الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المذهب الطبيعي في الفلسفة الاميريكية المعاصرة

علي محمد اليوسف
كاتب وباحث في الفلسفة الغربية المعاصرة لي اكثر من 22 مؤلفا فلسفيا

(Ali M.alyousif)

2022 / 7 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


المذهب الطبيعي بالفلسفة الامريكية المعاصرة
خورخي سانتيانا (1863- 1952) فيلسوف امريكي من اصل اسباني وهو احد فلاسفة تيار الواقعية النقدية الامريكية التي ضمت كلا من ريتشارد رورتي, وجورج سيلارز , وجون سيرل, وكل منهم اختط له منهجا فلسفيا خاصا به.
أرتبط المذهب الطبيعي في الفلسفة الامريكية ب (سانتيانا) الذي ورد على لسانه (هو نمط الفلسفة التي لا تقبل بأية حقيقة مطلقة سوى الطبيعة فقط, وتعتبرالطبيعة مبدأ كل وجود وكل معقولية وكل قيمة ) كما (ويرفض المنهج الطبيعي الثنائيات مثل: عقل – طبيعة/ روح – مادة, معتبرين الثنائيات عقلية وليست فعلية, ذلك أنه (يطبعن) الانسان العقلاني, ويروحن المادة, والعقل لا يناقض الطبيعة, فالعقل موجود في الطبيعة ).
بضوء العبارات السابقة تكون كل ثنائيات الوجود هي وحدة أدراكية واحدة ولا فرق بين أحد قطبيها في نفي الاخر بل في التعايش معه والاقتران المتضاد التخارجي الضروري به, ولا معنى لأحدهما بغياب حضور الآخر, الثنائية بعد أدراك أحد قطبيها يكون حضورالغائب الثاني معياريا تضاديا لفهمنا الاخر, ولا تتّعين الثنائية الا بعد أمكانية تعيّنها وجودا مدركا كموضوع أو على الاقل مقاربة حضورها كحدس قابل التحقق في ادراكه...
والطبيعة لا يمكنها أن (تطبعن) الانسان العقلاني من دون أرادته وقرار مسّبق منه أنه جزء من الطبيعة متمايز عنها ويعلو عليها ولكنها لا تعلو عليه ولا تتبعه, الطبيعة ليست تابعا للانسان ألا بمقدار تبعيته هو لها.. والانسان لا يعقلن الطبيعة قبل طبعنتها هي له أولا.. أنسنة الطبيعة وعقلنتها لاحق على طبعنة الطبيعة للانسان.. الانسان وجد نفسه في الطبيعة مرضعته قبل تفكيره تطويع الطبيعة لحاجاته ورغائبه..لذا فالتعبير ان العقل موجود في الطبيعة انما يقوم على الادراك العقلي للطبيعة وبغير هذه العلاقة الادراكية فلا يبقى معنى للعقل ويتعطل ادراك الطبيعة..
وكل مكتسب يحققه الانسان العقلي في معرفته للطبيعة يكون مصدره الطبيعة ويكون من صنع الانسان العقلي وليس من صنع الطبيعة غير العاقلة, الطبيعة لا تصنع الانسان في وقت هو يحاول تصنيعها, كما أن الانسان العقلي لا يناقض الطبيعة لأنه بحاجة ماسّة لمعرفة حقيقتها وحل الغازها والاستفادة منها, والعقل موجود في الطبيعة ليس بمعناه الانثرولوجي البيولوجي العضوي كجزء منها متداخل بها ومتمايز عنها وأنما في قابلية أدراكه التجريدي لها.. والانسان العقلي موجود بالطبيعة في صورة تابع لفهم تنظيمها المعجز وليس دليلا من أجل أعادة تنظيمها المتقن بما لا يقوى الانسان مجاراته.
ولا يتساوى العقل الانساني والطبيعة من حيث أنهما معطيان متلازمان لا يفترقان, فالطبيعة وجود ألهامي ومعطى ميتافيزيقي لا يحتاج الى أثبات وجود من الانسان العقلي الذي تربطه بالطبيعة علاقة عضوية كسبب ونتيجة في تخارجهما المشترك.. والعقل معطى طبيعي للانسان قبل أن يكون معطى تعالقي بالطبيعة.
