الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف العراقي في عصر الحداثة ج٢

سجاد رعد

2022 / 7 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


ارتبطت الحداثة بصورة عامة بقضية بناء الدولة، حيث إن الكيان الجيوسياسي الذي أُشّر على الخارطة، بعد معاهدة سايكس بيكو، تحت تسمية العراق، كان لا بد من تكريسه في المجتمع الدولي عبر منظومة مؤسساتية تتبع قواعد الإدارة الحديثة، وتهدف إلى إخراج المجتمع بانقساماته إلى ما قبل الدولتية. لكن التخلّف السائد أبان تلك الفترة من تاريخ العراق في أغلب مجالات الحياة بما فيها الثقافية والسياسية، أحال دون ذلك(1).
فقد استغرق هذا المفهوم (الحداثة) وتطبيقه على أرض الواقع في العراق سنين طويلة، فالعراق قبل هذا الوقت لم يعرف عنه سوى بضع صفحات غير المؤثرة في هذه المهمة (أي بناء الدولة الحديثة) وكما ذكرت المحسن "إنَّ وضوح فاعلية مؤسسات الدولة والنمو الملحوظ لفئة المتعلمين، وعودة الدارسين في الخارج، وتبلور مشاريع المثقفين، وتطور ملامح التمدن في بغداد والمدن الرئيسية، كانت أبرز سماتها تلك الفترة، التي تتحدد في الأربعينيات والخمسينيات، حيث بدت مستقرة قياسياً على الفترات التي سبقتها ولحقتها، فزمن بناء الدولة وانبثاق مؤسساتها الذي بدأ في العشرينيات والثلاثينيات لم يكتمل إلا في الاربعينيات والخمسينيات" (2)، ومعه اكتملت مشاريع المعارضة الفكرية والشعبية على هيئة أحزاب وتجمعات ثقافية، تسرَّب من خلالها الأصوات الداعية إلى ما يمكن أن نسميه حرب الطبقات والعقائد.
فلم يتطور مفهوم المثقف في العراق الحديث إلا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث نشطت حركة ثقافية كان من بين أهدافها الرئيسة تكوين ذاكرة تاريخية عراقية بمقدور العراقيين الرجوع إليها؛ باعتبارها مصدر إلهام لأي عملية تطور وتقدم وتحول ديمقراطي، ومناهضة للهيمنة الاستعمارية، وكذلك السلطة التابعة لها، والتمهيد لقيام مجتمع حديث ونظام اجتماعي وسياسي جديد يحمل ذهنية إصلاحية حديثة؛ ذلك لأن النخبة الحاكمة التي ارتبطت مصالحها، بالاستعمار البريطاني بقيت بعيدة عن بلورة خطاب ثقافي يعكس التعدد والتنوع في تركيبة المجتمع العراقي(3).
وفي هذه الفترة بالتحديد وَلَجت الكثير من الحركات والأيديولوجيات والأفكار من خارج الحدود، وقد تلقاها المثقف العربي بصورة عامة والمثقف العراقي بصورة خاصة بصدر رحب، "ففي العراق الحديث ظهر ما يسمى المثقف الحزبي، غدا ظهور التجربة الحزبية فيه، ولا سيما نهاية الأربعينيات من القرن العشرين، وكان جلَ المثقفين العراقيين منذ تلك المرحلة مثقفين حزبيين، بل كان المثقف أداة في الصراع الأيديولوجي(4)".
وكان معظم مثقفي العراق أبان تلك الفترة تحت خيمة الماركسية، فالوضع الذي كانت تعيشه تلك النخب لم يكن صالحاً لإنتاج نظريات فكرية أصلية ومستقلة وناضجة، أمام مشهد الفقر المُدقع والتخلف كان اليسار الماركسي الأكثر جاذبية لتلك النخب. فيما كان المشهد العربي لا سيما بعد بروز القضية الفلسطينية وقيام دولة إسرائيل، يشجع آخرين على تلقي الأفكار ذات النزعة القومية والعروبية وتبينها في ضمن أطر تنظيمية (البعث والناصرية)(5).
ونستنتج من هذا، إن مصطلح المثقف ذكر في أديباتنا في بداية القرن العشرين، ولم يكن موجوداً قبل تلك الفترة، ولم يؤدي ذلك العمل المنوط به كما فعل في بداية الأربعينيات من القرن نفسه، حينما تفهّم ماله وما عليه، وبعد أن أطلع على التجربة الغربية، بكل مجالاتها السياسية والثقافية والاجتماعية، ومارس العمل الحزبي والسياسي من جهة، والاحتجاجي والنقدي والفكري من جهة أخرى. وأصبح بعد ذلك ذا دوراً بالغ الأهمية في تنظيم الرأي العام وصناعته، فضلاً عن التنظير والقيادة، حتى تسلم حزب البعث السلطة. وسنتطرق لهذا بشكل تفصيلي في الجزء القادم..
(1) رحيم، سعد محمد "المثقف الذي يدس أنفه" (العراق: دار سطور، ٢٠١٦)، ص: 198.
(2) المحسن، فاطمة "تمثلات الحداثة في ثقافة العراق" (لبنان –العراق: منشورات الجمل، 2015) ص: 40.
(3) الحيدري، إبراهيم "الشخصية العراقية: البحث عن الهوية" (مصر، دار التنوير، ٢٠١٣) ، ص: 153.
(4) سعيد، حيدر "ما أصغر الدولة وما أكبر الفكرة، خطوط عن علاقة الدولة بالمثقف في العراق، في شهادات من العراق بعد 2003" (ألمانيا، برلين: آنيا فوللنبرغ وكلاس غلينيفينكيل، مؤسسة فريدريش إيبرت، 2007) ص: 95.
(5) رحيم، سعد محمد "المثقف الذي يدس أنفه" المصدر سابق، ص: 202.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس وزراء بريطانيا يعلن عن أكبر حزمة مساعدات عسكرية لأوكران


.. متظاهرون يحتشدون أمام جامعة نيويورك دعما لاعتصام طلابي يتضام




.. الجناح العسكري لحركة حماس يواصل التصعيد ضد الأردن


.. وزير الدفاع الروسي يتوعد بضرب إمدادات الأسلحة الغربية في أوك




.. انتشال جثث 35 شهيدا من المقبرة الجماعية بمستشفى ناصر في خان