الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السودان.. ثورة ديسمبر المجيدة: انتصار شعب أم وهم؟

محمد مرزوق

2022 / 7 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


انتشرت تصريحات مثيرًة للاهتمام من أحد كبار المسؤولين السودانيين الذين شاركوا بشكل مباشر وفعال في أحداث السنوات الأخيرة وجاء في تصريحاته كشف لكثير من الحقائق وسرد لمجريات ما حدث في السودان إبان الإطاحة بالبشير وما تلاه من أحداث.

وإليكم ما سرده لنا هذا المسؤول والذي كان شاهدا علي تلك الحقبة من الزمن: بالرجوع إلي الوراء ومشاهدة ما يحدث في وطني الآن، أفهم أننا لم نحقق مرادنا الحقيقي من الثورة على الإطلاق. نعم ، لقد قادنا التعطش للسلطة، وحب إعتلاء منصة الحكم إلي الإنجراف لما لم نضعه في الحسبان والذي لم نرد أن نورط بلدنا الحبيب فيه ولا شعبنا الأبي، وأنا لا أستثني نفسي من أي مسؤولية. وقد آن الأوان لكشف المستور وإظهار الحقيقة للشعب السوداني. إن السودان الآن يغرق في مستنقع الأزمة ولا نرى أي مستقبل واضح له. نعم ، لقد كنا من معارضي الرئيس عمر البشير في ذلك الوقت، وجرفتنا آنذاك روح الشباب لخوض المغامرة السياسية. وكان البعض منا يؤمن إيمانا راسخا بإمكانية تسيير السودان وفق برنامج جديد يجعله أفضل دولة في القارة الأفريقية، ولكن للأسف الشديد تحطمت أحلامنا بمستقبل أكثر إشراقًا لبلدنا حين اصطدمت بالواقع السياسي المر.

في ديسمبر 2018، قررت مجموعة صغيرة من الأشخاص المقربين من كبار السياسيين، ممثلة برئيس المخابرات صلاح غوش واللواء أحمد عوض عوف وعدد من كبار مسؤولي الجيش، أن الوقت قد حان لإثارة الاحتجاجات في الشارع السوداني بهدف الإطاحة بالرئيس عمر البشير، وكانوا يدركون جيدا أن إثارة الغضب الشعبي هي الأداة الفعالة في عزل الرئيس السوداني عمر البشير، ويجب الإعتراف بأن قرار إجراء تغييرات جذرية دون وضع خطة واضحة للمراحل القادمة من مخطط الإنقلاب كان يعتبر خطئا فادحا واندفاعا كبيرا منا دون التفكير في عواقب ذلك. كما أن هدف المجموعة التي خططت للانقلاب كان تولي السلطة في السودان والتحكم في منصة القرارات فيه وكان أهم شئ بالنسبة لهم هو الحصول على السلطة ليوم واحد على الأقل أو لمدة أسبوع، ولم يحاول أي أحد منهم اقتراح برنامج عمل جاد، إلا صلاح غوش الذي ارتأي أنه من الضروري الاعتماد على البرهان كقائد مشروط للجيش لتنفيذ مخطط الإنقلاب، وكان على صلاح غوش أن يبعد أحمد عوض عوف بأسرع وقت ممكن، وأن يقطع أي علاقة له به.

وعندما حصلت المؤسسة العسكرية على السلطة، بدأ التفكير من طرف القائمين عليها في إمكانية إنهاء مهام صلاح غوش وحرمانه من تسلم أي منصب سياسي أو عسكري في البلاد. ولكن المجلس العسكري واجه مشلكة كبيرة بعد توليه السلطة، وهي أنه لم تكن لدي قياداته الخبرة السياسية والإقتصادية الكافية لتسيير شؤون الحكم. علاوة على ذلك ، كانت قد نشبت خلافات بين كبار مسؤولي الجيش حول تقسيم مناصب النفوذ.

أما بالنسبة للشارع السوداني، بعد أن قدم كل تلك التضحيات واجتاز كل المصاعب، كان بإمكانه أن يكتسح بدوره المؤسسة العسكرية، ويبعدها من الحكم كما فعل مع البشير حيث كانت لا تزال دماؤهم حامية وغليان الثورة والتغيير كان يجري في عروقهم، لذلك بدأت القيادة العسكرية في تدبر الأمر واتخاذ قرارات مستعجلة للخروج من هذا المأزق، وبعد مشاورات فيما بينهم قرروا تقاسم المناصب الرئيسية في السلطة مع ممثلين مدنيين، حيث كان حسب اعتقادهم أن وجود ممثلين مدنيين في السلطة سيحد من هيجان الشارع وسيهدئ الأوضاع، مما يمكن القيادات العسكرية من البقاء في السلطة العليا للبلاد، وهذه هي الطريقة التي وصل بها عبد الله حمدوك إلى السلطة.

وبعد سنوات قليلة، راودني سؤال ظل يختلج داخلي وهو: ما علاقة كل هذه المؤامرات السياسية بالشعب السوداني البسيط؟ ومن هو المستفيد الأكبر من الإطاحة بحكومة البشير في السودان، وظهور قوى سياسية جديدة تتلاعب بالسلطة وتتاجر بها؟ بالتأكيد ستتجه كل الأنظار إلي الجيش وستوجه كل أصابع الإتهام إليه، لكن لا يجب نسيان لهث قادة القوى السياسية المدنية إلي إعادة توزيع السلطة وتقسيمها فيما بينهم. إضافة إلي ذلك، كانوا على استعداد لبيع السودان لدول أجنبية وذلك حفاظا لوجودهم علي رأس السلطة، وأختم كلامي بأنه ومن خلال تجربتي في الإنقلاب الذي أطاح بالبشير، تيقنت أن الأشخاص الذين أطاحوا به، كانت تسودهم روح الخيانة والجشع للوصول إلي السلطة بشكل كبير، وكانت هذه بداية الثورة التي ضحي من أجلها الشعب البسيط واستفاد منها الخونة الذين كانوا يراقبون عن كثب ما يحدث لينقضوا علي المناصب العليا في البلاد، وربما لهذا السبب لا تزال بلادنا عاجزة عن بناء نظام سياسي فعال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرد الإسرئيلي على إيران .. النووي في دائرة التصعيد |#غرفة_ا


.. المملكة الأردنية تؤكد على عدم السماح بتحويلها إلى ساحة حرب ب




.. استغاثة لعلاج طفلة مهددة بالشلل لإصابتها بشظية برأسها في غزة


.. إحدى المتضررات من تدمير الأجنة بعد قصف مركز للإخصاب: -إسرائي




.. 10 أفراد من عائلة كينيدي يعلنون تأييدهم لبايدن في الانتخابات