الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مع الباحثة والمؤرخة الأرمنية السورية ..دكتورة هوري عزازيان

عطا درغام

2022 / 7 / 27
مقابلات و حوارات


بداية نتقدّم بجزيل الشكر لإتاحة فرصة الحوار لنا لنتكلّم عَن الأرمن في سوريا، خاصّة وأنّ العلاقات العربيّة - الأرمنيّة قديمة قِدم التاريخ نفسه واستمرّت في مختلف الحقب التاريخيّة، لذلك رأينا أنه مِن المفيد أنْ نتعمّق في بعض الحقب التاريخيّة لأهميّة البعد التاريخي في مثل هذه الموضوعات. ونريد أنْ ننوه بأنّ كلمة "الجالية" مستعملة هنا بمضمونها العلمي.
مدخل
إنّ العلاقات العربيّة - الأرمنيّة قديمة قِدم التاريخ نفسه، وتبلورتْ بامتداد إمبراطوريّة الملك الأرمني ديكران الثاني أو ديكران العظيم (تيكران العظيم) جنوبًا إلى حدود فلسطين (84-64ق م)، فانتشر الأرمن في سوريا التاريخيّة وساحل المتوسط الشرقي (أو الساحل الفينيقي) وبلاد ما بين النهرين. وتذكر المصادر التاريخيّة: أنّ جيش ديكران الثاني كان يضمّ فرقة عربيّة أيضًا، كان لها دورها المهم في إقامة الإمبراطوريّة الأرمنيّة الواسعة، كما تُذكر وجود بعض الكتائب العربيّة في جيوش خلفه آردفست الثاني ( 55-34ق م).
واستمرّت هذه العلاقات في مختلف حقب تاريخ الشعبين، وكان للتجارة دورٌ فعّال في تقويتها. لقد كانت أرمينيا على اتصالٍ دائمٍ مع البلاد الواقعة في شرق حوض البحر الأبيض المتوسط، وازداد دورَها أهميّة في التجارة العالميّة أيام حكم الإمبراطور الأرمني ديكران العظيم، ولا سيما ما كان يأتيها مِن عائدات مرور القوافل التجاريّة (تجارة الترانزيت). وفي أثناء حكم المملكة الأرمنيّة الأرشاقونيّة (66-429م) كان الحرير الصيني يصل إلى حوض البحر الأسود، وكذلك كانت تصل إلى أرمينيا مختلف المنتجات مِن الهند وآسيا الصغرى ومنها تصدّر إلى الغرب، وبالمقابل كان يتصّل الغرب بالقوقاس والهند والصين والخليج الفارسي أو الخليج العربي مرورًا بأرمينيا.
ثم تطوّرت العلاقات السورية - الأرمنيّة ذات الصبغة العسكريّة على وجه السرعة، وأصبحت متميّزة أيام الحكم العربي على أرمينيا.
وذكر المؤرّخون والرحّالة والجغرافيون العرب أمثال: الأصطخري في "مسالك الممالك"، وابن الفقيه في "مختصر كتاب البلدان"، والطبري في "تاريخ الطبري"، والمقريزي في "الخطط المقريزية"، وأبو المحاسن بن تغري بردي الأتابكي في "النجوم الزاهرة" وغيرهم معلومات قيّمة عَن أرمينيا وعلاقاتها مع البلاد المجاورة، ولا سيما عَن التاريخ الأرمني في أثناء حكم المملكة الأرمنيّة الباقرادونيّة (885-1071م) والمماكة الأرمنيّة في كيليكيا (1080-1375م). ونذكر على سبيل المثال لا الحصر، أنّ مؤلّف ابن الفقيه يُعدّ المرجع العربي الوحيد الذي أمدّنا بمعلومات وفيرة عَن الثروة الطبيعية في أرمينيا، وأنّ مؤلفات المؤرخين والجغرافيين العرب تعتبر المصدر الرئيس عَن أنواع الضرائب المطبّقة في أرمينيا في أثناء الحكم العربي، وأنّ معلومات المؤرخين الطبري والبلاذري تكمّلان إلى حدًّ ملموس معلومات المؤرّخين الأرمن فيما يخصّ فتح العرب لأرمينيا، وأنّ المؤرّخ العربي اليعقوبي زار أرمينيا واطّلع بنفسه على ظروفها السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، ووصف جغرافيتها وصفًا دقيقَا، كما وصف مختلف نواحي الحياة فيها، وأنّ المؤرّخ ياقوت الحموي ذكر مقالع أرمينيا وأنهارها وقلاعها وأديرتها أيضًا بالإضافة عَن كلّ ما ذكره مِن أخبارها.

السؤال الأوّل - لماذا كانت سوريا أهم موطن لجأ إليه الأرمن؟.
- منذ الأزمنة الموغلة في القدم كان نهرا الفرات ودجلة، بمثابة الشريانين الّلذين ربطا أرمينيا بالبلاد الواقعة في جنوبها. وسوريا التاريخيّة التي كانت تمتدّ من البحر الأبيض المتوسط إلى الصحراء السوريّة ومِن سلسلة جبال آمانوس إلى حدود مصر، كانت تجاور أرمينيا مِن الناحية الشماليّة - الشرقية، فضلًا عَن أنّ طرق الشرق القديمة التي كانت تربط سوريا بالبحر الأسود كانت تمرّ عبر الهضبة الأرمنيّة. فقد استوطن الأرمن في مختلف المراحل التاريخيّة سوريا وساحل المتوسط الشرقي وبلاد ما بين النهرين. وتُعدّ حواشي المخطوطات الأرمنيّة التي نُسِخَتْ في أنطاكيا والرّها وبغداد وحلب مِن أهمّ المصادر التي تتكلّم عَن وجود الأرمن في هذه البلاد فضلًا عَن المصادر السريانيّة والعربيّة والوثائق والمراسيم الحكوميّة.

