الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسـلام السّياسـيّ/ مـن غـول إلـى شمّاعـة

الطايع الهراغي

2022 / 7 / 27
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


"إنّنا نزوّر العالم كي نفهمه، يا للتّعاسة".
(غسّـان كنفانـي).
"الفرق بين الغباء والعبقريّة هو أنّ" العبقريّة لها حدود".
(البيـرت انشاتيـن)
"لا يوجد خطيئة عدا الغباء"
(أوسكــار وايلــد)

**الاختـزال المميــت
النّهضة في تونس حاملة لواء الإسلام السّياسيّ، الممثّل الرّسميّ للحركات التي تغتصب الإسلام وتحتكره مرجعيّة لها، هي عدوّ طبقيّ ووطنيّ وقوميّ. تعبيرة طبقية لليمين. وككلّ التّيّارات الدّينيّة يمثّل الإسلام السّياسيّ معضلة المعضلات في الحكم وجائحة الجوائح في المعارضة .ولكنّ النّهضة – ومثيلاتها في باقي الأقطار العربيّة لم تكن ولن تكون التّعبيرة الوحيدة لليمين.
ملعون ومدمّر هو التّفكير القاصر الذي يتّكئ على الاختزال من باب التّهوين من فداحة الإشكال وحجب كبرى المعضلات ليبدو المصاب أقلّ وقعا والمهمّة في المتناول. النّخبة العربيّة – ومثيلتها التّونسيّة تخصيصا- مولعة بتعليق شمّاعة الإخفاقات على جهة بعينها: الحركات الإسلاميّة التي تتّهمها عديد الأطراف بأنّها جسم غريب زرعه الغرب الامبريّالي في إطار مؤامرة لمحاربة حركات التّحرّر واليسار والمجموعات التّقدّميّة والدّيمقراطيّة .
وهْــم محاربتها كخطر وحيد وعدوّ رئيسيّ تحوّل إلى دفاع عن أنظمة وحكومات هي بديلها البائس . وكيرا ما أبرمت تحالفات وزيجات مع التّيّارات الدّينيّة لترويض شعوبها وتخديرها وتحريف وعيها.
فمن رحم إخفاقات هذه الأنظمة وسعيها المحموم إلى تأبيد نظام الاستغلال وإعادة إنتاج أنماط حكم وتسيير وتصوّر مجتمعيّ مغترب في الزّمان وفي المكان بشكل هجين تفصله عن حاجيات العصر مسافات ضوئيّة.أنماط لم تعد صالحة لغير التّسريح لما راكمته من موجبات تصحير أوجه الحياة السّياسيّة والاجتماعيّة والفكريّة، من رحم هذه الإخفاقات انتعشت الحركات الإخوانيّة.
ومن الاختزال بقصد أو بغباء للمشهد السّياسيّ ولأفاق الفعل فيه في ثنائيّة كارثيّة قاتلة ومميتة:تضخيم بعبع النهضة لخلق سيناريو نمطيّ تحكمه ثنائية تلغي ما سواها، إمّا قبول هيمنة الإخوان على المشهد السّياسيّ والفكريّ والثقافيّ أو الرّضا بالتّذيّل للسّلطة الحاكمة والخضوع لشطحاتها لصدّ تصلّب عود المنظومة الإخوانيّة.
بين هذين الاختيارين البائسين انساقت النّخبة المضربة عن التّفكير بطواعيّة وتذلّل إلى سياسة التّبرير والدّفاع عن شناعات أنظمة الحكم وتسويقها كبديل يتيم ومخرج أحاديّ من أخطبوط غول الإخوان.
النّخب التي تحوّل نظاما استبداديّا استغلاليّا مرتبطا عضويّا وبجلافة وبالتّصريح لا بالتّلميح بنظام نهب عالميّ إلى نظام وطنيّ تقوده سلطة وطنيّة لا يجد البعض حرجا في تأمينها على الثّورة، هذه النّخب تسحل مبرّرات وجودها ،تخون شعوبها ، تحطّ من شأنها وتصبح عالة على التّاريخ وعلى المجتمع وعلى الفكر.