الطبيعة كيان مادي مقولة قارة لا تحتاج البرهنة على صدقيتها, الا أنها – أي الطبيعة – خارج الآلية المادية التي تحكم موجوداتها ومكوناتها, فالطبيعة نظام كلّي وليس نظاما تجزيئيا, على شكل قطوعات ومدركات لا ينتظمها نسق متكامل من الكلية الطبيعية في نظامها وقوانينها العامة, أنها بتعبير سانتيانا ( الطبيعة هي المجموع الكلي لشروطها الخاصة ), أي شروط خصائصها الذاتية في نظامها وفي قوانينها التي من غيرها لا تكون بمواصفاتها التي ندركها كحقيقة ثابتة..
مادية الطبيعة ليست حقيقة مكتسبة يمنحها الانسان العقلي لها وأنما هي مادية كمعطى يحاكم الانسان وجوده المادي بضوئها وفي أقترانه بها, مادية الطبيعة معطى متعال على الطبيعة الميتافيزيقية ذاتها وكذلك على الانسان العقلي الميتافيزيقي, ولا يمكننا فهم الطبيعة على حقيقتها علميا فقط من حيث أن نظام الطبيعة المتماسك لا يخضع دوما لتجارب العلم قبل عجز العلم أحتواء قوانين الطبيعة بكل مكوناتها الملغزة..
ومعرفة الطبيعة بمعنى أدراك حقيقتها فهما علميا لا يمكن تحديده في أكتشاف قوانينها العامة وأنما في محاولة معرفتها كوجود مادي غير عاقل يجعل من الانسان العقلي تابعا لها.. وما تدركه عقولنا من الطبيعة ليس أكثر مما تعطيه لنا مدركاتنا العقلية القاصرة عنها,, حدود معرفتنا الطبيعة هي حدود مدركاتنا القاصرة عن فهمها..وهنا يكون عالمنا الحقيقي الذي نعيشه في قابلية الادراك وليس في الوجود غير المحدود للطبيعة والكوني معا.
الاستاذ مراد غريبي:هل تجد في سانتيانا الفيلسوف الامريكي من اصل اسباني فيلسوفا متفردا لامعا يتفوق على فلاسفة النقدية الواقعية امثال رورتي, سيرل, سيلارز, واخرين غيرهم؟
ا. علي محمد اليوسف :
بالحقيقة ما ذكرتهم عمالقة في الفلسفة الامريكية المعاصرة في اختصاصات فلسفية لم يجارهم احدا غيرهم بافضل منه, فتجد ريتشارد روروتي فيلسوف العقل التحليلي, وجون سيرل فيلسوف الوعي القصدي بامتياز ,وسلارز فيلسوف اللغة بتطرف حيث اعتبر اللغة هي عالمنا الحقيقي فقط. اما سانتيانا فيمتاز بفلسفة استفزازية صادمة لتصورات نعتبرها لا تقبل النقاش ولا الجدل حولها فيها من العمق التفكيري ما يعجزك ايفاء حقها.
يقول سانتيانا ( كما هي الروح بالنسبة للجسد كذلك هو العقل بالنسبة للطبيعة, الذي هو كمالها الثاني.) انا لا اعتبر في عبارته نوع مما ذكرناه عنه من فلسفة صادمة لتصوراتنا الفلسفية لكن التوقف الصادم الوارد في ذيل العبارة في اعتباره العقل هو كمال الطبيعة الثاني, ومن دون افصاح يكون الكمال العقلي الاول للطبيعة هو الاعجاز الميتافيزيقي المذهل بنظاميتها التي اسبغها عليها الوجود المطلق.
كمال الطبيعة الاول هو بما أكتسبته الطبيعة ما ورائيا ميتافيزيقيا - روحيا من نظام وقوانين عامة, أي بتعبير ميتافيزيقي ديني (الله) هو الذي أكسبها هذا النظام العجيب الذي يقف أمامه العقل الانساني لا يقوى على التفكير في معرفة السبب ولا كيف ومتى خلق هذا التمام..؟ والكمال الثاني هو الذي أكتسبه الانسان العقلي من الطبيعة ولم تكتسبه هي منه..
أن الطبيعة تفرض على العقل الانساني كمالها المنتظم بلا حدود لا يدركها العقل ولا قدرة له الأحاطة والألمام بها...ويعبّر سانتيانا عن هذا (أن يكون العقل عاجزا عن توجيه الطبيعة فذلك نابع من تطور العقل بالذات كظاهرة مضافة على الطبيعة...) فالقوانين الفيزيائية العامة الثابتة التي تحكم الطبيعة لا يستطيع الانسان العبث بها في حال أراد تجيير تلك المحاولة لصالحه في الهيمنة على الطبيعة وقيادتها. ميزة العقل البشري أنه مكتشف قوانين الطبيعة وليس مخترعا لها..
الطبيعة لم تكن يوما ما أفرازا بيولوجيا أو ولادة قيصرية تلدها الحياة التي هي ناتج الطبيعة ولم تكن الطبيعة ناتج الحياة, فالحياة والانسان هما توأم المولود قيصريا من الطبيعة الأم.. والطبيعة أشمل من الحياة في كل المقاييس فاذا ما كانت الحياة بالنسبة للانسان فضاءا لا يحد بعضه من صنعه فأن الطبيعة بالنسبة للانسان والحياة فضاء لا يمكن أدراكه.. ألا أذا أعتبرنا الطبيعة كينونة مادية مخترقة ميتافيزيقيا بالصميم من قبل الحياة أي من الانسان...الحياة نظام مصنوع أنسانيا, والطبيعة نظام مصنوع ميتافيزيقيا..
وفهمنا للحياة الانسانية أنها فائض معنى في تداخلها مع الطبيعة ولا يمكنها مجاراتها ولا حتى التمرد عليها, فالطبيعة سر الحياة ولا وجود لحياة أنسانية لا تلوذ بالطبيعة كملجأ آمن لها... الطبيعة هي علة الحياة وفهمنا لها والتعايش الضروري معها هو لا يشكل أضافة للطبيعة بمقدار ما يشكل وجودا ما هويا للانسان العقلي في ألأخذ منها والاستفادة على الدوام منها....وعقلنة الانسان للطبيعة هو أضافة لها قبل أن تكون مكسبا أنسانيا على حسابها..
الفكر ومضمونه في الفلسفة النقدية يتمثل في اختلاف الشكل اللغوي عن مضمونه فمثلا يطرح فلاسفة الطبيعة ومنهم سانتيانا سؤالا على جانب من الاهمية والوجاهة ( كيف يمكن للفكر أن يخلص من مضمونه؟)..,تناقض لا يمكن مصادرته لمجرد عدم تطابق الاتساق بين اللغة والمضمون.
الفكر حمولة مضمونه هو الوعي القصدي به, والفكر بلا مضمون هو وعي زائف غير متحقق,والفكر في حمولة مضمونه (الموضوع) هو ألزام العقل الاستجابة له في تناوله كموضوع للمعرفة والادراك..أن تحوّل المضمون الفكري الى تكوينات وتمّثلات علائقية أدراكية في الذهن يزيح عن كاهل الفكر حمولته ويجرده منها,,لذا تكون مسؤولية الفكر تجاه موضوعه هي ألزام عقلي له يحرر الفكر من حمولته..
والسؤال هل يستطيع الفكر أن يمنح الاشياء ماهياتها أو جواهرها؟
الفكر في حقيقته طاريء على الماهية والجوهر من حيث أن الفكر وسيلة معرفية من وسائل العقل الادراكية, وتبقى حمولة الفكر لمضمونه حمولة وظيفية يراد أيصالها وأيداعها العقل, والفكر في تعالقه مع العقل داخل المنظومة الادراكية العقلية التي تبدأ بالحواس..., والفكر ليس كيانا مستقلا ولا موضوعا يمكن أدراكه من غير الاستدلال على وظيفته المعرفية في تنفيذ تعبيرات العقل الفكرية اللغوية عن الاشياء من خلال الوعي والفكر..
