الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سفر ايوب، خرافة المذهب الألوهي (2)

باسم عبدالله
كاتب، صحفي ومترجم

(Basim Abdulla)

2022 / 7 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في الاصحاح 7 يتذمر ايوب ويهتز ايمانه، فيخاطب الله بكل لوعة وحيرة وانين ” .. ابحر أنا ام تنين حتى جعلت علي حارساً ان قلت فراشي يعزيني مضجعي ينزع كربتي تريعني بالاحلام و ترهبني برؤى فاختارت نفسي الخنق الموت على عظامي هذه قد ذبت لا إلى الابد احيا كف عني لان ايامي نفخة ما هو الانسان حتى تعتبره وحتى تضع عليه قلبك وتتعهده كل صباح وكل لحظة تمتحنه؟ حتى متى لا تلتفت عني ولا ترخيني ريثما ابلع ريقي .. ” فهذا العتاب الممتزج باللوم الى الله في تفكير ايوب بُني ان يترفع الله عن ابتلاء عباده، ولا يضعهم في محن اقدارهم، كأن ايوب يلوم الله على افعاله هذه. كان يدلل هذا فرط معانات ايوب من ابتلاء الله هذا اليه. فتوالي العذاب وشدته عند ايوب الى الحد الذي جعله لم يستطع ابلاع ريقه. فهذه الماساة الذاتية التي عاشها ايوب فهو لم ير مبرراً لأفعال الله في كل هذا.
” انه يصل الى الايقان المحزن بأن نظام العالم قاس ملتو وذلك نتيجة لكل ما قاله اصحابه وما كان يشاركهم الاعتقاد به ان وجهة النظر هذه قد جائت من احساسه بأنه قد عومل بالظلم من إله لا يقدم اسبابا لعمله ومن جهة عدله لا يمنح الإنسان البصيرة او الملاذ ... ان الاحتياج العميق الذي شعر به ايوب في احتجاجه على الله هو احتياجه الى وسيط بنهما بين الخالق والمخلوق ، بين الظالم وضحيته. (6)
في الاصحاح 19 تستمر لوعة ايوب وفقدانه الثقة بما آمن به واخلص له : ”فَاعْلَمُوا إِذًا أَنَّ اللهَ قَدْ عَوَّجَنِي، وَلَفَّ عَلَيَّ أُحْبُولَتَهُ.هَا إِنِّي أَصْرُخُ ظُلْمًا فَلاَ أُسْتَجَابُ. أَدْعُو وَلَيْسَ حُكْمٌ. قَدْ حَوَّطَ طَرِيقِي فَلاَ أَعْبُرُ، وَعَلَى سُبُلِي جَعَلَ ظَلاَمًا. أَزَالَ عَنِّي كَرَامَتِي وَنَزَعَ تَاجَ رَأْسِي.هَدَمَنِي مِنْ كُلِّ جِهَةٍ فَذَهَبْتُ، وَقَلَعَ مِثْلَ شَجَرَةٍ رَجَائِي، وَأَضْرَمَ عَلَيَّ غَضَبَهُ، وَحَسِبَنِي كَأَعْدَائِهِ. مَعًا جَاءَتْ غُزَاتُهُ، وَأَعَدُّوا عَلَيَّ طَرِيقَهُمْ، وَحَلُّوا حَوْلَ خَيْمَتِي. قَدْ أَبْعَدَ عَنِّي إِخْوَتِي، وَمَعَارِفِي زَاغُوا عَنِّي ”لوعة تكسر الأيمان في وحدانية وتستنطق الخيبة التي تعيش في اعماقه، حتى صار يناجي البعيد والقريب، ذلك ان الله ظلمه، صار ايوب يصرخ ظلماً فلا من مجيب لعذابه، صراخ يتعالى ان الله ازال كرامته، وهدم حياته، بل حتى ظن ان هذا الإبتلاء فعل الاعداء التي لا ترحم، فصار وحيدت بلا اخوة وحتى من كان حوله ابتعدوا عنه، ان هذا الألم الصارخ والاحتاج عكس حالة عدم احتواء المذهب الألوهي لعقيدة راسخة لعقيدة الشر، فلقد فقد ايوب ايمانه، وضاقت فيه سبل الرجاء فصار يطلب الموت على ان يعيش مقصوص الجناح مسلوب الإرادة مقطع الاوصال، يعيش العجز فذاب جلده وخارت قواه، حمل في جسده اوجاع العذاب وابتلاء القدر. ذلك ان مأساة ايوب خالفت المفهوم اللاهوتي التقليدي ببلاء لا يقع إلا لمن يستحقه. في الاصحاح 32 يأتي دور صاحب ايوب الرابع اليهو وقد غضب من ايوب ومن اصحابه الثلاثة، لانهم لم يجدوا جواباً واستذنبوا ايوب. السفر الى نهايته لم يقدم ايضاحاً حول سبب معانات ايوب فليس فيه رسالة لاهوتية او اخلاقية يستفيد منها المؤمن باللاهوت الإلهي. في الاصحاح 38 يخاطب الله ايوب عن قدراته وتفرده في صنع الكون، لكنه لم يبين له سبب انزال ابتلائه عليه، وكأن الله يهمه فقط اظهار القدرة الإلهية بلا تدبر اسباب القدر في ابتلاء عباده، فقدان تبرير الابتلاء عند الله، جعل فكرة السفر برمتها لم تستند على حالة روحانية تتمثل في الرجاء والحكمة. في الاصحاح 9 ” كامل أنا لا ابالي بنفسي رذلت حياتي هي واحدة لذلك قلت ان الكامل والشرير هو يفنيهما .. ” فهو يرى بسبب ابتلائه ان الموت نهاية المؤمن والشرير، فليس هناك قيامة لحساب الأموات، فكلاهما في الدنيا مبتلى، لقد نسب ايوب بهذا الإحساس الوجداني الظلم لله كحالة لها وجود في الذات الإلهية. ذلك ان الله لا يميز بين الكامل والشرير.