** الوعـــي الشّقــيّ
الوعي المصلوب على قفاه يقود دوما إلى اعتناق الحلول البائسة ويسوّقها على أنّها عين الواقعيّة بما هي تطليق للمجازفة ورفض للمغامراتيّة وتباين مع التّطرّف اليسراويّ. فلا خلاص إلاّ بالارتماء في أحضان الحاكم الذي يقدّم نفسه(وقد خلا له الجوّ) وصفة سحريّة للإفلات من غول التّيّارات الدّينيّة. حتّى الأنظمة التي اختزلت سياساتها ومدار صراعها في احتكار الحكم باسم الإسلام تقودها في ذلك غريزة التّغطرس والاستئثار بالسّلطة للتّربّع على العرش بعد التّخلّص من الضّرائر وإذلالهنّ تجد لها في ربوعنا من يتفنّن في استصدار فتاوى لمبايعة ممثّلي هذه الأنظمة، فتاوى بيّن التّاريخ زيفها وفداحتها ودلّلت التّجارب على كارثيّتها.اكتوت النّخب بنيرانها دون الاستفادة من دروسها.
اصطفّت نخبة"الأمّة" -إلاّ من رحم ربك- وراء العسكريّ بن علي (سليل نظام بورقيبة) الذي أنقذ حزب الدّستور ودولة حزب الدّستور من التّرهّل وأنقذ نظام بورقيبة من بورقيبة بتزويده بما يلزم من نفحة أوكسجين لإطالة عمر نظام بات عديم الصّلوحيّة. فكان أن قدّم نفسه على أنّه "صانع التّغيير" و"زين الشّباب "ومهندس "التّحوّل المبارك" تمهيدا للشّروع في استئصال الحركة الإسلاميّة بمباركة من الحالمين بإخراج الإخوان من الحلبة السّياسيّة . فماذا كانت النّتيجة؟ أكثر من هائلة: تحوّل الميثاق الوطنيّ، أوّل" فخـــر" لبن علي إلى نفاق وطنيّ، و آل اجتثاث الإسلاميّين إلى ترويض للجميع أحزابا ومنظّمات وجمعيّات ونقابات. انتعش الإسلام السّياسيّ الذي أرِيد تحجيمه بالاتّكاء على المظلوميّة، تعلّبت الحياة السّياسيّة ولوحِقت المعارضة حتّى تلك التي لهجت بمباهج السّابع من نوفمبر
بعد التّسونامي التي أفرزته مفاجآت انتخابات المجلس التّأسيسيّ راهنت عديد الأطراف على الباجي وحزبه نداء تونس ( والاسم منتقى بعناية= النّجدة والإنقاذ) الذي أوهمها بإقامة توازن يكبح تغوّل النّهضة واحتلالها للمشهد السّياسيّ. فكان زواج المتعة التّاريخيّ الذي مكّن حزب الغنّوشي من التّسرّب إلى مفاصل الدّولة وشرايين الإدارة . مرّة أخرى تراهن النّخب على الجياد الخاسرة وتقبل دور رجال المطافي .
هلّلت الملل والنّحل في مبايعة غير مسبوقة وغير مشروطة للعصفور النّادر وبولاء قطيعيّ لا أعتقد أنّ صاحب المبادرة الذي عطّل كلّ المؤسّسات وجمّع سائر السّلط تشريعيّها وتنفيذيّها وقضائيّها كان يحلم به .فقد اعتبرت مجاميع الحشود لحظة25 جويلية لحظة فارقة ،صحوة جديدة، استعادة ظافرة مظفّرة لـ 17ديسمير. واهتبلت النّخب فأعلتها إلى مرتبة كبرى الثّورات في تعدّ صارخ على التّاريخ وتلاعب بالمفاهيم واعتداء على الذّاكرة بسحلها. فكان أن استبدلنا رفض انتصاب نظام تيوقراطيّ بقبول تنصيب حكم بونابارتيّ لا يفصله عن النّهضة غير الرّغبة في إقصائها من الحكم ليحكم نيابة عنها باسم إسلام على طريقة سعيّد حيث الدّولة تحتكر التّصرّف باسم الدّين وتستأثر بتأويله وتوظيفه. ملعونة هي النّخب التي تتوهّم مقارعة المنظومات البائدة – سعيّد أحد أضلاعها- بالدّفاع عن نسختها الجنيسة باستماتة وعنجهية وتباه. نسخة عفنة تقيّأتها من صلبها وبها رجمت من لم يتورّط في مبايعة ولّى زمانها وباتت معرّة (في وضعية الحال فضيحة).من إبداعات نخبنا الاهتداء إلى أنّ عدم مبايعة قيس سعيّد هو بالتّعريف ارتماء في أحضان النّهضة مباشرة أو مداورة- إن لم يكن خيانة للثّورة أصلا- ما لم يثمّن شطحات الحاكم بأمره.

** جائحة الإضراب عن التّفكير
مشروع الدّستور المعروض للاستفتاء لا معنى له ولا مبرّر لوجوده أصلا. فهو استجابة لنزوة خاصّة قوامها الانتقام من الخصوم، كلّ الخصوم بدسترة الخلاف وتقديمه على أنّه مشروع إنقاذ. لا هو حاجة مجتمعيّة ولا هو مطلب مجتمعيّ . وأيّ حاجة إلى دستور – هذا إذا ثبت أنّه ضرورة - إن لم يكن أكثر تطلّعا من دستوريْ التّرويكا2014 وبورقيبة 1959 ، وإلاّ انحدر إلى مستوى الإهانة والاستهانة وكفّ عن كونه دستورا ليتحوّل إلى فرصة لتصفيّة حسابات مع خصوم سياسيّين ومع محطّات تاريخيّة؟ .يكفي فقط الوقوف عند التّوطئة (وجه أيّ دستور) لنصطدم بعقليّة تدميريّة ،التّاريخ عدوّها والمفاهيم خصمها.
مدار الصّراع في تونس الآن ليس الدّستور ولا الاستفتاء. فكلاهما أمره محسوم منذ هيمن على الرّئيس هاجسُ التّفكير في تقنين نهائيّ للقبضة الحديديّة التي تدار بها البلاد عبر دسترة شكل الحكم ووظيفته وطبيعته النّظام، رئاسويّ بالاسم ملكيّ بالفعل، لا مكان فيه لأيّة رقابة ولا وجود لسلط مستقلّة. دستور تمكين الرّئيس من ولاية الفقيه التي لم تمنح حتّى في القديم إلاّ للملوك.
حال النخبة كحال وعّاظ السّلاطين، تبرّر ما لا يُبرّر.تجمّل ما يبدو للسّلطان نشازا شنيعا. تخميرة النّخبة ترجمة لما قاله الخليفة أبو جعفر المنصور" نثرنا الحبّ على العلماء فلقطوا، إلاّ ما كان من سفيان (الثّوريّ) فقد أعيانا فرارا"، وتكريسا لتوجّس غسّان كنفاني منذ مطلع السّبعينات من إمكانيّة أن تفرض الخيانات نفسها فرضا "سيأتي يوم على هذه الأمّة تصبح الخيانة فيه وجهة نظر". ويبدو أنّ غسّان لم يكن كثير التّشاؤم فالخيانة على عهدنا يُراد لها أن تصبح وجهة النّظر الـرّسميّة بموجبها يوسم كلّ الفاعلين بأبشع السّمات وأشنعها وتحال إلى التّقاعد الوجوبيّ إن لم يكن إلى مأوى العجز السّياسيّ. رحم الله الرافعي "ذهبت هموم حرنا في أسمائها // وأتت هموم ما لهنّ أسامي".
نخبتنا لا تقرأ التّاريخ ولا تستقرئه. فتعيد إنتاج ما اكتوت به هي ومثيلاتها . ففي مصر مثلا منذ أكثر من أربعين سنة اصطفّت مع السّادات ، عصفورها النّادر هي أيضا- باعتباره الحلقة الأضعف، رجل الصفّ العاشر، تعوزه الخبرة والكاريزما . توهّمت أنّها ستتلاعب به فأحالها إلى مجاهل التّاريخ وحكم عليها أن يمرّ وإيّاها من السّقوط إلى الرّدّة. نسختها في إيران صدّقت هي الأخرى أواخر السّبعينات ما قاله آية الله الخميني عن نفسه من كونه عدوّ الشّيطان الأكبر أمريكا. فماذا كانت النّتيجة؟ حكم الملالي بقيادة المرشد الأعلى وانطواء النّخب على ذاتها.

** هذيان النّخبة وخروجها عن النّصّ
زواج المتعة الذي طالما رجمت به جملة من الأطراف السّياسيّة الباجي وحمّلته جريم إنقاذ النّهضة وتمكينها من التّحكّم في المشهد السّياسيّ تناسته النّخبة قي تخميرتها وهذيانها بالقدرات الخارقة للمنقذ من الضّلال على بناء الجمهوريّة والجديدة لينعم فيها أهل المدينة الفاضلة .
في عرف النّخبة التّونسيّة لا يهمّ إطلاقا هويّة الدّستور وفلسفته والمبادئ التي يتّكئ عليها. 25جويلية هو قيس سعيّد والمسار هو قيس سعيّد والدّستور هو قيس سعيّد. أليس مقرفا حقّا الإسهال الهذيانيّ كما يترجمه سلوك إحدى النّائبات؟ تتبنّى دستور 30 جوان بدون أدنى تحفّظ وتصرّ على خلوّه من أيّة هنة لتسارع بالإشادة بالدّستور الثّاني باعتباره تجاوزا لما علق بالدّستور الأوّل من شوائب.
انحباس حاسّة التّفكير لدى النّخبة تترجمه الزّوبعة التي أحدثها قيس سعيّد في ما يرقى إلى مستوى الزّلزال. تسونامي عرّى عورة حشود من اليساريّين والدّيمقراطيّين. غزتهم التّوبة التي ستظلّ تنتظر مدى اقتناع الشّيخ الرّئيس بكونها توبة نصوحا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري