تبحث عن الحل وطرقه وأدواته ضمن المجتمعات والشعوب وتنظيمهم وتوعيتهم وتدريبهم لبناء ثقافة ديمقراطية تشاركية تؤمن بأخوة الشعوب وبالتعددية والاحترام والاعتراف المتبادل ضمن الحدود الموجودة وهي لا تهدف لهدم الدولة القومية أو بناء وحدة جديدة بل تؤمن أنه يجب أن يكون للمجتمع ساحتة الحرة للتعبير والتنظيم والعمل والنشاط وفق دستور ديمقراطي يتوافق فيه بين القوى الديمقراطية المجتمعية ووالقوى السلطوية الدولتية على اساس تحقيق هدف الأمن و الاستقرار والسلام الحقيقي القائم على حق المجتمعات في الدفاع الذاتي والسياسة الديمقراطية ووضعها في الدستور التوافقي الديمقراطي. وبهذا يمكن لثورة شمالي سوريا أن تقدم نموذج لشعوب ومجتمعات المنطقة وأممها بأن يكون هناك كونفدرالية الأمم الشرق الأوسط الديمقراطية بديل عن الأنظمة القوموية والإسلاموية والمقاربات الجنسوية والوضعية. وهنا تقدم ثورة روج أفا أو شمالي سوريا وشرقها بشكل عام نموذج للعلاقات والأخوة بين المجتمعات والشعوب وموديل ناجح للعلاقة العربية-الكردية التي تجسدها نموذج الإدارات الذاتية الديمقراطية وقوات سوريا الديمقراطية التي حررت الملايين من العرب والكرد وشعوب المنطقة من إرهاب داعش والقاعدة فلقد قدمت قوات سوريا الديمقراطية وشعوب شمالي وشرق سوريا ملحمة للمقاومة والانتصار على داعش بتقديمهم أكثر من 11 ألف شهيد وأكثر من 22 جريح لإنقاذ أهل سوريا وبكافة مكوناتهم وكذلك إنقاذ المنطقة والعالم وبالتعاون مع التحالف الدولي لمحاربة داعش بعد عام 2014وصولاً لعام 2019 وهزيمة داعش في الباغوز واستمرار محاربة خلايا داعش حتى الآن، علاوة أن منظومة الإدارة الذاتية وثورة شمالي سوريا كانت ولاتزال القوة التي تدافع عن وحدة سوريا وسيادتها وسلامة أراضيها وخاصة ضد الاحتلال التركي ومرتزقتها الذين أرادوا الانتقام لهزيمة داعش وضرب وإضعاف المشروع الديمقراطي في شمالي وشرق سوريا، وهي القوى التي ستحرر وبالتعاون مع كافة السوريين كل شبر من الأرضي السورية المحتلة ولذلك يتم استهدافها وأبعادها عن المحافل السياسية الدولتية كونها تجسد إرادة وطنية سورية ديمقراطية لا تقبل الخنوع والتبعية لأحد رغم علاقاتها المتعددة والمتنوعة مع الكل لما فيها لمصلحة الشعب السوري وحل الأزمة والقضية السورية وبناء سوريا الديمقراطية اللامركزية.
وعليه ثورة شمال سوريا تمثل انعطافة كبيرة في تاريخ الشعب الكردي والعربي و شعوب المنطقة بشكل عام لما تقدم من حل ديمقراطي مجتمعي للأزمات والقضايا الوطنية في المنطقة فحالة التكاتف والتعاون والأخوة والعلاقة الديمقراطية بين كل التكوينات المجتمعية فيها وكلٌ بلونه وثقافته ولغته وخصوصيته ضمن تكامل ووحدة ديمقراطية كلية طوعية متينة ضمن الإدارات الذاتية قادرة على مواجهة كافة التحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية وبذلك تقدم طريق وسبيل لمجتمعات وشعوب ودول المنطقة لحل أزماتها والخلاص من التبعية للخارج وردع المشاريع الإقليمية التوسعية الاحتلالية بتضافر وتفعيل جهود كافة أبنائها وبخلق جبهة داخلية قوية على أساس الاعتراف والاحترام المتبادل بين كافة مجتمعات وشعوب وأمم المنطقة بتطبيق نموذج الإدارات الذاتية و التحول الوطني الديمقراطي وبناء الديمقراطية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف مستمر على مناطق عدة في قطاع غزة وسط تلويح إسرائيلي بعملي


.. عقب نشر القسام فيديو لمحتجز إسرائيلي.. غضب ومظاهرات أمام منز




.. الخارجية الأمريكية: اطلعنا على التقارير بشأن اكتشاف مقبرة جم


.. مكافأة قدرها 10 ملايين دولار عرضتها واشنطن على رأس 4 هاكرز إ




.. لمنع وقوع -حوادث مأساوية-.. ولاية أميركية تقرّ تسليح المعلمي