في الاصحاح 10 ” قد كرهت نفسي حياتي اسيب شكواي اتكلم في مرارة نفسي قائلا لله لا تستذنبني فهمني لماذا تخاصمني احسن عندك ان تظلم ان ترذل عمل يديك و تشرق على مشورة الاشرار الك عينا بشر ام كنظر الانسان تنظر اايامك كايام الانسان ام سنوك كايام الرجل حتى تبحث عن اثمي و تفتش على خطيتي في علمك اني لست مذنبا ولا منقذ من يدك ... ” في شكوى الأنين ووجع الذات، حتى كره حياته، احس بالهوان والمرارة، احاطت به خيبة الظن بمعتقداته الدينية، فلم يجد رداً، كان وجدانه الحائر يستنكر على الله البحث عن خطايا عباده في الحياة الدنيا، كان يرى نفسه لم يؤثم، فلماذا نال اوجاع الآثمين، لوم وعتاب وشكوى، ذلك ان المعتقد اللاهوتي خالف امر الله في محبة الأبرار.
سفر ايوب ملئ بالنسيج الشعري، اخبار في الحكم والمواعظ، فالكثير من اخباره حكايات ماض لا قيمة تاريخية لها، لم يتبين ان صاحب السفر ايوب هو الذي كتب هذا السفر، اقرّ المؤرخون ان ايوب ليس ضمن الدائرة اليهودية، اي ليس من شعب اسرائيل، كان يفترض ان يكون نبياً كي يتم اعتبار سفره من الأسفار الموحى اليها. لقد اتضح من خلال النقد الكتابي ان هذا السفر قد ساهم في كتابته اكثر من شخص، المشكلة الأخرى في هذا السفر مجهولية تاريخ كتابته، يتضح من السفر ان تدوينه كان بهدف تثبيت شخصية رجل غير يهودي في تاريخ التراث اليهودي، السفر لم يصلح كحقيقة تاريخية وقعت لأيوب ذلك انها تناقضت في تاريخ اعتداء السبئيين والكلدانيين على ممتلكاته، عاش ايوب في الالف الثانية قبل الميلاد. كذلك نجد في بعض مفرداته صعبة الفهم، فالتراجم على اختلافها لم تنجح بتوضيح مفرداته، لم يقدّم السفر سبب معانات ايوب، من الواضح انه صار ضحية التحدي بين الله وابليس، لكن موضوع الشر كان يفترض ان لا يتجسد في شخص ايوب وفي هذا السفر بالذات، ذلك ان الله طرد ابليس من ملكوته في الملأ الأعلى، فلم يوضح السفر كذلك لماذا وكيف عاد ابليس الى الله ودخل عليه مباشرة وكأن لا خلاف سابق بينهما ” هناك ايضا مناجاة بابلية شعرية كتبت في الالف الثانية قبل الميلاد بعنوان ” اشكر رب الحكمة ” ولا يختلف فيها ايوب البابلي عن ايوب السومري فهو كمتألم بار يستند على فكرة ان مردوخ إلهه يحكم العالم وهو الذي يسمح له بأن يتألم ... ” (7) وهذا يشير الى الطابع الإسطوري في هذا السفر. تأثر السفر بعقيدة المثيولوجيا القديمة وهي المفاهيم والتراث اللاهوتي القديم الزاخر باالاساطير التي ارتبطت بالثقافات والمجتمعات القديمة، وبسبب وصول بعض الشخصيات لمرتبة عالية من الشهرة في بلدهم تضاف عليهم بعض الكوارث والشائعات كي يتم الإيمان بهذه الكوارث انها حقيقية وقعت في زمن من الأزمان. هذا نوع من التوجه ربط القصص التاريخية بشكل اسطوري يصعب تفسيره ولا يمكن التعرف على معناها الحقيقي وقد يحتوي بعض القصص فعلا من الماضي وقد تكون خرافية لا اساس لها من الصحة، فهي اسلوب لطرح العادات والتقاليد الخاصة بمجتمع معين. فمشهد الدراما في القصص ربط المثيولوجيا بالظواهر الكونية ومزجها بالصبر والحكمة فهذا النهج يختص بقصص الشخصيات كأنهم ابطال خارقون للطبيعة، كذلك لا نعلم من هو كاتب السفر قيل إنه أليهو، أو أيوب، أو موسى، أو سليمان، أو إشعياء، أو حزقيال أو عزرا. في الفقرتين 16، 17 من الاصحاح 32 تدللان ان كاتب السفر اليهو.