السؤال الثاني - متى بدأت هجرة الأرمن إلى سوريا، وكيف استمرّت وما هي أهم مناطق تجمّعات الأرمن عبر التاريخ؟.
- تتّفق المصادر الأرمنيّة والأجنبيّة على أنّه في القرن الأوّل قبل الميلاد عندما امتدّت إمبراطوريّة الملك الأرمني ديكران العظيم جنوبًا إلى حدود فلسطين، أصبحت أنطاكيا إحدى عواصم الإمبراطور الأرمني، وكانتْ أرمينيا وجميع البلاد الأخرى الواقعة في هذه الإمبراطوريّة الواسعة تتمتّع بسنوات سلم ورخاء وأمان وشهدت تطوّرًا اقتصاديًّا كبيرًا، وكانت شعوب هذه المناطق على تماسٍ مباشر مع بعضها البعض.
ثمّ، ولمّا كانت العاصمة الجديدة للإمبراطوريّة الأرمنيّة، ديكراناكيرت (أُقيمت سنة 77 ق م) مركزًا تجاريًّا وثقافيًّا كبيرًا، فإنّها ربطت أرمينيا بسوريا وبلاد ما بين النهرين عَن طريق مدينة الرّها ونصيبين ومدن أخرى، حتّى أصبحت أرمينيا تتحكّم في الطرق التجاريّة في الشرق. ومِن المرجّح أنّ الإمبراطور الأرمني شجّع هجرة أبناء شعبه إلى البلاد التي فتحها لغايات تجاريّة واقتصاديّة، فاتّجه الأرمن مِن أرمينيا إلى الغرب والجنوب، وتذكر بعض المصادر الأرمنيّة فقط عَن هجرةً جماعيّة للأرمن وقعتْ في هذه الفترة استقرّت في شمال سوريا في منطقة جبل موسى. وبالمقابل ساق ديكران العظيم وخلفه آردفست الثاني (55-34 قم) ألوف المهاجرين إلى أرمينيا في أثناء حملاتهم العسكريّة. وتُذكر بأنّ العلاقات الاقتصاديّة والثقافيّة المميّزة القائمة بين أرمينيا وسوريا استمرّت بعد انسحاب الامبراطور الأرمني مِن هذه المناطق.
وفي سنة (64ق م) وحتّى القرن الرابع الميلادي، أصبحتْ سوريا إحدى أقاليم الإمبراطوريّة الرومانيّة، وكانت العلاقات التجاريّة المتبادَلة بين سوريا وأرمينيا نشيطة. ففي العهود الأولى لانتشار المسيحيّة كانت مدينتا أنطاكيا والرّها مركزين هامّين لنشر التعاليم والثقافة المسيحيّة، وكان كثيرٌ مِن الطلّاب الأرمن يتلقّون تعليمهم في مدارسهما وأديرتهما، ممّا يؤدّي إلى الاعتقاد بأنّ الأرمن كانوا يعرفون المناطق المذكورة جيّدًا.
ومِن القرن الرابع إلى القرن السابع الميلادي أصبحت سوريا إحدىِ أقاليم الإمبراطوريّة البيزنطيّة، حيث بابتداع الأبجدية الأرمنيّة في مطلع القرن الخامس للميلاد (406م) وبدء عهد الترجمة والتأليف في أرمينيا، انتشرتْ الأديرة ورهبانيات الأرمن في شبه جزيرة سيناء والقدس. فقد وُجِدَت رُقم مِن الموزاييك مكتوبة باللغة الأرمنيّة في بعض الأماكن مِن القدس والضفّة الغربية تعود إلى القرن السادس للميلاد. ومِن الناحية الأخرى يقول الباحث الأرمني لـيـو: إنّه في القرن السادس للميلاد كانت مدينة دُبيـل أو تفين الأرمنيّة مركزًا ضخمًا للتجارة العالميّة، وكان الثاني مِن طرقها التجاريّة الرئيسيّة الخمسة يربط أرمينيا مع سوريا بشكلٍ مباشر وبلاد ما بين النهرين وفلسطين ومصر.
المعلومات التاريخيّة الجازمة عَن أوّل هجرة أرمنيّة إلى سوريا تعود إلى القرن السادس للميلاد، بعد قهر الملك الفارسي خسروف الأول (كسرى أنوشروان) بيزنطة سنة (539م)، واستيلائه على أنطاكيا والرّها. وقد نقل إلى هاتين المدينتين عددًا كبيرًا مِن المهاجرين، كان الأرمن يشكّلون أغلبية ساحقة فيهم.
وفي سنة (638م) فتح العرب سوريا، وقد وصلت إلى ذروة مجدها أيام الخلافة الأمويّة. وفتح العرب أرمينيا ما بين السنوات (640-642م)، فأرسل الخليفة عمر بن الخطاب بيد القائد العربي سراقة بن عمرو كتاب أمان بليغ إلى سكّانها، بينما أرسل معاوية بن أبي سفيان كتاب أمان إلى أهالي مدينة تفين أو دُبيل الأرمنيّة بيد القائد العربي حبيب بن مسلمة. ويشهد المؤرخ الأرمني سيبيوس أنّه في أثناء الصراع العربي - البيزنطي وقف القائد الأرمني ثيودور رشدوني إلى جانب العرب، ووقع معهم سنة (652م) معاهدة الصلح المشهورة، التي بموجبها حصلت أرمينيا على استقلال ذاتي. وتمكّن القائد الأرمني بمساعدة الجيوش العربيّة مِن قهر الإمبراطور البيزنطي قسطنتين الثاني، وعندما زار دمشق بدعوةٍ مِن القائد معاوية بن أبي سفيان استُقبِل بحفاوة كبيرة. وتُعدّ هذه الاتفاقيّة أوّل وثيقة دبلوماسيّة رسميّة موقّعة بين سوريا وأرمينيا التي قرّرتْ الأوضاع السياسيّة في أرمينيا وصفة العلاقات المتبادَلة بين البلدين، وكذلك واجباتهما وحقوقهما. وتجمع المصادر التاريخيّة على أن العلاقات السوريّة - الأرمنيّة أيام الخلافة الأموية عامّة، وحكم الخليفة معاوية بن أبي سفيان خاصّة كانت وثيقة، ومِن الوثائق الهامّة التي تثبت هجرة الأرمن إلى سوريا أيام الخلافة الأمويّة في الفترة الممتدّة ما بين السنوات (717-728م)، إحدى كتابات متروبوايت آمــد (ديار بكر) مار ثيونسيوس بار صليبي (المتوفي سنة 1173م) الذي كان مِن أعلام الكنيسة السريانيّة.
كما تجدر الإشارة إلى أنّه في أثناء فترة الحكم العربي كانت أرمينيا تتفوّق بجودة وكثرة منتجاتها وكانت تُعتبر مِن أخصب أملاك الخلافة. ويمكن القول: بشكلٍ عام إنّه لمّا كانت مدن سوريا وبلاد ما بين النهرين مراكز مزدهرة للتجارة العالميّة في أثناء الحكم العربي وترتبط مع مدن أرمينيا بطرقٍ تجاريّة عدّة، كانت العلاقات التجاريّة القائمة بين الشعبين العربي والأرمني متطوّرة، واستمرّت بعد سقوط الخلافة العربيّة أيضًا. وكان قد ازداد عدد الأرمن في سوريا، ففي القرن العاشر كانت الحاجة ماسّة لإقامة أبرشية منظّمة مع أسقفها لرعاية شؤونهم الروحيّة.
وفي أيام الخلافة العباسيّة هاجر الأرمن إلى سوريا وبلاد ما بين النهرين هربًا مِن جور السياسة البيزنطيّة واضطهادات السلاجقة - الأتراك والتتار. في هذه الأثناء، استعادت أرمينيا استقلالها التي كانت قد تحقّقت في ظلّ تتويج آشود الأوّل البقرادوني ملكًا عليها (855-890م)، ويُذكر بأنّ الملك الأرمني آشوط الأوّل رفض اقتراح الإمبراطور البيزنطي باسيل الأوّل بالتحالف مع بيزنطة ضدّ سوريا.
وفي النصف الثاني مِن القرن العاشر أعاد القيصر البيزنطي نقفور فوكاس الثاني احتلال كيليكيا والأمانوس ومناطق شمال غرب سوريا التي كانت قد بقيتْ تحت الاحتلال البيزنطي لمدّة أكثر مِن قرنٍ كامل، وكان قد أجلى سكّان البلاد التي احتلّها أو هَجّرهم قسرًا وأسكن مكانهم قطّعاته العسكريّة التي كانت في معظمها مشَكَّلة مِن الأرمن. وقد حدث الأمر ذاته في كيليكيا أيضًا حيث هاجر القسم الأعظم مِن سكّانها المحليين إلى سوريا كما يشهد الباحث آرشاق آلبوياجيان، ممّا أدّى إلى تعاظم وجود الأرمن في مناطق شمالي سوريا امتدادًا حتّى مدينة حلب، وإلى الإقامة شبه الدائمة للعناصر العسكريّة الأرمنيّة على وجه الخصوص. كذلك فإنّ القيصر البيزنطي الأرمني الأصل يوحنّا الشمشقيق (أوهان كوركين) - الذي كان لا يزال آنذاك آمرًا في الجيش الشرقي - في عام (962م) حين غزا البلاد العربيّة، أسكنَ الأرمنَ قرب القلاع في ولاية سباسطيا والقلاع الواقعة في وادي الفرات قرب منبج ودلوك. وخلال الأعوام (972-76م) في أثناء غزوه سوريا ولبنان وفلسطين هجّر مِن الأطراف الشماليّة لبحيرة وان في أرمينيا إلى سوريا عددًا كبيرًا مِن الأرمن الّذين استقرّوا على امتداد المناطق الواقعة بين أنطاكيا وينة حمص. ومِن المرجَّح أن أنطاكيا استقبلت قسمًا كبيرًا مِن المهاجرين الأرمن في تلك الآونة.
وقد خَلفَ الشِمشِقيق القيصر باسيل الثاني الذي حرّر حلب عام (995م) مِن فاطميي مصر، ويُذكر أّنه أسكن القطّعات العسكريّة الأرمنيّة في القلاع المحيطة بمنطقة حلب. وكان القيصر البيزنطي يستهدف إضعافَ سلطة الإمارات الأرمنيّة مشجّعًا في الوقت ذاته الأرمن اللاجئين إليه. وعلى هذا فإنّ السكّان المحليين مِن العرب السوريين الذين رفضوا الاحتلال البيزنطي وتركوا مواطنهم وابتعدوا عنها جعل القيصرَ باسيل الثاني عام (999م) ينقل إلى سوريا عددًا كبيرًا مِن الأرمن الّذين استقرّوا في قيصرية سوريا على ضفاف العاصي، وحتّى العام (1021-1022م) كان قد جعل خمسة عشر ألف عائلة أرمنيّة تهاجر نحو كيليكيا ومناطقها. وبهذا الصدد يقدّم لنا المؤرخ المعاصر للحدث مار ميخائيل السرياني شهادته.
ويُذكر أنّ الهجرة الأرمنيّة الثالثة إلى سوريا كانت قد وقعت في الفترة الممتدّة ما بين السنوات (973-992م) وانتشر الأرمن باتّجاه الغرب.
وبالتالي، فإنّ هذه الهجرات التي تمَّت طوعًا أو قسرًا كانت سببا لانتشار وتوزّع الأرمن في كبدوكيا وكيليكيا وخاصّة في سوريا. حتّى إنّه لحقبةٍ ما، تحوّلت المناطق الجبليّة لجبال طوروس إلى مواطن استقرار واسعة للأرمن صارت نواةً لمملكة كيليكيا الأرمنيّة. وقد التفت مؤرّخ الحوليّات مار ميخائيل السرياني إلى أحداث هذه الحقبة قائلًا: إنّ "اليونانيين" قد وطّنوا أعدادًا غفيرة مِن الأرمن في مدن أرمينيا الصغرى وسوريا التي انتزعوها مِن العرب.
ويُعتقد أنّ الأرمن في هذه المرحلة التاريخيّة استقرّوا في سوريا في منطقة: آرامو (أو عرامو أو عرامون) والغنميّة واليعقوبية واللاذقية وكسب والسويديّة (جبل موسى) وقراها، علمًا أنّه في أثناء احتلال الفاطميين لسوريا سنة (969م) اتّجهت موجات مِن الهجرات الأرمنيّة مِن سوريا إلى مصر، لمَا كانت تتمتّع به الدولة الفاطميّة من آمان ورخاء. وازدادت هذه الهجرات في النصف الثاني مِن القرن الحادي عشر مع زحف السلاجقة - الأتراك.
في القرن الحادي عشر سقطت المملكة الأرمنيّة الباقرادونيّة (885-1071م)، أمام ضربات السلاجقة - الأتراك. إنّ موقعة منازكرد عام (1071م) كانت قد أنهتْ على نحوٍ حاسمٍ ونهائي سلطةَ بيزنطة واستقلال أرمينيا، و كانت سببًا لحركةِ هجرةٍ قويّة باتّجاه جبال طوروس وكيليكيا وجبال الأمانوس (الجبل الأسود) وسوريا الشماليّة. ووفق بعض المعطيات التاريخيّة فإنّ اجتياح أرمينيا مِن قِبل السلاجقة قد قوّى أكثرَ الهجرات الجماعيّة الأرمنيّة نحو كيليكيا حيث، بالتفاف الأرمن حول أبنائِهم الشجعان وبخوضهم نضالًا عنيدًا ضدّ السلاجقة والبيزنطيين على حدًّ سواء، كان لا بدّ للشعب الأرمني مِن إعادة بناء الدولة الأرمنيّة في كيليكيا. أما بحسب رواية المؤرخ متى الرّهاوي الأرمني فإنّ هجرة رهيبة للأرمن كانت قد ابتدأت باتّجاه أذسا (الرّها) ومرعش وأنطاكيا شملت النبلاء وعامَّة الشعب مِن الأرمن.
مِن ناحية أخرى ازدهرت تجارة القوافل في سوريا في الفترة الممتدّة ما بين القرنين الحادي عشر والثاني عشر ازدهارًا كبيرًا، وشهدت المدن الساحليّة السوريّة على وجه العموم تطوّرًا اقتصاديًّا هامًّا، وأصبحتْ أنطاكيا بدورها مركزًا تجاريًّا كبيرًا، بالإضافة عَن كونها مركزًا ثقافيًّا ودينيًّا مرموقًا، ويشهد ج. لوران أنّ أغلب سكان مدينة أنطاكيا كانوا مِن الأرمن واليونانيين، وإنّ بعض ولاة أنطاكيا كانوا مِن الأرمن وفيهم: فست خجادور آنتسي (1068-1071م) وفاساك بهلاوني (1071-1078م) وغيرهما.
وبالتالي، ليس من الصعب الافتراض أنّه في أنطاكيا وفي النواحي المحيطة بها وفي أوديتها ومضائقها كانت قد استقرّت منذ أمدٍ بعيد جماعات أرمنيّة كبيرة وعديدة، وإذا ما كان قسمٌ هام مِن هذه الجماعات قد اتّحد مع إمارة ثمّ مملكة كيليكيا فإنّ قسمًا لا يقلّ أهمية عنه كان مستقرًّا هناك. وقد شكّلت العلاقات النشيطة لمملكة كيليكيا الأرمنيّة مع الصليبيين أولًا ثمّ مع إمارة الرّها ودوقيات أنطاكيا وطرابلس الشام ومملكة القدس خط انعطافٍ لتواجد وحضور الأرمن في سوريا.
ولا بدّ من الذكر بأنّه قبل عهد الصليبيين كان الأرمن يشكّلون نسبة عالية مِن سكّان الرّها (أذسا) وأنطاكيا ولكن بتقدّم الصليبيين نحو منطقتي وادي العاصي وسواحل المتوسط هاجر السكّان الأرمن بأعدادٍ ضخمة إلى هاتين المنطقتين مِن كيليكيا والأمانوس. وإلى جانب أنطاكيا، أصبحت الاسكندرونة والسويديّة واللاذقية وطرابلس الشام مواطن استقرار جديدة للمهاجرين الأرمن. كما استمرّت الهجرات الأرمنيّة نحو شمال سوريا والرّها والمناطق المجاورة لها.
وكانت سوريا الهدف الأول للحملة الصليبية الأولى، وفي هذه الفترة التاريخيّة قاد حركة التوحيد في سوريا عماد الدين الزنكي الذي أسّس على أراضي الجزيرة السوريّة وأرض الشام دولة الأتابكة الزنكيين، واحتلّ عام (1128م) حلب أحد أهمّ المدن السوريّة، وتدريجيًا خضعتْ له الإمارات السلجوقيّة - التركيّة الصغيرة، أمّا في عام (1144م) فقد احتلّ الرّها (أذسا)، ومِن اللافت أنّه في أثناء تصدّيها له اشترك في المقاومة "الأسقف الأرمني" فيها كما يشهد أمين المعلوف، ثمّ احتلّ لاحقًا تل باشر وبيرا (بيريجيك) ومناطق أخرى كانت تابعة لحكومة أذسا الفرنجيّة. وقد وصف المؤرّخ العربي ابن الأثير احتلال الرّها كاشفًا أنّ غالبية سكّانها كانوا مِن الأرمن. وكانت العلاقات المتبادَلة بين المملكة الأرمنيّة في كيليكيا والدولة الأتابكية الزنكيّة في حلب مميّزة جدًّا لا سيما في المجال التجاري. في تلك الأيام استقرّ عددٌ كبير مِن النبلاء والتجّار الأرمن في حلب.
وحين حصلت مجاعات كبيرة في آسيا الصغرى في الفترة الممتدّة ما بين السنوات (1070-1080م) استمرّت الهجرات الأرمنيّة إلى الرّها وشمالي سوريا ومناطق أخرى. وتذكر المصادر التاريخيّة: إنّه فضلًا عَن أنطاكيا، كانت توجد جاليات أرمنيّة صغيرة في كلّ مِن اسكندرونة وبيلان وحمص ودمشق وبيروت وطرابلس الشام وصور وصيدا أيضًا. ففي سنة (1179م) عندما عقد كاثوليكوس الأرمن كريكور الرابع دغى (الملقَّبْ بالابن) مجمّعًا دينيًا في مدينة روم قلعة، كان مِن بين الأساقفة المشتركين ممثّلون عَن الأرمن في حمص واللاذقية مِن سوريا.
وفي الفترة ما بين القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين كانت حركة التجارة والنقل البحري الدوليّة قد تطوّرت بشكلٍ غير مسبوق، ونتيجة لذلك شهدت الحياة التجاريّة في سوريا بدورها نهضة كان للأرمن فيها دور هامّ جدًّا إذ كانوا قد حصلوا على حقّ التجوّل الحرّ بتجارتهم حتى إلى ميناء صور ومناطق أخرى.
وتأرجحتْ سوريا أو بعض أجزائها بدءًا مِن القرن الحادي عشر، ما بين حكم السلاجقة - الأتراك، ثم الأيوبيين، وتبع حكم الأيوبيين قدوم المغول - التتار، وفي أثناء الموجات المغوليّة - التتاريّة هاجر الأرمن بأعدادٍ كبيرة مِن أرمينيا إلى سوريا وبلاد أخرى هربًا مِن الظلم والاضطهاد، ولم يشغلوا الأقاليم الشرقيّة للإمبراطوريّة البيزنطيّة فحسب بل أصبحوا يؤلّفون الأغلبية العظمى مِن سكّان وادي الفرات الشمالي، وسكّان شمالي بلاد ما بين النهرين والمناطق الواقعة بين الرّها وسوريا الشماليّة وأنطاكيا إلى فلسطين.
ثمّ احتلال سوريا وفلسطين مِن قِبل المماليك بين القرنين الثالث عشر والرابع عشر الذي استمرّ حتّى مطلع القرن السادس عشر، وحملاتهم المتكرّرة حتّى كيليكيا، كانت له نتائج سلبية وعواقب ضارّة على مملكة كيليكيا الأرمنيّة وبالقدر نفسه على موَاطن استقرار الأرمن في سوريا. فقد أفرغ المماليك بشكلٍ واسع وخاصّ شمال سوريا وكيليكيا مِن السكّان الأرمن وساقوهم أسرى بأعدادٍ لا تُحصى نحو مناطق الحكم المملوكي في سوريا وفلسطين ومصر. ومِن المرجّح أنّ الأرمن هربًا مِن أهوال هجمات المماليك عليهم المتلاحقة، احتموا في المناطق الشماليّة مِن سوريا وفي مدينة حلب. وابتداءً مِن سقوط مملكة كيليكيا الأرمنيّة (1375م) حوَّل التجّار أنظارهم مِن ميناء آياس وقد فقد بريقه إلى حلب. إذن، فإنّ الوضع المنظّم للحياة الدينيّة والقوميّة لأبناء جالية المهاجرين الأرمن في حلب وموقع المدينة الجغرافي - التجاري الهامّ كانا مفيدين لكي يقيم أرمن كيليكيا بشكلٍ خاصّ مع مدينة حلب علاقات مثمرة. ومع زوال مكانة أنطاكيا التاريخيّة في القرن الثالث عشر(1268م)، أصبحتْ مدينة حلب المركز الرئيس للأرمن في سوريا. كما أنّه وبسبب انتعاش الروابط التجاريّة بين الشرق والغرب خلال القرون الوسطى اكتسبت المدن السوريّة وخصوصًا حلب أهميّة تجاريّة دوليّة، وبالتدريج بدأت تنتظم وتتشكّل الجالية الأرمنيّة في حلب، وبالتالي فإنّ وجود وحضور الأرمن في تاريخ حلب أصبح وجودًا جديرًا بالاعتبار.
في أوائل القرن السادس عشر ألحق السلطان سليم الأول بالمماليك هزيمة ساحقة في معركة مرج دابق شمال حلب، وحدّد المصير الجديد لسوريا التاريخيّة وفلسطين ومصر. وكان الأرمن في سوريا في ذلك الوقت ينتشرون بشكلٍ خاصّ في حلب واللاذقية ودمشق والمناطق الشمالية - الغربية من البلاد. وازدهرت في أثناء السيادة العثمانية خاصة الجالية الأرمنيّة في حلب ازدهارًا كبيرًا، وبلغت أوجها في القرن السابع عشر.
واستمرّ وجود الأرمن في مختلف مناطق سوريا حتى بداية القرن العشرين. عندما قامتْ السلطات العثمانية بإبادة الشعب الأرمني في تركيا العثمانيّة سنة (1915م)، فوقعتْ موجات هائلة مِن التهجير القسري والنفي إلى سوريا، ومنها انتشر الأرمن في البلاد العربيّة ومختلف بلاد العالم. وعقب سنوات الإبادة تكوّنت جاليات أرمنيّة في منطقة الجزيرة السورية: في القامشلي والحسكة وتلّ أبيض ورأس العين والرقّة ودير الزور.
وهنا لا بدّ مِن ذكر الدور البارز والحاسم الذي لعبه المفكّرون الأرمن في سوريا في مختلف مراحل النهضة العربيّة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، أمثال يوحنّا وارتابيت واسكندر أبكاريوس وأديب اسحق ورزق الله حسون وغيرهم، والتي تحوّلت بفضل التحرّريين العرب والأرمن إلى نضالٍ فكري وقومي ضدّ الحكم العثماني.

السؤال الثالث - كيف حافظ الأرمن على وجودهم رغم تعرّض أكثريتهم لجريمة الإبادة؟.
هنا لا بدّ أنْ نعود بالتاريخ إلى الخلف قليلًا ونتطرّق إلى أنّ أرمينيا ظلّتْ تتوسّط الصراع الفارسي - العثماني إلى القرن السابع عشر للميلاد، والحروب الروسيّة - الفارسيّة (1580-1600م)، إلى أنْ جاءت الحرب الروسيّة - التركيّة (1877-1878م)، فأدّت إلى انقسام أرمينيا إلى "أرمينيا الشرقية" أو "أرمينيا الروسيّة" وإلى "أرمينيا الغربيّة" أو "أرمينيا التركيّة". ومِن هنا بدأت "القضية الأرمنيّة" أو "المسألة الأرمنيّة" تأخذ أبعادها الدوليّة، لا سيما بالنسبة للأرمن القاطنين في أرمينيا الغربيّة وتركيا العثمانيّة. وكانت لهذه الحروب والغزوات المتواصلة، وما كانت تجرّه مِن نتائج سلبية تأثيرًا فاجعًا على أرمينيا والشعب الأرمني.
إنّ نشوب الحرب العالميّة الأولى في صيف سنة (1914م)، عرقل مسيرة تنفيذ برنامج الإصلاح العثماني وأبطل إمكان حلّ "المسألة الأرمنيّة" عَن طريق الإصلاحات الإداريّة، فلجأ العثمانيون - الأتراك إلى تسويتها تسوية نهائية وذلك باتّباع خطّة مسبقة ودقيقة للإبادة الأرمنيّة كانتْ تضمّ الإستيلاءات والغارات والاعتقالات عقب اندلاع الحرب العالميّة الأولى سنة (1914م)، ثمّ عمليات النفي والتهجير القسري، وأخيرًا المذابح.
إنّ مذابح ومجازر سنة (1915م) وما رافقها مِن نفي وتهجير قسري وتشريد، تُعتبر أكثر هولًا مِن كلّ الجرائم التي عرفها تاريخ الإنسانيّة. لقد أُبيد مليون ونصف مليون أرمني، وأُفرغت أرمينيا الغربيّة وكيليكيا مِن سكّانها الأرمن الأصليين، واغتصب العثمانيون - الأتراك الأراضي الأرمنيّة التاريخيّة، وخضع أكثر مِن (200000) أرمني، أكثرهم مِن النساء والأطفال لسياسة "التتريك" الممنهجة، وطُمِسَت معالم الأمّة الأرمنيّة في مختلف المجالات الحضاريّة والثقافيّة، وتبعثر نحو (1500000) مِن الناجين والمنفيين الأرمن، منهم مَن لجأ إلى ما وراء القوقاس، أيّ إلى "أرمينيا الشرقيّة" (جمهوريّة أرمينيا)، واستقرّ الباقون في البلاد العربيّة وجميع أرجاء العالم يؤلّفون اليوم ما نسمّيه بـ "الشتات الأرمني" أو "المهجر الأرمني". وبحسب الحكومة العثمانيّة - التركيّة فقد كان المكان المختار الرسمي لنقل قوافل المنفيين الأرمن إليه: هو المنطقة الجديدة المفتوحة بالخطّ الحديدي إلى بغداد. وكانت مدينة حلب المركز الرئيس لتجمّع المنفيين الأرمن، ومنها كان قد نُقِل المهاجرون والمنفيون الأرمن الذين قدموا مِن مناطق مختلفة إلى معسكرات التجميع المنتشرة خارج مدينة حلب.
واحتضنت سوريا بالمرحلة الأولى أشلاء الشعب الأرمني المنكوب ومنحتْ لهم فرص العيش الكريم. وبادل أبناء الشعب الأرمني المحبّة بالمحبّة والاحترام بالاحترام وبذلوا كدّ يمينهم وعرق جبينهم في سبيل ازدهار الوطن السوري ورقيها. وعرفانًا بالجميل خلّد الأرمن الصداقة العربيّة – السوريّة - الأرمنيّة ببناء الصرح المعماري الرائع و"كنيسة الشهداء" في مدينة دير الزور السوريّة (1991م) التي ذهبتْ بدورها ضحية الحرب السوريّة سنة (2014م).
السؤال الرابع - كيف أثّر الأرمن في الأماكن التي تواجدوا فيها، وما هي أشهر المجالات التي برز فيها الأرمن السوريون بعد النكبة، ومَن هم أشهر أعلام هذه المجالات؟.
- كان موقف الشعب العربي مشرّفًا أيام النكبة الكبرى (سنة 1915م) تجاه إخوانهم الأرمن المهجّرين والمشرّدين. ففي السنوات التالية عندما بدأ الأرمن بتجميع الأيتام أصدر ملك الحجاز الشريف حسين بن علي أوامره إلى الحكّام العرب بتسليم الأولاد والنساء الأرمنيّات إلى الجهات المعنية، ومدّ يد العون والمساعدة إلى أبناء الشعب المنكوب، وفي هذا الصدد تغني الوثيقة التاريخيّة المشهورة التي أصدرها عن الكلام.
وبالمقابل يقدّر الجميع دور الأرمن البنّاء في سوريا والبلاد العربيّة وفي بلدان المهجر الأرمني على وجه العموم. فقد سعى الأرمن سعيًا حثيثًا في تعمير هذه البلاد المضيافة، وناضلوا في سبيل حريتها واستقلالها، وأثبتوا وجودهم الحيّ عندما تحوّلتْ مخيّماتهم في سوريا ولبنان وأماكن أخرى على وجه السرعة إلى ضاحيات جميلة، ولمعتْ مهارتهم في مختلف المجلات وارتقوا إلى مراكز مرموقة. فعلى سبيل المثال لا الحصر: الأرمن هم أوّل مَن أدخلوا إلى مدينة حلب مِهن التصوير الفوتوغرافي والزنكوكراف وفنّ التطريز وتجارة المفروشات وشغل السجاد، وفي المجال الثقافي كان الأمراء الأرمن يرعون "تاسادون" حلب المغمور الواقع في باحة كاتدرائية الأربعين شهيد حيث نُسخ هناك في الفترة الممتدّة مِن نهاية القرن السادس عشر إلى بداية القرن السايع عشر للميلاد مخطوطات قيّمة حفظت تاريخ الجالية الأرمنيّة أيضًا، ويُذكر الفنّان خجادور الذي زيّن القصور الفخمة بحلب بنماذج مِن الفنّ الأرمني والعربي. ويعود تاريخ تأسيس أوّل مدرسة أرمنيّة بحلب باسم: "تبرادون" إلى القرن السادس عشر والتي بعد مراحل عدّة تحوّلتْ إلى مدرسة ابتدائية مرموقة، وفي السنوات (1924-1925م) كانت توجد (19) مدرسة أرمنية تخصّ الطوائف الأرمنيّة الثلاث. وفي المجال العلمي فقد أسّس الدكتور أسادور ألطونيان مشفاه الخاص سنة (1912م) الذي قدّم خدمات طبيّة جليلة لمدينة حلب، وفي الفترة الممتدّة ما بين السنوات (1920-1930م) كان يعمل في حلب (30) طبيبًا أرمنيًّا و(15) صيدلانيًّا، كان الصيدلاني - الكيميائي فاهان سمرجهباشيان أوّل مّن حصل على ترخيص لتحضير وبيع الأدوية، و(11) طبيب أسنان، ومِن أطباء العيون برز الدكتور روبير جبه جيان ومشفاه الخاصّ الذي يقدّم الخدمات لحلب إلى يومنا هذا. وفي المجال العسكري، لمع مِن بين القوّاد الأرمن الّذين خدموا في الجيش العربي السوري اللواء آرام قرهمانوكيان الذي كان قائد قوّات المدفعيّة وعضو الأركان العامّة (1949-1950م)، وقد مُنِح له أرقى الأوسمة مِن قِبل الحكومات السوريّة واللبنانيّة والمصريّة والفرنسيّة، وكذلك العميد هرانت مالويان واللواء آلبير كيليجيان والرائد جوزيف بيراميان والنقيب كريكور هندويان، وغيرهم. وفي مجال الصحافة، فقد صدرتْ في حلب ما بين السنوات (1918-1978م) النشرات التالية: (10) جرائد، (11) مجلّة أسبوعيّة، (32) مجلّة شهريّة، (43) دورية، (10) تقاويم كنسيّة، بينما بلغ عدد المطابع في الفترة نفسها تقريبًا (29) مطبعة صدرتْ منها (440) نشرة بمختلف اللغات. وفي دمشق كان المهندس هوسيب خيّاط الأرمني يتمتّع بلقب المعماري الأوّل في المدينة، كما كان للإخوة كريكوريان علاقات تجاريّة هامّة مع أوروبا.