الفكر جوهر عقلي لا وجود له من دون العقل. ومن المتعذر جدا الجزم الكامل أن حمولة الفكر هي (ماهيات ) جرى تصنيعها في مصنع الحيوية العقلية.. فالعقل يعجز عن صناعة الماهيات التي هي معطى وتكوينات تداخل جواهر الاشياء بما هي خصائص تكوينية قابلة للنمو والصيرورة الدائمة.. فالماهية تشكيل دائمي مستمر وليس وجودا ماديا يمكن التعامل معه حسّيا أدراكيا كموضوع معرفي..
الماهية جوهرغير منظور مستقل والفكر وسيلة أدراك وظيفية عقلية.. ولا يمكن للفكر صناعة ماهيات الاشياء التي لا يستطيعها العقل أيضا, فالماهية وجود بذاته وهي جوهر داخلي مكمّلا كينونة وجود الشيء..والفكر والعقل كلاهما لا يفهم من الماهيات ومعرفتها أكثر مما يعطيهما الموجود الكلي لهما..
وأكثر من هذا مما لا يدركه العقل ويعجز معرفته يكون هو الماهيات وجواهر الاشياء التي لا يمكن للعقل تصنيعها في أمتلاكه معرفة الصفات الكليّة في موجوداتها..الماهية أو الجوهر وجود مادي يكتسب ماديته من كونه جزءا عضويا ملازما لكل موجود مادي في الطبيعة وبالخصوص الانسان وعالم الانسان والحياة..لذا تكون الماهية عجزا عقليا أدراكها لأن الماهية ليست موضوعا للادراك العقلي..
يعبّر سانتيانا عن مقاربة هذا المعنى قوله ( أن نظام الماهية محايد من حيث تعريفه, ولأنه يضم كل شيء, الى ما لا نهاية فليس له سلطة على العالم الموجود وليس بمقدوره أن يحدد طبيعة الصفات التي تظهر في الحوادث ولا نظام ظهورها ..أحيل القاريء الى مبحثي المنشور على موقع الحوار المتمدن كوة والمثقف بعنوان (هوسرل وماهية الانسان) , فقد وضّحت فيه معنى الماهية بما يغني من تكراره هنا بما لا يحتمله الموضوع......
الاستاذ مراد غريبي: ماهي التمايزات بين بيرس وجيمس من جهة, وميد وديوي من جهة اخرى؟
ا. علي محمد اليوسف: السؤال يحتاج الى اجابة موسعة لا امتلكها حقا, لكني استدرك اني مررت الاجابة السريعة عن السؤال في متن هذه الحلقة الحوارية بما ملخصه حسب علمي ان وليم جيمس بحكم خلفيته عالم نفس قبل ان يكون فيلسوفا عنى كثيرا وبتركيز على عالم الانسان الانفرادي, على العكس من جون ديوي فهو عقلية فلسفية كان الوعي الجمعي الاميريكي واهميته حاضرا ملازما لفلسفته, اذ بلغ الامر به انه اعتبر المشتركات الاخلاقية والسلوكية في نموذج المجتمع الامريكي تكاد تكون فريدة في العالم.
الاستاذ مراد غريبي: هناك تاثير كبير لميد في اراء جون ديوي بشهادة الاخير كما اثر مور, لماذا لاقت فلسفة ديوي العملية رواجا اكثر من فلسفة توفتيس الذي يعتبر فيلسوف القيم والاخلاق والجمال؟
ا. علي محمد اليوسف :
انا لا امتلك معلومات فلسفية تفصيلية الاجابة عن السؤال لكني استطيع الاشارة الى بعض المشتركات التي يلتقي بها فلاسفة البراجماتية التي مررنا على بعضها تتقدمها ركيزتين اساسيتين, الاولى اولوية التجربة على الفكر, والثانية مالا يحقق منفعة في خدمة الحياة لامعنى له وليس جديرا بالاهتمام.
ما اعرفه عن ديوي باقتضاب هو انه فيلسوف اهتم بمعالجة التربية, والفن وفلسفة الجمال ولا استطيع الجزم انه لاقى رواجا اكثر من غيره بهذا المجال. لكن اجد مهما استاذ مراد الانتباه الى انه تجد لدى فلاسفة البراجماتية مشتركات جوهرية لا يحيدون عنها وتجاوزها حول اهتمامهم تصنيع منطلقات اخلاقية تخدم مصالح المجتمع الامريكي تحديدا دون غيره من امم وشعوب العالم.








خورخي سانتيانا (1863- 1952) فيلسوف امريكي من اصل اسباني وهو احد فلاسفة تيار الواقعية النقدية الامريكية التي ضمت كلا من ريتشارد رورتي, وجورج سيلارز , وجون سيرل, وكل منهم اختط له منهجا فلسفيا خاصا به.
أرتبط المذهب الطبيعي في الفلسفة الامريكية ب (سانتيانا) الذي ورد على لسانه (هو نمط الفلسفة التي لا تقبل بأية حقيقة مطلقة سوى الطبيعة فقط, وتعتبرالطبيعة مبدأ كل وجود وكل معقولية وكل قيمة ) كما (ويرفض المنهج الطبيعي الثنائيات مثل: عقل – طبيعة/ روح – مادة, معتبرين الثنائيات عقلية وليست فعلية, ذلك أنه (يطبعن) الانسان العقلاني, ويروحن المادة, والعقل لا يناقض الطبيعة, فالعقل موجود في الطبيعة ).
بضوء العبارات السابقة تكون كل ثنائيات الوجود هي وحدة أدراكية واحدة ولا فرق بين أحد قطبيها في نفي الاخر بل في التعايش معه والاقتران المتضاد التخارجي الضروري به, ولا معنى لأحدهما بغياب حضور الآخر, الثنائية بعد أدراك أحد قطبيها يكون حضورالغائب الثاني معياريا تضاديا لفهمنا الاخر, ولا تتّعين الثنائية الا بعد أمكانية تعيّنها وجودا مدركا كموضوع أو على الاقل مقاربة حضورها كحدس قابل التحقق في ادراكه...
والطبيعة لا يمكنها أن (تطبعن) الانسان العقلاني من دون أرادته وقرار مسّبق منه أنه جزء من الطبيعة متمايز عنها ويعلو عليها ولكنها لا تعلو عليه ولا تتبعه, الطبيعة ليست تابعا للانسان ألا بمقدار تبعيته هو لها.. والانسان لا يعقلن الطبيعة قبل طبعنتها هي له أولا.. أنسنة الطبيعة وعقلنتها لاحق على طبعنة الطبيعة للانسان.. الانسان وجد نفسه في الطبيعة مرضعته قبل تفكيره تطويع الطبيعة لحاجاته ورغائبه..لذا فالتعبير ان العقل موجود في الطبيعة انما يقوم على الادراك العقلي للطبيعة وبغير هذه العلاقة الادراكية فلا يبقى معنى للعقل ويتعطل ادراك الطبيعة..
وكل مكتسب يحققه الانسان العقلي في معرفته للطبيعة يكون مصدره الطبيعة ويكون من صنع الانسان العقلي وليس من صنع الطبيعة غير العاقلة, الطبيعة لا تصنع الانسان في وقت هو يحاول تصنيعها, كما أن الانسان العقلي لا يناقض الطبيعة لأنه بحاجة ماسّة لمعرفة حقيقتها وحل الغازها والاستفادة منها, والعقل موجود في الطبيعة ليس بمعناه الانثرولوجي البيولوجي العضوي كجزء منها متداخل بها ومتمايز عنها وأنما في قابلية أدراكه التجريدي لها.. والانسان العقلي موجود بالطبيعة في صورة تابع لفهم تنظيمها المعجز وليس دليلا من أجل أعادة تنظيمها المتقن بما لا يقوى الانسان مجاراته.
ولا يتساوى العقل الانساني والطبيعة من حيث أنهما معطيان متلازمان لا يفترقان, فالطبيعة وجود ألهامي ومعطى ميتافيزيقي لا يحتاج الى أثبات وجود من الانسان العقلي الذي تربطه بالطبيعة علاقة عضوية كسبب ونتيجة في تخارجهما المشترك.. والعقل معطى طبيعي للانسان قبل أن يكون معطى تعالقي بالطبيعة.
