الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بغداد.. يا جبهة الشمس للوجود

حسام علي

2022 / 7 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


مرت حوالي عشرون عاماً على احتلال بغداد من قبل القوات الامريكية، التي تعمدت بتدميرها كاملاً وتمزيق أوصالها وتخريب مؤسساتها الرئيسية، واعتماد الفوضى وإشاعة ونشر الارهاب فيها وتمويله ورسم خارطة جديدة حقيرة، مدت يد العون لتنميتها وترسيخها، دول عربية عدة، لعنها الله، بالاضافة الى الدمار الروحي والمعنوي الذي طغى على حياة غالبية العراقيين.
فخلف هذا الاحتلال الحاضر لحد الان بكل تفاصيل الدولة العراقية، دماراً وخراباً في مؤسساته ومنشآته ومراكزه العلمية والادبية والثقافية وغيرها، ناهيك عما خلفه الاحتلال لأكثر من مليون قتيل وملايين المهاجرين الذين فروا الى سوريا والاردن وايران ولبنان ودول عربان الخليج، وإلى اوروبا. وصار العراق، ملجأ الارهابيين، بل يعد اليوم من أخطر بلدان العالم وهو يفتقد الى الامن والأمان وعدم الاستقرار بفضل حفاة الحكومات المتعاقبة إبان 2003 ولليوم.
لقد دخلت القوات الأمريكية بذريعة تخليص العراقيين من حكم الطاغية صدام، وإيهامهم بوعود التحول الى دولة ديمقراطية متطورة على غرار الولايات الامريكية، أو أسوة بدول عربية أو إقليمية أخرى، فكان الصخب والضجيج الإعلامي الذي مارسه بوش الملعون لتعليل وتبرير احتلاله لبغداد العزيزة، قد ساعده على تمرير سياسة أمريكا الاستعمارية وخداع العالم بأسره بادئ الامر، كما ساعده على تحقيق ذلك حينها ولا يزالون، ثلة جبانة عديمة الأخلاق ليس لها انتماء حقيقي لبغداد ولا لتاريخها وأصالتها.
فكانت سياسة امريكا أن ورطت صدام الطاغية قبل كل شيء بعد انتهاء حربه مع ايران، بحرب أخرى مباشرة مع الكويت، ما أنهك الجيش العراقي بكل مكوناته وتكويناته العسكرية، لذلك لم يقوّ على التصدي للهجوم البري الذي شنته قوات امريكا، بل لم يصمد أمامها، خاصة بعد الخيانات التي طالت قيادات وهامات كبيرة في الجيش العراقي، لا تزال تعد إحدى أسرار نجاح الحرب على بغداد، التي لم يعلن ولن يتم الكشف عنها، معركة المطار، نموذجاً.
وبعد سنتين تقريباً من الاحتلال، أدركت أمريكا انخداعها وتورطها بالحرب على بغداد بسبب ما روج له رئيس العصابة الكاوبوي بوش، وما بلغته قواته من خسائر مادية على وجه التحديد، مقابل خسائر معنوية للجيش الامريكي وموقعه أمام العالم والرأي العام. بعد ان تجاوزت جرائمه العلنية والسرية الكثير من الخطوط الحمراء.
لذلك، سارعت امريكا الى إيكال مواصلة دورها بصور وصيغ مختلفة وملتوية، لشخصيات عراقية لا عراقية بالمعنى الصحيح، بل هي في الحقيقة تنتمي لأمريكا قلباً وقالباً، وباللهجة العامية يمكن أن نطلق عليهم، مسؤولين طايحين حظ وسفلة وناقصين، فكانوا بمثابة الوسيلة التي خدعت شرائح كثيرة من المجتمع العراقي، على أنها رموز وطنية تمكنت أخيرا من إجبار المحتل الامريكي على الرحيل وترك بغداد. إلا ان الحقيقة، كانوا الوجه الآخر للمحتل ببدلة ورباط يتجددان كل يوم مرة و بعباءة مع عمامة بيضاء وسوداء، مرة أخرى.
فتحول العراق شيئاً فشيئاً، الى ساحة للتدمير والخراب وإشاعة الفوضى والفساد والجريمة بكل انواعها، بل ساعدت دول معينة من عربان الخليج بالتحديد، على تمويل العمليات الارهابية الطائفية باستمرار. كما وتمكنت أمريكا بدهاء سياسي، من مواصلة احتلالها لبغداد واستغلال ثرواته، بعد توكيل أولئك الطايحين حظ من الساسة الخونة ليحلوا محلها بالظاهر فقط، وبعد التستر تحت أغطية الارهاب والفوضى واللامسؤولية وانعدام الخدمات العامة خاصة الكهرباء لتتحول لغة الشارع ولهجته عن الاعتراض إزاء الترديات والاخفاقات الحكومية، الى لغة مؤيدة أحياناً أو ساكتة عن الحق أحياناً أخرى لهؤلاء، خاصة بعد إفشاء ونشر حالات الجهل والأمية والتركيز على الغباء لدى مجاميع طويلة عريضة بين الذين يعشقون الهتاف بأهزوجة بالروح بالدم نفديك يا فلان.. وبالتزامن مع التوريدات الخيالية للدولارات للرموز الخائنة من لدن الايادي العفنة والوسخة، سواء من أمريكا أو من دول الجوار الخليجي التي كانت ولا تزال تخاف أن ينهض ميناء البصرة مثلاً من جديد أو تنهض بغداد السلام لتعود وتستضيف المهرجانات والتجمعات العربية وما شابه، أو أن تواصل تألقها وإثبات حضورها في مجالات ثقافية وعلمية وأدبية و و و ... أسوة بأخواتها من اللاتي كنّ متألقات أيام زمان، كدمشق وبيروت والقاهرة.
ما يعني، أن أمريكا حين قررت احتلال بغداد، فهي لم تكن صادقة بكل تأكيد أنها قد قادت حرباً على نظام ديكتاتوري عميل خائن متواطئ لا شرف له ولا إنسانية، صحيح أنها قد خلصت المنطقة والعراقيين على حد سواء من نظام صدام، إلا أنها قد دخلت بغداد طمعاً بثروات العراق النفطية والغازية وسبائك الذهب الهائلة التي تمت سرقتها من بنوك العراق، أيضاً مواقعه الاستراتيجية بين بلدان المنطقة. بالمقابل، هي كانت عملية جادة ودقيقة مخطط لها منذ أمد طويل، تمثلت دون شك في تلبية وتحقيق رغبة وحلم اسرائيل بالاطاحة بدور العراق مثلما سوريا. بعد أن ضمنت مسبقاً اسرائيل ولاء مصر لها بالاضافة الى دول عربية أخرى دون عناء.
خلاصة القول، صار بلد الرافدين اليوم، عاجز عن توفير أبسط مقومات الحياة، مثل مياه آمنة وصحية لشعبه، أو كهرباء وطنية أو تشييد معامل أو مصانع أو العودة للانتاج والتصنيع والتجارة والمشاركات الدولية، بل صار نفطه بيد امريكا مئة بالمئة بالاضافة الى باقي الخيرات والثروات، ساعده على نهب وسلب هذا وذاك، مجموعة من حرامية ولصوص، نصبتهم واشنطن بمناصب حساسة وخطيرة، لتسهم بإنجاح تمرير المؤامرات من جهة، وإشغال العراقيين البسطاء منهم، بأزمات مفتعلة، سياسية وغير سياسية. لأجل غير مسمى يكون مرهون بنضوب النفط والغاز وغيرهما، من جهة أخرى.
وهكذا، تبقى أمريكا تنعم بخيرات العراقيين الى حين غير معروف، مثلما ينعم الساسة الخونة بذات الخيرات، وليظل المواطن العراقي ينتظر عودة الكهرباء أو نراه يتحسر على عودة حالات الامن والاستقرار، بل ويمني النفس باسترجاع يوم من أيام زمان حين كان بالأمس يقضي أحلى أوقاته برفقة أسرته على شاطئ أبي نواس أو الكريعات أو غيرهما بكل راحة وأمان واستقرار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي على مركز رادارات في سوريا قبيل الهجوم على مدينة


.. لماذا تحتل #أصفهان مكانة بارزة في الاستراتيجية العسكرية الإي




.. بعد -ضربة أصفهان-.. مطالب دولية بالتهدئة وأسلحة أميركية جديد


.. الدوحة تضيق بحماس.. هل تحزم الحركة حقائبها؟




.. قائد القوات الإيرانية في أصفهان: مستعدون للتصدي لأي محاولة ل