السؤال الخامس - هل يُعدّ الأرمن في سوريا أقليّة دينيّة أم أقليّة قوميّة؟.
- لعلّ أفضل إجابة على هذا السؤال هي شهادة السيّد الدكتور بشار الأسد، رئيس الجمهورية العربيّة السورية. ففي أثناء زيارته التاريخيّة لأرمينيا (16 - 18 حزيران، 2009م)، التي لم تكن تهدف أمن واستقرار المنطقة والعلاقات المتبادَلة بين البلدين الصديقين فحسب، بل كانتْ لها أهداف اقتصاديّة بليغة، وفي المؤتمر الصحفي المشترك عقب المباحثات مع الطرف الأرمني عبّر السيّد الرئيس الدكتور بشار الأسد عَن سعادته بزيارة أرمينيا البلد الصديق، مشيرًا إلى أنّ العلاقات بين البلدين لا يمكن أنْ تُقاس بالجانب الرسمي وإنمّا يجب أنْ تُقاس بجانبها التاريخي والثقافي والشعبي والعاطفي، وأضاف: "إنّ الشعبين مرّا في مراحل تاريخيّة صعبة في القرون الماضية أدّتْ لأنْ يكون هناك التقاء بينهما وهذا الالتقاء كان حقيقيًّا يتجسّد في السوريين مِن أصلٍ أرمني الّذين يعيشون في سوريا مواطنين سوريين بامتياز منذ أنْ أتوا إلى سوريا واندمجوا بثقافاتها وبعاداتها وبشعبها مِن دون أن يتخلّوا عَن ثقافتهم الأمّ وعَن تاريخهم وقضاياهم، وخلقوا نموذجًا خاصًّا وفريدًا في التماذج بين الثقافات في أيّ مكان في العالم وأضافوا للتنوّع الثقافي الغني في سوريا المزيد مِن الغِنى...". كما قال الرئيس بشار الأسد: إنّ العلاقة السوريّة - الأرمنيّة الحديثة التي يقارب عمرها الآن المئة عام فيها الكثير مِن المصالح المشتركة والوفاء في صورةٍ تكاد تكون فريدة. فالموقع الاستراتيجي لسوريا وأرمينيا يجعلهما ممرّات إجباريّة لخطوط النفط والغاز بين آسيا وأوروبا، لذلك تسعى سوريا للحلّ السياسي في القوقاس وآسيا والشرق الأوسط لخدمة هذه المشاريع الكبرى والاستثمارات الضخمة الهامّة للبلدين والشعبين.