الطبيعة كيان مادي مقولة قارة لا تحتاج البرهنة على صدقيتها, الا أنها – أي الطبيعة – خارج الآلية المادية التي تحكم موجوداتها ومكوناتها, فالطبيعة نظام كلّي وليس نظاما تجزيئيا, على شكل قطوعات ومدركات لا ينتظمها نسق متكامل من الكلية الطبيعية في نظامها وقوانينها العامة, أنها بتعبير سانتيانا ( الطبيعة هي المجموع الكلي لشروطها الخاصة ), أي شروط خصائصها الذاتية في نظامها وفي قوانينها التي من غيرها لا تكون بمواصفاتها التي ندركها كحقيقة ثابتة..
مادية الطبيعة ليست حقيقة مكتسبة يمنحها الانسان العقلي لها وأنما هي مادية كمعطى يحاكم الانسان وجوده المادي بضوئها وفي أقترانه بها, مادية الطبيعة معطى متعال على الطبيعة الميتافيزيقية ذاتها وكذلك على الانسان العقلي الميتافيزيقي, ولا يمكننا فهم الطبيعة على حقيقتها علميا فقط من حيث أن نظام الطبيعة المتماسك لا يخضع دوما لتجارب العلم قبل عجز العلم أحتواء قوانين الطبيعة بكل مكوناتها الملغزة..
ومعرفة الطبيعة بمعنى أدراك حقيقتها فهما علميا لا يمكن تحديده في أكتشاف قوانينها العامة وأنما في محاولة معرفتها كوجود مادي غير عاقل يجعل من الانسان العقلي تابعا لها.. وما تدركه عقولنا من الطبيعة ليس أكثر مما تعطيه لنا مدركاتنا العقلية القاصرة عنها,, حدود معرفتنا الطبيعة هي حدود مدركاتنا القاصرة عن فهمها..وهنا يكون عالمنا الحقيقي الذي نعيشه في قابلية الادراك وليس في الوجود غير المحدود للطبيعة والكوني معا.
الاستاذ مراد غريبي:هل تجد في سانتيانا الفيلسوف الامريكي من اصل اسباني فيلسوفا متفردا لامعا يتفوق على فلاسفة النقدية الواقعية امثال رورتي, سيرل, سيلارز, واخرين غيرهم؟
ا. علي محمد اليوسف :
بالحقيقة ما ذكرتهم عمالقة في الفلسفة الامريكية المعاصرة في اختصاصات فلسفية لم يجارهم احدا غيرهم بافضل منه, فتجد ريتشارد روروتي فيلسوف العقل التحليلي, وجون سيرل فيلسوف الوعي القصدي بامتياز ,وسلارز فيلسوف اللغة بتطرف حيث اعتبر اللغة هي عالمنا الحقيقي فقط. اما سانتيانا فيمتاز بفلسفة استفزازية صادمة لتصورات نعتبرها لا تقبل النقاش ولا الجدل حولها فيها من العمق التفكيري ما يعجزك ايفاء حقها.
يقول سانتيانا ( كما هي الروح بالنسبة للجسد كذلك هو العقل بالنسبة للطبيعة, الذي هو كمالها الثاني.) انا لا اعتبر في عبارته نوع مما ذكرناه عنه من فلسفة صادمة لتصوراتنا الفلسفية لكن التوقف الصادم الوارد في ذيل العبارة في اعتباره العقل هو كمال الطبيعة الثاني, ومن دون افصاح يكون الكمال العقلي الاول للطبيعة هو الاعجاز الميتافيزيقي المذهل بنظاميتها التي اسبغها عليها الوجود المطلق.
كمال الطبيعة الاول هو بما أكتسبته الطبيعة ما ورائيا ميتافيزيقيا - روحيا من نظام وقوانين عامة, أي بتعبير ميتافيزيقي ديني (الله) هو الذي أكسبها هذا النظام العجيب الذي يقف أمامه العقل الانساني لا يقوى على التفكير في معرفة السبب ولا كيف ومتى خلق هذا التمام..؟ والكمال الثاني هو الذي أكتسبه الانسان العقلي من الطبيعة ولم تكتسبه هي منه..
أن الطبيعة تفرض على العقل الانساني كمالها المنتظم بلا حدود لا يدركها العقل ولا قدرة له الأحاطة والألمام بها...ويعبّر سانتيانا عن هذا (أن يكون العقل عاجزا عن توجيه الطبيعة فذلك نابع من تطور العقل بالذات كظاهرة مضافة على الطبيعة...) فالقوانين الفيزيائية العامة الثابتة التي تحكم الطبيعة لا يستطيع الانسان العبث بها في حال أراد تجيير تلك المحاولة لصالحه في الهيمنة على الطبيعة وقيادتها. ميزة العقل البشري أنه مكتشف قوانين الطبيعة وليس مخترعا لها..
الطبيعة لم تكن يوما ما أفرازا بيولوجيا أو ولادة قيصرية تلدها الحياة التي هي ناتج الطبيعة ولم تكن الطبيعة ناتج الحياة, فالحياة والانسان هما توأم المولود قيصريا من الطبيعة الأم.. والطبيعة أشمل من الحياة في كل المقاييس فاذا ما كانت الحياة بالنسبة للانسان فضاءا لا يحد بعضه من صنعه فأن الطبيعة بالنسبة للانسان والحياة فضاء لا يمكن أدراكه.. ألا أذا أعتبرنا الطبيعة كينونة مادية مخترقة ميتافيزيقيا بالصميم من قبل الحياة أي من الانسان...الحياة نظام مصنوع أنسانيا, والطبيعة نظام مصنوع ميتافيزيقيا..
وفهمنا للحياة الانسانية أنها فائض معنى في تداخلها مع الطبيعة ولا يمكنها مجاراتها ولا حتى التمرد عليها, فالطبيعة سر الحياة ولا وجود لحياة أنسانية لا تلوذ بالطبيعة كملجأ آمن لها... الطبيعة هي علة الحياة وفهمنا لها والتعايش الضروري معها هو لا يشكل أضافة للطبيعة بمقدار ما يشكل وجودا ما هويا للانسان العقلي في ألأخذ منها والاستفادة على الدوام منها....وعقلنة الانسان للطبيعة هو أضافة لها قبل أن تكون مكسبا أنسانيا على حسابها..
الفكر ومضمونه في الفلسفة النقدية يتمثل في اختلاف الشكل اللغوي عن مضمونه فمثلا يطرح فلاسفة الطبيعة ومنهم سانتيانا سؤالا على جانب من الاهمية والوجاهة ( كيف يمكن للفكر أن يخلص من مضمونه؟)..,تناقض لا يمكن مصادرته لمجرد عدم تطابق الاتساق بين اللغة والمضمون.
الفكر حمولة مضمونه هو الوعي القصدي به, والفكر بلا مضمون هو وعي زائف غير متحقق,والفكر في حمولة مضمونه (الموضوع) هو ألزام العقل الاستجابة له في تناوله كموضوع للمعرفة والادراك..أن تحوّل المضمون الفكري الى تكوينات وتمّثلات علائقية أدراكية في الذهن يزيح عن كاهل الفكر حمولته ويجرده منها,,لذا تكون مسؤولية الفكر تجاه موضوعه هي ألزام عقلي له يحرر الفكر من حمولته..
والسؤال هل يستطيع الفكر أن يمنح الاشياء ماهياتها أو جواهرها؟
الفكر في حقيقته طاريء على الماهية والجوهر من حيث أن الفكر وسيلة معرفية من وسائل العقل الادراكية, وتبقى حمولة الفكر لمضمونه حمولة وظيفية يراد أيصالها وأيداعها العقل, والفكر في تعالقه مع العقل داخل المنظومة الادراكية العقلية التي تبدأ بالحواس..., والفكر ليس كيانا مستقلا ولا موضوعا يمكن أدراكه من غير الاستدلال على وظيفته المعرفية في تنفيذ تعبيرات العقل الفكرية اللغوية عن الاشياء من خلال الوعي والفكر..
الفكر جوهر عقلي لا وجود له من دون العقل. ومن المتعذر جدا الجزم الكامل أن حمولة الفكر هي (ماهيات ) جرى تصنيعها في مصنع الحيوية العقلية.. فالعقل يعجز عن صناعة الماهيات التي هي معطى وتكوينات تداخل جواهر الاشياء بما هي خصائص تكوينية قابلة للنمو والصيرورة الدائمة.. فالماهية تشكيل دائمي مستمر وليس وجودا ماديا يمكن التعامل معه حسّيا أدراكيا كموضوع معرفي..
الماهية جوهرغير منظور مستقل والفكر وسيلة أدراك وظيفية عقلية.. ولا يمكن للفكر صناعة ماهيات الاشياء التي لا يستطيعها العقل أيضا, فالماهية وجود بذاته وهي جوهر داخلي مكمّلا كينونة وجود الشيء..والفكر والعقل كلاهما لا يفهم من الماهيات ومعرفتها أكثر مما يعطيهما الموجود الكلي لهما..
وأكثر من هذا مما لا يدركه العقل ويعجز معرفته يكون هو الماهيات وجواهر الاشياء التي لا يمكن للعقل تصنيعها في أمتلاكه معرفة الصفات الكليّة في موجوداتها..الماهية أو الجوهر وجود مادي يكتسب ماديته من كونه جزءا عضويا ملازما لكل موجود مادي في الطبيعة وبالخصوص الانسان وعالم الانسان والحياة..لذا تكون الماهية عجزا عقليا أدراكها لأن الماهية ليست موضوعا للادراك العقلي..
يعبّر سانتيانا عن مقاربة هذا المعنى قوله ( أن نظام الماهية محايد من حيث تعريفه, ولأنه يضم كل شيء, الى ما لا نهاية فليس له سلطة على العالم الموجود وليس بمقدوره أن يحدد طبيعة الصفات التي تظهر في الحوادث ولا نظام ظهورها ..أحيل القاريء الى مبحثي المنشور على موقع الحوار المتمدن كوة والمثقف بعنوان (هوسرل وماهية الانسان) , فقد وضّحت فيه معنى الماهية بما يغني من تكراره هنا بما لا يحتمله الموضوع......
الاستاذ مراد غريبي: ماهي التمايزات بين بيرس وجيمس من جهة, وميد وديوي من جهة اخرى؟
ا. علي محمد اليوسف: السؤال يحتاج الى اجابة موسعة لا امتلكها حقا, لكني استدرك اني مررت الاجابة السريعة عن السؤال في متن هذه الحلقة الحوارية بما ملخصه حسب علمي ان وليم جيمس بحكم خلفيته عالم نفس قبل ان يكون فيلسوفا عنى كثيرا وبتركيز على عالم الانسان الانفرادي, على العكس من جون ديوي فهو عقلية فلسفية كان الوعي الجمعي الاميريكي واهميته حاضرا ملازما لفلسفته, اذ بلغ الامر به انه اعتبر المشتركات الاخلاقية والسلوكية في نموذج المجتمع الامريكي تكاد تكون فريدة في العالم.
الاستاذ مراد غريبي: هناك تاثير كبير لميد في اراء جون ديوي بشهادة الاخير كما اثر مور, لماذا لاقت فلسفة ديوي العملية رواجا اكثر من فلسفة توفتيس الذي يعتبر فيلسوف القيم والاخلاق والجمال؟
ا. علي محمد اليوسف :
انا لا امتلك معلومات فلسفية تفصيلية الاجابة عن السؤال لكني استطيع الاشارة الى بعض المشتركات التي يلتقي بها فلاسفة البراجماتية التي مررنا على بعضها تتقدمها ركيزتين اساسيتين, الاولى اولوية التجربة على الفكر, والثانية مالا يحقق منفعة في خدمة الحياة لامعنى له وليس جديرا بالاهتمام.
ما اعرفه عن ديوي باقتضاب هو انه فيلسوف اهتم بمعالجة التربية, والفن وفلسفة الجمال ولا استطيع الجزم انه لاقى رواجا اكثر من غيره بهذا المجال. لكن اجد مهما استاذ مراد الانتباه الى انه تجد لدى فلاسفة البراجماتية مشتركات جوهرية لا يحيدون عنها وتجاوزها حول اهتمامهم تصنيع منطلقات اخلاقية تخدم مصالح المجتمع الامريكي تحديدا دون غيره من امم وشعوب العالم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام


.. حكومة طالبان تعدم أطنانا من المخدرات والكحول في إطار حملة أم




.. الرئيس التنفيذي لـ -تيك توك-: لن نذهب إلى أي مكان وسنواصل ال