يذكر خزعل الماجدي، الباحث في الاديان الابراهيمية وتاريخ الاساطير، تحت عنوان [ الإنسان المعذّب ] ” يسمي الباحثون القطعة الأدبية ” ايوب السومري ” وهي تصف رجلا معذباً وقد شاع هذا النمط في القطع الأدبية في العالم القديم، فقد عرفنا ” ايوب البابلي، وعرفنا ايوب المصري ، وعرفنا ايوب الأدومي، في احد اسفار التوراة ” (8) ما يشير الى النزعة الإسطورية في ثنايا هذا السفر، مما يجعله بعيدا عن المحتوى الألوهي، لقد اشارت مناجاة ايوب عمل النزعة الوجودية. تحدث الله عن كائن اسطوري خارق، في الاصحاح 41 ” اتصطاد لوياثان بشص أو تضغط لسانه بحبل، اتضع اسلة في خطمه ام تثقب فكه بخزامة ” وحش بحري توراتي أشير إليه في العهد القديم في سفر المزامير واشعياء، احتوى سفر ايوب الجانب الخرافي للحيوانات المجنحة او الوحوش البحرية الغريبة، فكاتب السفر استعان بها من ديانات سابقة، كان الله يتحدث مع ايوب من خلال العاصفة، وفي الاصحاح 40 ” هوذا بهيموث الذي صنعته معك يأكل العشب مثل البقر ” فهذا وحش او مخلوق اسطوري واصفاً شدة قوته. نسج الحوار بين اهمث وايوب عالماً أسطورياً، فلماذا تحدث الله عن كائنات بحرية اسطورية ولم يجب ايوب عن سبب بلواه، تكلم بمنطق خرافي بعيد عن الحكمة والموضوعية فلم يناقش اوجاع ايوب ويتفهم محنته، بل وكأن الأمر لم يعنه، فما سيفيد ايوب ذكر الكائنات التي ليس لها علاقة بمأساته، فمن الواضح ليس هناك جسر عقلي يربط ايوب بخالقه غير هذا الوهم والخيبة التي عاشها ايوب وفي انقطاع رجائه مع الله. فهل اقتباس مخلوقات اسطورية من الحضارات السابقه يعتبر وحيا مقدسا؟ سفر ايوب محاولة لطرح الفكر العلماني الوجودي، لمشكلة الشر في المعتقد الألوهي، فهذه العلاقة الجدلية التي ربطت وجود الله الكلي القدرة مع مشكلة الشر، تعارض وجود إله عليم قدير مع وجود الشر، إلا ان النظرية الدينية ترى ان العدالة الإلهية تفسر وجود الشر بالحكمة الإلهية، لكن الاحتجاج الذي فعله ايوب فسر لنا الكثير من عيوب العقيدة اللاهوتية وعجزها امام تبرير بقاء الشر في العالم، ذلك ان عقيدة القيامة والحساب في عالم الآخرة، قد جعل تبرير المنطق الإلهي في بقاء الشر لا يمكن قبوله عقلاً اذ ان الحساب والنار عقيدتان مخصصتان لعقاب الآثم والشرير، لم يقدم سفر ايوب حلاً لمشكلة الشر بل بقي ابليس رمز الشر، حيث جسّد الله كرهه للشر وابقى المعاناة ضرورية لتطوّر الناس روحانياً، لهذا لم يقدم سفر ايوب اية فائدة دينية اصلاحية، بل هو وجع نقدي لخيبة امل رجل صالح، هي صرخة الوجود في وجه التراث الديني المحافظ، لقد انتصر وهم الإله مردوخ حيث انتقل من الوثنية الى خرافة المعتقد التوحيدي، فما الفرق ان يكون الوهم وثنياً او صوتاُ إلهياً من العاصفة عاشه ايوب في وجدانه يناجي امله الضائع.

مصادر البحث :
1 – دائرة المعارف الكتابية ، المجلد الأول، ص 579
2 – نفس المصدر ص 579
3 – نفس المصدر ص 580
4 – نفس المصدر ص 581
5 – نفس المصدر ص 582
6 – نفس المصدر ص 583
7 – نفس المصدر ص 589
8 - انجيل سومر ، ص 145، خزعل الماجدي، الاهلية للنشر والتوزيع، 1998 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نحو 1400 مستوطن يقتحمون المسجد الأقصى ويقومون بجولات في أروق


.. تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون




.. الجزائر | الأقلية الشيعية.. تحديات كثيرة يفرضها المجتمع


.. الأوقاف الإسلامية: 900 مستوطن ومتطرف اقتحموا المسجد الأقصى ف




.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية