الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التاريخ المبكر للإسلام وشحة الآثار المادية

جدو جبريل
كاتب مهتم بالتاريخ المبكر الإسلامي والمنظومة الفكرية والمعرفية الإسلامية

(Jadou Jibril)

2022 / 7 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


اعتبر العديد من الباحثين أن التاريخ المبكر للإسلام يعتبر بمثابة "ثقب أسود". ومن المعلوم أن كتابة التاريخ وتدوينه، يعتمدان - بالأساس- على الآثار المادية ( وثائق، مخطوطات، عملات، نقوش وآثار مادية مختلفة). فكتابة التاريخ - التأريخ - لا تعتمد على مجرد الروايات الشفهية قد يرويها كل راو على هواه أو لغرض ما - رغم أنها قد تساعد، لكن دون اعتبارها المرتكز والسند الوحيد، وهذا لأنها - ببساطة – تفتقد لدلائل مادية موثوقة بها، تثبت صحتها.

وهناك تكمن "معضلة" التاريخ المبكر للإسلام، الذي بني - أساسا - على الرواية الشفهية والتكرار والنقل والاجترار. كما أن السردية السائدة الناتجة عن هذا المسار، لم تتعرض - إلى اليوم- إلى تمحيص وتنقية وتحليل نقدي جدي من طرف المسلمين.

هناك شحة في الآثار المادية الموثوق بها تعود إلى فترة نشأة الإسلام وميلاده. وبالتالي لاتزال الرواية الشفهية تستحوذ على المشهد عند المسلمين. ويبدو أنهم راضون كل الرضا للاكتفاء بها. لكن كان عليهم مساءلة هذه السردية بجدية، على الأقل لإبعاد وتنحية ما يتأكد بطلانه وتفاهته عبر قرائن واستدلالات عقلية ومنطقية، وعبر استخدام تقنية التقاطعات بين ما ورد في مراجع السردية والموروث الإسلاميين، وتقاطعات بين ما ورد في المراجع والمصادر المحسوبة على المسلمين مع مراجع ومصادر خارجية (غير إسلامية) قديمة أو متزامنة أو قريبة زمنيا ومكانيا من فترة نشأة الإسلام. كما أنه من المفيد أيضا، مقارنة نص القرآن مع ما وجد قبله من نصوص ووثائق وأثار مادية. لكن يبدو أن كل هذا غير مطروح بالنسبة لـ "حراس هيكل" السردية والموروث الإسلاميين، ولا أمل أن يعرف يوما ما طريقه إلى جدول أعمالهم، لأنهم مكتفون - كل الكفاية - بما لديهم.

إن إشكالية شحة الآثار المادية - في حد ذاتها- أمر مقلق، ومن شأنه إثارة جملة من التساؤلات، بل وقد يدفع إلى بعض الشك. وقد يتعاظم هذا الشك عندما يكتشف المرء جملة من القضايا المسكوت عنها أو المغيبة في تاريخ الإسلام المبكر في السردية الإسلامية السائدة، أو عندما يلاحظ أم افكارا ومواقف تم تغييبها أو إقبارها عمدا وبإصرار. كما يتعاظم الشك عندما يتبين للمرء أنه كلما وضع يده على أثر مادي أو مرجع قديم لم يكن معروفا لديه تتكسف أمامه أمورا مسكوت عنها في السردية الإسلامية السائدة خصوصا تلك التي تربكها أو تضربها في مقتل.


تبرير شحة الآثار المادية
يذهب الكثير من علماء المسلمين إلى تبرير غياب أو شحة الآثار المادية الخاصة بالفترات الأولي من نشأة الإسلام -لاسيما المكتوبة والمدونة منها - بعامل الزمن وبدائية الوسائل التي احتوتها، وعدم مقاومتها للتحلل والاندثار. لكن هذا التبرير يظل ضعيفا إلى حد كبير، غذ نتوفر اليوم على وثائق مكتوبة على وسائل بدائية أكثر هشاشة من تلك التي دونت فيها نصوص القرآن في بداياته، تعود إلى آلاف السنين قبل بعثة محمد. كما أن جملة من الوثائق غير الإسلامية المزامنة مع ظهور الإسلام وقبله وصلنا بعضها، في حين لم يتأكد إلى حد الساعة، عن توصلنا عن وثيقة - غير مشكوك فيا - مزامنة للبعثة المحمدية أو بعدها بقليل. فهناك بعض الوثائق غير الإسلامية المزامن للتاريخ المبكر للإسلام وتعود إلى مناطق غير بعيدة عن شبه الجزيرة العربية تم اكتشافها. في حين لم تنج ولو نسخة واحدة من " المصحف الإمام" (المصحف العثماني)، لم تصلنا ولا نتوفر عليها اليوم. وكل ما قيل بصدد توفرنا على نسخة منها هو مجرد "نصب واحتيال، بل ضحك على دقون المسلمين و"استغفالهم"(1). كما تأكد أن ما قيل بخصوص مصحف المشهد الحسيني أنه النسخة التي بيد عثمان يوم اغتياله وحملة إحدى صفحاتها لا أساس لها من الصحة.
--------------------------------
(1) - لم يثبت إلى حد الآن شيء عن مكان وجود نسخة من المصحف العثماني ، ولا عن صحة ما تدعيه بعض المتاحف في العالم من احتوائها على بعض المصاحف العثمانية أو حتى مصحف عثمان الشخصي " المصحف الإمام". أما المصاحف الأثرية التي تحتويها خزائن الكتب والآثار في مصر ويقال عنها إنها مصاحف عثمانية ، فهذا أمر عار من الصحة ؛ لأن بها زركشة ونقوشا موضوعة كعلامات للفصل بين السور ، ولبيان أعشار القرآن ، ومعلوم أن المصاحف العثمانية كانت خالية من كل هذا ، ومن النقط والشكل أيضا . نعم إن المصحف المحفوظ في خزانة الآثار بالمسجد الحسيني والمنسوب إلى عثمان رضي الله عنه مكتوب بالخط الكوفي القديم ، مع تجويف حروفه وسعة حجمه جدا ، ورسمه يوافق رسم المصحف المدني أو الشامي ، حيث رسم فيه كلمة : ( "من يرتدد" وليس "من يرتد" ) من سورة المائدة بدالين اثنين مع فك الإدغام. إن الباحثين أَمْيَل إلى استبعاد ذلك ، إذ من المتعذر اليوم العثور على مصحف كامل كتب في القرن الهجري الأول أو الثاني ، وكذلك فإنها في الغالب غير مجردة تماما من العلامات التي أدخلت في وقت.
--------------------------------------------------------------

الأكيد، ومما لا شك فيه قطعا، أنه تم إقرار إعدام وحرق "مصاحف" ومخطوطات قرآنية عبر أكثر من محطة في التاريخ المبكر للإسلام لأغراض معلنة أو غير معلنة.
لقد تم إتلاف الكثير من الآثار المادية المكتوبة الخاصة بالقرآن عمدا وبتخطيط، وهذا ما تقر به السردية الإسلامية نفسها بوضوح. والحالة هذه، فإننا لا نملك أثر مادي موثوق به بخصوص النص "الأصلي" للقرآن يعود إلى فترة النسأة (2).
----------------------------------------
(2) - أقدم ما نتوفر عليه اليوم هي "مخطوطات صنعاء" والتي أغلبها ما يزال محجوبا عن الاطلاع – بقرار السلطات اليمنية – وبعضها في حوزة مركز "إنارة" بألمانيا دون التمكن من الاطلاع عليه نظرا لحيازته من طرف شخص.
----------------------------------------
لم يتم العثور إلى حد الآن على نسخة من "الصحف الإمام" (المصحف العثماني) أو جزء منه. وهذا، علما أن الإسلام قد انتشر ووصل إلى إسبانيا والهند في نهاية القرن السابع الميلادي. فعلى امتداد هذه الرقعة الجغرافية لم تنج أي نسخة منه أو جزء منها. وهذا أمر قد يبذو غريبا في عيون المؤرخ وهو يلاحظ آلاف الوثائق العتيقة المرتبطة بالديانات الأخرى، أقدم بكثير من تلك المرتبطة بالقرآن بزمن سحيق.

فلا يمكن نفي - بأي وجه من الوجوه - أن العرب قبل الإسلام كانت لهم عمارة ونحث ونقش وصناعة خزف وغيرها من المظاهر الحضارية والثقافية. فهل كل هذه الآثار والمظاهر اندثرت ولم يعد لها أثر ؟ أم أنها طمست جهلا بأهميتها أو تم القضاء عليها وإتلافها بسبب الحروب أو لأسباب أخرى؟ أم أنها لم توجد أصلا بشبه الجزيرة العربية؟

كما تأكد أن العرب قبل الإسلام عرفوا القراءة والكتابة، وعرفوا التدوين – ولو بشكل محدود- ( شعر، المعلقات، حكم، عهود، مواثيق...)، لكن لم يصلنا شيء مدون من ذلك.
وقد ذهب ثلة من الباحثين إلى القول، قد يكون عدم توصلنا بآثار مكتوبة ومدونة، ترجع إلى ما قبل الإسلام وبداية نشأته نتيجة "القطيعة الثقافية" مع ما سبق، والتي عمل القائمون على أمور المسلمين على تكريسها وترسيخها في العقول بإصرار كبير. وقد أدلى أصحاب هذا الرأي بجملة من القرائن، منها واقعة النبي محمد مع عمر بن الخطاب الذي جاءه يوما وبيده صحف - قيل من "الميشناه" اليهودية - كان قد استنسخها من أهل الكتاب ليزداد علما، إلا أن هذا أغضب النبي غضبا شديدا(3).
-----------------------------------------
(3) – "أن عمر بن الخطاب أتى النبي (ص) بكتاب أصابه من بعض أهل الكتب فقرأه النبي (ص) فغضب فقال أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه الا أن يتبعني" – ذكرها أحمد في مسنده ج 3 ص 387.
-------------------------------------------------

وهناك أيضا حادثة "ابن قرة" الذي جاء بكتاب إلى عبد الله بن مسعود، فأمر هذا الأخير بإناء وماء وقام بمحو المكتوب. وواقعة عمر بن الخطاب الذي قال ذات مرة: "يا أيها الناس، إنه بلغني أنه ظهرت في أيديكم كتب، فلا يبقين أحد عنده كتاب إلا أتاني به فأرى فيه رأيي"، فلما آتوه بها أحرقها (4).
---------------------------
(4) – جاء في السردية الإسلامية أن عمر منع الناس من أن يتخذوا كتاباً مع كتاب الله، وينكر إنكاراً شديداً على من نسخ كتاب (دانيال) ويضربه ويقول له: "انطلق فامحه.. ثم لا تقرأه ولا تقرئه أحداً من الناس، فلئن بلغني عنك أنك قرأته أو أقرأته أحداً من الناس لأنهكنك عقوبة"، وخطب في الناس قائلاً: "أيها الناس، إنه قد بلغني أنه قد ظهرت في أيديكم كتب، فأحبها إلى الله أعدلها وأقومها، فلا يبقين أحد عنده كتاب إلا أتاني به، فأرى فيه رأيي – قال- فظنوا أنه يريد أن ينظر فيها ويقومها على أمر لا يكون فيه اختلاف، فأتوه بكتبهم فأحرقها بالنار ثم قال: "أمنية كأمنية أهل الكتاب"، كما أنه كتب إلى الأمصار: "من كان عنده منها شيء فليمحه".
----------------------------------------

من جهة أخرى، إذا كان هناك أداب منظوم (شعر)، ألم يوجد أيضا أداب منثور ؟ وإن كان قد وجد ، لماذا لم يصل إلينا منه مدون؟ أم أنه مكت شفاهي ولم يدون قط؟ علما أن هذا الأدب شمل فن الخطابة والمواعظ وعالج قضايا اجتماعية وأخلاقية وسلوكية. وكان قد مارسه الكهنة والأحبار، وربما كان متنه ينافس ما جاء به الإسلام وما نادى به.

يقول "ناصر الدين الأسد " في كتابه " مصادر الشعر الجاهلي" (1988) : " إن في هذا الشعر الجاهلي وفرة من القيم الفنية الأصيلة لم يحظ بها كثير من الشعر العربي بعده: ففيه من خصب الشعور، ودقة الحس، وصدق الفن، وصفاء التعبير، وأصالة الطبع، وقوة الحياة، ما يجعله أصفى تعبير عن نفس العربي، وأصدق مصدر لدراسة حياته وحياة قومه من حوله".

ويمكن العثور على قرائن، تناثرت هنا وهناك في السردية والموروث الإسلاميين، تقر بوجود خطباء مرموقين بين عرب ما قبل الإسلام، ومنهم "كعب بن لؤي"(5) و"قسي بن ساعدة"(المتوفى نحو 600 م – 23 قبل الهجرة) (6) و"سحبان بن أياس"(7) و "الأسود بن كعب" (8) و "أكثم بن صيفي"(9) و"حارث بن ظالم"(المتوفى في نحو 600م) و"قيس بن مسعود" (10) وو"زهير بن هبل" (11) و"الحارث المدحجي"،و "قيس بن عامر بن الظرب"(12)، وكل هؤلاء ( 13) كانوا نبغاء فصحاء، فهل أقوالهم كانت تنافس أقوال النبي محمد؟
---------------------------------------
(5) - كعب بن لؤي، الجد السابع للنبي محمد بن عبد الله، كان سيد قبيلة كنانة. وكان يكنى أبا هصيص.
(6) - شاعر وحكيم من حكماء العرب قبل الإسلام. يذكر أحمد أمين أن أدباء العرب ذكروا أن ابن ساعدة كان نصرانيا وأنه أسقف كعبة نجران، ويعده "الشهرستاني" في كتاب الملل والنحل بين من يعتقد التوحيد ويؤمن بيوم الحساب. وقيل أنه خطب في الناس فقال : "يا أيها الناس اجتمعوا واستمعوا وعوا ، من عاش مات ، ومن مات فات ، وكل ما هو آت آت ، إن في السماء لخبرا ، وإن في الأرض لعبرا ، مهاد موضوع ، وسقف مرفوع ، ونجوم تمور ، وبحار لا تغور ، وأقسم قس قسما حقا لئن كان في الأمر رضى ليكونن بعده سخط ، إن لله لدينا هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه ، ما لي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون أرضوا بالمقام فأقاموا ، أم تركوا فناموا ؟". كما قال في خطبته في سوق عكاظ :" إن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعبرا. ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج. ما لي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون؟ أرضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا هناك فناموا؟ تبا لأرباب الغافلة والأمم الخالية والقرون الماضية."
(7) - "سحبان بن زفر بن إياس" ، فإنه خطيب ضرب به المثل في الفصاحة فيقال: "أخطب من سحبان وائل"، و"أفصح من سحبان وائل"، لمن يريدون مدحه وإعطاءه صفة البيان. وذكر أنه عاش في الجاهلية.
(8)الأسود بن كعب، لقبه الملمون بالكذاب العنسي، الذي ادعى النبوة كان من الخطباء كذلك.
(9) – من أشهر حكام العرب في الجاهلية وكان يلقب بحكيم العرب، كان كاتب خطيب وكان الملوك يكاتبونه ويتبادل معهم الرسائل، ومن هؤلاء ملك هجر، وملك نجران، وكسرى وغيرهم من الملوك.
(10) - قيس بن مسعود بن قيس ،. كان عاملا لكسرى هرمز.
(11) - زهير بن جناب بن هبل الكلبي (توفي نحو 60 ق.هـ/564 م) هو خطيب قبيلة قضاعة وسيدها وشاعرها ومبعوثها إلى ملوك الجاهلية. كان يسمى الكاهن لصحة رأيه.
(12) - عامر بن الظرب العدواني قاض (370 – 455) من قضاة الطائف، وصارت أحكامهم قانون يحتكمون إليه، وأحد حكماء الحجاز وأشرافهم، و أحد سادات "مضر" و "قيس عيلان" وحكيمهم في دار الحكماء بالطائف، له أحكام فقهية أقرها الإسلام، وكان عامر ممن حرم أكل الميتة والزنا والخمر في الجاهلية، كما اوجب ختان الذكر والأنثى.
(13) - ورد ذكرهم في المواجع التالية : "الجاحظ ،البيان والتبيين " و" النيسابوري، مجمع الأمثال " و" محمود شكري الألوسي، البغدادي بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب " و" أبوهلال العسكري، جمهرة الأمثال"، ومراجع أخرى.
----------------------------------------------------

كما أنه من المعروف أن شعر ما قبل الإسلام كان بمثابة سجل تاريخي، ولم يصلنا إلا عن طريق مراجع إسلامية. وكان لكل قبيلة عربية شاعرها المرموق (14).
---------------------------------------------
(14) - حوالي 125 شاعرا حسب جورجي زيدان : "تاريخ آداب اللغة العربية" ج 1 ص 179.
-----------------------------------------------

إن كل المراجع حول هذا الشعر وصلتنا عبر مصادر إسلامية. كما أنه من المعروف اليوم، أن تدوين هذا الشعر بدأ في عهد الخليفة العباسي "محمد الأمين" ( 15) في بداية القرن التاسع الميلادي – بعد قرنين من ظهور الإسلام- وقد ذهب ثلة من الباحثين إلى القول إنه ليس من المستبعد أن يكون "الشعر الجاهلي" قد حصلت فيه تغييرات وتبديلات وتعديلات – بل فبركات- لخدمة أهداف عقائدية دينية ( 16).
-----------------------
( 15) - هو سادس الخلفاء العباسيين، تولى الخلافة بين (عامي 193 إلى 198 للهجرة -809 - 813 ميلادية)، ودامت فترة حكمه خمس سنوات تقريبًا، وأهم ما ميز عهده هو النزاع الذي قام بينه وبين أخيه المأمون، كان هذا النزاع استمرارًا للصراع القائم بين العرب والعجم داخل الدولة العباسية، وكان يمثل الجانب العربي الأمين ووزيره الفضل بن الربيع، أما الجانب الفارسي فكان يمثله المأمون ووزيره الفضل بن سهل، ومر النزاع بين الأمين والمأمون على مرحلتين، الأولى كانت دبلوماسية سلمية انتهت سنة 195 هجرية، والثانية كانت مرحلة حرب انتهت بمقتل الأمين سنة 198 هجرية.
( 16) - نظر الدكتور طه في هذا الشعر الذي يسمى جاهليًّا فرأى فيه أشياء رابته، فشك فيه، وانتهى إلى أن كثرته المطلقة ليست جاهلية وإنما هي منحولة بعد ظهور الإسلام.
------------------------------------------

وقد أفادنا التاريخ – وهذا لم تنكره السردية الإسلامية نفسها – أن العرب قبل الإسلام دونوا بعض أشعارهم وعلقوها على جدران الكعبة. وهذا من شأنه أن يدل على أنهم كانوا على دراية بالقراءة والكتابة والتدوين، كما كانوا تجارا مشهورين، وكان عليهم توثيق العقود والديون والمعاملات. لكن ظلت الرواية السائدة تقر أن سيادة نظام القبلي في شبه الدزيرة العربية اعتمد على الرواية والرواة، لذلك ضاعت الكثير من الأخبار بغياب شهودها والحافضين عنهم، ولم ينج مع مرور الزمن إلا اليسير منها.

فما العمل ؟
إن أقوى احتمال يمكن اعتماده على مسار درب التمحيص – في ظل غياب أو شحة الآثار المادية – هو اعتبار أن السردية والموروث الإسلاميين قد تتضمن احتمالية التحريف والاختلاق والتلفيق، خصوصا وأن الصراع "السياسي" ، إذ أن النزاع على السلطة "استوطن" العرب والإسلام مبكرا جدا، أكثر من "استيطان" العقيدة والإيمان منذ بداية البدايات. وهذا ما يفرض اليوم، أولا، ليس البدء بمحاولة استكشاف حقيقة ما وقع فعلا – إن هذا عسير المنال ويحتاج إلى آثار مادية غير متوفرة كفاية اليوم - وإنما الاهتمام الجدي والصريح بتنقية السردية والموروث الإسلاميين – وذلك عبر التمحيص والمساءلة.
فلا نتوفر اليوم على آثار مادية موثوقة وكافية – تعود إلى القرنين الهجريين الأول والثاني – ما عدا بعض الآثار النادرة جدا. وهذا، علما، على قلتها ونذرتها، قد تبين أن بعضها مزور ومتلاعب به أو مفبرك ( مثلا مصحف المشهد الحسيني (17) ورسائل النبي (18) إلخ...).
------------------------------
(17) - شاع بين الناس أنّ هذا المصحف هو أحد المصاحف التي أرسلها عثمان بن عفان إلى الأمصار الإسلامية وأنّ عليه قطرات دمه. إلّا أنّ هذا القول غير صحيح، فالمصحف الظاهر في الصورة المرافقة للادعاء تعود لمصحف قديم موجود في مسجد الحسين في القاهرة. والدراسات التي أجريت عليه تستبعد أن يكون أحد المصاحف العثمانية. العديد من الباحثين الموثوقين أكّدوا ذلك، ومن أبرزهم البروفيسور "طيار آلتي قولاج" وهو محقّق وباحث في مجال الدراسات القرآنية، وتفحّص المصحف من أوله إلى آخره.
( 18) – كما أظهرت الأبحاث العلمية المرتبطة بتأريخ الآثار المادية، أن الرسائل التي بحوزتنا اليوم لا تعود إلى القرن الأول أو الثاني الهجريين.
----------------------------

سيظل غياب الآثار المادية وشحتها هذا، ملفت للنظر مقارنة مع الحضارات والديانات الأخرى، وقد يدفع بإلحاح إلى التساؤل من قبيل : كيف لحضارات ما قبل الإسلام بمئات القرون تركت آثارا مادية كثيرة ومتكثرة ماتزال ماثلة للعيان اليوم، في حين لم تترك الفترة المبكرة للإسلام – التي لا بعد إلا بـ 15 قرنا – حظها الكافي من هذه الآثار؟

اعتبارا لغياب أو شحة هذه الآثار لا خيار للباحث اليوم سوى التعامل مع المتوفر والاهتمام بالمراجع غير الإسلامية المزامنة لنشأة الإسلام، وتمحيص وغربلة السردية والموروث الإسلاميين وذلك كسبيل لــ :
- التنقيب عن المسكوت عنه وما أريد إخفاؤه، ومحاولة كشف ما تم إقباره إن طلك فعلا،
- محاولة وضع اليد على ما تم تحريفه أو فبركته.
وكل هذا بغية الاقتراب مما وقع فعلا، أو على الأقل التمكن من طرح أرجح الاحتمالات. ولعل أول ما يطب التخلص منه - وفورا- "التسليم القبلي"- دون مساءلة وتمحيص- بيقين ما ورد في السردية والموروث الإسلاميين، علما أن هذا النهج هو الذي ظل – أو أريد له وأحيانا بالقوة - أن يظل سائدا على امتداد قرون إلى أن تكلست عقول الأغلبية الغالبة من المسلمين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المسلمون في بنغلاديش يصلون صلاة الاستسقاء طلبا للمطر


.. بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري




.. رحيل الأب الروحي لأسامة بن لادن وزعيم إخوان اليمن عبد المجيد


.. هل تتواصل الحركة الوطنية الشعبية الليبية مع سيف الإسلام القذ




.. المشهديّة | المقاومة الإسلامية في لبنان تضرب قوات الاحتلال ف