الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى نبني مجتمعا عقلانيا ؟

عزالدين معزة
كاتب

(Maza Azzeddine)

2022 / 7 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


رائع جدا أن نحتفل بالذكرى الستينية لاسترجاع سيادتنا الوطنية بعد كفاح ونضال طويل استمر 132 سنة ضد استعمار فرنسي استيطاني بربري متوحش، ارتكب كل أنواع الجرائم ضد ارضنا وشعبنا، وجميل أكثر أن نفكر في تغيير واقعنا بمختلف أبعاده. وجميل أيضاً أن نضع الخيارات الاقتصادية محل شك من ناحية الجدوى وأن نفكر بعقلانية وهدوء في النظام السياسي المناسب لمجتمعنا والأكثر تحقيقاً للديمقراطية والحرية واحترام حقوق الانسان والتوزيع العادل للثورة وإصلاح الجهاز الإداري المتعفن الموروث عن النظام الإداري الاستعماري وربما أسوأ منه بكثير، وبناء مستشفيات تليق بكرامة الانسان الجزائري، وأن نعيد الاعتبار لنظام تعليمنا من التحضيري إلى الجامعي، الذي أصبح ينشر الامية والجهل وأن نعيد الاعتبار كذلك لدينارنا الذي وصل سقوطه إلى الحضيض بفعل التخطيط الرديء . وجميل كذلك ان نرفع الغبن عن الفئة الهشة من مجتمعنا التي تعاني قساوة العيش في وطن غني بثرواته البشرية والطبيعية وفقير جدا في تسييرها وإدارتها ، جميل كذلك أن نقتفي أثر الأمم المتقدمة ونأخذ عنها مظهراً من مظاهر تقدمها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني ومحاولة امتلاكه... أشياء كثيرة جميلة ومهمة في حد ذاتها، غير أن تنزيل ما ذكرناه في البيئة الاجتماعية الجزائرية واقعياً قد يجعلها متواضعة الأثر والفعل والجدوى.بل وتعود في أحيان كثيرة بالفشل وسوء التسيير ،وهنا لا بد لنا من التمييز بين أن نسعى إلى امتلاك أسباب التقدم والتمسك بها بقوة وإصرار ومثابرة على تجسيدها، وبين أن نهتم بالظاهر والقشوروالكذب وننسج على منواله، فلا حداثة حقيقية ولا ديمقراطية ولا حقوق الانسان ولا الشفافية في التسيير ، دون الرجوع إلى أصل وأسباب الحداثة والظروف العامة التي ظهرت فيها وشراراتها الحقيقية التي أنارت درب المجتمعات المقهورة واخرجتها من ظلم وتسلط الحكام ورجال الدين إلى الحرية والديمقراطية والتقدم الهائل في مجال التكنولوجيا والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والحرية . وتمثل هذه النقطة فارقاً كبيراً وعميقاً بيننا وبينهم. نعتقد أن القدرة على التمييز لم تعد هي نفسها. في المرحلة الأولى من فترة استقلالنا كان الهاجس واضحاً وهو الرهان على التعليم والثقافة وإعادة الاعتبار للإنسان الجزائري الذي عاش اكثر من قرن تحت الذل والفقر والمرض والجهل وتعويضه عن الحقبة الاستعمارية الصعبة.
رغم حداثة الاستقلال آنذاك وقلة النخب المتعلمة القادرة على تحمل مسؤوليات دولة عانت من الاستعمارالاستطياني ، فإن نقطة القوة كانت تتمثل في وضوح المشروع والأهداف.
اليوم بفعل وتيرة الأحداث وتشابك الظواهر تحولنا فعلاً إلى مجتمع بالغ التعقيد والتركيب، وهو أمر مربك في حد ذاته باعتبار أن التعقيد خاصية من خاصيات المجتمعات الحديثة، وأصبحت هذه الخاصية خاصية جميع المجتمعات الحديثة منها والتي لا تزال حاملة للبنى التقليدية.
السؤال هو ما دامت هناك محاولات في الفضاء الجزائري لنتبنى مقاربات العالم المتقدم والانخراط في التحديث فأين يكمن المشكل إذن؟
هنا نصل إلى بيت الداء: نحن نناقش الخيارات الاقتصادية وننتقد نظامنا السياسي ونمايز بين الأنظمة بقياس الديمقراطية ونتشاجر حول مشاريع التغيير السياسي و الاجتماعي ونرجح مشروعاً على آخر بالصوت العالي وأحيانا بالشتم وتبادل التهم والقدح والذم ويصل أحيانا الخلاف الإيديولوجي إلى الدم، كما حدث في تسعينات القرن الماضي حيث كادت ان تزول الدولة الجزائرية من الخريطة الجيوسياسية ، وعادت مرة ثانية في حراك 2019 ولولا تعقل قواتنا أمننا وترك الحراكيين يفرغون شحنات غضبهم في الشوارع كل جمعة بطرق سلمية راقية لكانت الكارثة الكبرى ،
فهل المشكلة في كل ما ذكرناه أم أن الجدير بالنقاش والبناء هو الإنسان الجزائري نفسه ومتى اكتمل البناء والتنشئة تم التحصين الذي نسعى إليه؟
فالتحصين ليس في النظام السياسي ولا في النمط الاقتصادي، بل إن التحصين الحقيقي يكون عندما ننتج مجتمعاً عقلانياً يؤمن بالاختلاف والنسبية والنقد ويمارس الموضوعية في مقاربته للأشياء والأشخاص والتجارب.
نحن نعرف مشكلاً كبيراً في العقلنة، لذلك فكل الخيارات قابلة للانحراف. والنخب الواعية هي التي تتوقف عن إهدار الوقت ونقاش قشور القضايا وتركز على سبل بناء ذات تكون محور الإصلاحات والخيارات، لأنه متى كان الفرد عقلانياً والعقلنة تسود سلوكه وتفكيره وخياراته فلا خوف عليه ويستطيع في صورة حصول أي انحراف بنمط التنمية أو في السياسة أن يدافع عن نفسه، إضافة إلى أن المجتمع الذي يخطو خطوات أساسية ومحمية في العقلنة لا خوف عليه ولن ينتكس من منطلق أن العقلنة ذاتها تنتج ثقافة مؤسسات وقيم والولاء للقانون وللمصلحة العامة.
ما نلاحظه أن مجتمعنا لا زال انفعاليا تحكمه الغنيمة والعصبية. وفي هذا السياق قد يكون من المهم القيام بدراسات تكشف لنا إلى أي مدى مجتمعنا لا يزال يخضع ويحتكم للمحددات التي ضبطها المفكر الراحل محمد عابد الجابري والمتمثلة في العصبية والغنيمة أساساً، حيث إنّها محددات ما زالت تفعل فعلها وقائمة الذات حتى ولو اختلفت من ناحية الحدة. وما دامت هذه القيم السلبية متواصلة في الذهنيات وأنماط السلوك فإن مسار العقلنة سيظل مهدداً في العمق. ووحده التعليم قادر على وضع مجتمعنا في سكة العقلنة الصحيحة. وغالبية ما نعرفه من مشكلات إنما تعود إلى ضعف المشروع التربوي في بلدنا الذي لم يرسم هدفاً واضحاً يطلق عليه إنتاج مجتمع عقلاني.
الفكرة الأساسية هي أن العقلنة هي أصل التقدم وهي الحل لما نعيشه من مشكلات على جميع الأبعاد. فالمجتمع العقلاني هو مجتمع يرتبط سلوكه بأهداف ويستبطن العلاقة التعاقدية في العلاقات الاجتماعية ويؤمن بالمؤسسات.
لذلك فإن وضع هدف استراتيجي والتفكير في كيفية توظيف مؤسسات التنشئة الاجتماعية لتأمين عقلنة العقل والسلوك والمواقف بات حاجة ملحة، وهي صمام الأمان وهي التحصين الحقيقي والحصن الأول. بمعنى آخر فإن الجدير بالبناء أولاً هو المجتمع، وإذا نجحنا في البناء العقلاني للفرد الجزائري فإن كل العناء قد تم لأن التقدم الذي هو أحد أهم منتوجات الحداثة هو بدوره نتاج العقلنة ومسار تاريخي طويل انطلق من عصر الأنوار واشتغال فلاسفة عصر الأنوار على العقل وصولاً إلى الألماني ماكس فيبر الذي اشتغل على ظاهرة العقلنة واعتبرها خصيصة المجتمع الحداثي.
بيت القصيد: لنشتغل على عقلنة مجتمعنا فذاك سر التقدم والرخاء وهي أيضاً - أي العقلنة - الحصن الدائم والمنيع للديمقراطية وللحرية وللعدالة وللمواطنة. من المستحيل حل مشاكلنا المتعددة إلا بتأسيس الدين والسياسة والتعليم على العقل وجعله حكما ومرجعا لنا ، ولا بدّ أن نشير هنا إلى أنّ ثقافتنا الموروثة منذ قرون عديدة تلغي دور العقل، وتعطّل عمل الإرادة البشرية، وتلغي فعل وحريّة الإنسان في التصرّف بحياته ومشيئته هي التي انتصرت تاريخياً وانتصر دورها معها، وهي لا تزال قائمة ومسيطرة للأسف على مناهج تفكير وعمل مجتمعنا ، وهي التي لا تزال تُستثمر وتُستخدم وتُوظّف سياسياً من قِبَل السلطات والحكومات والنُخب السياسية الحاكمة في الاتجاه الذي يبقيها قويّة على رأس السلطة والحكم .
وفي النهاية لا بد من التأكيد على أنّ النزعة العقلانية لم تتمكن من أن تصبح محورية في التفكير، ولم تَطْغَ على مجمل المجتمع؛ أي أنها لم تتحول لتصبح حكما ومرجعا لنا نحتكم اليها في حل كل مشاكلنا بطرق سلمية هادئة دون اللجوء للعنف والاقصاء والاتهامات المجانية والتخوين بل بقيت – كما هي حال الأفكار الثقافية المتنوّرة والمتحرّرة من كل قيد أو أسر أو وصاية-دعوة ثقافية نخبوية، بعد أن دان حكم الشارع لأتباع الدين السياسي التي تمّ تكريسه في أوساط مجتمعنا، وليصبح مناخها العام هو المناخ المسيطر حالياً على أجواء الفكر والسياسة. خاصة مع التوالد غير الطبيعي للتيارات الإسلامية السلفية ذات الجذور والاتجاهات الجبرية اللاّعقلانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد