الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا جريمة بدون إرادة إلّهية

محمود عباس

2022 / 7 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مهما كان التناقض بين الأحكام، والاختلاف على المفاهيم، لا يمكن تغييب المطلق التالي أو مقاربه، وهو أن الدمار الكارثي، الذي حل بشعوب سوريا والعراق، من الكورد والعرب، الإيزيديين والمسيحيين والمسلمين تأكيد على غياب العدالتين البشرية والإلهية؛ عن جغرافية تغاضت عنها الإله، وسمحت لنظام بشار الأسد، وقادة المنظمات التكفيرية بديمومة القتل والنهب والتهجير وتجويع البقية الباقية من المجتمع، ومن بينها المناطق المدرجة ضمن سوريا على أنها كانت آمنة، وخارج سيطرة النظام، كعفرين وكري سبي وسري كانيه، ومناطق إدلب.
فعلى قدر ضعف المجتمعات المذكورة، في كوردستان وسوريا والعراق أمام طوفان الجرائم تتعالى صرخات استنجاده بالعدالة الإلهية، متناسياً إنه لسذاجة القوى السياسية المعارضة؛ شرعت الأبواب للإرهابيين التكفيريين، ولعائلة ديدنها الإجرام بأن يحكمهم، ولتواطئ الشريحة المتمكنة تمادى سفاح تلك العائلة، بشار الأسد مع حاشيته، في أحكامهم على الشعب والوطن، فقتلوا قرابة نصف مليون سوري بريْ، وشردوا نصف الشعب، ودمروا الوطن بمقدساته؟ والأبشع منها تم بحق مكون كوردي ديني من أعتق الديانات في المنطقة.
هل الله عاقب السوريين والكورد بهذه الكارثة الدموية مقابل السلم؟ أما إن هذا القول هو منطق الإنسان الناقص أمام جدلية الخالق للميزان، كمفهوم الجنة والجهنم، الخير والشر، الذكاء والغباء، الفرح والحزن، الولادة والموت؟
هل لنا أن نتحدث عن حكمة الله في كل هذا الدمار والقتل، إن كان له منها حكمة؟ وهل الإله على مقاس الأديان السماوية-الأرضية؟ أم على مقاس الكون الغائب عنه الأبعاد الزمكانية؟
وإن كان على مقاس النصوص المقدسة فما هي حكمته؟ بتسليط أجرم نظام وأقذر معارضة عليهم، مقابل حكومات حضارية ديمقراطية تنعم في كنفهم شعوبهم والمهاجرين إليهم كالشعوب السورية؟
هل هناك حكمة بالسماح للدول الإقليمية المتاجرة بمصير المجتمع السوري على منصات المحافل الدولية؟ هل كان مجتمعا شريرا، كالأقوام التي انقرضت؟ فسلط عليهم ما يستحقونه، بناء على حكمة الحديث الضعيف المطعون فيه (كما تكونوا يولى عليكم) والحديث يبرأ الطغاة والأنظمة الفاسدة، ويعكس ضعف الإنسان أمام الواقع، ليوجه أبصاره إلى القوى الإلهية، بعد عجزه عن مجازاة مجرميه، وهنا يتجلى الضعف الإنساني بأبهى صوره، أي الاتكالية على قوة خارقة غائبة عنه لإنقاذه.
ما هي الحكمة هنا بتسليط الشر على السلام، والقتل على الأمان، وهل حقاً لا قدرة للبشر على الإلمام بها؟ أم إنها أحكام بشرية؛ والإلهية غائبة أو معدومة، وإلا فأية حكمة في قتل الأطفال والنساء والشيوخ؟
جدلية الإيمان بالقدرية أو الجبرية سمحت لكل التأويلات الساذجة حول حكمة الإله من إغراق البشرية في الجريمة، والتماهي أمام الواقع السوري المأساوي، بل وأمام مماثله طوال التاريخ البشري.
إن كان كفرا فهو ليس بقدر كفر ما تم بحق هذه الشعوب، وإن كان حكما ساذجا فلا بد من أن العقل البشري ملك قدرة التمييز بين الحق والباطل في مملكته على الأقل، فقتل الأطفال والنساء بالجملة، وسبي شعب بكامله، باطل أي كانت الأسباب والدوافع.
بناءً على النص وأحكامه، رسل الأديان وناشريه ومبشريه أكثر الناس تحفيزاً للكوارث، بدأت جرائمهم منذ النشوء وستستمر على عتبات ديمومة الدين بالقوة أو الفتوحات إلى نهاية البشرية، وما زلنا نتقاتل دفاعا عما جاء به الأنبياء، والتي لا تقل عن بشائع السياسيين الذين خلقوا الحروب المبنية على الإيديولوجيات والنظريات الفلسفية، والإستراتيجيات العسكرية-السياسية، وتدل على عدم فهمنا الدقيق لمغزى ما جاء به المبعوثون، والتي أدت إلى ظهور الألاف من التأويلات الهشة والمتناقضة للنص. فهل النص مطعون فيه أم التأويلات غارقة في النفاق والدجل الإنساني؟ فحتى وبناء على النص وبعض التأويلات دون فتاوى المنافقين، لا بد وأن يكون مصير كل من شرع وبشر ومن وضع أسس هذه الجرائم، وأقدم عليها، الجهنم، وبالمقابل لا بد وأن يكون ضيوف الجنة هم قادة المنظمات الإغاثية والإنسانية، والأدباء، والفلاسفة، والفنانين. وأية حكمة إلهية إن كان العكس؟
الشعوب السورية وكوردستان والعراق، يعانون من غياب الأحكام الإلهية، وهيمنة الأشرار المتحدثون باسم الله، الذين يقفون في وجه المنظمات الإغاثية الإنسانية، ويفرضون أحكامهم تحت عباءة الأحكام الإلهية على أعدل الأحكام البشرية، تثبت الجدلية، مثلما هو مؤكد للإنسانية على أن أعمال هذه المنظمات الإغاثية الحضارية أرحم من الكثير مما جاء في النص وحملتها، فأية حكمة في هذا التناقض؟
أفعال أي الطرفين هي حكمة إلهية ومسنودة على النصوص العنفية واللا عنفيه؟ هل هؤلاء كفار ومصيرهم الجهنم، وقادة المنظمات الإسلامية التكفيرية، وسلطة بشار الأسد، الذين لهم قول في الشهادة فيوعدون بالجنة! ويتم التناسي الإلهي عما خلفوه من الدمار والمعاناة، وأذاقوا الشعوب السورية الجحيم وهم أحياء، هل الشهادة والنطق بالإيمان، كاف، حسب أحكام النص الديني؛ بنهاية إيمانية، أية حكمة إلهية في سيادة الإجرام على الرحمة، الشر والأشرار على الأخيار؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تتواصل الحركة الوطنية الشعبية الليبية مع سيف الإسلام القذ


.. المشهديّة | المقاومة الإسلامية في لبنان تضرب قوات الاحتلال ف




.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب


.. مأزق العقل العربي الراهن




.. #shorts - 80- Al-baqarah