السؤال السادس - كيف أصبح الأرمن في سوريا نموذجًا للتعايش بين الأديان والوحدة الوطنيّة، وكيف ساعدتْ الكنيسة الأرمنيّة على خلق التواصل بين السوريين والأرمن؟.
- أوّلًا: يجب الإشارة إلى أنّ الكنيسة الأرمنيّة هي دعامة الوحدة الوطنيّة الأرمنيّة، فقد ضمنتْ بقيَمها الروحيّة، والأخلاقيّة، والرعويّة وبدعوتها سلامة حياة الشعب الأرمني، وصانت تماسكه الوطني في الفترات الحرجة مِن تاريخه. ويقول صاحب القداسة الكاثوليكوس آرام الأوّل للأرمن الأرثوذكس في أنطلياس في هذا الصدد: "كسلطة روحيّة، ومؤسّسة توحيديّة، وحَكَم أعلى، كانت الكنيسة الأرمنيّة تتدخّل في النزاعات والصراعاات الداخليّة الأرمنيّة... . واليوم، في وجه الظروف التاريخيّة المتغيّرة باستمرار، تعمل الكنيسة الأرمنيّة بلا كلل للمحافظة على الوحدة الوطنيّة".
ثانيًا: إنّ العلاقات ما بين الأديان بشكلٍ عام، والعلاقات المسيحيّة - الإسلاميّة بشكلٍ خاصّ، احتلّتْ مكانًا خاصًّا في جدول أعمال الكنيسة الأرمنيّة في سوريا، في بلدان المهجر الأرمني وفي أرمينيا. على سبيل المثال: في أثناء الاحتلال العربي لأرمينيا (القرن السابع إلى القرن التاسع الميلادي)، كانت الكنيسة الأرمنيّة على اتّصال يوميٍّ بالعرب المسلمين، وفي كيليكيا باقتران هذه الاتِّصالات بالمصالح الجيوسياسيّة، تمّ توسيعها والتواصل أكثر فأكثر، وهناك أمثلة عَن المراحل التاريخيّة اللاحقة أيضًا. مرّة ثانية نشهد بأقوال صاحب القداسة الكاثوليكوس آرام الأوّل: "إنّ العلاقات، والتعاون، والحوار، والتفاعل الداخلي مع المسلمين هي حقائق دائمة بطبيعةٍ ونطاقٍ وجودي. إنّ الاحترام المتبادّل وقبول بعضنا بعضًا بالطريقة التي نحن عليها، بتقاسم الاهتمامات المشتركة وتطوير وجهات النظر المشتركة للقضايا الحرجة التي تواجهها المجتمعات على وجه العموم، هي سمات بارزة للعيش المشترك..."، في سوريا وخارجها.

السؤال السابع - هل هناك إحصاء دقيق عَن أعداد الأرمن السوريين قبل اندلاع الحرب سنة (2011م) وبعدها...؟
- لقد تمّ على مرّ السنوات البعض مِن الإحصاءات حسب الحاجة، ولكن لا توجد إحصاءات دقيقة عَن الأرمن في سوريا بسبب الهجرات الخارجيَة والتنقّلات الداخليّة المستمرّة، وعلى وجه الخصوص بعد اندلاع الحرب السوريّة تغيّرتْ الصورة كثيرًا لأسبابٍ معلومة.
ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر:
تذكر بعض المصادر الأرمنيّة أنّ عدد الأرمن في حلب وضواحيها سنة (1918م) كان يبلغ (60000) أرمني، وفي السنوات (1919-1920م) حوالي (35000) أرمني، ما لبث أنْ ارتفع هذا العدد إلى (75000) أرمني إثر نكبة كيليليكيا سنة (1922م). وفي سنة (1924م) كان عدد الأرمن في حلب يبلغ (48000) أرمني بشكلٍ تقريبي، كان (35000) منهم مِن المهجّرين والمنفيين ونحو (17000) منهم يعيشون في المخيّمات الواقعة في حيّ الميدان وحيّ السبيل وحيّ السليمانيّة وحي الجميلية.
وتذكر بعض المصادر الأرمنيّة أنّه عقب الاضطهادات العثمانيّة والإبادة الجماعيّة للشعب الأرمني ونكبة كيليكيا سنة (1922م) كان عدد الأرمن في دمشق يبلغ نحو (15000) أرمني، وكانت قد تكوّنتْ جاليات أرمنيّة صغيرة في درعا وحوران أيضًا، وفي الفترة الممتدّة بين السنوات (1925-1927م) انخفض عدد الأرمن إلى (7500) أرمني.
بالنسبة إلى مدينة اللاذقية، :انّ عدد الأرمن سنة (1911م) كان يبلغ (100) أرمني بشكلٍ تقريبي، وفي سنة (1980م) بلغ (363) عائلة أرمنيّة، وفي التسعينات مِن القرن الماضي حوالي (1500) أرمني. أمّا ما يخصّ الجليات الأخرى على الساحل اسوري فإنّ عدد الأرمن انخفض في كلٍّ مِن الغنيميّة واليعقوبيّة وآرامو، وكذلك الحال بالنسبة للجاليات الأرمنيّة في منطقة الجزيرة السوريّة.

السؤال الثامن - ماذا عَن عادات الأرمن السوريين، وهل تختلف عن العادات العربيّة في سوريا، وما العوامل التي ساعدت على الحفاظ على التراث والثقافة الأرمنيتين في سوريا؟.
- العادات والتقاليد هي ذاكرة الشعوب المعاشة والمحكيّة، تُترجم على أرض الواقع مراسم فرحٍ ينتظرها الصغار ويحيلها الكبار. وهذه العادات والتقاليد تشكّل إرثنا الحقيقي والمتبقّي وحده مِن ذكريات الجميل، إنّها نسيجٌ اشتركتْ في لحمته وسداه الشعوب المتجاورة في جوارٍ لا تجاور، وإخاء لا تآخي، فكان مِن الطبيعي أنْ يفضي في النهاية إلى عيشٍ حقيقي مشترك، في أرقى وأبسط وأجمل صورة لأقدم حوارٍ للحضارات عرفته سوريا منذ سحيق الأزمان.
والتقاليد والعادات عند الأرمن في سوريا في غالبيتها ترتبط بالأعياد الدينيّة، ولكن إضافة إلى الأعياد الدينيّة التي تحتفل بها الطوائف الأرمنيّة مع سائر الطوائف الأخرى، كلٌّ منها بحسب طقوسها وتقاليدها وعاداتها، فإنّ هناك أعيادًا ثلاثة يمكن اعتبارها خاصّة بالأرمن لأنّها قوميّة ودينيّة في الوقت نفسه وهي: عيد القدّيس وارطان، وعيد الشهداء الأرمن وعيد القدّيس غريغوريوس المنوّر.
كما تشارك الأرمن في الأعياد الوطنيّة السوريّة.

السؤال التاسع - لماذا تُعدّ حلب عاصمة الأرمن السوريين؟.
- تُعدّ الجالة الأرمنيّة في حلب مِن أهمّ الجاليات الأرمنيّة في المهجر الأرمني، ولا بدّ أنْ نعود المعطيات التاريخيّة.
مِن المرجّح أنّ الأرمن كانوا يعرفون مدينة حلب جيّدًا منذ القرن السادس للميلاد، مِن خلال مرور قوافل الحجّاج الأرمن القادمين مِن أرمينيا وكيليكيا منها في طريقهم لزيارة الأماكن المقدّسة في فلسطين. ويذكر الباحث الأرمني آرشاق ألبوياجيان أنّ الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله عيّن سنة (1016م) حاكمًا أرمنيّا على قلعة حلب كان يُدعى: عزيز الدولة ومنحه لقب "أمير الأمراء"، وقام عزيز الدولة بأعمال عمرانيّة كبيرة في حلب ورمّم تحصيناتها. وورد في مكان آخر للباحث نفسه أنّه عندما احتلّ هولاكو خان مع حليفه الأرمني المللك هيثوم الأوّل حلب ودمشق والقدس في منتصف القرن الثالث عشر، تنازل عَن البلاد التي يحكمها سلطان حلب للملك هيثوم الأوّل ولصهره أمير أنطاكيا، وعلى الأرجح فإنّ الأرمن قدموا إلى حلب في هذه الفترة واستقرّوا فيها. وورد ذكر الأ{من في حلب في الكتابة الجدارية التي تتصدّر مدخل قلعة حلب، سجّلها سنة (1291م) الأمير سنقر تخليدًا لذكرى قهر السلطان المملوكي الأشرف قلاوون الجيوش التتاريّة واحتلاله على مدينة حلب وترميمه لقلعتها.
تؤكّد حاشية مخطوطة أرمنيّة نُسِختْ في حلب سنة (1355م) عَن وجود جالية أرمنيّة في حلب في النصف الأوّل مِن القرن الرابع عشر، أصبحتْ في النصف الثاني منه جالية منظّمة يرعاها المطران هواكيم الّذي اشترك سنة (1439م) في مجمع ديني عُقد في فلورانسا. وكانت كاتدرائية الأربعين شهيد الكائنة في حيّ الصليبة - آنذاك معبدًا صغيرًا - وكنيسة السيّدة العذراء للأرمن الأرثوذكس بجانبها تقومان بسدّ احتياجات المؤمنين الأرمن الروحيّة. وتشهد المصادر الأرمنيّة أنّ الأرمن في هذه الفترة كانوا يتمتّعون بأحوال جيّدة، ويُذكر مِن أبرز أبناء الجالية الأرمنيّة: "الريّس عيسى" الّذي قام سنة (1499-1500م) على نفقته الخاصّة بتوسيع معبد الأربعين شهيد التي غدتْ كنيسة جميلة، كما رمّم كنيسة الموارنة "مار إلياس" وكنيسة الروم الكاثوليك "مار جرجس" الواقعتين بالقرب مِن كنيسة الأرمن. وعمّر "الريّس عيسى" في باحة كنيسة الأربعين شهيد مبنى مطرانية الأرمن الأرثوذكس، وغرف صغيرة لإقامة الرهبان والحجّاج الأرمن. وقد ظلّ هذا المبنى مساهمًا في خدمة مقرّ المطرانية الأرمن الأرثوذكس، حتّى تمّ تشييد مبنى المطرانية الجديدة،
في مطلع القرن السادس عشر للميلاد وعلى مدى قرنين مِن الزمن أصبحتْ مدينة حلب مركزًا تجاريًّا كبيرًا نتيجة استيلاء العثمانيين على القسطنطينيّة سنة (1453م) وعلى طرابزون سنة (1461م)، وعلى غرمانا سنة (1471م)، فاحتلّ الطريق التجاري الجديد وهو طريق: تبريز - حلب الّذي كان يمرّ بمدن أرمينيا: بيركري وآرجيش وآردزني وخلاط وباغيش مكان الطريق القديم، ولم يكن الطريق التجاري: أرضروم - سباسطيا - حلب أقلّ أهميّة مِن سابقه، وكانت حلب تتّصل بالبحر الأبيض المتوسط بطريقين هامّين، فبدأ الأرمن يقدمون إلى مدينة حلب بأعدادٍ كبيرة مِن مختلف أنحاء أرمينيا.
مِن الناحية الأخرى، في هذه الأثناء بدأ ممثّلو الدول الأوروبيّة يستقرّون في حلب لغايات تجاريّة وكانت لهم قنصليّاتهم أيضًا، وتتّفق المصادر الأرمنيّة والأجنبيّة على أنّهم كانوا يتعاملون مع التجّار الأرمن، الّذين كان دورهم كبيرًا جدًّا آنذاك في الحياة التجاريّة والصناعيّة للمدينة. لقد كانت حلب مشهورة منذ القديم بإنتاج الحرير، وكان التجّار الأرمن يتحكّمون في تجارته، وكانت الصباغة أو الدباغة بيد الأرمن وهي معروفة بأنّها حرفة أرمنيّة، وبرز مِن بين حرفيي حلب الخيّاطون وصانعو الأحذية الأرمن أيضًا، بينما كانت الصياغة حرفة أرمنيّة خالصة. ومِن أهمّ أعيان الأرمن في هذه الفترة: "آل شلبي" أو "آل جلبي"، و"آل المعلّم سليمان"، و"الخواجة خاتشيك"... وغيرهم. فقد وسّع الأخوان بديك وسانوس شلبي سنة (1616م) كنيسة الأربعين شهيد مرّة ثانية وهي باقية على ذلك الوضع حتّى يومنا هذا. ويشهد الرحّالة الأرمني سيميون ليهاتسي الّذي زار حلب سنة (1616م)، أنّ أحوال الأرمن في حلب كانت جيّدة وأنّ الجالية الأرمنيّة تضمّ (300) عائلة.
في النصف الثاني مِن القرن السابع عشر مع زوال أهميّة حلب التجاريّة خملتْ الجالية الأرمنيّة بدورها، وتذكر بعض المصادر أنّها كانت تقدّر بحوالي (500) عائلة أرمنيّة.
وفي السنوات (1881-1882م) كان عدد الأرمن في حلب يبلغ (6470) أرمني بشكلٍ تقريبي. وفي الأربعينات مِن القرن التاسع عشر بدأ التجّار الأرمن في اسطنبول بالاهتمام بالحركة التجاريّة في سوريا والتعامل مع التجّار الأرمن في حلب. وتجدر الإشارة إلى النساء الأرمنيّات أيضًا الّلواتي أنشأن في نهاية القرن التاسع عشر في حلب وضواحيها (102) معملًا للتطريز، كانت تصدّر منتوجاتها إلى البلاد الأوروبيّة.
وبدأتْ الاضطهادات والمجازر والتهجير القسر ضدّ الأرمن في تركيا العثمانيّة في نهاية القرن التاسع عشر وبلغتْ ذروتها بالإبادة الأرمنيّة سنة (1915م). وكانت حلب كما ذكرنا هي المركز الرئيس لتجمّع المهجّرين والمنفيين الأرمن، الّذين بلغ عددهم حوالي (500000) أرمني، حيث دبّرتْ حكومة الأتراك خطّة إبادتهم وذلك بإرسالهم إلى أغوار الصحراء السوريّة، فغدتْ دير الزور وانتيلّي ورأس العين ومرقدة، المقابر الجماعيّة للبقيّة الباقية مِن الشعب المنكوب.
ففي هذه البوتقة التاريخيّة الحافلة تكوّنتْ الجالية الأرمنيّة في حلب بشكلٍ منظّم منذ القرن الرابع عشر للميلاد، والتي استمرّتْ في وجودها الحيّ في جميع المراحل التاريخيّة بأبعادها الدينيّة والقوميّة والثقافيّة والتربويّة والفنيّة والعلميّة... لا مجال لذكرها بالتفصيل هنا. وقد بقيتْ هذه الجالية التاريخيّة صامدة إلى يومنا هذا، ومِن الجدير أنْ تُلقّب بـ "الجالية الأرمنيّة الأمّ" في سوريا والمهجر الأرمني.

السؤال العاشر - كيف يمكن للغة أنْ تحافظ على الهويّة القوميّة الأرمنيّة؟.
- مثل جميع الشعوب فاللغة الأرمنيّة أيضًا هي إحدى مقوّمات الهويّة القوميّة، واللغة الأرمنيّة هي لغة حيّة يستعملها الأرمن في أرمينيا وفي بلدان المهجر الأرمني بما فيها سوريا، حيث للأرمن في سوريا الكنائس والمدارس والمؤسّسات التربويّة والدينيّة، والجمعيّات الثقافيّة والشبابيّة والنسائيّة والخيريّة، والأندية الرياضيّة وما إلى ذلك التي تحافظ على اللغة الأرمنيّة وبالتالي على الهويّة القوميّة الأرمنيّة.

السؤال الحادي العاشر - لماذا استُهدِف الأرمن بعد اندلاع الحرب عام (2011م) ودفعتهم إلى الشتات مرّة أخرى خارج سوريا، وماذا فعلتْ الحرب في الأرمن السوريين منذ اندلاعها. وماذا تعني سوريا بالنسبة للأرمن؟.
- في الحقيقة استهدفتْ الحرب السوريّة كلّ الشعب السوري بكلّ طوائفه وأطيافه وكذلك كلّ مرافق الحياة في الجغرافيّة السورية بأكملها، لذلك كانت مختلف نتائج الحرب الدموية مأساويّة وأضرارها بليغة على الأرمن في سوريا أيضًا، ومِن الطبيعي في هذه المرحلة الحرجة أنْ يلجأ الأرمن بدورهم إلى بلدان أخرى بحثًا عَن الأمن والأمان على وجه الخصوص.
وأخيرًا، لا بدّ أن نذكر بأنّ سوريا اضّطلعت بدورٍ فريد وهامّ جدًّا بالنسبة للأرمن فكانتْ الجسر الذي ربط بين الأرمن والشعبين الأرمني والسوري - العربي العريقين.
وتشارك الجالية الأرمنيّة في سوريا مشاركة فعّالة في أعمال إعادة الإعمار والأعمال التنموية الأخرى مِن أجل نهضة ورقيّ الوطن السوري مِن جديد.
ولعله مِن الجميل أنْ نختتم هذا الحوار بالواقعة التالية: لقد ناضل الأرمن في سوريا وبذلوا دماءهم رخيصة في سيبيل استقلال الوطن السوري، وكان رجال الدين الأرمن يحثّون بدورهم رعاياهم على تلبية نداء الواجب، ففي (30 أيار 1945م) زار المطران يبريم دوهموني - مطران الأرمن الأرثوذكس في دمشق - وزير الداخلية السوري، وأعلن أنّه مستعدٌّ شخصيًّا مع رعيته للتضحية منِ أجل حريّة الوطن السوري، بينما أصدر الأسقف زاريه باياسليان - مطران الأرمن الأرثوذكس لأبرشية حلب وتوابعها - نداءً إلى المقاتلين الأرمن في الجيش الفرنسي كي ينضمّوا وبمعدّاتهم إلى الجيش السوري، فلبّى الجنود الأرمن نداء الواجب، ومنحتْه الحكومة السوريّة وسام الاستحقاق السوري مِن الدرجة الأولى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هجوم إسرائيل -المحدود- داخل إيران.. هل يأتي مقابل سماح واشنط


.. الرد والرد المضاد.. كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟ و




.. روايات متضاربة حول مصدر الضربة الإسرائيلية لإيران تتحول لماد


.. بودكاست تك كاست | تسريبات وشائعات المنتجات.. الشركات تجس الن




.. إسرائيل تستهدف إيران…فماذا يوجد في اصفهان؟ | #التاسعة